الخميس، 29 ديسمبر 2011

إضاءات كربلائية

إضاءات كربلائية

       ما زالت واقعة الطف تدوي بصوتها في كل مكان، لتُعلن من جديد أنها الثورة الأبرز بين الثورات العالمية لأنها حملت الكثير من المضامين العالية، ولتُعلن مرة أخرى أنها ما زالت تؤتي أكلها كل حين، ذلك أنها ثورة ضد الظُلم والاستبداد والدكتاتورية ..
ثورة لاستعادة المفاهيم الإسلامية وتصنيفها من جديد ..
ثورة ضد الوحشية التي تمَثَّل بها البشر بدلاً من الحيوانات الضارية ..
ثورة ضد العنصرية والقبلية والفئوية والعِرقية والحزبية ..
ثورة شارك فيها الشيخ والطفل، الرجل والمرأة، العبد والحر ..
ثورة إنسانية ورسالية وعالمية ..
ثورة تحمل الكثير من المضامين والدلالات التي لا يمكن لهذه السطور أن تسعها لأنها ثورة إلهية ..
        وبلا شك أن كل ثورة لها خططها الإقليمية والإستراتيجية والعالمية، خصوصا إذا كانت ثورة إصلاحية تسعى لخلع ثياب الرذيلة ولبس ثياب الفضيلة، باعتبار أن الثورات على مر التاريخ تحتاج إلى قراءة أخرى، خصوصا الثورات التي فكّت قيد الإنسان من عبودية الإنسان، فإن الذي يبقى في ذاكرة التاريخ هي الثورات التي تتضمن استعادة مفاهيم تكاد تندثر من العقلية العربية والإسلامية، سواءً كانت تلك الثورات سلمية أو مسلّحة، مع مراعاة النتائج المرجوة في كلتا الحالتين، وحتى الثورات التي كانت من أجل استعادة عبودية الإنسان تحتاج إلى قراءة، ووضعها على ميزان الإنسانية قبل أي ميزان آخر.
        وحينما نأتي لثورة كثورة الإمام الحسين u التي قادها بنفسه، فإنها تحمل الكثير من القيم الظاهرة والباطنة، وتحتاج منّا إلى قراءة جديدة كل عام، حيث أن انتماءنا الفطري يستوجب علينا قراءة هذه الثورة بمعايير وموازين حديثة؛ لأنها ثورة ليست مخصصة لجماعة أو لإقليم أو لفئة أو لقبيلة أو لوقت وزمان معينين!! بل هي ثورة عالمية حملت وما تزال تحمل بين دفتيها كل أنواع القيم الإنسانية والإسلامية والرسالية، ولقراءة هذه الثورة من جديد يستلزم منّا التجرد من كل مسألة شأنها إثارة العصبيات والنعرات المختلفة، ولا بأس بافتراض المحال في هذه الثورة لإعطاء شمولية واسعة، مع مراعاة عدم الاستغراق المتكلّف في ذلك أو افتراض ما ليس له وجود وأصل.
        ولرُبَّ سائلٍ عن مدى حاجتنا للقراءة المتكررة في هذه الواقعة!! وهل أنها ستعطي نتائج جديدة؟ ثم هل ترَكَ المتقدمون للمتأخرين شيئا من ذلك؟!! وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تصب في هذا المجال تارة يفترضها العقل، والواقع حيناً آخر.
        فإنه من الطبيعي أن الإنسان إذا اهتمَّ بمسألة ما، يستلزم منه القراءة عدة مرات في المجال الذي هو بصدده حتى يخرج بفوائد لا حصر لها، ليخرج بنتائج تختلف عن النتائج التي كتبها من سبقه، وذلك لصيانة منهجه ورسالته وتنقيته من الشوائب قدر الإمكان، هذا في الأمور الاعتيادية التي تطرأ على الحياة، فكيف بواقعة كواقعة الطف، التي ما زال الكثير من العلماء والكتاب والمؤلفون يصنّفون في هذه الواقعة التصنيفات المختلفة .. مع العلم أن كثيراً منها مكرر، إلا أنّ هذا المكرر قد يختلف عن الآخر في الأسلوب والطريقة، فإنه ليس كل من صنّف كتابا أصبح مؤلفا وكلامه لا يُنقض!! ومع وجود هذا التكرار إلا أننا بحاجة إلى قراءة هذه المصنفات ووضعها على ميزان النقد والحيادية، حتى يتسنى لمن يكتب كتابا في هذا المجال أن يأتي بجديد وإلا فسوف يُنسى كما نُسي غيره.
        ومع أن القراءة في هذه المصنّفات قليلة من قبل بعض المؤلفين المعاصرين، وأن المكتوب أكثره تنظير يشتت القارئ تارة، ويبعده عن الحقيقة تارة أخرى لأنه مزيج بين نص التاريخ ونص العزاء، لذا يأتي التأكيد أننا بحاجة إلى هذه القراءة كما أسلفنا القول، وما أحوجنا إلى معايشة الواقعة بكل جوارحنا، وأننا بحاجة إلى قراءتها من جوانب شتى، مثل: الجانب العاطفي والمادي (الحسّي) والفكري والفلسفي والفقهي والتاريخي والعقدي والنفسي والسلوكي والعبادي والأدبي ... وغيرها من الجوانب التي تتحملها هذه الواقعة، وليس من الإنصاف إقحام جوانب بعيدة كل البعد عن الواقعة ونحمّلها ما لا تحتمل لنصل إلى المبتغى والهوى الشخصي.
        فإذا تحصلنا على بعض الأمور المرجوّة سندخل التاريخ من أوسع أبوابه، رغم أنه متاح للجميع، وفي الوقت ذاته نحن محتاجون إلى متخصصين في الجوانب آنفة الذكر، ليتسنى لنا كتابة المصداقية، ولتكون تلك الدراسات المتخصصة في قمّة هَرَم المصنّفات لواقعة كربلاء، ولتشكل مصدراً رئيسا لكل دارسي هذه الواقعة.
        وعودا على بدء حول الاستغراق في قراءة هذه الواقعة، فإنه في الوقت الذي يتفاجأ بعض الأخوة من المذاهب الأخرى، والديانات السماوية بطبيعة هذه الواقعة، نرى أن هناك كتابات برزت على الساحة جديرة بالاحترام، وهي محل إعجاب وإكبار، إلا أنها مع ذلك تحتاج إلى قراءة نقدية حيادية من حيث التركيز على الجوانب الإيجابية والسلبية، فهي ليست قرآنا منزّلاً كما يتعامل ويصفها بعض الناس!! بل هي محاولات لمفكرين وكُتّاب لإعطاء هذه الواقعة صورة متجددة، وهذا ما يفسّر لنا أن الواقعة ليست شخصية، بل هي بالمنطلق الأول إنسانية قبل إعطائها أي تصنيف من التصنيفات المعاصرة، ولذا نرى المسلمين بجميع مذاهبهم وتياراتهم يأخذون ما يزودهم في مشروعهم الحزبي، وغير المسلمين بدياناتهم أخذوا ما يساعدهم في نجاح مشاريعهم المستلّة من هذه الواقعة.
وحق لمثل هذه الثورة الإلهية أن تصمد أمام هجمات التاريخ.

