الاثنين، 17 أكتوبر 2022

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

 

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

 بقلم: عبدالله الرستم


 يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تحت سقف واحدٍ العديد من دور النشر المختلفة، والتي جاءت من أقطار مختلفة من الدول العربية وغير العربية، ويُعد المعرض من الفعاليّات المهمة في الحِراك الثقافي السعودي، والذي يرتاده جميع طبقات المجتمع (العلماء، الورّاقون، الباحثون، الرجال، النساء، الأطفال ...الخ)، وهذا إنما يدلُّ على عناية المجتمع السعودي منذ فترة ليست باليسيرة بهذه الفعالية المهمة، وما يصحبها من محاضرات وندوات ولقاءات ثقافية، وتوقيع إصدارات جديدة، ونحوها من الأمور ذات الصلة بهذه الفعالية.

وكما هو المعتاد في كل عام، هناك من يرصد الحَدَث من جميع جوانبه، فهناك من ينظر إلى الجانب التنظيمي، وآخر يتابع حركة الطباعة في العالم العربي كماً وكيفاً، وهناك من يتابع أسعار الكتب، وكلٌ يتابع حيثيات هذه الفعالية بحسب اهتمامه، وإن إعطاء نظرة شمولية حيال هذا المعرض لَهُوَ من الصعوبة بمكان، إلا أن العناية بتلك الحيثيات وإبداء الرأي فيها مهما كان قاصراً، يبقى محل تقدير؛ لأن عين الراصد مهما كانت قاصرة فإنها ستنضج بعد حينٍ، خصوصاً إذا كانت تنشدُ الحقيقة.

وكوني متابعاً لهذه الفعاليات منذ ما يزيد على عقدين ونصف من الزمان، فإني أوثّق بشكل موجز ما وجدته هذا العام، وذلك على النحو التالي:

1. (المساحة): تميّز المعرض هذا العام بتوسيع المساحة، مقارنة بالعام الماضي، حيث تم إنشاء مخيّم موازٍ للمبنى الرئيسي مجهّز بالإنارة وأجهزة التكييف، وهذا منح مشاركة عدد أكبر من دور النشر، ويساهم في عرض أكبر قدر ممكن من الكتب كماً وكيفاً، بالإضافة إلى أن عدد الزائرين بدأ يرتفع عن السنوات السابقة، مما يجعل حركة الزائرين أكثر سهولة في التنقل مع هذه المساحة الكبيرة.

2. (الدُور المشاركة): في السابق كانت هناك دور نشر مألوفة، تشارك كل عام، مما يوحي أن الدولة الفلانية هذا أشهر وأهم ما لديها من دور النشر والمكتبات، في حين أن هذا العام زاد عدد الدور المشاركة من دول عربية، وهذا ما أعطى المعرض لوحة أكثر إشراقاً من حيث التنوّع في العرض، مما جعل القارئ السعودي وغيره ينظر إلى الكتاب بعين أخرى إزاء هذا التنوّع الذي سيثري الجميع.

3. (التنظيم): حصلت انتقادات العام الماضي تجاه تنظيم القاعات وطريقة تصميم الأجنحة، في حين أن هذه السنة أعيد تنظيم الأجنحة بشكل يساعد الزائر على التحرّك بشكل أفضل، وإن كان هناك بعض الارتباك حول ترقيم الأجنحة، إلا أني أتصوّر سوف يعاد غربلة السلبيات في هذه الجزئية في المعرض المقبل، وهذا أملُ كل زائر.

4. (الأسعار): لا زالت قضية الأسعار تؤرّق الزائر الذي ساهم في نفوره لزيارة المعرض عدة مرّات، فبعض دور النشر يُقحم كل مشاكل الاقتصاد العالمي في ارتفاع أسعار الكُتب، في حين نجد بعض دور النشر تطبع كتبها على ورقٍ ممتاز، وإخراج لا يقل روعة عن نُظرائه، وأسعاره مناسبة ومعقولة، ولا أحد يعلم لغز ارتفاع الأسعار، فصاحب الجناح (العارِض) يرمي سهامه على قضايا متعددة، دون أن يحدد جذر المشكلة، فتارة يرمي باللائمة على أنه يتحمّل كل المصاريف من شحن، وسكن، ومأكل ومواصلات وإيجار جناح ...الخ، وتارة أخرى يضع لومه على ارتفاع الأسعار، وأن هناك مشكلة في ارتفاع أسعار مصممي الكتب والمترجمين، أو الورق وغير ذلك، وتارة يوجّه لومه على قضايا أخرى!! في حين أنه في العام المنصرم تكفّلت وزارة الثقافة بالشحن المجّاني ولم نجد أي انخفاضٍ يُذكر في أسعار الكتب!!

5. (وقت الزيارة): كانت هناك تغييرات في مواقيت الزيارة (الافتتاح والإغلاق)، وهذا جعل حالة التذمّر تزداد بحسب ما سمعته كثيراً من زائري المعرض أو أصحاب الأجنحة، حيث كان وقت الزيارة هذا العام من الساعة 11:00 صباحاً وحتى 12:00 منتصف الليل، وهذا في حد ذاته إرهاقٌ على أصحاب الدور، وعدم الاستفادة من الفترة الصباحية، بينما كان في الأعوام السالفة من العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساءً، فهي فترة معقولة جداً.

