الأحد، 18 ديسمبر 2016

اليوم العالمي للغة العربية

اليوم العالمي للغة العربية

بقلم: عبدالله بن علي الرستم
يُطلُّ علينا في هذا اليوم الموافق الثامن عشر من شهر ديسمبر (اليوم العالمي للغة العربية)، وفي تصوّري كعربيٍّ أن اللغة العربية حاضرةٌ بشكلٍ يوميٍّ في حياتنا، فهي كلغة عملية وعلمية ينبغي أن نستحضرها في ثقافتنا بشكلٍ كبير؛ ذلك أنها الوسيلة الوحيدة التي من خلالها نوصل رسائلنا الصوتية والكتابية لأي شخصٍ نتعامل معه في جميع جوانب الحياة، فليس من اللائق أن تكون اللغة العربية رهينة الخطابات الرسميّة والكتب الدراسيّة فحسب؛ بل علينا أن نطوّرها بالشكل الذي من خلاله نوصل ما نريده بشكل واضحٍ لأي فرد نتعامل معه وذلك عبر القراءة والتبحّر ومعرفة بعض غوامضها.

وقد بذل علماء الأُمّة العربية والإسلاميّة جهوداً كثيرةً ومختلفة للحفاظ على هذه اللغة، فقد صنّف أولئك الأعلام في جميع فنون العربية بُغية الحفاظ عليها من الاندثار؛ لأنها من اللغات الحيّة والمرنةِ على مستوى العالم، وتلك المصنّفات لا زالت تستحثُّ الخُطى وتنتظر من يستلهم منها الدروس الكثيرة في جميع المعارف اللغوية من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ وعَروضٍ، ويقول في هذا الصدد الدكتور أحمد الضبيب[1]: وقد أدّت الفصحى وظيفتها على أحسنِ وجهٍ فكانت ظاهرة فذّة بين اللغات في قدرتها على الاستمرار واحتفاظ الناس بها، وفهمهم لها في مختلف البيئات والعصور، وما ذلك إلا لأنها ارتبطت بالقرآن الكريم فخَلُدَت بخلوده ولولاه لانحلّت عُراها وذابت في لهجاتها المحلّيّة، كما حدث للغاتٍ أُخرى مماثلة. ولم يقتصر الأمرُ في ذلك على الاهتمام الشكلي كالمواظبة على التحدّثِ بها، بل ساهم علماءُ الأمّةِ بتنويع مصنّفاتهم في ذلك كوضع معاجم للألفاظ ومعاجم بأسماء أعلام اللغة على مرِّ العصور، مما جعل "المنجزات اللغوية العربية الشامخة ببنائها ثمرةَ جهودِ أجيالٍ من اللغويين العِظام الذين نفخرُ بهم ونحسُّ الضآلة أمام صنيعهم الذي نحنُ عالةٌ عليه،  ولكن الواجب يدعونا لمواصلة جهودهم وأن نسير على خُطاهم ونسلُكَ سلوكهم"[2].

وقد كان لبلادِنا دورٌ كبيرٌ في رعاية هذه اللغة وعلومها، تمثّلت في تخصيص مقاعد للدراسات الجامعية بمراحلها الثلاث (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه)، وقد تمخّض عن تلك المقاعد الدراسية تخريجُ مجموعاتٍ كبيرةٍ من أبناء الوطن في هذا المجال، وقد ساهم أولئك الخرّيجونَ في تعليم اللغة وفق مناهج وُضعت لتعليم الطُّلّابِ هذه المادة المهمّة، بل إن بعضهم واصل دراساته ليحصل على شهاداتٍ عليا، ولم تكتفِ حكومتنا في ذلك، بل أنشأت كراسي للغة العربية في بعض الجامعات، وإنشاء مركزٍ متخصصٍ للغة العربية وهو مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، ناهيكَ عن دور المؤسسات البحثية التي حفظت وحققت وطبعت لنا المخطوطات ذات الصلة بهذه اللغة العريقة .. هذا على سبيل إنجازات العلماء بشكل موجزٍ.

أما فيما يتعلّق بوضعنا الراهن، ففي حقيقة الأمر أنه ومنذ دخول بعض الأجهزة الحديثة، بات كثير من الناس يدمج في حديثه بين اللغة العربية ولغة غير عربية، مما ساهم في تشكيل ابتعادٍ ملحوظٍ في لغة التواصل مع الشريحة التي نعيش معها، وألاحظُ ذلك حيال تعسّر بعض الأشخاص ممن أتعامل معهم في إيصال رسالته أو ما يود قوله وإيضاحه، وهو ما يجعله يركنُ إلى لغةٍ غير عربيةٍ أو كلمةٍ دارجةٍ إذا ما أراد إيصال ما يود قوله، ولا أعلم هل المشكلة في المتحدث أم المتلقي أم الطرفين معاً في بعض الأحيان؛ وذلك لغياب التواصل المباشر وغياب ثقافة المسؤولية تجاه لغتنا الأم التي تُعد هويّتنا وأداة مهمّة من أدوات التواصل في طريقة تواصلنا، حيث يقول في هذا الشأن الدكتور مصطفى جواد[3]: "ومن أشد الرزايا التي نزلت بالعربية أن (بعض الأساتذة) لم يتعلّموا من قواعدها ما يصونُ أقلامهم وألسنتهم من الغلط الفاحش واللحن الفظيع".
      



[1]  دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية، ت. م. جونستون، ترجمه وقدّم له وعلّق عليه الدكتور/ أحمد بن محمد الضبيب، الدار العربية للموسوعات – بيروت، الطبعة الثانية – 1983م، ص5.
[2]  مسائل لغوية، أبو أوس إبراهيم الشمسان، الطبعة  الأولى – 1436هـ، ص9-10 (د. ن).
[3]  قل ولا تقل، د. مصطفى جواد، الدار العربية للموسوعات – بيروت، الطبعة  الأولى – 1430هـ، ص7. [بتصرّف].

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

جواثى .. تاريخ الصمود - للأستاذ/ عبدالخالق الجنبي ..














