السبت، 22 نوفمبر 2014

التراث العلمي عند العرب

التراث العلمي عند العرب

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

يعد تراث العرب العلمي من المسائل التي ينبغي أن يتدارسها أبناء هذا الزمان، وذلك للتعرف على الظروف المختلفة التي عاشها أولئك العلماء وكيف نبغوا، فرغم ظروف العيش الصعبة، والتقلبات السياسية، وانعدام الأمن في بعض البقاع، وغيرها من الأسباب المختلفة؛ إلا إنهم وضعوا بصمتهم على جبين الزمن بعطائهم العلمي الزاخر منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة. وليس الأمر منحصراً في قرن دون قرن، أو دولة دون أخرى، بل إن أولئك الثلة العظيمة من العلماء العرب ما زال صوتهم يدوي في المحافل العلمية والعالمية.
 
وبالبحث في كتب التراجم نرى مجموعة نفيسة من علماء العرب الذين عاشوا في القرون المتقدمة ابتكروا أشياء ما زال علماء هذا الزمن ينهلون من علومهم، وليست الاستفادة محصورة عند علماء العرب المعاصرين، بل إن علماء الغرب ينحنون إجلالاً لهذا التراث العظيم، وعلى سبيل المثال لا الحصر من أولئك الأعلام: جابر بن حيان الكوفي (ت 200هـ) (واضع أسس الكيمياء)، الحسن بن الهيثم (ت 430هـ) (رائد علم الفيزياء والبصريات)، عبدالله بن أحمد بن البيطار (ت 646هـ) (رائد علم الصيدلة والأدوية وإمام علماء النبات والأعشاب)، علي بن أبي الحزم بن النفيس (ت 687هـ) (فيلسوف الأطباء وشيخ الحكماء)، وغيرهم كثير.
 
ولعل التفاتة بسيطة على أقدم من سلف ذكره، وهو جابر بن حيان الأزدي الكوفي، والذي يرجع نسبه إلى قبائل الأزد اليمنية التي هاجرت واستوطنت الكوفة، وليس صحيحاً ما ذكره الزركلي في الأعلام أنه من أصل خراساني. يعد جابر بن حيان من أبرز العلماء العرب والمسلمين وأنبغهم علماً وعملاً في ميدان علم الكيمياء، فلو رجعنا إلى الظروف التي عاشها العالم الإسلامي في القرن الثاني، نجد أن حدثاً سياسياً مهماً حصل فيه وهو سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية مع ما تخللها من ثورات متتالية في كل بقعة من بقاعه، فمع هذه الظروف التي سالت فيها الدماء وزهقت فيها الأرواح، إلا أن النشاط العلمي واللغوي والفقهي بلغ ذروته، وخصوصاً في الكوفة، حيث يعد من المؤشرات المهمة في هذا الميدان، والتي نبغ فيها أمثال جابر بن حيان.
 
ومع قيمة جابر بن حيان العلمية إلى زماننا هذا، إلا أنه من المؤسف أن نجد المهتمين بتراثه هم الغرب وليس العرب، حيث نظرياته ما زالت إلى هذا اليوم تأخذ مجالها عندهم، وقد أكد جرجي زيدان هذا الكلام بقوله: (وإن أعجب شيء عثرت عليه في أمر الرجل أن الأوروبيين اهتموا بأمره أكثر من المسلمين والعرب، وكتبوا فيه وفي مصنفاته تفاصيل، وقالوا إنه أول من وضع أساس الشيمي الجديد، وكتبه في مكاتبهم كثيرة، وهو حجة الشرق على الغرب إلى أبد الدهر). فمن نظريات جابر العلمية (أنه أول من ابتدع طريقة فصل الذهب عن الفضة بواسطة حامض النتريك، وهي الطريقة نفسها التي ما زالت متبعة حتى يومنا هذا لتقدير عيارات الذهب في السبائك الذهبية)، وغيرها من النظريات العلمية التي جعلت فيلسوفاً كـروجر باكون (692هـ) وهو من كبار علماء القرون الوسطى يقول بحق جابر: (أول من علم الناس علم الكيمياء)، حيث ترك جابر خلفه حصيلة علمية ثرية، وهي ما تقدر بنحو 100 كتاب أو أكثر.
أما خير الدين الزركلي فيقول في كتابه الأعلام: له تصانيف كثيرة قيل: عددها 232 كتاباً، وقيل: بلغت خمس مئة. ضاع أكثرها، وترجم بعض ما بقي منها إلى اللاتينية.
ومما بين أيدينا من كتبه - أو الكتب المنسوبة إليه - (مجموع رسائل- ط) نحو ألف صفحة، و(أسرار الكيمياء- ط) و(علم الهيئة- ط) و(أصول الكيمياء- ط) و(المكتسب- ط) مع شرح بالفارسية للجلدكي، وكتاب في (السموم- خ) و(تصحيحات كتب أفلاطون- خ) و(الخمائر- خ) و(الرحمة- خ) وكتاب (الخواص) الكبير المعروف بالمقالات الكبرى والرسائل السبعين، و(الرياض- خ) و(صندوق الحكمة- خ) و(العهد- خ) في الكيمياء. وأكثر هذه المخطوطات رسائل.
 