6. (الخدمات الأخرى): تم هذا العام زيارة عدد مواقف السيارات، وهذا أمرٌ مهمٌ للغاية، ونقل خدمات المشروبات الساخنة والمطاعم في المساحة الخارجية، دون إقحامها داخل صالة المعرض، تلافياً للازدحام، كذلك وضع منصّات التوقيع على مساحة كبيرة في زاوية محددة، وهذه الخدمات وتوزيعها يُعد جميلاً من حيث التقسيم المذكور.

7. (أخيراً): ربما أغفلتُ بعض الأمور، إلا أني لستُ بصدد الإحصاء وتقصّي كلَّ شيء، في حين أحببت الإشارة إلى هذه النقاط كوني أحد زوّار هذه الفعالية الجميلة التي تناسب البعض ولا تناسب آخرين، مع أملنا في تطويرها نحو الأفضل.

 تحياتي لكل زائر لمعرض الكتاب، والذي آمل منه أن يستفيد من زيارته التي أكسبته شيئاً من خوض التجربة والزيارة الميدانية لهذه الفعالية، والذي آمل منه بشكل أدق أن يلتفت إلى ما اقتناه من كتبٍ هذا العام وليقرأه بتأمّل؛ ليوجّه نظراته في المعارض القادمة نحو ما يحتاجه، وأن يرزقه المال الوفير والصحة التي ستساعده حتماً على زيارة هذه الفعاليات الجميلة.

 

الأحد، 8 مايو 2022

ماذا عن عناوين الكتب الظريفة؟!

 


ماذا عن عناوين الكتب الظريفة؟!

?عبدالله بن علي الرستم

 يقودني الفضول في قراءة عناوين الكتب التي تحملُ ظرافة في العنوان، والتي يبتعد عنها بعض القُرّاء، إما بحجة الترف الثقافي، أو ما يُعبر عنها أنها كُتُبٌ للفراغ، أو تحت أي مسمى يُطلق عليها، إلا أني من خلال هذه العناوين الظريفة وجدتُ فوائد عدّة في طيات تلك الكتب، والفائدة تختلف من كتابٍ لآخر، وحاجة كل قارئٍ لما يبحث عنه، هذا من جهة، من جهة أخرى أن جمع معلوماتٍ متناثرة من بطون الكتب بين دفّتي كتاب تجعل باحثاً ما يقرأُ هذه الفكرة أو تلك من زوايا عدّة بحسب اهتمام وتوجّه القارئ/الباحث، فليس من اللائق رمي تلك العناوين بعبارات قاسية، فهي تمثّل إما ثقافة مؤلِّفٍ أو مجتمع أو أي سبب من الأسباب دَعَتِ المؤلف أن يكتب كتاباً تحت هذه الجزئية أو غيرها، وبعض المؤلِّفين يذكر سبب ذلك في مقدمة كتابه، والبعض الآخر لا يذكر سبب التأليف.

فمن تلك العناوين التي لفتت نظري على سبيل المثال لا الحصر، التالي:

1. الجراد في التراث العربي، الدكتور/ ناصر الدين الأسد.

2. الأحذية والنعال .. صورة من الحضارة العربية  الإسلامية، أ. د/ ابتسام مرهون الصفّار وَ أ. د/ بدري محمد فهد.

3. شعر الجن في التراث العربي، الدكتور/ عبدالله بن سُليم الرشيد.

4. أدب المقابر .. قرآناً ونثراً وشعراً، الشيخ/ قيس العطّار.

5. أدب السجون .. (هناك عدّة كتب وروايات أدبية تناولت هذا العنوان).

6. اللطائف في الكنافة والقطايف، جلال الدين السيوطي.

7. فص الخواتم فيما قيل في الولائم، محمد بن علي بن طولون الدمشقي.

8. حدائق النمّام في الكلام على ما يتعلّق بالحمّام، أحمد بن محمد الحيمي الكوكباني.

9. العنوان في الاحتراز من مكائد النسوان، علي بن عمر الأبوصيري "ابن البتنوني".

10. معجم أعلام الجِنّ، عبدالرسول زين الدين.

وغيرها كثير من الكتب التي تحملُ عناوين ملفتة وظريفة، وبين طيّاتها ثقافة أو معلومات تستحق التدوين والدراسة.

 فمن الباحثين من تناول هذه العناوين الغريبة بشيء من التلخيص والدراسة، حيث كتب الأستاذ/ محمد خير رمضان يوسف عدة كتب حول عناوين الكتب النادرة والغريبة، وذل في أكثر من كتاب، مثل:

1. جولة بين كتب غريبة.

2. كتب نادرة من التراث الإسلامي.

3. نوادر الكتب .. غريبها وطريفها.