بطاقة الكتاب:
اسم الكتاب: جواثى .. تاريخ الصمود
اسم المؤلف: عبدالخالق الجنبي
دار النشر: دار الولاء – بيروت + ملتقى الواحتين – بيروت.
سنة النشر: الطبعة الأولى – 1433هـ (2012م)
عدد الصفحات: 260 صفحة
عرض وتعريف: عبدالله بن علي الرستم

عرض وتعريف:
تُعد منطقة جواثى ومسجدها من المناطق المشهورة في كتب المؤرخين والمحدّثين، وساهم في شهرتها تاريخ القبائل المحيطة به والتي من أشهرها قبيلة عبدالقيس التي أسلمت طوعاً لا كُرهاً، وأحداث أخرى تُسجَّل لهذه المنطقة يعرفها من له صلةٌ بالتاريخ وخصوصاً تاريخ صدر الإسلام وشرق الجزيرة.

أتى هذا الكتاب ليسدّ ثغرةً مهمة من تاريخ جواثى المتألّق، فالباحث الجنبي له بصمته الواضحة في تاريخ شرق الجزيرة، وذلك عبر توثيقه لتاريخ هذه البقعة في أكثر من كتاب. تناول الباحث الجنبي في كتابه هذا عن صحة نطق اسم المكان بين جواثى و جؤاثى سواءً في المصادر العربية أو غير العربية، وكذا يستعرض غيرها من الكلمات المتشابهة والواردة في كتبٍ مختلفة ليقع اختياره على كلمة (جواثى)، حيث في تحقيق صحّة الاسم أهمية كبيرة عند من يريد أن يؤرخ لمكان ما، أما من حيث موقع جواثى فلله الحمد والمنّة أن المكان الذي يحمل اسمى جواثى لا زال شامخاً صامداً يتحدى العبث والهجمات المتتالية عليه عبر الزمن، وهو ما ساعد المؤلف أن يتناول بعض المسائل الأخرى في محاور مختلفة، ذلك أن المسجد كان كنيسةً لعبادة المسيحيين المتواجدين في منطقة هَجَر قبل الإسلام، وبعد أن تتحوّل قبيلة عبدالقيس من المسيحية إلى الإسلام لاشك أنها ستستفيد من هذا الموقع المهم والذي اتخذته مسجداً لها وينال شهرةً عظيمة من حيث أنه ثاني مسجدٍ أقيمت فيه صلاة الجمعة بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة، وقد أكّد هذه المسألة معظم المؤرخين والمحدّثين ولا غبار على هذه المعلومة، وهو ما أعطى المكان اهتماماً كبيراً من قِبل القاطنين في المنطقة.

كان لجواثى نصيبٌ من حركة المرتدّين بعد وفاة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (ت 11هـ) فقد ارتدّت بعض القبائل في هَجَر باستثناء قبيلة عبدالقيس التي قاومت هذه المسألة برباطة جأش وصلابة إيمان حيث احتمت بمنطقة جواثى، وسجّلت صمودها في اجتثاث زمرة المرتدين، وكذلك صمدت جواثى وأهلها في مواجهة الخوارج في القرن الأول وصاحب الزنج في القرن الثالث عبر أحداث مختلفة، بيد أن لها موعداً في نهاية القرن الثالث مع أبي سعيد الجنّابي زعيم القرامطة غير مرحَّبٌ به حيث جاء هذا ليدمّرها ويبث الرُعب في أهلها عبر حرق مزارعها، وبعد زوال حكم القرامطة التي ساهمت في تدمير المساجد، جاء دور العيونيين في القرنين الخامس والسادس ليقول التاريخ أنهم لم يلتفتوا إلى جواثى ومسجدها وكأن لهم موعدٌ مع تطوير المنطقة زحفاً نحو جنوب جواثى وتنال نصياً من الإهمال الذي لم يفسّره التاريخ.

نالت جواثى كذلك نصيباً كبيراً من زحف الرمال عليها وهو ما جعل أهلها يرحلون عنها؛ ليعود التاريخ مرة أخرى ويجدد العهد به عَلَمٌ من أعلام إقليم البحرين وهو الشيخ جمال الدين أحمد آل المتوّج البحراني في القرن الثامن الهجري الذي ساهم في إعادة بنائه حسب مقارنات مختلفة يساهم سياق الأحداث أن البناء كان بتوجيهٍ منه، ويبقى المسجد يحمل قداسته من قداسة الصلاة فيه وتاريخه المُشرق؛ ليزوره القاصي والداني، المتقدمون والمتأخرون .. حيث يأتي أحد أعلام الجزيرة وهو الشيخ/ حمد الجاسر ليكتب وصفاً رائعاً عن المسجد في القرن المنسلخ؛ ليكون الدور على الآثاريين في وقتنا الراهن في توثيق هذا المسجد ببحث آثاري يُفصح التراب عما يكنّه هذا المسجد من تاريخ وأهمية كبيرة في نفوس المسلمين على يد الدكتور/ علي بن صالح المغنّم في كتابه (جواثى ومسجدها .. دراسة توثيقية حضارية آثارية) وذلك عام 1412هـ، وقد كانت وقفةٌ للأستاذ/ الجنبي مع كل من كتب عن تاريخ جواثى شعراً ونثراً إما بالتأييد والإعجاب أو بالنقد العلمي الذي يساهم في علوّ شأن هذا المسجد المقدّس.



