الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

مذكرات شريفة الأمريكانية .. عرض وتعريف















(مذكرات شريفة الأمريكانية)
عرض وتعريف: عبدالله بن علي الرستم
 بطاقة الكتاب:
اسم الكتاب: مذكرات شريفة الأمريكانية "قصة البعثة الأمريكية في البحرين 1922م"
معلومات الناشر: مطبوعات بانوراما الخليج - المنامة
تاريخ النشر: الطبعة الأولى - 1989م
المقاس: 16 × 10.5 سم
عدد الصفحات: 279 صفحة

تمهيد:
حظيت حركة التبشير بشكل عام وفي منطقة الخليج العربي بشكل خاص في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بأهمية كبيرة عند الباحثين؛ وذلك لأهمية الدور الذي قامت به هذه الجماعات من تعليم وتطبيب وغير ذلك، والتي يصحبها جانب تبشيري بالديانة المسيحية. لذا أتت دراسات كثيرة في هذا الصدد تحدثت عن التبشير في الخليج منها:
1. التبشير في منطقة الخليج العربي "دراسة في التاريخ الاجتماعي والسياسي، الدكتور/ عبدالمالك بن خلف التميمي.
2. المدارس الأجنبية في الخليج "واقعها وآثارها .. دراسة ميدانية تحليلية"، عبدالعزيز بن أحمد البداح.
3. أصول التنصير في الخليج العربي "دراسة ميدانية وثائقية"، هـ. كونوي زيقلر، ترجمة/ مازن صلاح مطبقاني.
4. التنصير ومحاولاته في بلاد الخليج العربي، الدكتور/ عبدالعزيز بن إبراهيم العسكر.
5. صدمة الاحتكاك "حكايات الإرسالية الأميركية في الخليج والجزيرة العربية 1892-1925م"، إعداد وترجمة/ خالد البسّام.
وغيرها من الدراسات المستقلّة أو المُضمّنة في فصول كتابٍ يتناول الجوانب التاريخية والاجتماعية في بدايات القرن العشرين لمنطقة الخليج.
والجميل في ذلك أن تقرأ عن التبشير من شخص مارس هذه المهمّة وتنقّل في أروقتها من مكان لآخر، ذلك أن الكاتب يُظنُّ فيه الصدق باعتباره يقوم بمهمة دينية حسب معتقده، وحريٌّ به الصدق في كل ما يقوم به من عمل تجاه قضيته ذات الطابع الديني، ومن أولئك الذين كتبوا عن هذا النشاط هي المبشرة الأمريكية (كورنيليا دالينبرج) المعروفة بـ(شريفة الأمريكانية) وهو الاسم الذي اختارته لها السيدة (هاريسون) فور وصولها البحرين ص48 كون الأسماء الأجنبية صعبة النطق على أهالي البحرين، فما كان منها إلا أن أُعجبت بالاسم.