 ختاماً: لا يسعُ الإنسان إلا أن يمارس القراءة والكتابة في أيّ مجالٍ أراد شريطة تجويد ما يكتب، والعناية فيما يقرأ، فالحياة ليست حكراً على القراءة في جوانب محددة، حتى نحدد ماذا يقرأ الناس وماذا لا يقرؤون!!


السبت، 8 يناير 2022

منهجية البحث عند السيد العوامي

 


منهجيّة البحث عند السيد العوّامي

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 إن من يقرأ للسيد عدنان العوّامي بحثاً فإن من ضمن الأشياء التي تستحق المتابعة هي: "المنهجية"، فهو لا ينطلق من أحكام مسبقة، ولا تجتذبه الاستحسانات، ولا يستعجل فيما يودُّ قوله؛ بل يستفيضُ في بحث المسألة من جميع جوانبها ما أمكنه بكل أناةٍ وصبر، وهذا الأمر لاشك أنّه يرجع إلى حياة مليئة بالثقافة والاطّلاع الواسع في كثير من صنوف المعرفة، ولعل خير شاهدٍ في هذا والشواهد كثيرةٌ تحقيقه لديوان أبي البحر الخطّي، والذي مكث فيه سنواتٍ من العمل وإخراجه إلى النّور بحلّةٍ قشيبة، ففي مقدمة الديوان يذكر الجهود السابقة لمن أخرج ديوان الخطّي، مع التعريف بمحتويات ومواصفات النسخة المطبوعة، مع ذكر حسناتها وبعض الإخفاقات، دون التوسّع والتعريض بمن عمل في إخراجها؛ بل إنه يعدّ ذلك الإخراج بما فيه من هِناتٍ أن اجتهد وحفظ لنا وللأجيال شعر أبي البحر، ثم إنّه يذكر طريقته ومنهجيته في التحقيق كما هو معروفٌ في هذا العِلم، من جمع النُسخ الخطية وذكر مواصفاتها بما يخدم المطّلع والباحث؛ ليكون القارئ على علمٍ بالجهد المبذول والطريقة المتّبعة في إخراج الديوان، ناهيك أنّه اعتمد على أربعِ نسخٍ خطّية تقريباً والتي لها مساهمة في إبراز الديوان بشكل يتناسب وحجم الشاعر وموقعيّته في الأدب العربي.

إضافة إلى ما ذُكر فإن السيد العوّامي رجع إلى جملة من المصادر المهمّة في هذا التحقيق، كالمخطوطات، والمجلات، والمصادر التراثية والمتأخرة وغيرها ذات صلةٍ بشعر وأدبِ الشاعر الخطّي، حيث أبان الغامض، وترجم للأعلام، وحدد المواقع، وأحال المعلومات إلى مصادرها، كلُ ذلك جاء بما يستدعي المقام بين إسهاب وإيجاز، فالمنهجية إن ولَجت عملٍ ما زادته بهاءً، ومنحته إشراقاً، وخدمت الباحثين في بحوثهم، ففي الأثناء التي نرى بعض المحققين يسهبون ويملؤون هوامش الكتاب بالمطوّلات فإن السيد العوّامي ليس كذلك، وهو القائل: (وأمّا اللغة فاكتفيتُ بشرح القليل من مفرداتها، لما وجدته من سهولة لغة الشاعر، ونُدرة الغريب فيها، وما أوجب اللَّبسَ، وبدا عليه الغموض فأغلبه آتٍ من التصحيف، والأخطاء الإملائية) وهنا التفاتة مهمّة، تدلُّ على تتبع العوّامي فيما ورد في تلك النُسخ الخطية والمصادر المطبوعة، فهو هنا ينطلق محققاً وشاعراً، حيث كما هو معلوم أن العوامي يجيد قرض الشعر منذ أيام شبابه، وهذه الالتفاتة إلى التصحيف والأخطاء دلالة على ثقافة في منهجية تحقيق الشعر، ويكمل العوّامي قائلاً: (وأما ما يُلاحظ من الكلمات المشروحة فهو، في الغالب، لتلك التي كانت مصحّفة في الأصل، وغرضي من ذلك لفت النظر إلى أصل الصواب فيها).

لذا، من يقرأ الديوان يجد الهوامش بين توضيحات ذات صلة بالديوان، أو تبيانٍ لأمرٍ ما  دون إسهاب، وما هذا إلا للحفاظ على المنهجية التي حريٌ بأن تكون واضحة المعالم عند الباحث أو المحقق.

 

صحيفة الجزيرة (الثقافية)

الجمعة - السبت ٤-٥ جمادى الآخرة ١٤٤٣ه‍ (٧-٨ يناير ٢٠٢٢م)

العدد (١٧٩٠١)

 https://www.al-jazirah.com/2022/20220107/cm15.htm


الخميس، 23 ديسمبر 2021

السيد عدنان العوامي بين الأدب والتحقيق

 


السيد عدنان العوامي بين الأدب والتحقيق

 بقلم: عبد الله الرستم

 ليس غريباً أن يقول الأستاذ/ محمد رضي الشماسي بحق السيد العوامي: (فإذا علمنا أن شاعراً مبدعاً، مثل السيد/ عدنان العوامي، دخل في عالم البحث والتحقيق، فسوف يغشانا شعور بالخوف على موهبته الفخمة أن تكسل في غمرة البحث، أو تهون بسبب الانغماس في قضايا التاريخ)؛ ذلك أن السيد العوامي يمتلك موهبة أدبية رائعة، وهو في ذات الوقت يحترف الكتابة التاريخية من خلال اللغة العميقة والتحقيق التاريخي، فتحقيقاته التاريخية تُفصح أن لديه مخزوناً أدبياً غزيراً، وهذا المخزون ظهر بعضه عبر قوالب شعرية، أو كتابات أدبية، أو تحقيقات تاريخية.