                

الخميس، 3 نوفمبر 2016

كتاب: زيد بن علي للشيخ نوري حاتم - عرض وتعريف





بطاقة الكتاب
الكتاب: زيد بن علي ومشروعية الثورة عند أهل البيت (عليهم السلام)
المؤلف: الشيخ نوري حاتم

الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تاريخ الطبعة: الثانية – 1416هـ (1995م)
تقديم: السيد/ جعفر مرتضى العاملي
عدد الصفحات: 212 صفحة
المقاس: 24 × 17 سم

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

التعريف بالكتاب:
تُعدّ شخصية زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) (ت 122هـ) من الشخصيات اللامعة في العالم الإسلامي؛ وذلك لانتمائها إلى البيت الهاشمي؛ ولقيامها بثورة مسلّحةٍ على مستوى العالم الإسلامي، ولانتماء طائفة له ترى علامات الإمامة والقيادة فيه تُسمّى (الزيدية)، ولمصيره الذي آل إليه بعد ثورته من طريقة القتل والتمثيل بجثّته بعد استشهاده على أيدي الأمويين.
جاء هذا الكتاب ليسلّط الضوء على بعض محطّات حياة الشهيد زيد بن علي منذ ولادته وحتى استشهاده. فقد وضع مؤلفه خارطة بحثية يرى فيها استيفاء المطلوب، فقد تناول السمات والصفات الشخصية لأبي الحسين زيد بن علي (رض) والتي تُعد معلومات عامة وهامّة تمهيداً للدخول في تفاصيل أخرى لها صلةٌ بحياة هذا العظيم.
بعد التمهيد والتعريف بشخصية زيد بن علي، تحوّل المؤلف إلى ذكر طبيعة الحكم الأموي وخصائصه واتجاهاته والصراعات السياسية على السلطة داخل البيت الأموي مع ذكر شيء من تلك الصراعات وجذورها وتأثيرها على الجماهير ودورها في نشوء مذاهب وتيارات موالية ومخالفة، وأن تلك الظروف وصور الصراعات ساهمت في خلق حزبٍ معارض قوي مهيأٌ للثورة في أي لحظة.

بعد إعطاء لمحةٍ عامة عن طبيعة الحكم الأموي، ينتقل المؤلف إلى ذكر دوافع وواقع الثورة وأهدافها، حيث إن من أبرز الدوافع تفشّي الظلم والفساد والتي منها انتشار الفقر واحتقار بعض القبائل وتشديد القبضة على كل من تسوّل له نفسه بالمخالفة. ومن تلك الدوافع كذلك الاستهزاء بأبي الحسين زيد بن علي وإهانته من قبل هشام بن عبدالملك (ت 125هـ) في مجلسه بعد أن تم إشخاصه من المدينة إلى دمشق، وأمورٌ أخرى كثيرة ساهمت في قيام زيد بالثورة وطاعة عشرات الألوف لندائه؛ وذلك لما يتميّز به زيدٌ من خصائص كالعلم والشجاعة والفقاهة والفصاحة ومحبة الناس له ومؤهلات القيادة ...الخ.
ولم يخفى على زيد وضع بنودٍ لأهداف الثورة والتي منها وأهمها شعار (يا لثارات الحسين) والغرض من هذا الشعار أن المنظومة السياسية التي سفكت دم الإمام الحسين بن علي (ع) (ت 61هـ) وأهل بيته لا زالت قائمة وبشكل أقوى وأشد شراسة. كذلك من الدوافع إرساء دعائم العدل الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أخذ زيدٌ كافة التجهيزات اللازمة لهكذا تحرّك مسلّح، إلا أن الجاسوسية في نظام كالحكم الأموي ساهمت في إجهاض الثورة واتخاذ الإجراءات الصارمة والقاسية ضد تحرّك زيد وأصحابه الذين بذلوا مهجهم فداءً للدين ولدعوة قائد عظيم وفقيه كبير كزيد بن علي، حيث آلت الأمور بعد معركة قوية داخل الكوفة إلى قتل زيد والتمثيل بجثّته وبعض من ساهم في دعم هذا التحرّك بما في ذلك النساء اللاتي تعرّضن للجلد والقتل لأنهنّ أعنّ وساهمن في دعم هذا التحرّك من قريب أو بعيد.

لم يغفل المؤلف عن ذكر تفاصيل وقائع الثورة وعوامل فشلها وتقييمها، فقد أضاف بعض الفقرات حول مفهوم الثورة المسلّحة ومشروعيّتها عند أهل البيت (ع) مع تسليط الضوء على نظرية قيادة الإمام للأمة ودوره، وموقف الفكر الإمامي المتمثل في موقف الإمام الصادق (ع) (ت 148هـ) من ثورة زيد بن علي، والتي حظيت بشرعية ودعم من قبله، بل بدعم من فقيه آخر وهو أبو حنيفة النعمان (ت 150هـ) حيث دعم أبو حنيفة هذا التحرّك بمبلغ يقدّر (30000 دينار)، مفنّداً – المؤلف – بعض الشبهات التي أسقطها بعض المؤرّخين حول رفض زيد بن علي لفكرة الإمامة والتي تتبناها الشيعة الاثنا عشرية، وشارحاً تلك النصوص الواردة في بطون الكتب ومؤدّاها بما يتناسب مع المقام.

رحم الله أبا الحسين زيد بن علي رحمة الأبرار

وحشره مع آبائه الأطهار.

الأحد، 2 أكتوبر 2016

ثورة الحسين في ظلال نصوصها ووثائقها - للشيخ الفضلي



ثورة الحسين في ظلال نصوصها ووثائقها
الدكتور/ عبدالهادي الفضلي

عرض وتعريف: عبدالله بن علي الرستم

تُعد ثورة الحسين من الثورات المهمّة في تاريخ البشرية، باعتبار مكانته والظروف المعاصرة له والنتيجة التي آل إليها مصيره. فالشيخ الفضلي يتناول المسألة من زوايا يرى أهميتها من خلال النقاط التي تعرّض لها، حيث يبدأ بقراءة التحرك الحسيني من خلال رؤية اجتماعية وفق تقسيمٍ ارتآه، يندرج تحت موضوع رئيسي وهو التضحية وأنواع الحركات اﻻجتماعية، وهي:
- حركة إصلاحية.
- حركة انقلابية.
- حركة ثورية.
ومن خلال تلك الحركات يصنّف الفضلي حركة الحسين من النوع الأخير وهي (الثورية) وذلك ﻻنحراف المجتمع وقفزه على القيم والمبادئ وتسلل الخنوع والكسل في عدم القيام بأي جانب إصلاحي أو انقلابي أو ثوري تجاه ذلك الذُلّ، كلُّ ذلك بفعل السلطة السياسية، وهذا ما تشير إليه النصوص التي وردت في خُطَبِه.

