الخميس، 23 ديسمبر 2021

السيد عدنان العوامي بين الأدب والتحقيق

 


السيد عدنان العوامي بين الأدب والتحقيق

 بقلم: عبد الله الرستم

 ليس غريباً أن يقول الأستاذ/ محمد رضي الشماسي بحق السيد العوامي: (فإذا علمنا أن شاعراً مبدعاً، مثل السيد/ عدنان العوامي، دخل في عالم البحث والتحقيق، فسوف يغشانا شعور بالخوف على موهبته الفخمة أن تكسل في غمرة البحث، أو تهون بسبب الانغماس في قضايا التاريخ)؛ ذلك أن السيد العوامي يمتلك موهبة أدبية رائعة، وهو في ذات الوقت يحترف الكتابة التاريخية من خلال اللغة العميقة والتحقيق التاريخي، فتحقيقاته التاريخية تُفصح أن لديه مخزوناً أدبياً غزيراً، وهذا المخزون ظهر بعضه عبر قوالب شعرية، أو كتابات أدبية، أو تحقيقات تاريخية.

فلو أتينا إلى تحقيقه لديوان أبي البحر الخطي، فإننا أمام عملٍ مضنٍ استغرق سنوات من عمره، وقد قدم بهذا التحقيق خدمة لأدب وتاريخ المنطقة، وللتعرف أكثر على ما بذله من جهد في هذا التحقيق فدون القارئ أن يلتمس ذلك في مقدمة تحقيقه الديوان البالغة أكثر 100 صفحة موزعة على معلومات تاريخية وأدبية وتحقيقية، كذلك قيامه بالرجوع لمصادر مهمة تحدثت عن الحقبة الزمنية التي عاشها أبو البحر بملابساتها السياسية والاجتماعية والدينية، مع ترجيحات موثقة بالأدلّة دون أن تؤثر على لغة العوامي في بيانها السهل الممتنع، ولا تكاد أن تقول إلا أنك أمام عالمٍ تاريخي وأديب كبير ومحقق خبير وشاعر ماهر .

فالسيد العوامي بتحقيقه لديوان أبي البحر الخطي أحيا تراثاً مهماً، وذلك عبر تتبعه لمخطوطات الديوان، وإضافته مقدمة مهمة رصّعَ بها صفحات الديوان لتاريخ المنطقة المصاحب لحياة الشاعر الخطي، مع إضافة شرح للكلمات وترجيح بعضها على غيرها، واختيار المناسب منها لشعر الخطي، وكذلك قيامه باستخراج المصادر على اختلافاتها، الخطية والمطبوعة والمجلات والصحف والوثائق، مع إضافة الفهارس الفنية لهذا العمل الرائع والمهم في بابه ... الخ. كل ذلك يعيد الروح لهذا التراث الشعري الكبير لشاعر له شهرته وصيته في الأدب العربي للقرن العاشر، والذي يفصح عن وجود حركة أدبية غزيرة الإنتاج في المنطقة التي ينتمي إليها الشاعر . وإذا كان السيد العوامي قد اشتهر بتحقيقه لديوان أبي البحر الخطي، فأبحاثه ومتابعاته الأخرى لا تقل أهمية عما نشره في تحقيق الديوان، وللتعرف على ذلك فدون القارئ الوقوف على ما سطره في صفحات مجلة الواحة الفصلية، والتي تنوّعت بين الشعر والتاريخ والتحقيق، خصوصاً ما دوّنه حول تاريخ المنطقة في فترات زمنية مختلفة معتمداً على وثائق محلية وغير محلية؛ ليدعم بذلك وجهة نظره التي يتبناها عبر تتبع دقيق لمحتويات تلك الوثائق المختلفة، ولعل تنوع تلك المواضيع وما حوته من معلومات مهمة تُنبئ عن عدة أمور تكشف لنا شخصية السيد العوامي العلمية، والتي منها: حرصه على توثيق تاريخ إقليم البحرين التاريخي (الأحساء والقطيف والبحرين)، وتتبع المصادر ذات الصلة بالبحث الذي يطرقه، وهذا ما لمسته من قراءاتي لأبحاثه، واستماعي لبعض محاضراته التي ألقاها في الرياض، ولقاءاتي المتكررة معه خصوصاً التي زارني فيها بمدينة الرياض عام ١٤٤٠هـ أثناء معرض الكتاب الدولي بالرياض بصحبة السيد/ عباس الشبركة والأستاذ/ رضا سكرو، حيث كانت جلسة ثرية بكل ما تعنيه الكلمة.

 


ولعل أمراً ما، قد يغفله بعض من لا يعرف هذه القامة الثقافية، وهي : إن للسيد العوامي متابعات على ما تُرجم من رحلات وكتب عن تاريخ الجزيرة العربية والخليج، فقد كانت له وقفات على عدة كتب مترجمة، وتسجيل ملاحظاته على تلك الترجمات مع تبيان موقفه منها والإدلاء برأيه مدعوما بالدليل، مثل: ما نشره في مجلة الواحة العدد 46 عام ٢٠٠٧م بعنوان (رحلة سادلير إلى الجزيرة العربية ... بوصلة معطلة وترجمة مرتجلة) وذلك على حلقتين، وكذلك في ذات المجلة في العدد 48 عام ٢٠٠٨م (رحلة بلجريف .. ترجمة تحتاج إلى ترجمة) وذلك على 8 حلقات متتالية والتي صدرت فيما بعد في كتاب عن دار الانتشار العربي ببيروت، وكذلك في العدد 56 عام ۲۰۰۹م بحث بعنوان: (الترجمات العجماء .. مغامرة في الجزيرة العربية نموذجاً) ... وغيرها من الأبحاث التي تستدعي الوقوف أمام هذه الشخصية الشامخة بثقلها العلمي والمعطاء، فهو لا يختلف معهم من أجل الاختلاف!! بل يمر برحلة طويلة عبر قراءة النص المترجم والوقوف على طريقة الترجمة وتصويب أسماء المواقع والأشخاص وكل ما يمت بصلة للبحث الذي يطرقه.

 

من خلال ما تطرقت له بشكل مقتضب أستطيع القول أننا أمام شخصية موسوعية، لها بصمة في الشعر والأدب والتحقيق والترجمة، وهذا لا يتأتى إلا لمن يملك مشروعا ثقافيا ينبع من الغيرة على تراث وطنه الذي قصر فيه البعض بقصد أو بدون قصد، وتغافل عنه بعضهم، وجهله آخرون، وكذلك نحن أمام شخصية ترى للتوثيق أهمية بدلا من السجالات الجوفاء أو نقل المعلومات في وسائل التواصل دون تحري الدقة في نقلها بقصد السبق الإعلامي أو لأغراض غير علمية. وهذا يجعل الأجيال القادمة تتعرف على جهود هذه القامة البحثية التي حافظت ولا زالت تُعطي الكثير لأجل العلم وتاريخ المنطقة التي نعيش بين أفيائها الغنّاء.

 

تم نشر هذه الكلمة في كتاب "الاحتفال التكريمي بمنتدى الثلاثاء الثقافي للأديب والشاعر عدنان السيد محمد العوّامي"، وذلك عن منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف، الطبعة الأولى 1441هـ (2020م). 


هناك تعليقان (2):

  1. جميل, بارك الله في هذه الجهود الطيبة

    ردحذف
  2. شكراً عزيزي على هذه المتابعة، ومنحك إياي جزءاً من وقتك.

    تحياتي

    ردحذف

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...