فلو أتينا إلى تحقيقه لديوان أبي البحر الخطي، فإننا أمام عملٍ مضنٍ استغرق سنوات من عمره، وقد قدم بهذا التحقيق خدمة لأدب وتاريخ المنطقة، وللتعرف أكثر على ما بذله من جهد في هذا التحقيق فدون القارئ أن يلتمس ذلك في مقدمة تحقيقه الديوان البالغة أكثر 100 صفحة موزعة على معلومات تاريخية وأدبية وتحقيقية، كذلك قيامه بالرجوع لمصادر مهمة تحدثت عن الحقبة الزمنية التي عاشها أبو البحر بملابساتها السياسية والاجتماعية والدينية، مع ترجيحات موثقة بالأدلّة دون أن تؤثر على لغة العوامي في بيانها السهل الممتنع، ولا تكاد أن تقول إلا أنك أمام عالمٍ تاريخي وأديب كبير ومحقق خبير وشاعر ماهر .

فالسيد العوامي بتحقيقه لديوان أبي البحر الخطي أحيا تراثاً مهماً، وذلك عبر تتبعه لمخطوطات الديوان، وإضافته مقدمة مهمة رصّعَ بها صفحات الديوان لتاريخ المنطقة المصاحب لحياة الشاعر الخطي، مع إضافة شرح للكلمات وترجيح بعضها على غيرها، واختيار المناسب منها لشعر الخطي، وكذلك قيامه باستخراج المصادر على اختلافاتها، الخطية والمطبوعة والمجلات والصحف والوثائق، مع إضافة الفهارس الفنية لهذا العمل الرائع والمهم في بابه ... الخ. كل ذلك يعيد الروح لهذا التراث الشعري الكبير لشاعر له شهرته وصيته في الأدب العربي للقرن العاشر، والذي يفصح عن وجود حركة أدبية غزيرة الإنتاج في المنطقة التي ينتمي إليها الشاعر . وإذا كان السيد العوامي قد اشتهر بتحقيقه لديوان أبي البحر الخطي، فأبحاثه ومتابعاته الأخرى لا تقل أهمية عما نشره في تحقيق الديوان، وللتعرف على ذلك فدون القارئ الوقوف على ما سطره في صفحات مجلة الواحة الفصلية، والتي تنوّعت بين الشعر والتاريخ والتحقيق، خصوصاً ما دوّنه حول تاريخ المنطقة في فترات زمنية مختلفة معتمداً على وثائق محلية وغير محلية؛ ليدعم بذلك وجهة نظره التي يتبناها عبر تتبع دقيق لمحتويات تلك الوثائق المختلفة، ولعل تنوع تلك المواضيع وما حوته من معلومات مهمة تُنبئ عن عدة أمور تكشف لنا شخصية السيد العوامي العلمية، والتي منها: حرصه على توثيق تاريخ إقليم البحرين التاريخي (الأحساء والقطيف والبحرين)، وتتبع المصادر ذات الصلة بالبحث الذي يطرقه، وهذا ما لمسته من قراءاتي لأبحاثه، واستماعي لبعض محاضراته التي ألقاها في الرياض، ولقاءاتي المتكررة معه خصوصاً التي زارني فيها بمدينة الرياض عام ١٤٤٠هـ أثناء معرض الكتاب الدولي بالرياض بصحبة السيد/ عباس الشبركة والأستاذ/ رضا سكرو، حيث كانت جلسة ثرية بكل ما تعنيه الكلمة.

 


ولعل أمراً ما، قد يغفله بعض من لا يعرف هذه القامة الثقافية، وهي : إن للسيد العوامي متابعات على ما تُرجم من رحلات وكتب عن تاريخ الجزيرة العربية والخليج، فقد كانت له وقفات على عدة كتب مترجمة، وتسجيل ملاحظاته على تلك الترجمات مع تبيان موقفه منها والإدلاء برأيه مدعوما بالدليل، مثل: ما نشره في مجلة الواحة العدد 46 عام ٢٠٠٧م بعنوان (رحلة سادلير إلى الجزيرة العربية ... بوصلة معطلة وترجمة مرتجلة) وذلك على حلقتين، وكذلك في ذات المجلة في العدد 48 عام ٢٠٠٨م (رحلة بلجريف .. ترجمة تحتاج إلى ترجمة) وذلك على 8 حلقات متتالية والتي صدرت فيما بعد في كتاب عن دار الانتشار العربي ببيروت، وكذلك في العدد 56 عام ۲۰۰۹م بحث بعنوان: (الترجمات العجماء .. مغامرة في الجزيرة العربية نموذجاً) ... وغيرها من الأبحاث التي تستدعي الوقوف أمام هذه الشخصية الشامخة بثقلها العلمي والمعطاء، فهو لا يختلف معهم من أجل الاختلاف!! بل يمر برحلة طويلة عبر قراءة النص المترجم والوقوف على طريقة الترجمة وتصويب أسماء المواقع والأشخاص وكل ما يمت بصلة للبحث الذي يطرقه.