ومعلوم أن لكل خيارٍ ﻷي تحركٍ معطيات تتمثل في النتائج التي يسعى لها صاحب هذا التحرّك، ومنها:
- العطاء الذي يقدّمه صاحب التحرك في حياته.
- العطاء الدائم فيما لو جنى ثمرات تحركه واستمراره بعد رحيله.
من خلال ذلك، يلجأ الدكتور إلى فرضية وضع منهجٍ تاريخي يقرأ الشخصيات الثورية والإصلاحية التي تحرّكت لصيانة اﻻنحراف القائم أو إعادة الناس لقيم ومبادئ الإسلام، وليس من المنهج التاريخي قراءة سير الظالمين الذي أبعدوا الناس عن حظيرة الإسلام وقيمه ومبادئه، حيث وظيفة التاريخ تعرية من أساء إلى اﻷمّة الإسلامية، وذلك بوجوب قراءة سيرة الحسين # من خلال تحركه وعطائه الذي هو امتداد لرسول الله ^، وفوائد ذلك متمثلة في خطاباته # المليئة بالثروة اللغوية المهمة، وتصويره للمجتمع المعاصر له من جماهير بشرية وحكامٍ ظالمين، وتوضيح مركزية أهل البيت # وغير ذلك.

لم يكن حديث الشيخ الفضلي مجرد تنظيرٍ لقضية ما، حيث كان للشواهد حضورٌ في تلك الأسطر، فقد انتقى مجموعة من نصوص تاريخ واقعة الطف التي تصوّر مدى وجوب التضحية من قبل شخص له المكانة العظمى كالحسين بن علي #، والنصوص المختارة ليست الصادرة من لسانه الشريف #؛ بل كان لخطب الهاشميين دورٌ في تصوير حالة المجتمع في تلك الفترة كخطب زين العابدين والسيدة زينب $ وغيرهما، وهذا ما يسعى إليه الشيخ الفضلي في تنظيره، حيث النصوص تُعدّ عاملاً مساعداً في قراءة الواقع اﻻجتماعي الذي يفرض حالة معينة من التحرّك إما الإصلاح أو اﻻنقلاب أو الثورة، فكانت النتيجة من نصيب (الثورة) التي ساهمت في تغيير المجتمع وآتت عطاءها إلى هذا اليوم.


الخميس، 16 يونيو 2016

جدل الرؤى - للشيخ الفضلي

جدل الرؤى في الفضاءات المرجعية للثقافات المعاصرة
الدكتور عبدالهادي الفضلي
دار الرافدين – بيروت
الطبعة الأولى – 1427 (2006م)
120 صفحة


عرض وتعريف: عبدالله بن علي الرستم

مقالات خفيفة، والعمق يلفُّ حروفها، تنبئ عن وعيٍ وتجربةٍ في العمل والتنظير الإسلاميين، وتُعد مواكبة للأحداث في الفترة التي كُتبت فيها ولا زالت، فهي تعالج مواضيع عدّة وفق رؤية هادئة تعتمد على قراءة علمية لتلك المواضيع.
        فرغم تنوّع هذه المقالات من حيث اختلاف الرؤى، إلا أن المعالجة جاءت بطرق مختلفة وواقعية والغاية واحدة، حيث المعالجة أتت عبر مباضع خاصة، والغاية إصلاح المغالطات المرتبطة بتلك الرؤى، وهي كذلك تنمّ عن تتبعٍ وقراءة واسعة لتلك القضايا، وفي ذات الوقت فإن تلك المواضيع بحاجة إلى شخصية كرّست نفسها في العمل الثقافي الإسلامي الحركي غير المتجمّد. هذه المقالات المهمة بحاجة مثقفينا أن يطّلعوا عليها؛ لأننا لا زلنا في نقاشٍ وجدلٍ حولها حتى وقتنا الراهن، وسبب هذا الجدل الدائر المستمر هو أننا غفلنا عن طرق المعالجة، فليس من الإنصاف أن نعالج قضايانا بدون أدوات عصرية، وليس من الحق أن نعالج هذه القضايا بأدوات وثقافة غيرنا، لذا أتت هذه المقالات من صميم الحاجة التي نعيشها.
وأتت المقالات على النحو التالي:
- المعرفة ودورها في تحصيل العقيدة.
- توفير حق الحياة.
- الحرية مفهوم حائر.
- الدراسات المقارنة ودورها في حل مشكلات الفكر الإسلامي.
- الفكر التشريعي وتحضير الأمة.
- بين الواقع والبديلين.
- الوعي السياسي ودوره في تحديد الموقف.
- من المغالطات سياسياً.
- الهوية الإسلامية أولاً.
- التلاعب بالألفاظ سياسياً.
- ليس غزوا حضارياً.
- المعادلة السياسية القاسية.
- السلام سبيل للمسلمين أو عليهم.
- البوليسية نهاية الاستعمار.
حيث كانت معالجة المؤلف بطريقة التعريف اللغوي قبل كل شيء، وذلك لئلا يكون هناك فهم خاطئ بعيدٌ عن الغاية المراد الوصول لها، فأي قضية لابد من فهمها قبل التوغل فيها؛ لأن التوغل فيها دون شرح الجذور اللغوية وفهم المراد منها يساهم في تحديد نقطة الانطلاق، وبغير ذلك لا يمكن معرفة المسار، يضاف إلى ذلك وضع المصطلح بلغاتٍ أخرى وتعريفها ومقارنتها بالمفهوم الذي انتقل إلينا مما يساهم في مناقشة الفكرة مناقشة علمية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تناول كلمة (العلمانية) ص89 ومعناها بكسر العين وفتحها، فـ(العَلمانية) بالفتح تعني: فصل الدين عن الدولة، و(العِلمانية) بالكسر تعني: فصل الدين عن العلم.
        
ثم انطلق المؤلف إلى تفصيلهما عبر قراءة معجمية من اللغتين اللتين جاءت منهما الإنجليزية والفرنسية، وغرض ذلك كشف التلاعب الذي تم استخدامه لأغراض سياسية أو غيرها، وهذه القراءة قلّما نجدها في مقالات صحفية، في حين أن الشيخ الفضلي يعطي القارئ أهمية لما يسطّره قلمه حول ما يرتبط بالقضايا الثقافية والفكرية المعاصرة.