التعريف بمذكرات شريفة:
سمعتُ وقرأتُ عن هذه المذكرات منذ فترة ليست باليسيرة، بيد أن شغفي بقراءة المذكرات نفسها ظل يراودني بين الحين والآخر، فانطباعات الآخرين وإن كان لها قيمة إلا أني أحب أن أُسجّل انطباعي لمثل هذه المذكرات وغيرها بنفسي، خصوصاً التي تعود إلى تاريخ الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية.
تعود قصة (كورنيليا دالينبرج) إلى تخرّجها من برنامج التمريض عام 1922م وانضمامها إلى جماعة مسيحية متطوّعة تهتم بأعمال التبشير والإصلاح، وفي هذه الاجتماعات التطوّعية حاولت (كورنيليا دالينبرج) أن تتعرّف على العرب من خلال التواصل مع المبشّرات اللاتي سبق وأن عملن في التبشير في المناطق العربية، وكذا القراءة عن العرب من خلال مصنّفات كُتبت عنهم كمذكرات (صموئيل زويمر)، وذلك بعد أن فكّرت في خوض هذه المهمّة والمغامرة كما تسميّها في بعض فصول مذكراتها ص197.
تحمّست (كورنيليا دالينبرج) في خوض هذه المهمة بعد أن نصحتها السيدة (فيني زيجلر) بمشاورة والديها في السفر إلى الجزيرة العربية، حيث إن (فيني زيجلر) كانت لديها تجربة في العمل كممرضة في البصرة من العراق، وأن يكون الذهاب للبلاد العربية للعمل وفق برنامج تطرحه الكنيسة لا كوظيفة، بل للعمل في مستشفى الإرسالية لحاجة تلك البلاد إلى مثل هذه الأدوار، مع التركيز على أنها العُرف هو أن تتخلّى عن الزواج حتى لا تتعارض مصالح الإرسالية ومتطلبات الزواج مما جعلها تكون مستعدة لذلك العمل مع تخلّيها عن الزواج، وبالفعل فقد حصلت (كورنيليا دالينبرج) على موافقة والديها بيد أن والدتها لم تكن مقتنعة بذلك إلا أنها وافقت على مضض.
            بعد أن تم الاستعداد لهذه الرحلة جاءت الأوامر بالرحيل في 24/10/1922م إلى الجزيرة العربية والحماس الشديد بادٍ على محيّاها والفئة الشابة من الإرسالية الذين كانوا معها، حيث تم السفر عن طريق السفينة التي تسير وفق طريق سير من أمريكا ومروراً ببعض محطات الطريق في الموانئ التي يتم الوقوف فيها إما لنزول بعض المسافرين أو للتزوّد بالطعام، حيث كانت المحطة الأخيرة في البحرين، وفور وصولهم بدأ البرنامج المُعد لذلك من تعلّم اللغة العربية لمدة عامين وممارسة المهام الموكلة إليها من قبل الإرسالية وهو التبشير عن طريق معالجة الناس.
قضت (كورنيليا دالينبرج) في البحرين قرابة الأربعين عاماً في عمل التمريض والتبشير تخلل ذلك رحلات متفرّقة إلى القطيف والأحساء من شبه الجزيرة العربية، وكذلك قطر والعمارة من العراق، بالإضافة إلى عودتها إلى بلادها أمريكا في قرية (ساوث هولاند). ولكل موقع من هذه المواقع أحداث وحكايات تطرّقت لها بين الإيجاز والإسهاب حول عملها.

مميزات المذكرات:
تتميز مذكرات (كورنيليا دالينبرج) بعدة أمور، منها:
1. الإخلاص لعملها في التمريض كخدمة إنسانية قبل كل شيء.
2. التلقائية (العفوية) والهدوء في التعامل مع المرضى والمراجعين وجميع الناس، وما يتخلل هذا العمل من مفاجآت وأحداث قد تكون مزعجة لإنسان يقوم بدور كبير لعلاج الناس وجرّهم إلى ثقافة معيّنة.
3. حُب المغامرة في استكشاف المواقع والتعرّف على الناس وتحمّل الصعاب.
4. حب التعلم كإقبالها على تعلم اللغة العربية، وتكثيف قراءتها عن تاريخ البحرين والجزيرة العربية، ومتابعتها الأحداث السياسية المحيطة بذلك.
5. توثيقها لكثيرة من التفاصيل الاجتماعية (كالعادات والتقاليد ونوع الأمراض المعالجة ...الخ) والثقافية وكذا السياسية مع متابعة دقيقة وذاكرة جيدة تتميز بها في توثيق الأحداث والمواقف التي مرّت بها.
6. تتميز شخصية (كورنيليا دالينبرج) بحبّها للناس وتأقلمها السريع مع الطبقات الاجتماعية الفقيرة والغنية.
ومميزات أخرى باستطاعة القارئ لهذه المذكرات أن يراها قد تفوتُ قارئاً آخر.