 

من خلال ما تطرقت له بشكل مقتضب أستطيع القول أننا أمام شخصية موسوعية، لها بصمة في الشعر والأدب والتحقيق والترجمة، وهذا لا يتأتى إلا لمن يملك مشروعا ثقافيا ينبع من الغيرة على تراث وطنه الذي قصر فيه البعض بقصد أو بدون قصد، وتغافل عنه بعضهم، وجهله آخرون، وكذلك نحن أمام شخصية ترى للتوثيق أهمية بدلا من السجالات الجوفاء أو نقل المعلومات في وسائل التواصل دون تحري الدقة في نقلها بقصد السبق الإعلامي أو لأغراض غير علمية. وهذا يجعل الأجيال القادمة تتعرف على جهود هذه القامة البحثية التي حافظت ولا زالت تُعطي الكثير لأجل العلم وتاريخ المنطقة التي نعيش بين أفيائها الغنّاء.

 

تم نشر هذه الكلمة في كتاب "الاحتفال التكريمي بمنتدى الثلاثاء الثقافي للأديب والشاعر عدنان السيد محمد العوّامي"، وذلك عن منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف، الطبعة الأولى 1441هـ (2020م). 


شعر الجن في التراث العربي .. للدكتور ابن سليم الرشيد


(شعر الجن في التراث العربي) للدكتور/ عبدالله الرشيد

? عبدالله بن علي الرستم

 

تفضل عليّ الدكتور/ عبدالله بن سُليم الرشيد بإهدائه لي نسخة من كتابه هذا، والذي كنتُ أبحث عنه ومجموعة أخرى ذات صلة بشعرِ وأدبِ وأعلامِ الجنّ، والباحث عن موضوعٍ شائقٍ شائكٍ كالباحث عن مفقودٍ له في دنيا مترامية الأطراف، فهو إما يقع على ما يسدّ نهمه عبر ترحاله وتجواله في المكتبات، وإما يتحرّق بنار البحث حتى يجد ضالّته ويريح ركابه استعداداً لجولات أخرى، تلبية لنزعةٍ يريد إشباعها، أو تحقيقاً لغاية يريد سدّ فجوتها، وهذا ما كنتُ ولا زلتُ أستشعره حينما أبحثُ عن موضوعٍ قلّت مصادره، بغية إرواء غليلي من المعرفة، حيث إن مثل هذه المسائل قليلة التدوين كدراسة أدبية وليس دينية، وهو ما أشار له المؤلف بقوله: (والذي أودّ أن أعطفَ إليه القارئ، هو أن هذا الكتاب الموجز يعالج ضرباً من الأدب الذي كاد يُنسى، على طرافته، وأوشك أن يندثر على أهميّته، وهو الشعر الذي نُسب إلى الجن وما أطاف به من أخبار تشرّق حيناً، وتغرّب حيناً آخر ...).

وقد أبدع المؤلف في دراسته التي طوّرها مذ كانت بحثاً صغيراً نُشر قبل هذا الكتاب بعشر سنوات، حتى وصل إلى هذا المستوى من الصورة التي صار فيها بين دفّتي كتاب، ففي كل فصلٍ من فصوله يطرح المؤلف بعض المفاهيم حول شعر الجنّ، ففي الأثناء التي لا يؤمن أن للجنّ شعراً وأنه متصنّعٌ لأغراض متعددة، فإنه يقدّم أدلّته وفق مناهج نقدية، فقد استعرض بعض الدراسات التي تناولت هذا الجانب من الأدب، وأشار إلى ما فيها من محتوى ذي صلةٍ بهذه الدراسة، فهو يرى أن شعر الجنّ استغرق في شعر المدح والفخر، خصوصاً في (دلائل النبوّة)، ناهيك أن الشعر الذي نُسب إلى الجنّ يفتقد إلى السمّة الفنيّة، فبعضه متكلّفٌ وغير موزون، وآخر صيغ لأغراض مختلفة، حيث (للشعراء أنفسهم يدٌ في صناعة هذا الشعر؛ ليتملّكوا به ألباب الناس، ويورّطوهم في تصديق هذا الزعم بأن للشاعر رئياً، ومن خلال تمكين هذا المفهوم يتنصّلون من التبعات، ويحرزون كثيراً من الغايات، كبلوغ المآرب الدنيوية، وعلوّ المكانة في مقامات العشيرة).