ولا يخفى على المتابع لمؤلفات الشيخ الفضلي أنه من المؤمنين بالمشروع الإسلامي حكماً ونظاماً وذلك عبر رؤى يطرحها في كثير من مؤلفاته، وما المقالات التي طرحها إلا جزءٌ من إيمانه بما يطرحه، حيث الغاية التي يسعى لها في ذلك الطرح هو: الرؤية الإسلامية بجميع أبعادها، ولم يقتصر العلامة الشيخ الفضلي في تناول هذه المسائل في هذا الكتاب فحسب، حيث هناك مجموعة من الأبحاث المتوزعة في كتبه المتنوعة، وذلك حسب المناسبة وسياق الموضوع.

الأربعاء، 15 يونيو 2016

د. خلوف يطرح طريقة جيدة لكنها مسبوقة بأكثر من عشرين عاماً.

في كتاب "كن شاعراً"

د. خلّوف يطرح طريقة جيدة لكنها مسبوقة بأكثر من عشرين عاماً!

بقلم: عبدالله علي الرستم
كتاب "كن شاعراً" للدكتور عمر خلّوف كتاب يعتبره مؤلفه طريقة جديدة وميسرة لتعلم أوزان الشعر العربي، وذلك بابتعاده عن المسميات العروضية ك (الخبن، الطي، العصب.. إلخ) وغيرها من المسميات التي يقول عنها المؤلف أنها عديمة الفائدة والجدوى، ويمكن الاستغناء عنها اكتفاءً بوصف الحدث.
وهي بالفعل طريقة جيدة، إلا أنها مسبوقة بأكثر من عشرين سنة، وذلك حينما كتب كتابه الدكتور عبدالهادي الفضلي (تلخيص العَرُوض) عام 1403ه، بدار البيان العربي في جدة.
وطريقة الدكتور الفضلي تعتبر رائدة، وهو صاحب الكتب الرائدة في تيسير العلوم مثل (مختصر النحو، الصرف، تهذيب البلاغة) وغيرها من الملخصات في كثير من العلوم، ليجعل من مؤلفاته سهلة التناول في أيدي القراء غير المتخصصين والمتخصصين.
وإليك بعض الملاحظات التي تم تدوينها على كتاب (كن شاعراً) لمؤلفه الدكتور عمر خلّوف:
1- ص 44، بالنسبة لمفتاح بحر "المتدارك" الذي قال فيه:
دوركت في البحور لنا فاعلُ
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلُ
لاحظ أن هناك إشباعاً في كلمة (البحور) وهذا يعتبره الشعراء عيباً في الشعر، فيا حبذا لو تمت إعادة صياغة الشطر الأول أو تغييره.
2- ص 44، بالنسبة لمفتاح بحر "الخبب" الذي قال فيه:
خببٌ يجري فيه القول
فعءلُن فعءلُن فعءلُن فعءلُ
لو قطنا كلمة (خَبَبٌ) لصارت (o///) أي (لعلُن) وهذا على خلاف تفعيلة البحر (فعَلُن).
3- ص 44: بالنسبة لمفتاح بحر "اللاحق" الذي قال فيه:
ولاحق حقه ماثلُ
مستفعلن فاعلن فاعلُ
لو قطعنا كلمة (ولاحق) لصارت (o//o//) أي (مُتَفءعلَن) وهذا على خلاف تفعيلة البحر (مستفعلن).
4- ص 44: بالنسبة لمفتاح بحر "المخلَّع" الذي قال فيه:
مخلَّعٌ في الأسماع يحلو
مستفعلن مفعولاتء فعلُ
لو قطعنا كلمة (مُخَلَّعٌ) لصارت (o//o//) أي (مُتَفءعلَن) وهذا على خلاف تفعيلة البحر (مستفعلن).
5- ص 44: بالنسبة لمفتاح بحر "الدوبيت" الذي قال فيه:
هذا لحن عن الدبيتي قولوا
فعَلن فعَلن مستفعلن مفعولُ
لو قطعنا كلمة (عن الدبي) لصارت (o//o//) أي (مُتَفءعلَن) وهذا على خلاف تفعيلة البحر (مستفعلن).
6- في الخمسة البحور التي تم إضافها قال إنه أضاف بحر "المتدارك" و"الخبب".
وأقول: إن بحر "المتدارك" ذكره بعض من كتب في العروض ومنهم الهاشمي في كتابه "ميزان الذهب في صناعة شعر العرب" حيث ذكره بحراً مستقلاً بتفعيلاته.
وربما أتفق مع الدكتور حول وضع "الخبب" كبحر مستقل حتى يسهل التعامل معه كبحر وليس مجزوءاً من بحر، علماً أن صفي الدين الحلي وضع له مفتاحاً، إلا أن البعض أسماه "المُحدث" أو "المتدارك" وتجزأت منه تفعيلات ومنها ما تم تسميته ب "الخبب".
وخلاصة كلامنا أن "المتدارك" و"الخبب" موجودان إلا أنه قام بعزلهما كبحرين مستقلين حتى يسهل التعامل معهما، وكذلك بحر "المخلّع" فإنه موجود، وكم تمنيت أنه أشار أن بعض البحور الخمسة التي أضافها أوضح كيفية الإتيان بها، وأنها أجزاء من بحور تم عزلها ليسهل التعامل معها.
7- تم الإكثار من الاستشهادات بشعر الشعراء المعاصرين، وهذا في نظري إجحاف بحق الشعراء القدماء، لأن هذه التفعيلات التي تفرعت من البحور دليل على أن هناك من استخدم هذه التفعيلات من القدماء، وإلا كيف تم التوصل لها!!
ولذا أرى من الإنصاف أن يتم الاستشهاد بشعر القدماء والمعاصرين، حتى يتسنى للقارئ الناشئ أن يتعرف على شعر القدماء والمعاصرين حول استخدام هذه التفعيلات عندهم.
8- إن بعض الاستشهادات لا توافق التفعيلات التي من أجلها وضع هذا البحر أو ذاك، ومثال ذلك:
ص 117: في هذه الصفحة تم وضع التفعيلة من بحر "الخبب" (فَعءلُن فَعءلُن) ولكن الاستشهاد خالف التفعيلة (أنا أعطيه) + (أنا أسقيه) (o/o/o///) في كلا البيتين.
ص 119: في هذه الصفحة تم وضع التفعيلة من بحر "الخبب" (فَعءلُن فَعءلُن فَعءلُن = فَعءلُن فَعءلُن فَعءلُن) ولكن الاستشهاد خالف هذه التفعيلات (ووروداً تبقى تحت ثلوجك منحنية)، ولو قطعنا البيت لصار (o/// - o/// - o/// - o/o/ - o/o/ - o///) وغيرها من الاستشهادات الكثيرة التي خالف الاستشهاد التفعيلة، حيث كان من المفترض وضع الشواهد مطابقة للتفعيلات، حتى يتسنى للقارئ الناشئ أن يأخذ شيئاً سليماً، وأعلم أن ذلك جائز في هذه البحور وغيرها، ولكن من باب الأولى أن تكون الشواهد مطابقة للتفعيلات، حتى تكون الذائقة لدى الملتقى سليمة لا تشوبها شائبة، وقد سبق هذا التأليف (كن شاعراً) كتاب (تلخيص العروض) للدكتور عبدالهادي الفضلي، الذي حافظ على الإتيان بشواهد شعرية تطابق التفعيلة، واقتصر كذلك على التفعيلات المشهورة دون الإيغال في المسميات العروضية، بل اكتفي بالإتيان بالتفعيلة التي تجوز في البحر مع شاهد واحد فقط، وتارة يضيف بعض المقطوعات الشعرية في بعض البحور، وقد صدر هذا الكتاب عام 1403ه من دار البيان العربي بجدة، علماً أن الدكتور الفضلي ألفه قبل هذا التاريخ، حيث اعتمدت جامعة أوسلو تدريسه بقسم اللغة العربية بعد عام 1980م كما هو مذكور في مقدمة كتاب تلخيص العروض.