السبت، 24 ديسمبر 2011

المنشورات الطبية ودورنا


ما إن تدخل بعض المستوصفات الحكومية والأهلية إلا وتجد بعض المنشورات أو المطويّات التي تتحدث عن حالةٍ صحّية معينة، يكتبها أحد المختصين بالطب كجانب تثقيفي للمبتلين ببعض الأمراض العضوية وغير العضوية، وغالباً ما تكون تلك المطوية أُخرجت إخراجاً جميلاً من أجل أن تُعين القارئ على استيعاب المشكلة بطريقة فنّية.
وهذه الطريقة التثقيفية جميلة من نواحٍ عدة، منها:
- إشغال وقت الانتظار بالتثقيف الخفيف.
- التعرّف على الأمراض ذات الابتلاء.
وغيرها من الفوائد الكثيرة. وما يثير حفيظتي أن ترى تلك المنشورات تُرمى في سلّة المهملات من قبل بعض المراجعين الذين لم يدركوا أنّ اللجنة التثقيفية لهذا المستوصف أو ذاك بذلت الجهود الكبيرة كي توصل الصوتَ إلى المراجع بطريقة مناسبة. بينما حريٌ بكل إنسان أن يقرأ تلك المطويات التي توزّع بالمجّان من أجل الآخرين بطريقة سهلة وجميلة.
ولا أخفيكم أني استفدتُ الكثير من تلك المطويات سواءً من باب الحصول على معلومة جديدة، أو كتذكير لمعلومات قديمة مخزنة في بعض زوايا الذاكرة، كما أني أحتفظ بنسخ إحداها لي والأخرى أعطيها بعض الأصدقاء، وذلك من باب (الدال على الخير كفاعله). وفي واقع الحال أننا بحاجة إلى تثقيف أنفسنا الثقافة الطبية لأننا نجهل الكثير من الأمراض الشائعة لدينا أسبابها وأعراضها، فكيف بأمراض العصر التي تفتك بنا، أليس الأجدر أن نتزوّد بهذا الجانب حتى نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه الأمراض!!.


الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

الشعائر الحسينية .. قراءة ثقافية

الشعائر الحسينية
قراءة ثقافية

قد يستغرب البعض من الطرح الذي سأقوم به، إلا أني أريد بذلك رسالة أوجهها إلى كل من يسمح لنفسه الإساءة إلى طقوس الآخرين، سواءً كانت عبادية أو غير عبادية، ولعل الشعائر الحسينية هي محط النظر في معالجتنا الثقافية هذه، ومنها: الضرب على الصدور والرؤوس بالأكف، أو البكاء، أو استعمال السلاسل، أو إخراج الدم من ناصية الرأس أو غير ذلك من الممارسات التي يمارسها الشيعة الإمامية أيام عاشوراء على مستوى العالم، والتي تنطوي تحت عنوان (الشعائر الحسينية).

ولست في هذه السطور ممن يعالج الحكم والموضوع الشرعي المتعلق بتلك الممارسات!! بل أريد معالجة هذه المسألة من ناحية ثقافية، وذلك على النحو التالي:
هناك الكثير من الممارسات التي تمارسها بعض الأقوام والجماعات البشرية على مستوى العالم، منها ما هو عبادي ومنها ما هو غير ذلك، وهناك من يوثّق لهذه الممارسات بالصور والأفلام الوثائقية؛ لأنها تقود الباحث إلى التعرف على طرق مختلفة يمارسها بني البشر في تحقيق الراحة النفسية، سواءً كان لتلك الممارسة أعراض جانبية أو ليس لها، فهناك من يمشي على الجمر، وهناك من يدور حول نفسه عشرات المرات على رجلٍ واحدة، وهناك من يسجدُ لبعض الحيوانات، وهناك التقديس لبعض ما يُسمّون أولياء وصالحين، وهناك من يقدّس أشياء غير متعارف عليها، وهناك الكثير من الممارسات المختلفة، كلّها بحجة أنها عبادة، أو عادة اجتماعية أو غير ذلك.

في المحصلة النهائية التي يُفترض من كل إنسان، أن يتعامل مع تلك الموروثات أو الممارسات العبادية على أنّها ثقافة طائفة، أو ديانة، أو قبيلة أو غير ذلك، يجب احترامها ولو كانت تخالف الذوق العام، فليس لأي إنسان انتهاك مقدّسات الآخرين مهما كانت غايته. نعم!! هناك طرق مختلفة ومنها: الممارسة العقلية في معالجة تلك عن الأقوام الذين أُرسلوا إليهم، فلم يكونوا يهزؤون وينتقصون من الطرق العبادية عند أولئك البشر!! بل كانوا يعالجونها بالطريقة العقلية، ويخاطبون الآخرين عن طريق تحريك الفطرة البشرية في ذواتهم، فليس كل ما خالف الذوق الذاتي دليلٌ على أنّه خطأ!! بل يجب على كل إنسان أن يخاطب نفسه فيما لو رأى منظراً لا تستأنس به نفسه.

ويبدو أن قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام ليست ببعيدة عما نحنُ بصدده، فقد كسّر الأصنام التي عكف عليها قومه لعبادتها، وحينما سألوه عن الفاعل، قال: (بل فعله كبيرهم) فهنا نبي الله إبراهيم لم يكن كاذباً، بل أراد أن يحرّك فيهم الذات الشاعرة والمفكّرة حول ما يمارسونه من طقوس عبادية.

وندائي للمثقفين من أبناء المذاهب الإسلامية، وهو: عليهم أن لا يتهجّموا على ممارسات الشيعة الإمامية في قيامهم بطقوسهم المختلفة والمسماة (شعائر حسينية)، بل أطالبهم أن يقرؤوا ويتحاوروا مع المختصين في هذا الشأن من أبناء الإمامية، فإما أن يقتنعوا وإما أن يكفّوا ألسنتهم عن تلك الممارسات، وإما أن يقوموا بتوثيق تلك الممارسات على أنّها طقوس دينية، أو اجتماعية، أو عادات متوارثة أو وضعها تحت أي عنوان، المهم هو: احترام طقوس الآخرين سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

الخميس، 1 ديسمبر 2011

اختلاف الآراء في واقعة عاشوراء

اختلاف الآراء
في واقعة عاشوراء
بقلم: عبدالله بن علي الرستم 

لا شك أن واقعة كواقعة الطف الأليمة أخذت مساحة كبيرة من سطور التاريخ العربي والإسلامي، من حيث التدوين والتحليل، باعتبارها مرتبطة بشخصية مقدسة هي شخصية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، والذي خاض مواجهة مع الباطل في حين أنه يمثل الحق بجميع جوانبه.
ولذا لو راجعنا إلى مصنّفات المسلمين لما وجدنا شخصية وواقعة نالت اهتمام المسلمين كشخصية الإمام الحسين عليه السلام، حيث صُنّفت فيها المصنّفات الكثيرة، والموسوعات المختلفة والمتنوعة، وما زالت الأقلام تكتب عن هذه الواقعة بجميع أبعادها التاريخية والأدبية والتحليلية والنقدية وغير ذلك.

من خلال كثرة المصنّفات التي كتبت بحق هذه الواقعة وتوافرها على أرفف المكتبات والشبكة العنكبوتية، ترتفع الأصوات من هنا وهناك مطالبة بتحقيق هذه الواقعة بجميع جوانبها، حيث دخل في تاريخ هذه الواقعة وحيثياتها اللبس الكبير والزيادات الكثيرة، وهذا يعرفه من له اطّلاع على هذه الواقعة وشخصياتها البطولية، وهذا اللبس والزيادة هو بحقٍ موجود، فبعضه يستحق المناقشة كالقضايا التي لها دلالاتها الروحية والبطولية، وبعضه الآخر لا يستحق المناقشة باعتبار أنه دخل في أجواء الخيال المادي والمجازي كالشعر والقصة ونحوهما.