ولجابر شهرة كبيرة عند الإفرنج بما نقلوه، من كتبه، في بدء يقظتهم العلمية.
قال برتلو: M. Berthelot لجابر في الكيمياء ما لأرسطوطاليس قبله في المنطق، وهو أول من استخرج حامض الكبريتيك وسماه زيت الزاج، وأول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استحضر ماء الذهب، وينسب إليه استحضار مركبات أخرى مثل كربونات البوتاسيوم وكربونات الصوديوم.
وقد درس خصائص مركبات الزئبق واستحضرها، وقال لوبون (G.Le Bon) (تتألف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره. وقد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيماوية كانت مجهولة قبله. وهو أول من وصف أعمال التقطير والتبلور والتذويب والتحويل إلخ). اهـ.
 
وقد ذكر جابر بن حيان معظم مؤلفي كتب التراجم وفهارس الكتب، وأثنوا عليه ثناء عاطراً قل نظيره، ناهيك أن هناك من أفرد دراسة خاصة فيه، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد صنف الدكتور زكي نجيب محمود كتاباً في حق جابر أسماه (جابر بن حيان)، وهذا الرجل العظيم يستحق كل ما قيل فيه من ثناء، فلا شك أنه أعجوبة زمانه، رحم الله جابراً رحمة الأبرار وجزاه عن العلم خير الجزاء.


نشر هذا المقال في (المجلة العربية) العدد رقم (457)، صفر 1436هـ (ديسمبر 2014م).

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

مدينة الهفوف للدكتور/ محمد جواد الخرس


الهفوف في آثار الدارسين والباحثين
عبدالله بن علي الرستم
أجبرت الظروف الكثير من المهتمين بتاريخ الأحساء بتدوين ما يتعلق بتراثهم وحضارتهم، فقد أتى هذا الكتاب ليسلّط الضوء على هذه المدينة التي يمتد عمرها إلى مئات السنين، فقد حدد الباحث فترة الدراسة 1288-1429هـ، أي ما قبل الطفرة النفطية التي حلت بالبلاد، وما يصحب تلك الطفرة من تغييرات جذرية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، موضحاً أن الدراسات التي سبقت دراسته جاءت بلغة التعميم، وهي مصادر مهمّة في بابها، بينما هذه الدراسة أتت لتخصص منطقة بعينها، وهي مدينة الهفوف، وليكون أول كتاب مخصص لمدينة الهفوف بدراسة مستفيضة.

وهذه الدراسة هي: مدينة الهفوف (مدخل حضاري لدراسة مظاهر الحياة في مدينة الهفوف بمحافظة الأحساء)، لمؤلفها الدكتور محمد جواد الخرس.

يتكون الكتاب من ستة فصول ومطالب عدة في كل فصل، وذلك على النحو التالي:

الفصل الأول: الإطار العام للدراسة، حيث يسلط الضوء على مشكلة وهدف وأهمية وحدود ومنهجية وبيانات الدراسة.

الفصل الثاني: ركز فيه الباحث على أهمية استخدام المصطلحات الواردة في الدراسة، وهي عبارة عن المصطلحات الدارجة المستعملة في الحياة اليومية عند سكان هذه المدينة.

الفصل الثالث: يعرّج في هذا الفصل على تاريخ تأسيس هذه المدينة مع التطرق لأسماء الأحياء التابعة لها، مسلطاً الضوء على مظاهر التفاعل الحضاري في واحة الأحساء، وتحليلها من وجهة نظر الاختصاصيين في مجال الجغرافيا الحضرية. وحول تطويع الأحسائي لإمكانيات البيئة المحيطة به لاحتياجاته في شؤونه العامة والخاصة.

الفصل الرابع: أتى هذا الفصل على ملامح الحياة الاجتماعية لسكان هذه المدينة، والخصائص العامة لأحيائها القديمة، مشيراً في الوقت ذاته إلى الطابع المهني والقبلي والمذهبي كعوامل في تكوين بعض الأحياء.

الفصل الخامس: يواصل الباحث حديثه ليأتي الدور على ملامح الحياة الاقتصادية لسكان مدينة الهفوف وواقع نشاطهم التجاري والصناعي.

الفصل السادس: تحدث المؤلف عن ملامح الحياة العلمية لسكان هذه المدينة، كالطرق التقليدية في التعليم مثل الكتاتيب ودورها في إحياء شعلة التعليم، راصداً أسماء تلك الكتاتيب وأصحابها وتاريخ نشاطهم ونوعه، ولم يغفل المدارس الدينية التي نشأت في ظل التعدد المذهبي في المدينة وانفتاحهم على الآخر، مركزاً في الوقت ذاته على الحضور المذهبي في هذه المدينة، مع ذكر أسماء تلك المدارس، ليختم هذا الفصل بأسماء المدارس النظامية التي نشأت مؤخراً.