نشرت في جريدة الرياض، العدد رقم (14328)، بتاريخ 4 رمضان 1428هـ (16 سبتمبر 2007م).
http://www.alriyadh.com/279973

الأربعاء، 27 يناير 2016

خطتك لزيارة معرض الكتاب


ماهي خطتك لشراء كتب من معرض الكتاب بالرياض؟


بقلم: عبدالله بن علي الرستم




هذه أفكار مقترحة لمن أراد أن يشتري كتاباً من معرض الكتاب بالرياض، وذلك بناءً على تجربتي لزيارته أكثر من مرّة في سنوات سابقة.
المقترحات:
·       حدد المبلغ الذي ستشتري به؛ لئلا تصرف أكثر مما رصدته.

·       انتبه لمقتنياتك الشخصية، ومنها الأموال والهوية الوطنية والأوراق الرسمية.

·        اكتب قائمة الكتب التي تريدها، موضحاً فيها اسم المؤلف والدار والمحقق إن استلزم الأمر.

· بإمكانك التعرّف على أسعار الكتب من خلال موقع المعرض على الشبكة العالمية للمعلومات Internet.

·   حال دخولك صالة المعرض، يوجد خريطة بأسماء دور النشر، شأنُ هذه الخريطة أنها تسهّل عليك الوصول إلى الدار بسرعة، وذلك كسباً للوقت والحصول على ما تريد.

·   انتبه من أسماء الدُور المتشابهة، وهذا تعرفه من خلال الخريطة، حيث يتضح فيها الدولة التي أتت منها الدار.

·       اطلب قائمة الإصدارات من الدار إن كنتَ ممن يهتم بذلك.

·  تصفح الكتاب قبل شرائه، وذلك من خلال قراءة جزء من المقدمة، أو الفهرس وذلك لغرض التأكد من أنك تريده.

·  احرص على أخذ فاتورة الشراء من الدار، وذلك لإعطاء نسخة للبوابة وأخرى تضعها في الكتاب؛ لتعرف كم صرفتَ من ميزانيتك.

·       احرص على حمل كتبك بعد شرائها؛ لئلا تنساها ولا تتذكر إلا بعد فوات الأوان.

· تأكد من سلامة الكتاب من حيث عدم وجود صفحات فارغة أو طمس في بعض السطور أو نحو ذلك.

· يوجد قسمٌ خارج الصالة لاستبدال الكتب المستعملة، مثلاً: لديك كتاب في الأدب تستبدله بكتاب في الأدب، وكتاب في الجانب الديني تستبدله بكتاب ديني ... وهكذا.

·  يوجد فرع لوزارة الثقافة والإعلام، والتي بدورها توزّع بعض الكتيّبات الجميلة بالمجّان، ككتب الأطفال وبعض الدراسات المهمة.

·   حينما يكون معك صديق، حاولا التعاون في اقتناء الكتب المهمة والمفيدة، وليرشد أحدكما الآخر حول اقتناء المهم؛ لئلا يذهب وقتك سدى دون فائدة.

·        إن كان لك جولة أخرى في المعرض، تعرّف على أسماء دور النشر وما هو متوفر لديها.

·    إن كان لديك وقتٌ تعرّف على أصحاب دور النشر واصنع علاقات من خلال النقاش والتواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة، فإن هذا التواصل والتعرّف يكسبك الكثير من معلومات في عالم الكتاب العربي.

·  بعد انتهاء المعرض احرص على قراءة أبرز الأفكار فيما اقتنيته؛ لأنك اقتنيت لتستفيد وتثري عقلك بالقراءة وليس للتجميع.

والله الموفق..