ولذا فإن المطالبة في تحقيق هذه الواقعةِ مطالبةٌ مشروعةٌ على نحو التفكير، ولا يصحُّ إلغاء هذه الآراء أو تكميم أفواهها، إلا أن المطلب الآخر والموجّه إلى تلك الأصوات هو: عليها أن تقرأ ما خطه العلماء الأعلام حول هذه الواقعة من تدوين وتحليل، فهناك الكثير من الكتب التي تناولت هذه القضية على نحو التحليل بطرق مبتكرة، ولا يسعنا التركيز على دراسةٍ أو الإشارة إلى واحدة دون أخرى، باعتبار أن تلك الدراسات لاشك من احتوائها على شيءٍ من التقصير أو النقص، فأصحاب تلك الأقلام لا يمتلكون العصمة حتى ننزّه أقلامهم!! بل هي جهدٌ يجب علينا احترامه وتقديره؛ لأن كثيراً من تلك الدراسات أصاب كبد الحقيقة. وما على صاحب البحث والتحقيق إلا أن يكرّس جهده ليجد ضالته في تلك الدراسات القيّمة والتي كُتبت بعدة توجهات تتواكب مع معطيات واقعة الطف التي ما زالت تعطي الكثير إلى يومنا هذا، ولولا أن واقعة الطف تم تنفيذها بخطى دقيقة لما سُجّل لها الخلود، وحريٌ بمن يريد الصعود إلى قمّة المجد أن ينهل من هذه الواقعة والقراءة عنها؛ ليتسنّى له فهم دلالات الواقعة وحيثياتها.

ثم إن الاختلاف في تحليل أمرٍ معيّن لا يعني إلغاء الحدث بعينه!! بل ربّما كان لذلك الحدث عدة دلالات، وهذا طبيعي في توجيه بعض الأحداث إلى عدة توجهات، خصوصاً إذا كان التنفيذ بيد قائدٍ ربّاني رساليٍّ كالإمام الحسين عليه السلام، وحريٌ بمن يقرأ هذه الواقعة والدراسات التي كتبت عنها أن يدرس حياة القائد قبل الولوج في تحليل أي حَدَثٍ من أحداث الواقعة؛ لأنه بدون الاعتماد على قواعد جليلة ومتينة في قراءة سيرة القائد لا نستطيع الوثوق بالنتائج التي قد تكون سلبية، لذا يجب التركيز على بعض المبادئ المرتبطة بسيرة الإمام الحسين عليه السلام والاستفادة منها قدر الاستطاعة.


الخميس، 17 نوفمبر 2011

شعلة من الغدير

شعلة من الغدير

تشكل حادثة الغدير حالةً مهمّة من جميع الجوانب، حيث تتخذ أبعاداً كثيرة من حيث المفهوم الطبيعي لها، كالبعد التاريخي والعقائدي والاجتماعي والروحي وغيرها من الأبعاد ذات الأهمية، وهذه الأبعاد رغم أهميتها إلا أن البُعد العقائديّ هو المسألة التي أخذت قسطاً وافراً من البحث والتنظير من قبل العلماء الأعلام والباحثين، وما زال البحثُ العقائديُّ ماسكاً بزمام السيطرة على الحادثة دون الأبعاد الأخرى.
ومن ضمن تلك الأبعاد المهمة وكلها مهمّة (البعد الاجتماعي) والذي حريٌ أن نلتفت له ونعطيه حجمه الطبيعي من القراءة الواعية ليأخذ نصيبه من التجسيد على أرض الواقع، فحادثة كحادثة الغدير وإن كانت جديرة بالتنظير لإثبات مسألة الولاية والإيمان بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إلا أنه من الواجب علينا في الطَرَفِ الآخر هو أن نعطيها البُعد الطبيعي من الجانب الاجتماعي، والذي تتجسّد أهميته في تقوية أواصر الأخوة الإسلامية مع كافة شرائح المجتمع الإسلامي، وخصوصاً المؤمنين بمسألة الولاية؛ لأنهم معنيون أكثر بهذه المسألة لاعتقادهم بها.

ولو نظرنا بعين البصيرة لرأينا أن مسألة تجسيد تلك الأخوة على أرض الواقع لرأيناها ناقصةً من حيث التطبيق، لأن مجتمعاتنا ما زالتْ تعيشُ حالةً من الفتور في الممارسة اليومية من حيث التعامل مع جميع من نعيش معهم، والذي من المفترض أن نرتقي بسلوكنا نحو تلك المسألة التي أخذت نصيباً وافراً من فكرنا طوال أربعة عشر قرنٍ من الزمن، حيث بتنا نفصل بين ما نعتقد به وما نمارسه في سلوكنا اليومي خضوعاً لأهوائنا وغرائزنا النفسية، وحريٌ بأن لا نفرّق بين السلوك والعقيدة في التعامل؛ لأنهما صنوان لا يفترقان، فمن كانت عقيدته في جانب وسلوكه في جانب فقد خسر الاثنين معاً وخسر معهما أشياءَ كثيرة سواءً في الدنيا أو الآخرة.
يُضاف إلى ذلك أن الإيمانَ والاعتقادَ بمسألةِ الأحقية بولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي التي تجعلنا أن نتمسك أكثر بهذا الاعتقاد، ذلك أن هذا الاعتقاد يحتوي على مفاهيم إنسانية تنبعُ من صفاء الشخصية التي نواليها ونحبّها، ويا تُرى ما فائدة الحب الذي ليس فيه روحاً تعملُ!!، وكما يُقال حول هذا الموضوع: الحبُ بلا عمل دعوى بلا دليل، فلكي نثبتَ دعوانا يجبُ أن نعملَ وفقَ هذا الاعتقادِ الذي نؤمنُ به، ذلك أن الاعتقادات التي نؤمن بها ومنها الولاية، يجب أن نكون خير من يبثّها عبر المساحات المتاحة لنا، حيث من خلالها تبرز الصورة الواقعية لهذا الاعتقاد، ومنها: تقوية أواصر الأخوّة الإيمانية فيما بين المسلمين بشكل عام، وهذا مصداق أوامرهم عليهم السلام التي وصلتنا عن طريق أحاديثهم: (كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم) (كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً)[1]، ومعلوم أن هذا المنهج مشتقٌ من رسالية الإمامة التي تعتبر امتداداً لخط الأنبياء عليهم السلام، وخط الأنبياء يتجسّدُ في سلوك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي مارسه في حياته وأمر به في قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى)[2] وكذا في قوله (الدين المعاملة)، وهذا المنهج في واقعه يحاكي منهج القرآن الكريم (إنما المؤمنون أخوة) والأدلة في ذلك من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة كثيرة وتكاد لا تحصى.

وبما أن جمهور حجيج حجّة الوداع بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام على السمع والطاعة، واعتباره أميراً للمؤمنين، فإننا في هذه المناسبة نبايع علياً عليه السلام بإمرة المؤمنين، وذلك من خلال تجديد المعاهدة والبيعة الرمزية بيننا وبينه، على أن نقرأ أقواله ونعيها ونطبّق أوامره وننتهي عن نواهيه، فإن في ذلك سعادةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو الواسطة لوحي السماء في تعيينه ولياً وأميراً على المؤمنين، أما إذا أطعنا أهواءنا وخالفنا أوامره فإن إحياءنا لهذه المناسبة والمتعلقة باسمه لن تُجدي نفعاً.

لذا فإنه من خلال هذه المناسبة يجب أن نضغط على أنفسنا ونفتح صفحةً جديدةً مع من قاطعناه وهجرناه فنصله بالحُسنى، ومع من اغتبناه أن نطلب الصفح منه، ومع كل إنسان تربطنا به رابطة الإسلام والإنسانية؛ لأن عدم تطبيق ذلك يعدُّ مخالفةً صريحةً لأوامره عليه السلام المشتقة من القرآن الكريم.
       