أيهما أهم .. التبشير أم التمريض؟
من خلال قراءتي لصفحات المذكرات لم ألحظ أن جانب التبشير يمثّل مساحة كبيرة في حياتها، نعم .. هناك دورٌ تقوم به في التبشير يتمثل في توجيه الناس إلى الاعتقاد بالمسيح وتوزيع الكتاب المقدّس (الإنجيل) في عدة مواقع هي وفريق العمل الذي كان معها، إلا أن هذا الدور وحضوره في سطور المذكّرات قليل إزاء ذكرها لأحداث لها صلة بالعمل الإنساني (التمريض) وتثقيفهم وصعوبة إقناع شريحة كبيرة في ترك بعض العلاجات التقليدية واستخدام علاجات أخرى ...الخ.
إضافة إلى ذلك العمل المضاعف التي تقوم به والذي يصل في بعض الأيام إلى اثني عشرة ساعة دون توقّف، مع استدعاءات مفاجئة لحالات ولادة في آخر الليل أو منتصفه أو في الصباح الباكر، كانت ترى وتؤمن بأن القيام بهذا العمل إنسانيٌ بالدرجة الأولى يمنح الناس ثقة أكبر في دورها كمسيحية رغم نظرة بعض الناس لها بأنها (كافرة) أو يدعون عليها بالموت، ونحو ذلك من العبارات التي قد تجعل الإنسان مُحبطاً أو يُرهق نفسياً جرّاء هذه المواقف، وكانت تتحمل بعض المواقف المتشددة والمتشنّجة، ومنها حينما كانت في العِمارة من العراق ص165 - 172، أنها قامت بعدة حالات ولادة من انتماءات مختلفة يوجد بينها - أي الانتماءات - شيء من الازدراء، حيث كانت تشرف على حالة ولادة من الطائفة الصابئية وهذه الطائفة كانت أقلّية ومحل ازدراء المختلف معه في الديانة، ثم تليها حالة ولادة من المسيحيين، ثم تليها حالة ولادة من المسلمين، ثم حالة ولادة من اليهود، فرغم ضغط العمل الذي تقوم به، إلا أن (كورنيليا دالينبرج) تتمتع بروح هادئة بقيامها في تهدئة كل من يطرق بابها ويرى أنه أولى من غيره، وتزرع فيهم الثقة عن طريق استماعها لما يودّون الاستفسار عنه حول عملها في توليد النساء.
يشار إلى أن هذا المجهود المضاعف الذي تقوم به وقد شارف عمرها على الستين عاماً، إلا أنها تتمتع بقمّة النشاط والحيوية وإيمانها العميق بما تقوم به من دور في خدمة الناس لأجل المسيح.

مواقف
 لستُ بصدد الحديث عن دور الإرسالية وأفرادها ومهامّها، إلا أن أمراً أحببتُ الإشارة إليه، وهو:
 إن عمل التنصير في الجزيرة كان أشبه بالمستحيل كما نقل لها من مارس العمل التبشيري في الجزيرة العربية، وقد تعرّضت لبعض المواقف المختلفة لذلك، منها ما كان في البحرين التي قضت فيها قرابة الأربعين عاماً وبها مقرّ الإرسالية، فرغم نشاطها وعملها المكثّف وعلاقاتها القوية بالناس لم تذكر سوى حالات معدودة تأثروا بالتبشير وتنصروا، من هذه الشخصيّات شابٌ يقال له (علي) وامرأة تكتم تنصّرها تُدعى (أم طرار) وأمّ مع ولديها (صادق و نور)، يضاف إلى ذلك ففي ص109 أشارت إلى أن مهمة التبشير في البحرين تكاد تكون لا شيء وأنَّ أملهم يصل بعض الأحيان إلى تحت الصفر باعتبار إحياء ذكرى مقتل الحسين عليه السلام أيام عاشوراء وما تنتجه هذه المناسبة من وعظٍ مكثّف يمارسه الشيعة الإمامية كل عام.
الموقف الآخر حصل لها في الأحساء ص216 حيث تعرضت إلى الطرد من قِبل حاكم الأحساء؛ لأنها كانت توزّع صوراً من الإنجيل، وذلك نتيجة شكاوى وصلت إلى حاكم الأحساء، مما اضطرّ إلى اتخاذ هذا الإجراء ضدها.
من خلال هذين الموقفين وغيرهما كانت (كورنيليا دالينبرج) ترى أن لذلك العمل والنشاط المضاعف نتائج مستقبلية، تمثّل - كما ترى - في تغيير نمط المعيشة ونوع اللباس وازدهار التعليم، وترك الحجاب ...الخ، وترى أن ذلك بفضل الجهود التبشيرية التي قامت بها الإرسالية، وذكرت بأن هناك أحداثاً أخرى ساهمت في إضعاف عملية التبشير، منها: زواج بعض الممرضات والذي يشغلهم عن المسألة الأساس من وجودهم، وخروج النفط في منتصف القرن العشرين في دول الخليج مما جعل دول الخليج أن تُنشئ مستشفيات ومدارس بالمجّان، أي: أن الخدمات التي تقدّمها الإرساليات فإن الدول الحاكمة تقدمها، مما جعل الناس لا يلجؤون إلى أطباء الإرساليات، والتي كان الناس ينظرون إليها بنظرة شك وإن اضطرّوا إليها في أحلك الظروف.