ومن أسباب المؤلف التي يعزز فيها رؤيته من نفي معظم الشعر للجن هو: (
غياب الجن والهواتف عن مشاهد إنشاء الشعر إلا قليلاً عند مجيء الإسلام، والسبب أن تفكير العرب كان محدوداً في العصر الجاهلي، بسبب الجهل وعالم الكهّان، وهذا مخالف للإسلام، بحيث إنه مرتبط بالتفكير البدائي) [بتصرّف]. ولم يكن المؤلف أوّل من يقول بذلك، بل استشهد بقول الجاحظ (ت 255هـ) الذي أسهب في هذا المورد، وأن منشأ ذلك التفرّد في الفلوات وأثره على العقل والتفكير، حيث قال: (ثم جعلوا ما تصوّر لهم من ذلك شعراً تناشدوه، وأحاديث توارثوها، فازدادوا بذلك إيماناً، فصار أحدهم حين يتوسّط الفيافي، في الليالي الحنادس .. فعند أوّل وحشةٍ وفزعةٍ ... وقد رأى كل باطل، وتوهّم كل زور فيقول في ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة ...الخ)، وتعزيزاً لهذا الرأي يرى المؤلّف أن غالب الشعر المتعلّق بدلائل النبوّة ضعيفٌ ركيك، والباقي فمسحته قليلة من جمال الفنّ، وأن واضعيه من القصّاص والوعّاظ تختلف قوّة الشعر بناءً على ثقافتهم، وأن ليس لهم حظٌ من الشعر سوى الوزن والقافية.

وتتميماً لما ذُكر فإن عنصراً مهماً في الشعر وهو: (أن الشعر يقوم على التخييل، فإن إدخال عنصر "الجن" فيه هو جزء من ذلك التخييل، أو الإيهام الموجّه الذي يثير المتلقي إثارة مقصودة). وتبقى الآراء التي نقلتها من هذا البحث قليلة مقارنة بما أدلت به يراعة المؤلّف، الذي اتّسم بحثه بروحٍ علميّة وقلمٍ أدبيّ سيّال، ويشار في هذا الصدد أن كتاب (الهواتف) لابن أبي الدنيا (ت 281هـ) من أوائل من كتب في المجال.

صحيفة الجزيرة

الاثنين ٩ جمادى الأولى الأول ١٤٤٣ه‍ (١٣ ديسمبر 2021م)

العدد رقم (١٧٩٧٨)

https://www.al-jazirah.com/2021/20211213/wo3.htm

 



الاثنين، 1 نوفمبر 2021

مع السيد عدنان العوامي في كتابه (رحلة يراع)

 


مع السيّد عدنان العوامي في كتابه (رحلة يراع)

 عبدالله بن علي الرستم

 عندما أقف أمام قامة علميّة أتهيّب الكتابة عنها، خوفاً من التقصير، ومن تلك الشخصيات السيد عدنان العوّامي، الذي له بصماتٌ كثيرة في تاريخ وأدب إقليم البحرين، فالمتابع لإنجازاته وإنتاجه في تاريخ المنطقة يرى ذلك جلياً، حيث أبحاثه ومقالاته ومؤلفاته مبثوثة في المكتبات، خصوصاً المنشورة في مجلة (الواحة)، وما الكتاب الذي أتحدث عنه اليوم إلا واحدٌ من عدةِ كتبٍ، حيث جمع فيه ما تسنّى له نشره وإلقاؤه في مناسبات ومنشورات مختلفة، ففي هذا الكتاب جولةٌ متعددة الاتجاهات، تبدأ من التاريخ والسِيَر مروراً بالأدب واللغة وختاماً بالجانب المجتمعي، وكل هذه المقالات جزءٌ من تاريخ المنطقة الأدبي والمجتمعي يعتمد فيها على حضوره ومعايشته لبعضها وتارة أخرى على وثائق محليّة مهمّة.

نبدأ مع السيّد بما سطّرته يراعته عن أبي البحر الشيخ جعفر الخطّي (ت 1028هـ) الذي له تاريخ طويل معه، فهو هنا لا يسطّر تاريخاً أو سيرة فحسب!! بل يُبحر في حياة شاعر الخليج في عصره والذي عمل على تحقيق ديوانه في مجلدين بعد رحلة امتدت لسنوات من البحث والتحقيق ليكون تحقيقه يُشار له بالبنان مقارنة بغيره ممن عمل على تحقيق ديوان أبي البحر، وما هذا إلا جهد العالِم الذي يُخلص لتاريخ أمّته وسِيَر عظمائها، فيقف موقف المتأمّل في كل حدثٍ مرّ بحياة الخطّي مؤيداً تارة ومفنداً تارة أخرى، فقد صاحبت الخطي ظروف الهجرة إلى البحرين إبّان الغزو البرتغالي، ثم ينتقل بعدها إلى شيراز وغير ذلك من محطات حياته، ويُعد شِعْرَ الشيخ الخطي وثيقة مهمّة للأحداث التي مرّت في ذلك الحين. ولا يسعنا الإبحار أكثر مما ذكرنا، لِتَمرَّ بنا يراعة العوامي على توثيق شخصيات أخرى، كالراحل حمد الجاسر (ت 1420هـ) الذي يعتبره بأنه من أشد المحاربين بالقلم، وأقواهم بأساً وجَلَداً ذلك أن الجاسر زار القطيف عام 1363هـ أثناء عمله مشرفاً على مدارس أرامكو، ومنها تكررت زياراته وكثرت علاقاته بشخصيات علمية من القطيف، والجاسر شخصية أشهر من أن تُعرّف، ولم ينسَ شخصية الشاعر أحمد بن سلمان الصايغ القطيفي (ت 1420هـ) الملقّب بالكوفي، والذي عاش معه الربع الأخير من عمره، ذلك أن الكوفي عاش خمسة وتسعين عاماً، وقد عايش العوّاميَ الكوفي معايشة الصديق المقرّب، وله وقفات مع شخصيات أخرى كالراحل عبدالكريم الجهيمان، والأستاذ/ عبدالله الشباط وغيرهم، وما هذا التوثيق من العوّامي إلا وفاء للقامات التي لها بصماتٌ في تاريخ المنطقة التاريخي والأدبي والاجتماعي.