[1] بحار الأنوار، المجلسي، 57/348 (باب في التقية)
[2] صحيح مسلم، 8/20 (باب النهي عن السباب)

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

لماذا ننتقد؟!

لماذا ننتقد؟!

يعتبر النقد من الظواهر الصحية التي تشوب المجتمعات المختلفة وخصوصاً المجتمعات ذات التعدد العِرقي والمذهبي والديني، ذلك أنها تبرز أماكن الخلل في بعض الظواهر أو بعض المسائل المطروحة على الساحة، سواءً كانت تلك المسألة اجتماعية أو دينية أو سياسية أو غير ذلك.
إلا أن الجانب المهم في ذلك هو: حريٌ بمن له اهتمام بالجانب النقدي أن يتفهم ما يتعلق بالقضية التي يجري عليها النقد، حتى تعمّ الفائدةُ كل الشرائح المهتمّة بذلك، وحتى لا يؤخذ على صاحب النقد أنه صاحب تصفية مع القضية التي تعرضت للنقد، أو صاحب تجنٍّ على ذلك المشروع، أو صاحب شخصنة مع صاحب الفكرة!! فوظيفة النقد هي تصفية الفكرة من الشوائب العالقة بها حتى يستفيد منها أصحاب الشأن.

ويأخذ النقدُ معالمه الجمالية حينما يستعرض الناقد أبعاد الفكرة من جميع جوانبها، خصوصاً إذا كانت الفكرة لها صلةٌ بالساحة التي تهم المجتمع البشري؛ لأنها بلا شك ستقدِّمُ خلاصةَ جهدٍ لأفرادٍ، وستنقذ مجتمعاً أو أمّة من أزمةٍ واقعة أو طارئةٍ أو محتملة، ولا يمكن للناقد أن يصلَ إلى هذه المرحلة إلا إذا كان على وعيٍ كبيرٍ في التعاطي مع القضايا الإنسانية المختلفة التي تهمّ البشرية، على خلافه من يهتم بقضاياه الفكرية والثقافية في معزلٍ عن المجتمع المحيط به.

كذلك من معالم النقد الجمالية أن يتصف الناقد ببعض المواصفات الضرورية، وهي: أن يركّز على جوهر القضية قدر الإمكان، وأن يتجرّد من تسييس الفكرة أو القضية إلى جهةٍ دون دليلٍ يُذكر أو حُجّةٍ هزيلة وأجنبية عن جوهر الفكرة، لئلا يفقد الناقد قيمته، وإلا فإن النقد سيبقى على قيمته الفعلية والجمالية كلّما كان الناقدُ أقرب إلى إعطاء الفكرة حجمها الطبيعي والواقعي.

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

المرأة ذلك الدر المصون

المرأة
 ذلك الدرّ المصون

ما زالت المرأة ذلك الإنسان الذي جهله الإنسان بكل مكوّناته وعناصره رغم وجودهما على وجه الأرض، ففي الأثناء التي تُهضم فيه المرأةُ وتُسحق كرامتها وتُهمَّش من الحياةِ الاجتماعية وحقِّ الحياةِ عن طريق الوأد الجسدي والوأد الفكري، ينبزغ نور النبوّة لينتشل ذلك الكيان المودع تحت التراب بكل ما يحتويه من فكر ومكانة وعطاء، باعثاً في قلب الأمة مكانة هذا الإنسان الذي يحتوي على أمورٍ كثيرة.

ورغم مرور الزمن على تعليمات منقذ الإنسانية من ظلمات الجهل إلى نور العلم، فإن الجهل ما زال موجوداً يتقلّب بعدةِ صورٍ ليسحق كرامة المرأة التي تُعتبر عصبُ الحياة والوجه الآخر للرجل، فهي شمسٌ تشرق لتمد حياة الرجل بالدفء طوال النهار، وهي قمرٌ منيرٌ حينما يُرخي الليلُ سدولَهُ ليُعطي صورةً أخرى لذلك الدفء عبر حنانها المبثوث فوق نجوم السماء وزخّات المطر، وهي الركن الذي يُعتمد عليه أثناء غياب الرجل، وما هي كذلك إلا لعظمة ودقّةِِ الصانعِ الذي أبدعَ في خلقِ هذا الإنسانِ الضعيف بمكوّناته القويّ بوجوده.

فمن خلال استعراض خَلْقِ المرأة ودورها في الحياة بجميع أطوارها نستنتج أن للمرأةِ أدواراً ليست محصورةً بين جدران المنزل؟! وإن كان هناك عدة أدوار تستطيع أن تؤديها خارج هذا الإطار فإنه يستلزم عليها القيام بأدوارها داخل الأسرة قبل الخروج منها بمعيّة الرجل، وقد نلاحظ ذلك جليّاً في حياة سيدات نساء العالمين وعلى رأسهم فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإن لهذه المرأة خدمات جليلة منذ بزوغ نورها على بطحاء مكّة وحتى رحيلها، وذلك عن طريق التزامها بمباديء الإسلام وحفظها وصايا أبيها ورسمها على أرض الواقع كإسلام يمشي بين أزقّة المدينة المنوّرة، انطلاقاً من إطار الأسرة المقدّسة اللامحدود، وذلك بتجلّي تربيتها بعد رحيلها في حياة أبناءها الذين حافظوا على الخطوط العامة للإسلام بمعيّةِ أمير المؤمنين عليه السلام.

ومع علم الكثير بأدوار المرأة ومكانتها في الشريعة الإسلامية والشريعة الفكرية إلا أنه يوجد ثمةَ رواسب عند البعض تخالف هاتين الشريعتين متجاهلاً أو متغافلاً أو ناكراً بعض العناوين العامة الموجودة في الدستور المقدّس ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة:187]، وهذا العنوان العظيم الصادر من عند العظيم لهو من العناوين العميقة التي لا يسع أيّ إنسان أن يفهمه ما لم يكن القرآن الكريم دليله الذي يستضيء به حين تدلهمّ الخطوب على صاحبها، وفي الأثناء التي تصدر الآيات الكريمة في حفظ هذه المكانة يتأوّل المتأوّلون على غير بصيرةٍ بأخذِ ما يوافق نهجهم المخالف لروح الشريعة محتجّين بقوله تعالى ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ ومتغافلين بقية ما ورد في الآية الكريمة ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، فعملية التفضيل مقرونة كذلك بالتقوى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[الحجرات:13]، فلم يكرِّم الله سبحانه وتعالى الرجل على المرأة ما لم تكن التقوى في طليعة الحياة العملية التي من خلالها يُعرفُ الصالح من الطالح.

وبالنظر إلى الحياة العملية التي نمارسها اليوم نجد بعض الأخطاء الشنيعة والفظيعة وعلى رأسها ممارسة العنف ضد المرأة بجميع صوره، ومن ثم تأتي بعض الممارسات اللاأخلاقية واللادينية كالضرب والشتم والقذف، وكل هذا يظن البعض أنه من حق الرجل ممارسة هذه الأمور متأولاً على غير بصيرة بنسبتها إلى الإسلام، والإسلام من هذه الممارسات براء، والسبب كامن في أمور عِدة، منها:
الأساليب التربوية التي نشأ عليها، أو التأثر ببعض الأفكار الغربية، أو وجود بعض العادات والتقاليد الخاطئة، أو ثقافة شربها من غير منابعها السليمة، وغيرها من الأسباب التي تجعل من بعض الرجال ممارسة هذا العنف، مع العلم أن بعض ممارسات الرجل سببها المرأة، مما يضطر الرجل إلى فعل بعضٍ من هذه الأمور.