الثلاثاء، 26 يناير 2016

زاكي بن كامل القطيفي



زاكي بن كامل القطيفي

(000 – 546هـ)


بقلم: عبدالله بن علي الرستم


مقدمة:
لا يخفى على ذي لبٍّ ما لكتب التراجم من أهمية بالغة، ذلك أنها تحفظ لنا الكثير من الشخصيات البطولية والإبداعية في جميع ميادين الحياة، ولذا فقد حفظت لنا هذه الكتب أسماء المحدّثين والفقهاء والشعراء واللغويين ... وغيرهم، ومع مرور الزمن إما أن يكون لهذا العَلَم حضور في مجاله أو يُنسى إذا لم يكن له نتاجٌ يخلّدهُ في بعض فنون المعرفة، والتاريخ مليءٌ بهؤلاء الأعلام الذين خدموا العلم بجميع فنونه واتجاهاته، ومن البدهي أن يحصل شيء من اللَّبسِ في اسم هذا العَلَم أو اسم أبيه أو قبيلته نتيجة خطأ ناسخٍ أو سقوط كلمة من الكتاب المخطوط أو التقادم أو سوء الحفظ ونحو ذلك من الأسباب الطبيعية التي ينتج عنه هذا الخطأ.
وما لفت انتباهي أثناء قراءتي لكتاب الأعلام للزركلي وجود شاعر اسمه (زاكي بن كامل القطيفي) الملقب بـ(أسير الهوى) فأحببت أن أسبر غور هذه الملابسات للوصول إلى نتيجة قد تكون أقرب إلى الواقع، وهذا ما حداني إلى تتبع المصادر التي نقل منها الزركلي والكتب التاريخية والأعلام لأقع على اختلاف كتب التراجم في نسبته، فذاك ينسبه أنه قطيفي وآخر ينسبه قطيعي!! وكما يعلم الباحثون أن التصحيف يقع في كلمة بأسرها فكيف في حرف رَسْمُهُ قريبٌ من الحرف الذي حلّ محلّه (قطيفي/قطيعي).
لذا أحببت أن أصحح شيئاً من الخطأ الذي وقع فيه الزركلي بشيءٍ من البحث والمقارنة لأصل إلى نتيجةٍ علميّة تخدم الباحثين في هذا المجال.

زاكي بن كامل في كتب التراجم:
ولكي نعرف تباين الآراء التاريخية حول نسبته بين (القطيعي) و (القطيفي) نستعرض بعض أقوال المؤرخين وكُتّاب التراجم وأقوالهم، وذلك على النحو التالي:
*  خير الدين الزركلي[1]:
أسير الهوى (000 546هـ = 000 = 1151م)
زاكي بن كامل بن علي، أبو الفضائل الهيتي القطيفي المعروف بالمهذب، والملقب بأسير الهوى: شاعر، في معانيه وألفاظه رقة وحلاوة. كان يقال له "أسير الهوى قتيل الريم" أصله من القطيف (على الخليج الفارسي) وشهرته في "هيت" وهي بلدة على الفرات[2].
إرشاد الأريب 4: 215 وفوات الوفيات 1: 163. اهـ.

*  محمد علي التاجر البحراني (ت 1387هـ)[3]:
زاكي بن كامل بن علي المقلب بأسير الهوى القطيفي
العالم العامل المهذب الفاضل الأديب الكامل أبو الفضائل الشيخ زاكي بن كامل بن علي المعروف بالمهذب الهيتي القطيفي الملقب بأسير الهوى، قاله ياقوت في معجم الأدباء وقال: كان أديباً فاضلاً شاعراً رقيق الشعر مات سنة 546 ومن شعره: [البسيط]
عيناك لحظهما أمضى من القدر = ومهجتي منهما أضحت على خطر
يا أحسن الناس لولا أنت أبخلهم = ماذا يضرك لو متعت بالنظر
جد بالخيال وإن ضنّت يداك به = فقد حذرتُ وما وقيت من حذر
يا من تمكّن في قلبي الغرام به = لا تبتلي مقلتي بالدمع والسهر
زوّد بتوديعة أو وقفةٍ فعسى = يحيى بها نضو أشواقٍ على سفر
وقال: [البسيط]
أفعال ألحاظه المرضى الصحاح بنا = أضعاف ما يفعل الصمصامة الذكرُ
عجبت من جفنة بالضعف منتصراً = على القلوب ويقوى وهو منكسر
ومن لهيبِ خدودٍ كلما سقيت = ماء الشباب بنار الحسن يستعر
إن مجّ في الشرق من فيه الرضاب ترى = من عرف ريّاه أهل الغرب قد سكروا
شهود صدق غرامي فيك أربعة = الوجد والدمع والأسقام والسهر
وقال: [المديد]
سيدي ما عنك لي عوض = طال بي في حبك المرض
كم بلا ذنب تهددني = فجفوني ليس تغتمض
أبغير الهجر تقتلني = لا أبالي هجرك الغرض
ورضائي في رضاك فقل = ما تشاء لست أعترض
أنت لي داء أموت به = كم أداويه وينتقض اهـ.
التحليل:
من خلال النقل الحرفي من كلا المصدرين السابقين وحفاظاً على أمانة النقل، أقول: إن الزركلي أو ممن نقل عنه وقعا في خطأ نسبة زاكي بن كامل، وربما هو تصحيفٌ في (معجم الأدباء) لياقوت الذي نقل منه التاجر، خصوصاً وأنهما لم يذكرا أية قرينة تدعم ما ذهبوا إليه في نسبة أسير الهوى إلى القطيف!! إلا اعتماده على ما ذكره ياقوت في (معجم الأدباء).
خصوصاً وأن مصادرَ أُخرى ذكرت خلاف ذلك، أمثال:
ابن العديم (ت660هـ) في بغية الطلب[4]، والصفدي في الوافي بالوفيات[5]، وكذلك صاحب: فوات الوفيات[6] يرون أنه (قطيعي) وليس (قطيفي)، ذلك أنهم أسموه (زاكي بن كامل بن علي القطيعي) وذكر صاحب الوافي له أبياتاً من الشعر غير التي ذكرها ياقوت[7].
ولعل شهرته في (هيت) بلدة على الفرات كما وصفها الزركلي وكما نقلنا عن ياقوت في معجم بلدانه أقرب قرينة على كونه (قطيعي) وليس (قطيفي). نعم .. لو كان (زاكي بن كامل) يُنسب إلى هيت الواقعة في دحلٍ تحت عارض جبل باليمامة[8] لكان بالإمكان أن يُنسب إلى القطيف وإلى هيت الواقعة في اليمامة لقرب المسافة بينهما، أما وأنه يُنسب إلى هيت الواقعة على نهر الفرات فذاك مستبعد أن يكون مترجمنا قطيفياً، مع خلو الأدلة الذاهبة إلى ذلك من قرائن.
وقد ذكر ابن العديم أنه من أهل هيت، وصل إلى الموصل، وقدم منها إلى الشام واجتاز في طريقه بحلب أو ببعض عملها، ونقل له ابن العديم شعراً مسنداً عمن نقل عن زاكي بن كامل، بيد أن ابن العديم يختلف مع غيره في اسم جده (المسلم) حيث قال: (زاكي بن كامل بن المسلم القطيعي) والآخرون ذكروا بأن اسم جده (علي).
وقال السمعاني في الأنساب[9]: (القطيعي) بفتح القاف وكسر الطاء المهملة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها العين المهملة.
وهذه النسبة إلى القطيعة، هي مواضع وقطائع في مجال متفرقة ببغداد. ثم ذكر جملة ممن كانت نسبتهم إلى هذه المواضع، ومن تلك القطائع: قطيعة الربيع، وقطيعة الدقيق، وقطيعة أم عيسى وغيرها من القطائع التي يُنسب إليها خلقٌ كثير من الأعلام.
ولا بأس بالإشارة إلى أحد الصحابة المشهورين الذين ينتمون إلى قبيلة (بني قطيعة)، وهو حذيفة بن اليمان القطيعي[10]، والذي أكد عليه غير واحدٍ من كُتّاب التراجم.