كانت بداية الفصل الثاني (الأدب واللغة) مع ابن المقرّب العيوني (ت 630هـ) الشاعر المشهور الذي كُتبت عنه دراسات عدة، حيث يعيش المؤلّف مع ابن المقرّب وما كُتب عنه من دراسات تعامل الخبير، لما له العوامي حظٌ كبيرٌ من المعرفة الأدبية، فهو لا ينعطف مع رأي دون أن يخوض في غماره، ولا ينفي شيئاً إلا بشواهد شعرية وتاريخية لها الحضور العلمي وليس الميول النفسية، كالتحدث عمّا نُسب للشاعر من قصائد، وما دار النقاش حول مذهبه الديني، فقد خاض هذا المجال بإيجازٍ غير مخل في حين، وبإطنابٍ غير مملٍ حينما يتطلب الأمر الإطالة، كلُّ ذلك بلغة مليئة بالرقي في قضايا اختلف واتفق فيها مع آخرين.



وللعوامي وقفةٌ مع الفصحى والدارجة في القطيف بين العوام والمثقفين، والتي يرى أن لهجة أهل القطيف لا زالت محافظة على فصاحتها وإن تغيّرت طريقة نطق بعضها، بل إنه يرى أن عامل القوّة ما زال جلياً في محافظة اللهجة الدارجة بالقطيف على أصالتها. أما ما كتبه عن السرقة الأدبية في النقد القديم والحديث فهو حديث المطلع الخبير، فهو رغم قيامه بتعريف السرقة وتطوّر المصطلح إلى مصطلحات شبيهة بها كالتناص ونحوه، فقد وقف من آراء ابن وكيع التنيسي موقف الناقد البصير، وأن ما دوّنه ابن وكيع من سرقات المتنبي ماهي إلا قنصٌ غير موفّق، وما بين صيد ابن وكيع وقول المتنبي بونٌ شاسعٌ في الغرض والمفردة والصياغة، ويرى العوّامي أن الشعر كغيره من الفنون الإنسانية نتاج مؤثرات ثقافية متراكمة تكوّنت لدى الشاعر بفعل احتكاكه بعوامل التأثير في بيئته ومحيطه، وأنه لا بد لتلك الثقافة أن تستدعي عفو الخاطر لحظة مخاض القصيدة شاء الشاعر أم لم يشأ.

أما الفصل الثالث فقد جاء في عناوين تتحدث عن الحس الوحدوي في شرق الجزيرة العربية وتحوّلات الولاء من القبيلة إلى المنطقة كقبيلة عبدالقيس، مروراً بمشهد الوئام الطائفي في القطيف من خلال الوثائق المحلية؛ لتكون خاتمة المطاف عن الشاعر/ خالد بن محمد الفرج كنموذج للاندماج الوطني، وهذا الفصل لاشك أنه من الفصول المهمّة التي يغفل عنها كثيرٌ من الكتّاب. ولذا لا يسعني في الختام إلا الشعور بالتقصير تجاه ما كتبته عن قامةٍ تاريخية أدبية علمية كالسيد/ عدنان العوّامي، وغرضي فيما دوّنته هو التعريف بجزء من إنتاجه الذي وثّقه في هذا الكتاب.




صحيفة الجزيرة
يوم الاثنين 26 ربيع الأول 1443هـ (1 نوفمبر 2021م)

عدد رقم:17843

https://www.al-jazirah.com/2021/20211101/wo1.htm

الأحد، 31 أكتوبر 2021

ماهو نهج البلاغة - السيد الشهرستاني

 


الكتاب: ماهو نهج البلاغة؟

المؤلف: السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني

الناشر: مطبعة النعمان النجف الأشرف

تاريخ الطباعة: الطبعة الثالثة 1400هـ

عدد الصفحات: 64 صفحة

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

عرضٌ وتعريف:

يُعد السيد/ هبة الدين الشهرستاني (ت 1386هـ) من نوابغ العراق، لما له من مؤلفات وإسهامات فكرية كثيرة، قال عنه الزركلي في الأعلام: "أصدر مجلة العلم وهي أول مجلة عربية ظهرت في النجف، وأُسندت إليه وزارة المعارف العراقية"، ناهيك أن له من المؤلفات الكثيرة ومنها هذا الكتاب الذي نحن بصدده، والذي يُعد حلقة من حلقات من كتبوا وأسهموا في التأليف عن الكتاب الشهير "نهج البلاغة".