ولكن!! مهما كانت الأسباب لا تؤدي إلى مثل هذه الأمور الخالية من روح الإسلام المحمديّ الأصيل الذي بدوره جعل لكلا الجنسين كرامة، وما وجود الإسلام إلا لحماية كلا الجنسين من بعض الممارسات المشينة.
  
      

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

تاريخ الحركات الفكرية - عرض ونقد

تاريخ الحركات الفكرية – عرض ونقد[1]

اسم الكتاب: تاريخ الحركات الفكرية واتجاهاتها في شرق الجزيرة العربية وعُمان.
المؤلف: عبدالرحمن بن عثمان بن محمد الملا
دار النشر:الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية – الخبر
الطبعة: الأولى - 1414هـ (1994م)
عدد الصفحات: 269 صفحة

التعريف بالكتاب:
تحدث المؤلف في البدء عن العبادات والديانات السائدة في المنطقة قبل الإسلام كالمجوسية واليهودية والنصرانية وعملية نشوء المذاهب في الديانة النصرانية ودور النصارى في عملية التبشير ومدى إخفاق جهودهم في ذلك خصوصاً في الفترة الأخيرة من القرن الحاضر.
ثم يعرّج المؤلف بسرد أحداث كيفية دخول الإسلام إلى شرق الجزيرة في إقليم البحرين وعمان، مع ذكر الوفادة على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأسماء الذين وفدوا عليه، ولا ينسى في ذلك الإشارة لحركة الردة وموقف أهل البحرين منها، وكذلك حركة الردة في عمان.
بعدها قام المؤلف بتسليط الضوء على كيفية نشوء حركة الخوارج وتاريخهم في العصر الأموي مع ذكر مبادئهم العامة وفرقهم بالتفصيل، وذلك بذكر بعض نشاط الإباضية السري وخصوصا في عمان وعقائدهم وفقههم مع توضيح الفرق بينهم وبين الخوارج، متطرقا إلى بعض الحركات والانتفاضات في المنطقة كحركة صاحب الزنج وانتفاضات بني عبدالقيس وسليمان بن حكيم في البحرين، ليأتي الدور على ذكر الشيعة والتشيع باعتبار وجودهم في المنطقة من القرن الأول وحتى القرن الحاضر، مع ذكر فرقهم والفرق بين كل فرقة، ومدلول مصطلح التشيع عبر مراحل نشاطه الحركي، ومن بعض استنتاجاته حول الفرق بين الشيعة الإخباريين والأصوليين أن الإخباريين مهدوا لفكرة ولاية الفقيه باعتبار أنهم يعتقدون بوجود ركن رابع للدين وهو الإمام وفي حالة غيبة الإمام على العالم الذي يختارونه القيام بدور الإمام.

أما دور القرامطة فأعطاه المجال الأوسع والأبرز في كتابه هذا، باعتبار أن حركة القرامطة تعتبر من الحركات التي ناهضت الخلافة العباسية في بغداد، مما أدى إلى وجود معارك كثيرة بين الخلافة العباسية وبين الحركة القرمطية، مع ذكر تفاصيل كثيرة متعلقة بتحركاتهم في جميع الأقطار، كالبصرة ونواحيها، وإقليم البحرين الذي يعتبر التحرك الثاني والأقوى في تاريخ القرامطة من حيث فرض السيطرة على الأقاليم المحيطة به، مركّزاً على الدور الوحشي الذي قام به القرامطة من قتل وسلب ونهب، مع ذكر الطرق الوحشية المختلفة في ممارساتهم العسكرية أثناء القتال غير المبرر كهجومهم على الحجاج ونزع ممتلكات الحرم المكي بدعوى إسقاط الدولة العباسية من حيث أنها غير قادرة على صيانة وحفظ المقدسات، وأن الأمن يعيش زعزعة مما يؤثر على كيان الخلافة العباسية بتصورهم، وكذا أتى على ذكر الأوضاع بعد موت أبي طاهر، وكيفية سير الحركة في ظل أحفاد زعماء القرامطة، وكيفية انهيار الدولة من قبل أبناء البحرين لاختلاف سياسة الأبناء عن سياسة آبائهم.

كما لا يخفى على القارئ أن مدينة الأحساء التي عمّرها القرامطة هي ما يسمى اليوم بـ(قرية البطالية) حيث يوجد بعض الآثار الدالة على ذلك، فقد كان مصطلح (أحساء) يطلق على أكثر من جزء في هذه البقعة كأحساء بني سعد، وأحساء بني خرشاف وغير ذلك، حتى استقر الإسم بإضافة أل التعريف على أحساء وهو هذا الإقليم المعروف في وقتنا الحاضر.

أتى المؤلف بعدها على ذكر كيفية انهيار دولة القرامطة على يد أبناء جزيرة أوال من جهة وأبناء العيونيين من جهة أخرى، وهي ثورة داخلية ضد السياسة التعسفية التي مارسها القرامطة ضد أبناء هذا الإقليم من المسلمين، ليأتي بعدها دور ما أسماه المؤلف (إحياء فكر السنة)، ذلك أن القرامطة كانوا يمنعون بناء المساجد، فاقترح أحد وجهاء جزيرة أوال ببناء مسجد وذلك لما له من دور في إنعاش حركة التجارة، ذلك أن كثير من التجار من خارج الحدود القرمطية مسلمين، فيحتاجون إلى مسجد لممارسة شعائرهم كإقامة الفرائض اليومية وصلاة الجمعة، فاستحسنت الدولة القرمطية ذلك، وقد تم استخدام المسجد الذي بُني في أوال نقطة بدء لتحركات المعارضة، وهذا ما جرى بالفعل في حشد وتعبئة المسلمين بالثورة ضد النظام القرمطي، مما جعلهم يتمكنون من السيطرة على البحرين، وطرد واليها المرسول من قبل الدولة القرمطية وقتل بعض أصحابه، بعد إعلان عدم الطاعة.

الملاحظات:
1.   في الصفحات الأولى من الكتاب يشير المؤلف إلى مصادر بعض المعلومات إلى كتابه الآخر: تاريخ هجر 1/2، وهذا أظنه غير صحيح في المنهجية المتبعة في الاستدلال بالمصادر، لأن هذا الكتاب قد يقع بين يدي شخص ما، ولم يقع بين يديه الكتاب الآخر، والمفروض أن يشير المؤلف إلى الكتب التاريخية التي سبقت كتابه هذا، لأنها معلومات تاريخية أثبتها بمصادرها في كتابه الأول، وكان الأجدر أن يذكر المصادر في هذا الكتاب كذلك وأقصد بالمصادر التاريخية هي التي تعتبر أمهات كتب التاريخ والتي لا يخلو منها بلد، مثال ذلك في الصفحة 20 والصفحة 52 والصفحة 203.
2.   تدوين القضايا التاريخية يحتاج إلى عرض ووصف، بينما المؤلف نراه تارة يقيّم بعض التصرفات بنبذ بعضها الآخر كما ذكر فيما يتعلق ببعض تصرفات الإباضية ونقدها، وميله إلى أمر آخر.
وأظن أن هذا خارج عن المنهجية، فوظيفة المؤرخ غير وظيفة الناقد، حيث أن مسمى كتابه (تاريخ الحركات الفكرية ...) ولو كان يريد غير ذلك لذكر هذان المصطلحان بعد ذكر العنوان (عرض ونقد) حتى يتاح للقارئ إبداء رأيه قبالة نقد المؤلف.
ومثال[2] ذلك وصفه بعض فرق الشيعة بالانحراف ص156، وكان الأجدر به أن يذكر فرق الشيعة المغالية دون تصنيف بانحراف بعضهم واعتدال غيرها، مع أنه عرض أقوال بعض الشيعة بحق الغلاة.