نسب آل قطيعة:
وتدعيماً لما أميلُ إليه من الرأيين سالفي الذكر أضيف التالي:
إن (بنو قطيعة) بطنٌ من عبس بن بغيض من العدنانية، وهم: بنو قطيعة بن عبس بن بغيض من العدنانية[11]، وبنو عبس بطنٌ من غطفان من العدنانية، وهم: بنو عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، وغطفان له من الولد قطيعة وورقة[12]، ومنازلهم مما يلي وادي القرى وجبلي طي أجا وسلمى[13].
ونظراً لانتشار هذه القبيلة في شمال الجزيرة العربية ونهر الفرات، فقد كان هناك الكثير من الأسماء التي تنتمي إلى قبيلة (قطيعة)، وكما يذكر الخوارزمي[14] في مقتله أن نافع بن هلال الجملي (ت 61هـ) قتل رجلاً من بني قطيعة في واقعة كربلاء، مما يدلل أنهم ممن يقطن عند الفرات كما ذكر الزركلي وغيره من المؤرخين الذين استعرضنا أقوالهم.

خلاصة الحديث:
حول التعريف بمترجمنا (زاكي بن كامل القطيفي) يبدو لي من خلال ما سقته من أدلة، أن زاكي بن كامل (قطيعي) نسبة إلى (بني قطيعة) وليس (قطيفي) وذلك للقرائن المذكورة في هذا الصدد والتي تثبت أنه من (بني قطيعة) القبيلة القاطنة على نهر الفرات، فيكون اسمه (زاكي بن كامل القطيعي).


[1] الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين بيروت، الطبعة السابعة عشر 2007م، ج3 ص40.
[2] هِيتُ: بالكسر واخره تاء مثناة. قال ابن السكيت سميت هيتُ هيتَ لأنها في هوة من الأرض انقلبت الواو ياءٍ لانكسار ما قبلها، وقال رؤبة: في ظلمات تحتهن هيت، أي: هوة من الأرض، وقال أبو بكر سميت هيت لأنها في هُوة من الأرض والأصل فيها هوْت فصارت الواو ياءٍ لسكونها وانكسار ما قبلها وهذا من باب أهل اللغة والنحو، وذكر أهل الأثر أنها سميت باسم بانيها وهو: هيت بن السبندى ويقال البَلنْدَ بن مالك بن دُعْر بن بويب بن عنقا بن مدين بن إبراهيم عليه السلام، وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة وهي مجاورة للبرية طولها من جهة المغرب تسع وستون درجة وعرضها اثنتان وثلاثون درجة ونصف وربع وهي في الإقليم الثالث. [معجم البلدان، ياقوت الحموي، "هيت"].
وينبغي التفريق بين (هيت) الواقعة على الفرات، وبين هيت الواقعة في اليمامة، جنوب نجد، حيث تقع (هيت) التي في اليمامة في الوقت الحاضر على طريق يصل العاصمة السعودية الرياض بمحافظة الخرج من جهة الجنوب.
[3] منتظم الدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين، محمد بن علي التاجر البحراني، ص178 (مخطوط).
[4] بغية الطلب في تاريخ حلب، "ابن العديم" كمال الدين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي (660هـ)، حققه وقدم له الدكتور/ سهيل زكّار، مؤسسة البلاغ بيروت، 1408هـ (1988م)، ج8 ص3728.
[5] الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي (ت 764هـ)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط و تركي مصطفى، دار إحياء التراث بيروت، 1420هـ (2000م)، ج14 ص10-11.
[6] فوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1974م، 2/27/155.
[7] بعض ما ذكره صاحب الوافي من شعر زاكي بن كامل:
لي مهجة كادت بحر كلومها = للناس من فرط الجوى تتكلم
لم يبق منها غير أرسم أعظم = متجددات للهوى تتظلم
[8] معجم البلدان، ياقوت الحموي، [هيت].
[9] الأنساب، عبدالكريم السمعاني (562هـ)، تقديم وتعليق: عبدالله البارودي، دار الجنان بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ (1988م)، 4/528.
[10]  حذيفة بن اليمان القطيعي: حذيفة بن اليمان يكنى أبا عبدالله واسم اليمان حسيل بن جابر، واليمان لقب وهو حذيفة بن حسل ويقال حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس العبسي القطيعي من بني عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان حليف لبني عبد الأشهل من الأنصار ...الخ. [الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبدالبر "338هـ" (باب: حذيفة).
[11] نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، أبي العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت 821هـ)، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ (1984م)، ص359.
[12] نهاية الأرب، القلقشندي، ص313.
[13] نهاية الأرب، القلقشندي، ص348.
[14] مقتل الحسين (ع)، أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي "أخطب خوارزم" (ت 568هـ)، تحقيق الشيخ/ محمد السماوي، دار الحوراء بيروت، الطبعة الثانية 1430هـ، ج2 ص18.

نُشر هذا البحث في مجلة الواحة العدد (66).


وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...