في كل ما تم ذكره لم يغفل الباحث تدعيم بحثه بالصور المختلفة التي تعبر عن بعض ما يتعلق بهذه الحاضرة، مختتماً الدراسة بأبرز النتائج التي توصل إليها؛ لتكون خاتمة تضاف إلى الفائدة المطلوبة من هذه الدراسة القيّمة.

بعد التعريف بالكتاب، لنا وقفة على بعض المعلومات الواردة فيه، وهي على النحو التالي:

- ص 26: لم يتم تعريف كلمة (الكَبَت) التي وردت في هذه الصفحة، والتي تعني دواليب مصنوعة من الخشب أو من الحديد.

- تكررت أسماء بعض الدراسات التي ذكرها المؤلف، حيث كان على المؤلف التنبه لهذا التكرار في أسماء الكتب، وهي على النحو التالي:

- أخبار القرامطة في الأحساء ص 33 + ص 39

- تاريخ الأحساء السياسي ص 35 + ص 39

- الدولة العيونية في البحرين ص 34 + ص 34

- تاريخ البحرين في القرن الأول الهجري ص 35 + ص 37

- الوضع الزراعي في واحة الأحساء ص 43 + ص 46

- أنوار البدرين ص 57 + ص 58

يضاف إلى ذلك أن هناك الكثير من الدراسات التي تناولت تاريخ الأحساء، لم يضمنها المؤلف في هذا الرصد، ويبدو أن رصدها يحتاج إلى تتبع كبير.

- ص64: ذكر المؤلف أنه يتبع المدن الخمس (الهفوف والمبرز والعيون والعمران والجفر) 22 قرية، وهذا أمر غير مقبول؛ ذلك أن عدد القرى التابعة لهذه المدن الخمس يفوق هذا العدد الذي استشهد به المؤلف، وهي على النحو التالي:

(التهيمية، التويثير، البطالية، بني معن، الجبيل، الجشة، الجليجلة، الحليلة، الدالوة، الرميلة، الساباط، الشعبة، الشقيق، الشهارين، الفضول، القارة، القرن (الجرن)، القرين، الطرف، الطريبيل، العقار، الكلابية، المراح، المركز، المزاوي، المطيرفي، المقدام، المنصورة، المنيزلة، الوزيه)، يضاف إلى ذلك قرى مدينة العمران (أبو ثور، أبو الحصا، الأسلة، الحوطة، الخضير، الدويكية، السديوية، فريق الرشود، فريق الرمل، الصبايخ، الضاحية، العمران الجنوبية، العمران الشمالية، العليا، الغرس، غمسي، السيايرة، العرامية، الشويكية، الصويدر، واسط).

- ص 67: يقول المؤلف: (يبلغ عدد سكان الأحساء حسب آخر إحصاء أجرته بلدية الأحساء 790.000 نسمة وذلك عام 1415هـ).

وأقول: هذه الإحصائية ليست في محلها، حيث إن المسؤول عن تعداد السكان والمساكن هي (مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات) ويجب الأخذ بأحدث إحصائية في ذلك، وأقرب إحصائية قبل طبع الكتاب هي إحصائية عام 1425هـ (2004م)؛ ذلك أنه بإمكان المؤلف الحصول عليها؛ لأنها قبل طباعة الكتاب بخمس سنوات، حيث يبلغ عدد سكان محافظة الأحساء عام 1425هـ (907734) نسمة تقريباً، راجع في ذلك كتاب (نتائج تفصيلية.. السكان والمساكن للعام 1425هـ (2004م) المنطقة الشرقية ص 39)، وهو موجود على موقع مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، ولا اعتبار لتلك الإحصائية باعتبارها قديمة جداً عن أقرب إحصائية من تاريخ الكتاب.

ثم إن المؤلف حدد فترة الدراسة إلى عام 1429هـ كما ذكر ذلك في ص 14، فكان من المفترض أن يلتزم بهذا التحديد. والكلام كذلك على الإحصائية المذكورة في ص 76، حيث ختم إحصائية سكان مدينة الهفوف حتى عام 1415هـ، وهذا في تصوري خطأ محض، وكان عليه أن يأتي بأحدث إحصائية وهي عام 1425هـ أو حتى عام 1429هـ وإن كانت تقديرية.

- هناك بعض المعلومات لم يوثقها المؤلف، ومنها: قوله ص 214: (وخلال زيارة فيدال للأحساء وصفها.....) وكذا ص 238: (يقول فيدال بينما تكون... إلخ) فإنه لم يوضح أين ذكر فيدال هذا الكلام، مع تحديد رقم الصفحة!! وقد تكررت هذه المسألة في مواضع كثيرة من الكتاب.

- في الكتاب أخطاء لغوية ومطبعية حريٌ بالمؤلف أن يتنبه أكثر في كتاباته القادمة؛ ذلك أن خلوّ الكتاب من هذين الأمرين يجعله ذا أهمية كبيرة.
نشرت هذه المقالة في: صحيفة الجزيرة (ورّاق الجزيرة)، يوم الأحد الموافق 29/7/1431هـ، العدد رقم (13800).

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...