[1] جريدة الجزيرة (ورّاق الجزيرة) يوم الأحد 6/2/1430هـ الموافق (1/2/2009م) العدد (13275) السنة (49)
[2] تم حذف الفقرة الأخيرة من (ومثال ... بحق الغلاة) من قبل الجريدة.

مع التونجي في تحقيقه ديوان أبي طالب




مع التونجي في تحقيقه ديوان أبي طالب

اسم الكتاب: ديوان أبي طالب (عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم)
جمعه وشرحه: الدكتور/ محمد التونجي
دار النشر: دار الكتاب العربي – بيروت
عدد الصفحات: 104 صفحات
الطبعة: الأولى – 1414هـ (1994م)

العرض:
لا شك أن التحقيق والشرح في مجال الأدب والشعر يحتاج إلى أدوات كثيرة، وذلك لاحتواء الكثير من الدواوين على مسائل تاريخية ولغوية وأعلام وغيرها، ولعل من تلك الدواوين هو: ديوان أبي طالب عم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي يعتبر من الدواوين المهمة، لما يُعرف عنه من شعر جيّد.
ولديوان أبي طالب عدة طبعات، منها [غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب] للشيخ الأزهري محمد خليل الخطيب المطبوع في القاهرة سنة
وكذلك قام الشيخ/ محمد حسن آل ياسين بتحقيق ديوان أبي طالب الذي هو من  صنعة أبي هفّان المهزمي البصري وصنعة علي بن حمزة البصري التميمي، من منشورات دار الهلال ببيروت.
وكذلك فقد قام الدكتور/ محمد التونجي باستدراك على الشيخ الأزهري محمد خليل الخطيب آنف الذكر، ومع اطلاعنا على هذه الطبعات الثلاث ومراجعة بعض المصادر التي اعتمدها، رأينا أن التونجي وقع في مسائل كثيرة، كان الأجدر به عدم الوقوع فيها، ومنها:
1.     هناك أكثر من 30 بيتاً لم يدرجها في تحقيقه هذا، رغماً أننا رجعنا إلى بعض المصادر التي تناولها في تحقيقه، واستقى منها معلوماته، فرأينا أنه لا يذكرها في تحقيقه هذا الديوان.
2.     وجود حوالي 25 شاهداً تختلف رواياتها، دون أن يشير إليها في تحقيقه، وكان المفترض أن يشير إليها، ليكون العمل أوسع وأشمل، وهذا الاختلاف بالتقديم والتأخير تارة، وبالاختلاف الكلّي تارة أخرى.
3.     من عمل الدكتور التونجي في تحقيقه هذا، أنه يشير إلى رقم القصيدة في شرح الخطيب لديوان أبي طالب، بينما هناك بعض القصائد لا يشير إلى أرقامها.
4.     من الأخطاء التي وقعت أثناء تحقيقه، قوله صفحة 63 أن الخطيب انفرد بذكر البيت 91 من القصيدة، وحين الرجوع إلى شرح الخطيب لا نرى أنه يثبت ذلك البيت في تلك القصيدة.
5.     وقع الدكتور كذلك في خطأٍ تاريخي وذلك بقوله في الصفحة 30:
وقال يرثي أخاه الزبير، وفي الهامش يقول: الزبير هو ابن عبدالمطلب من رجالات قريش في الجاهلية قتل يوم أجنادين شهيداً في خلافة أبي بكر، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبه.
       ومعلوم أن أبا طالب توفي قبل الهجرة، فيا ترى كيف يرثي أخاه في خلافة أبي بكر!! وخلافة أبي بكر كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام 11هـ، ووقعة أجنادين سنة 13هـ.
6.    هناك بعض الأخطاء المطبعية التي لا تؤثر على سير التحقيق، إلا أني أتمنى في العمل المحقق أن يخلو من الأخطاء المطبعية سواءً في أرقام الصفحات أو الطبعات أو غيرها، ليكون العمل أكثر دقة، وليكون مصدراً مهماً حال خلوّه من هذه الأخطاء.
7.     وهذه النقطة اقتراح منّي، فهي على النحو التالي: لو أضاف إلى عمله هذا مراجعة بعض مخطوطات الديوان التي قد تكون في إحدى خزائن الكتب العربية والأجنبية وأضافها إلى استدراكه، لكان العمل أكثر شمولية ونفعاً.

نسأل من الله العلي القدير أن يوفق الدكتور وغيره من المحققين في استخراج تراثنا العربي بكل صوره وأشكاله، ليتسنى لنا الاطلاع عليه والاستفادة منه.

جريدة المدينة (ملحق الأربعاء) يوم الأربعاء 10/3/1431هـ الموافق (24 فبراير 2010م) قسم (عالم الكتب)

الحج في أدب الرحلات

الحج في أدب الرحلات

تعتبر رحلات الحج من المسائل المهمة، حيث اعتنى المسلمون في شرق الأرض وغربها بهذه الفريضة وتدوين ما يجري عليهم في الطريق إلى وصولهم للأماكن المقدسة وحتى عودتهم إلى بلادهم، كوصف الطرق وما تحتويه من آبار ومدن وغير ذلك مما يجري على كل مسافر يقطع مسافة طويلة في ظل انعدام الكثير من وسائل الأمن وسبل الوصول، وكذلك وصف ما يجري عليهم من مشاق الرحلة الطويلة، إلا أنه يأتي الدور الأهم في هذه الرحلات وهو وصف تلك الطقوس الدينية التي يقيمها المسلمون في كلٍ من المدينة المنورة وعلى الأخص المسجد النبوي الشريف، وكذا مكة المكرمة ومسجدها الحرام، ووصف أداء شعائر الحج من الذهاب إلى عرفات مروراً بمزدلفة وانتهاءً بمنى. ويختلف الوصف من كاتب إلى آخر، فمنهم المسهبُ في وصفه ومنهم الموجز.

ومن تلك الرحلات التي حفظها لنا التاريخ رحلة العلامة إسماعيل جغمان من صنعاء اليمن إلى مكة المكرمة، حيث كتب رحلته عام 1241هـ، والتي ذكر فيها ما جرى عليهم في رحلة حج تلك السنة، فمن ضمن ما ذكره حول وصف بحر الحديدة قوله: "ولم أر كبحر الحديدة في البحور على أبواب البنادر من شدة ثورانه، وتلاطم أمواجه وكثرة هيجانه"، وكذا وصفه جزيرة كمران، حيث يقول عنها: "وصلناها نصف نهار الاثنين، وهي جزيرة عجيبة، عذبة الماء، طيبة الهواء، كثيرة النخيل، أبياتها العشش، وفيها بئر .. وفيها مسجد عجيب، وقلعة عظيمة"، كذلك وصف وضعه حينما ركب السفينة ودخل البحر، حين أصابته الربشة وتغيرت أوضاعه بسبب عدم مساعدة الريح لهم، مما جعل الرحلة أكثر مشقة، و ذلك بعد يومين من دخولهم البحر حيث تلاطمت أمواجه بعد هيجان الريح، مما جعل الحجاج يتيقنون بالهلاك، فأكثروا من نطق الشهادتين، وغير ذلك مما ذكره في رحلته ممن وضع الطريق وأسماء المناطق التي مروا بها، وأسماء بعض العلماء والقضاة ممن كانوا معهم في هذه الرحلة.