خاتمة:

تبقى مذكرات (كورنيليا دالينبرج) الملقبة بـ(شريفة) تاريخاً لحقبة مهمة من تاريخ الخليج قبل النفط وبعده، وتطوّرات طرأت على حركة التبشير في الخليج، وأحداث سياسية مختلفة، وعادات وتقاليد المجتمع البحريني، وأسماء الأمراض التي تم معالجتها، وثقافة المجتمعات التي تنقلت إليها، وغير ذلك مما هو مذكور في سطور هذه المذكرات.

نُشر هذا التعريف في مجلة الساحل العدد (34) السنة (11) صيف 2017م.

الاثنين، 11 سبتمبر 2017

وقفة مع الطريري في كتابه حديث الغدير


وقفة مع عبدالوهاب الطريري
في كتابه حديث الغدير .. مع سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام في غدير خم

بقلم: عبدالله بن علي الرستم


التعريف بالكتاب:
يتحدث هذا الكتاب عن (حديث الغدير) الذي بحسب اطلاعي القاصر لم يتطرّق له أحد من المعاصرين ببحث مستقل إلا القلة القليلة، فجاء هذا المؤلف ليسلّط الضوء على حديث الغدير الزمان والمكان والحدث والحديث؛ محاولاً استيعاب ذلك كلّه من خلال رحلة بحث أو تفكير امتدت عشرين عاماً – حسب قوله - ليخرج بنتيجة مكتوبة تقع في مائة وإحدى وثلاثين صفحة من الحجم الصغير.
ولا يخفي المؤلف مشاعره الزاخرة بالحب لأمير المؤمنين عليه السلام، وذلك بذكر فضائله ومناقبه ومقاماته وجهوده في الدفاع عن الإسلام من خلال الروايات الحديثية والأحداث التاريخية. ومما ساعد على ذلك أنه شدَّ الرِّحال إلى الغدير المكان ليقف متأملاً ذلك المكان الذي قرأ عنه في المصادر المعنيّة، ومستشعراً الحدث الذي مرَّ بهذا المكان العظيم.

ثم إن المؤلف الذي قضى عشرين سنة وحديث الغدير لا يبارح ذاكرته، عزم أخيراً على توثيق ما يتعلق بهذا الحدث والحديث؛ لتكون مضامين كتيّبه ذكر خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، متناولاً معنى (المولى) الواردة في خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم والذي استقرّ رأيه في نهاية المطاف أن (المولى) لا تعني ما ذهب إليه الإمامية؛ بل يرى أنها تعني المحبة والنصرة وغير ذلك إلا أنها لا تعني الوصيّة، محتجّاً بتسعة وثلاثين إشكالاً ذكرها في دراسته، وأن ما جرى في موقع الغدير من حجة الوداع ماهو إلا كرامة ومنقبة وفضيلة وليس عهداً ووصيّة، يضاف إلى ذلك أن المؤلف تطرّق إلى أن أعظم موسوعة كُتبت في هذا الشأن عند الإمامية هي موسوعة الغدير للعلامة الشيخ عبدالحسين الأميني (رض)، وقد وثّق رحلته بالصور الجوّيّة والوقوف على ذات المكان ليساهم ذلك في تقريب الصورة لدى القارئ، مع عدم إخفاء معالم الاستياء في حروفه حول ما جرى على موقع الغدير حيث تم وضع خرسانة اسمنتية على عين الغدير باعتبار أن قطار الحرمين يمرّ من هذا الطريق.

رأي في الكتاب:
لا شك أن قراءة كتابٍ من هذا النوع أمرٌ ممتع، بيد أن أمراً ما جعلني أقف موقف المتعجب، وهو: عدد الإشكالات المطروحة وطبيعتها مقارنة بالسنوات التي قضاها متأملاً في هذا الحديث وإشارته إلى موسوعة العلامة الأميني يجعلاني أوقن بأن المؤلف لم يطّلع على كتاب الغدير للعلامة الأميني، أو لم يقرأ بعض الكتب المهمة في هذا الباب، لا أريد بذلك موافقته فيما يذهب إليه الإمامية؛ بل أريد بذلك أن تكون الأسئلة متينة بحجم إنسانٍ باحثٍ قضى شطراً من عمره مع حدثٍ وحديثٍ مهمّين في التراث الإسلامي. ومن الصعب إيراد تلك الإشكالات في هذا التعريف البسيط، إلا أن إجاباتها مبثوثة في كتب الإمامية ومنها كتاب الغدير للعلامة الأميني.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...