الجمعة، 4 سبتمبر 2020

رأي في النقد

 

                       


                                                                  

                                                                بقلم: عبدالله بن علي الرستم

تمهيد:

فكرة تراودني منذ سنوات، قرأتها تصريحاً وتلميحاً وصرّح بها كثيرون، وهي: لابد من نقد الأفكار ولو حساب إثارة بلبلة اجتماعية، أو بعبارة أخرى: لابد من تفعيل النقد وصدم المجتمع، أو بعبارات أخرى تصبُ في ذات الفكرة.

بداية، لا أحد يلغي مسألة النقد، فبه تتقدم المجتمعات، وبه تُصان الأفكار، إلا أن محل الخلاف هو مراعاة عناصرٍ ثلاثة إن لم تكن أكثر، وهي:

باعتبار أن هذه المسائل الثلاث من المسائل العقلائية والعُرفية في آنٍ واحد، أي: لا أحد يختلف بحسب وجهة نظري على ما للأسلوب ولغته دورٌ في مدى تقبل المسألة محل النقد اجتماعياً وثقافياً، فبغياب اللغة المناسبة يفقد النقد قيمته، ويتحوّل إلى عنوان آخر، أو ما يُمكن تسميته بأدب النقد، فالأسلوب بما يحمل من عنصرٍ جذّاب تبقى له أهميته الكبيرة، مهما بلغت الفكرة مكانتها وأهميتها، قال تعالى: (ولو كنتَ فظاً غليظ القلبِ لا نفضوا من حولك)، وقال تعالى (فقولا له قولاً ليّنا لعله يتذكر أو يخشى) فهي مسألة مزيجٌ بين الموعظة والنقد، أما المؤمنون بالنقد الصادم أو بصدم المجتمع عن طريق النقد دون مراعاة النتائج، فهذا لا يتناسب مع من يحمل بين جنباته لغة ناقدة أو مشروعاً نقدياً، والتي قد تُفهم بأنها لغة ناقمة أو أزمة في طبيعة العلاقة بين الفكرة والناقد.

أما من حيث الزمان والمكان، فهما من الوضوح بمكان، فليس من اللائق أن تقدم لوماً لغريقٍ قبل أن تنقذه، فيجب مراعاة ظرفي الزمان والمكان، فإذا ما تم إنقاذ هذا الغريق، بإمكاننا حينها توجيه العتاب والنقد أو نحو ذلك مما يساهم في توعيته، والشواهد في ذلك كثيرة.

ويبقى النقدُ حالة صحية إذا ما روعيت فيه بعض العناصر المهمة كالتي ذكرنا، وغيرها.

أدوات النقد:

لاشك أن للنقد أدوات، بمعية المسائل التي ذكرتُ آنفاً، فلا يصحُ للناقد أن يمارس نقده في كلِّ شيء وهو لا يمتلك معرفةً في المجال محل النقد، فلو جئنا إلى بعض حالات التلوّث الحاصلة في بيئاتنا بشتى صورها، فإنه بالدرجة الأولى ستكون حالة من الفوران النفسي والتحفيز الذهني تدعو الإنسان إلى النقد لهذا التلوّث الحاصل، بيد أن حالة تأملٍ من الناقد بالنظر إلى متطلبات الحياة المعاصرة لابد بتصوّر أوّلي من هذا التلوّث، نتيجة الصناعات الخاضعة للحرارة العالية، والانبعاثات الكربونية وما تحمله من مواد كيماوية بفعل تفاعلات مختلفة، وسيكون أكثر وعياً حينما يكون على مقربةٍ من هذا المجال، كتشكيل زيارةٍ لذلك المصنع، وتنسيق زيارة لمسؤول أو باحثٍ في هذا الشأن، فإذا ما تم ذلك فإنه سترحلُ عنه نصف الأسئلة العالقة في ذهنه، وإذا كان ذا نباهة سيساهم في تقديم أفكاره بشكلٍ آخر، وبلغة أخرى، وربما توقف عن النقد لعدم إلمامه بالمجال محل النقد.

إذاً .. أدوات النقد بمعيّة الإلمام بالمادة محل النقد لابد منهما؛ لتكون مسألة النقد شمولية بشمولية الوعي، وبدون ذلك لا يمكن أن يُسمّى نقداً إذا افتقد إلى الأدوات الخاصة بهذا العلم.

غاية النقد:

كانت جلسةً مع صديق في إحدى الجلسات منذ سنوات قريبة مضت، وكان قد أعدَّ موضوعاً حول تقسيمات النقد، وأنه إن لم تخنّي الذاكرة صنفها إلى ثلاثة أقسام أو مدارس:

1. أن الناقد وظيفته النقد.

2. أن الناقد ليس معنياً بتقديم البديل.

3. أن الناقد معنيٌ بتقديم البدائل محل النقد.

وكنتُ ولا زلتُ أميلُ إلى النقط أو المدرسة الثالثة إن جاز التعبير، ذلك أن الناقد كلّما كان ملمّاً بالمادة محل النقد استطاع أن يقدم رؤية أكثر وضوحاً وشموليةً؛ لأن من تكون وظيفته النقد وفقط، فهذا لا يراعي ولم يعِ بعض الجوانب ذات الصلة بالقضيّة المنقودة، بل ربما يُخفق أو يُجحف حق أشخاص نقدهم وهو ليس على اتصالٍ بالظاهرة أو المسألة محل النقد، على خلافه من ينقد ويأتي بالبدائل، فإنه استطاع من خلال تفكيره أن يتوغل أكثر في المسألة والنظر في حيثياتها، والنظر في أبعادها المختلفة، مما يمكنه أن يضع حلولاً تساهم في ترقية المجتمع إلى مساحة أكبر تسعُ الجميع، وهي في ذات الوقت كما أتصوّر أن الحالة الإيجابية هي أن تأتي بالبدائل، فليس كل الناس على مستوىً واحدٍ من النشاط الذهني، ولذا نجد في الشركات العالمية الكبيرة، يوجد لديها مستشارون في جميع المجالات بالسلعة المصنّعة، ولذا نراهم ينجحون بفعل مستشاريهم الذين يدرسون المسألة على مدار سنوات ليصل ذلك المُنتج أو الفكرة إلى العالم كلّه، وأنهم على استعداد بنسبة أكبر على سد الثغرات أو معالجتها في حالة الطوارئ، وهذا ما يفتقده من وظيفته النقد فقط.

صحيفة بشائر الالكترونية:
http://www.bshaer.net/2020/09/05/sb-2/

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...