ومن طريف ما ذكره أثناء انتهائهم من الحج وذهابهم إلى جدة، قوله: "وكان وصولنا جدة من الفرج بعد الشدة العظيمة من الأهوال في طريقنا، وعدم الأمن على نفوسنا وما معنا، وشدة وعثاء السفر لما يلاقيه الإنسان من الضجر، لاسيما من الجمالين أهل تلك الديار، فإنهم كما قال الملك الجبار (كأنهم حمرٌ مستنفرة) لا تراهم يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون بين الحصى والدر الثمين، بل لا يقطع عندهم المعروف باللسان ولا باليد من الإحسان، فسبحان الذي أحلهم بين الحرمين الشريفين".

ومن ضمن تلك الرحلات رحلة علي باي العباسي سنة 1221هـ فقد ذكر ما جرى عليه في هذه الرحلة، ومن ضمن ما ذكره حول مشعر منى قوله: "ليس فيها غير شارع واحد، ولكنه من الطول بحيث احتجتُ لعشرين دقيقة كي أقطعه، ويمكن ملاحظة البيوت الجميلة التي أغلبها تهدّم وبقي بدون سقف .. وكل المناطق التي مررتُ بها حديثاً تأخذ شكلاً سهلاً ضيقاً يقع بين جبلين من الصخر الجرانيتي الأملس، والطريق منبسطةٌ تماماً وذات أرضية رملية، وهي مليئة بالجمال وبالناس من مشاة وراكبي خيول وعدد متزايد من الهوادج"، وعن وصف الوقوف بعرفات يقول: "إنه حشد لا يمكن إحصاؤه من البشر، من جميع الأمم ومن كل الألوان، يصلون من أقاصي الأرض، مجتازين أنواع المخاطر والصعاب المتعددة كي يعبدوا مجتمعين إلهاً واحداً هو إله الفطرة، فساكن القوقاز يمد يد الأخوة إلى الأثيوبي أو إلى الأسود الغيني، والهندي والفارسي متأخين مع البربري والمغربي".

وقد وصف العباسي رحلته هذه وصفاً دقيقاً، وخصوصاً فيما يتعلق بالمناسك وما فيها، وعن وضع الحجاج في عرفات ومزدلفة ومنى وكذا الكعبة المشرفة، وهو وصف ينم عن معرفة بكاتبها ومدى ثقافته العالية، ولا يخفى أن لكل رحلة صعوبة ومشقة كما هو معروف، ولذا فقد أصيب العباسي بألم خفيف متواصل أسفل بطنه وانتفاخٌ بيّن في الجزء السفلي منه، وغيرها من المصاعب التي شاهدها في رحلته التي انطلقت من المغرب وحتى مكة المكرمة.

نشر هذا المقال في:
المجلة العربية (419)، ذوالحجة 1432هـ (نوفمبر 2011م).

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

من ينقذ مكتبات العلماء؟!!


من ينقذ مكتبات العلماء؟!!

لكل عالمٍ من علمائنا الكرام مكتبة خاصة يرجع لها أنّى شاء، وتمضي الأيام والسنوات والمكتبة تكبر وتكبر بحسب اهتمام هذا العالم بجمع تلك الكتب المهمة، سواءً المتعلقة باهتماماته أو المساعدة لبعض بحوثه من هنا وهناك.
ولا شك أن في كل مكتبة كتباً نادرة، أو مهمّة قد لاتتواجد في المكتبات المعاصرة لظروف معينة، والأسف كل الأسف أن هذا العالم أو الباحث حينما يرحلُ تبقى المكتبة تحت سيطرة الغبار والأرفف وبعض الحشرات وغيرها من الأسباب، مستنجدة بأصحاب الاهتمام من هذه السيطرة، وكم من المكتبات التي بقيت عرضة لذلك دون رحمة من أبناء هذا العالم أو من بعض المهتمين، وقد جهدت بعض المؤسسات المحلية في إنقاذ بعض تلك المكتبات، إلا أن البعض الآخر يحتاج إلى اهتمام، سواء بفتح باب الزيارة لها، أو بتنظيمها، أو لوجود أحد الأبناء يستفيد منها، أو فتح باب المزاد العلني لبيعها.

وقد آلمني أن بعض المكتبات التي تحوي الكثير من الكتب النادرة ما زالت حتى وقتنا الحاضر تحت سيطرة بعض الأسباب المؤدية إلى فنائها البطئ، وقد أردتُ استنقاذ بعض العناوين النادرة والتي تصب في اهتماماتي، إلا أن عوائقاً حالت دون تحقيق المراد.

وكم من المكتبات التي بيعت بالتجزئة وهو الحل الأمثل لإنقاذ الكتب من الهلاك، لأن الكتاب يشكّل ذكرى للمشتري إذا كان على معرفة بهذا العالم، وبقاء المكتبة بين الأرفف دون مرتادٍ لها يميتها، ويعرضها للدمار.

أسباب كثيرة هي التي تدمّر مكتبات علمائنا وباحثينا، نتمنى من يستنقذها من سماسرة الكتب الذين لا يعرفون قيمتها، ويكدسونها في مستودعاتهم وتبلى بعد حين.



جريدة المدينة (ملحق الأربعاء)، 20 شوال 1431هـ (29 سبتمبر 2010م).

فن التحقيق .. ثقافة موسوعية

فن التحقيق .. ثقافة موسوعية
 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

يعتبر تحقيق الكُتُب من المَسَائِل التي تحتاجها الساحة بِشَكْلٍ مُلحّ، سواءً للشخص المُحقِّق أو للكتاب المُحقَّق، باعتبار أن كتب التراث بحاجةٍ إلى أن تخرج للساحة بحلّة جديدة لتزويدِ القُرّاء بثقافةِ بعض المؤلفين الذي رحلوا ولم يتسنّ لهم طباعة ما خطّهُ يراعُهم، وفَنُّ التحقيقِ يحتاج إلى شخصٍ يمتلك قُدرةً كبيرةً من الجُهدِ الذهني والعلمي ليتسنى له أن يجعل من الكتاب مادةً سهلة التناول عند عشّاق القراءة، لأنه كالشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين.
فقد كتب في هذا الفن الكثير من العُلماء، كالدكتور/ عبدالسلام هارون - رحمه الله - في كتابه (تحقيق النصوص ونشرها)، والدكتور/ عبدالهادي الفضلي - حفظهُ الله وشافاه - في كتابه (تحقيق التراث)، وغيرهما كثير من أرباب هذا الفن، وقد أجاد هذان العالِمان فيما كتباه، باعتبارهما أصحابُ فنٍّ وتجربةٍ عريقةٍ في مراجعة وتحقيق الكتب المخطوطة، إضافة إلى ذلك إسهامهما في إثراء المكتبة العربية بوضع مادة دسمة تستحق القراءة فيمن له اهتمام بتحقيق كتب التراث، كذلك فقد قدّما للمكتبةِ العربيّة بعض الكتب التراثية التي قاموا على تحقيقها ونشرها، وهذا مما ساعد القُرّاء البحث عن النسخ المحققة باسمهما.

فمع ما ذكرتُ إلا أنّ هناك وللأسف شريحة كبيرة دخلت هذا الميدان بدون علم، مثل: أن يقوم إنسان ليس له اطّلاع أو اهتمام بعلم الحديث ليُقحم نفسه في هذا العلم الواسع ويحقق كتاباً في الحديث، أو أن يأتي إنسانٌ ما ليس له اطلاع بالمسائل القرآنية ويحقق كتاباً في علوم القرآن الكريم ...الخ، وهذا تجاوزٌ أرجو أن لا يستشري في ساحتنا الثقافية والعلميّة، لأن بعض الكتب تحتاج إلى قراءة أخرى كحياة المؤلف والعصر الذي عاش فيه والثقافة التي نهل منها وسبب تأليفه الكتاب وغيرها من المسائل التي تستوجب من المحقق الوقوف عليها، حتى لا يتعرض للإهانة وهو غنيٌ عنها. فبمراجعة سريعة على بعض الكتب المُحقَّقة نرى هناكَ بعض التجاوزات عند بعض المحققين الذين ليس لديهم علمٌ في هذا الفن، ففن التحقيق بحاجة إلى ثقافة موسوعية شأنها إضفاء معلومات على الكتاب المُحقَّق تفيد القارئ، وكلّما كان المحقِّق صاحب علمٍ، خَرَجَ الكتاب وتلقّفهُ أصحاب الاهتمام، لذا فعلى المحقق أن يحقق الكتب التي تخضع تحت اهتماماته وتخصصه فهو بلا شك سيكون أكثر الناس معرفة بالمقاصد واللغة التي يكتب بها أولئك المصنّفون.