وهذا الكتاب الذي رغم صغر حجمه إلا أنه كتابٌ ينبئ القارئ على سعة اطّلاع مصنّفه، وروعة بيانه، ودقّة ملاحظاته، وقوّة تتبعه، فقد عرّف في هذه الصفحات عن الكتابِ وكاتبه، ودافع عن سهام الإشكالات التي وُجّهت له، وعلى شهرة نهج البلاغة إلا أنه ينقل بعض الأحداث ذات الصلة به والتي حصلت له مباشرة، منها قوله: (ولقد حاورني ببغداد سنة 1328هـ رئيس كتّاب القنصلية البريطانية "نرسيسيان" من فضلاء الأرمن زاعماً تفوّق نهج البلاغة على كل كلامٍ عربيٍّ لكثرة ما فيه من السهل الممتنع الذي لا يوجد في سواه وانقياد الأسجاع الصِعاب فيه بلا تكلّفٍ، واستشهد بقوله عليه السلام: "أم هذا الإنسان الذي خُلق في ظلمات الأرحام وسجف الأستار نطفةً دهاقاً وعلقة محاقاً فجنيناً وراضعاً ووليداً ويافعاً، ثم منحه الله سبحانه بصراً لا حظاً، ولساناً لافظاً، وقلباً حافظاً ... الخ".

معجباً بحسن التسجيع، وكيف يجري الروي كالماء السلسال على لسان الإمام (ع)، ثم قال: ولو كان يرقى هذا الخطيب العظيم منبر الكوفة في عصرنا هذا لرأيتم مسجدها على سعته يتموّج بقبّعات الافرنج للاستقاء من بحر علمه الزاخر). اهـ.

ولم يكتفِ بهذا النقل المباشر؛ بل نقل بعض أقوال من سجّلوا إعجابهم بنهج البلاغة، مثل: الأستاذ/ حسن نائل المرصفي، والشيخ/ محمد عبده، وغيرهما.

ولم تخفَ على السيد الشهرستاني بعض الأمور المهمّة التي عالجها كثير من  المؤلفين، إلا أنه الشهرستاني له طابعه الخاص في رصف المعلومات، فمن تلك المسائل تركيزه على الخطبة الشقشقية واختلاف رواتها قبل الشريف الرضي، حيث إن هذه الخطبة لا زال لها منكرون بحجّة ما ورد فيها من تصريحات على لسان الأمير عليه السلام، فقد نقل الشهرستاني تلك الاختلافات الواردة عند جمعٍ من العلماء التي لا تحيد عن المعنى رغم اختلاف رواتها، ومن أولئك العلماء الذين نقلوها قبل الشريف الرضيّ (ت 406هـ)، الشيخ المفيد (ت 413هـ) في الإرشاد .. وهو أستاذ الرضي كما هو معلوم، والشيخ الصدوق (ت 381هـ) في علل الشرائع، واستدلّ بقول الشيخ إبراهيم القطيفي في كتابه الفرقة الناجية قوله: (وقد روى الخطبة الشقشقية جماعة قبل الرضي، كابن عبد ربه في الجزء الرابع من العِقد وأبي علي الجبائي (ت 303هـ) في كتابه وابن الخشّاب في درسه والحسن بن عبدالله بن سعيد السكّري (ت 275هـ) في كتاب المواعظ والزواجر والصدوق في معاني الأخبار والشيخ المفيد).اهـ

 

السيد هبة الدين الشهرستاني

وتعرّض السيد إلى شُرّاح نهج البلاغة الذين أتى على اسم 42 شارحاً، وكذا جاء على ذكرِ جامعي كلام أمير المؤمنين عليه السلام قبل الشريف الرضي، وعدّ جماعة ممن قام بهذا العمل موثقاً ذلك بالمصادر، منهم: زيد بن وهب (ت 96هـ)، ونصر بن مزاحم المنقري (ت 212هـ)، وإسماعيل بن مهران أبو يعقوب السكوني (ق 2)، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 206هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (ت 207هـ)، وهكذا إلى أن عدّ خمسة عشر عالماً وأديباً ممن جمعوا كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك دفاعاً عن التهمة القائلة بأن الشريف الرضي قام بوضعِ تلك الخطب على لسان أمير المؤمنين عليه السلام.

لاشك أن الحديث عن كتاب نهج البلاغة يطول، وعن هذا الكتاب الموجز عنه وما فيه من محتوىً جميل كذلك يطول، وما أحرى أن يعتني القُرّاء بنهج البلاغة وما كُتب حوله من دراسات وشروح استزادةً في العلم الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام ذلك الينبوع الذي يروي كل من قصده.

 

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...