نعم .. للتحقيق أشكال كثيرة، كأن يقوم المحقق بإخراج الكتاب من ظُلُمَاتِ الخَزَائن، إلى أرفف المكتبات، وهو ما يعبَّر عنهُ بضَبْطِ النص، وهذا جُهدٌ يُشكر عليه صاحبه، وهو في الواقع إنقاذٌ لتلك النسخة الذي ظلّت حبيسةَ الخزائن، وهناك من يقارن بين النسخ في حال توافرها في خزائن الكتب العالمية، وأشكال كثيرة لهذا الفن، نرجو ممن يدخل في الميدان أن يكون طويل النَفَس، ليكون مفخرةً للعِلمِ والعُلماء ومحل تقدير الكل.  

الرابط:
http://www.al-madina.com/node/305477

نشر في جريدة الجزيرة (ورّاق الجزيرة)، بتاريخ 3 رجب 1432هـ (5 يونيو 2011م) عدد رقم (14129)

الرستم معقباً .. المصادر الحديثة لا تخدم البحث

الرستم معقباً .. المصادر الحديثة لا تخدم البحث

ينتابني شعورٌ من البهجة والسرور حينما أرى نقاشاً يطولُ لأكثر من حلقة فيه أخذٌ ورد، خصوصاً كالنقاش الذي جرى بين الأستاذ/ راشد بن جعيثن، والأستاذ/ خالد النزر على صفحات مجلة "اليمامة" في الأعداد (2169 + 2170 + 2173 + 2172) وذلك حول قبيلة (عبدالقيس) والذي أبدى كلاً من الأستاذين الكريمين وجهة نظره المبنية على مصادر مختلفة ومهمّة في الوقت ذاته.

ولكوني أحد المهتمين بتاريخ وتراث المنطقة الشرقية، آمل من الأستاذين العزيزين أن يمعنا النظر في أمورٍ عدة، وهي:
1-            ذكر الأستاذ/ النزر حول مايثبت تشيع العيونيين، وأضاف أن ذلك لا يخدم البحث الذي هم بصدده، وأتى الأستاذ/ الجعيثن بما يفند تشيع العيوننين.
وأقول: إن عملية البحث حول مذهب أي دولة لا يخدم أي مسألة ما، إلا إذا كانت هناك بعض الأحداث التي لها علاقة بذلك. لأنه في تصوّري أن معظم الملوك مهما كان توجههم الديني فإنهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم التي تتفق وسياسة الدولة.
واستطراداً في ذلك، أقول: إن الأستاذ/ الجعيثن، رمى بحث الأستاذ/ نايف الشرعان عرض الحائط، ذلك أن الشرعان أثبت في بحثه الموسوم بـ(نقود الدولة العيونية) تشيع العيونيين عن طريق الآثار، ومنها العملات المستخدمة آنذاك، حيث قال الجعيثن: (فلم يثبت ذلك وفق ما تقتضيه مصداقية الآثار خاصة وأن هذا الزمان عج بتزوير الوثائق والعملات!!). وتمنيتُ لو أن الأستاذ/ الجعيثن أثبت لنا أن ما ذهب إليه الشرعان باطلٌ بالأدلة العلمية الدامغة. لكنه لم يثبت لنا ذلك.
بل أضيف على ذلك كإثبات، أن الدكتور/ فرج الله أحمد يوسف، المتخصص في المسكوكات، أنه من أوائل من عاين المسكوكات من كانت في مركز الملك فيصل وبحالتها المتصلبة وحتى تفكيكها ومن خلال الدراسة والتحليل ثبت بأنها أصلية وليست مزورة أو مقلدة، وذلك حسب إفادة الأستاذ/ نزار آل عبدالجبار الباحث في شؤون الآثار بمتحف الدمام الإقليمي.
يشار إلى ذلك أن إحدى الكتب التي رجع إليها الأستاذ/ الجعيثن، كتاب (ابن مقرب والدولة العيونية) للدكتور/ فضل العماري، الذي أثبت تشيع الدولة العيونية من خلال قراءةٍ نقديةٍ لديوان ابن المقرب العيوني.
خلاصة الأمر: تمذهب الدولة يجب أن لا يأخذ مكاناً أكبر من حجمه، فيكفي أن أمراء الدولة العيونية مسلمون، ولا يضير أن يكون للشيعة عبر التاريخ دولة أقاموها وأفل نجمها لظروف مختلفة، وبروز نجم دولة وأفول أخرى، أمرٌ طبيعي يحصل في كل زمان وكل مكان، وإذا أراد كلٌ من النزر والجعيثن أن يبحثا مذهب الدولة العيونية فما عليهما إلا فتح حوارٍ آخر بعيداً عن موضوع (قبيلة عبدالقيس)، بشرط أن ينهيا بحثهما الأول، وذلك بالاعتماد على المصادر الأم، وليس المصادر الحديثة، التي ربما يكون في نقل المعلومة بعض الأخطاء والتصحيف.
2-            رجوع الأستاذ/ الجعيثن إلى مصادر حديثة، مثل: (تحفة المستفيد للشيخ العبدالقادر) و(الأحساء عبر أطوار التاريخ للغريب) وغيرهما.
في تصوري، أن مسألة كمسألة النَسَبْ يجب أن لا يُعتمد على أمثال هذه الكتب، لأنها كتب تاريخية وإن تخللتها معلومات في الأنساب، كذلك لوجود الكثير من الأخطاء فيها، وقد أثبت الأستاذ/ الجعيثن أن خالد الغريب خالف أمانة النقل ومصداقية المرجعية في ذلك، وحبذا لو تم الرجوع إلى أمهات المصادر فيما يتعلق بالأنساب، وكذا فيما يتعلق بأي مسألة تاريخية ليتسنى للباحث الوقوف على الحقيقة، ولا أقصد من ذلك هو تقليل قيمة كتاب الغريب والعبدالقادر وأضرابهما!! بل إني ممن يؤيد الرجوع إلى الكتب المتخصصة، وليس الاتكاء على أي مصدرٍ يخدم ما يذهب إليه دون الرجوع إلى المصدر الأم!!.
3-            أرجو لكلا الأخوين رحلة ممتعة في البحث حول (قبيلة عبدالقيس) مع وضع نقاط رئيسة في البحث ليتسنى لنا الوقوف على مسائل دسمة تستحق القراءة، وأشكر الأستاذ/ راشد بن جعيثن على تفضله بإطلاعي على جميع الردود، وكذلك على حسن استضافته العربية لي في منزله العامر، وكذلك أؤكد أن مثل هذه الحوارات ممن يثري الحِراك الثقافي في بلدنا الغالي .. ودمتم بخير.


نشر هذا المقال في مجلة اليمامة
عدد (2178) السنة الحادية والستون، السبت 17 ذوالقعدة 1432هـ - الموافق 15 أكتوبر 2011م. ص56.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...