الثلاثاء، 26 مايو 2015

الرستم معقباً .. المصادر الحديثة لا تخدم البحث




الرستم معقباً .. المصادر الحديثة لا تخدم البحث


بقلم: عبدالله بن علي الرستم
الأحساء

ينتابني شعورٌ من البهجة والسرور حينما أرى نقاشاً يطولُ لأكثر من حلقة فيه أخذٌ ورد، خصوصاً كالنقاش الذي جرى بين الأستاذ/ راشد بن جعيثن، والأستاذ/ خالد النزر على صفحات مجلة "اليمامة" في الأعداد (2169 + 2170 + 2173 + 2172) وذلك حول قبيلة (عبدالقيس) والذي أبدى كلاً من الأستاذين الكريمين وجهة نظره المبنية على مصادر مختلفة ومهمّة في الوقت ذاته.

        ولكوني أحد المهتمين بتاريخ وتراث المنطقة الشرقية، آمل من الأستاذين العزيزين أن يمعنا النظر في أمورٍ عدة، وهي:

1-            ذكر الأستاذ/ النزر حول مايثبت تشيع العيونيين، وأضاف أن ذلك لا يخدم البحث الذي هم بصدده، وأتى الأستاذ/ الجعيثن بما يفند تشيع العيوننين.

وأقول: إن عملية البحث حول مذهب أي دولة لا يخدم أي مسألة ما، إلا إذا كانت هناك بعض الأحداث التي لها علاقة بذلك. لأنه في تصوّري أن معظم الملوك مهما كان توجههم الديني فإنهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم التي تتفق وسياسة الدولة.

واستطراداً في ذلك، أقول: إن الأستاذ/ الجعيثن، رمى بحث الأستاذ/ نايف الشرعان عرض الحائط، ذلك أن الشرعان أثبت في بحثه الموسوم بـ(نقود الدولة العيونية) تشيع العيونيين عن طريق الآثار، ومنها العملات المستخدمة آنذاك، حيث قال الجعيثن: (فلم يثبت ذلك وفق ما تقتضيه مصداقية الآثار خاصة وأن هذا الزمان عج بتزوير الوثائق والعملات!!). وتمنيتُ لو أن الأستاذ/ الجعيثن أثبت لنا أن ما ذهب إليه الشرعان باطلٌ بالأدلة العلمية الدامغة. لكنه لم يثبت لنا ذلك.

بل أضيف على ذلك كإثبات، أن الدكتور/ فرج الله أحمد يوسف، المتخصص في المسكوكات، أنه من أوائل من عاين المسكوكات من كانت في مركز الملك فيصل وبحالتها المتصلبة وحتى تفكيكها ومن خلال الدراسة والتحليل ثبت بأنها أصلية وليست مزورة أو مقلدة، وذلك حسب إفادة الأستاذ/ نزار آل عبدالجبار الباحث في شؤون الآثار بمتحف الدمام الإقليمي.

يشار إلى ذلك أن إحدى الكتب التي رجع إليها الأستاذ/ الجعيثن، كتاب (ابن مقرب والدولة العيونية) للدكتور/ فضل العماري، الذي أثبت تشيع الدولة العيونية من خلال قراءةٍ نقديةٍ لديوان ابن المقرب العيوني.

خلاصة الأمر: تمذهب الدولة يجب أن لا يأخذ مكاناً أكبر من حجمه، فيكفي أن أمراء الدولة العيونية مسلمون، ولا يضير أن يكون للشيعة عبر التاريخ دولة أقاموها وأفل نجمها لظروف مختلفة، وبروز نجم دولة وأفول أخرى، أمرٌ طبيعي يحصل في كل زمان وكل مكان، وإذا أراد كلٌ من النزر والجعيثن أن يبحثا مذهب الدولة العيونية فما عليهما إلا فتح حوارٍ آخر بعيداً عن موضوع (قبيلة عبدالقيس)، بشرط أن ينهيا بحثهما الأول، وذلك بالاعتماد على المصادر الأم، وليس المصادر الحديثة، التي ربما يكون في نقل المعلومة بعض الأخطاء والتصحيف.

2-            رجوع الأستاذ/ الجعيثن إلى مصادر حديثة، مثل: (تحفة المستفيد للشيخ العبدالقادر) و(الأحساء عبر أطوار التاريخ للغريب) وغيرهما.

في تصوري، أن مسألة كمسألة النَسَبْ يجب أن لا يُعتمد على أمثال هذه الكتب، لأنها كتب تاريخية وإن تخللتها معلومات في الأنساب، كذلك لوجود الكثير من الأخطاء فيها، وقد أثبت الأستاذ/ الجعيثن أن خالد الغريب خالف أمانة النقل ومصداقية المرجعية في ذلك، وحبذا لو تم الرجوع إلى أمهات المصادر فيما يتعلق بالأنساب، وكذا فيما يتعلق بأي مسألة تاريخية ليتسنى للباحث الوقوف على الحقيقة، ولا أقصد من ذلك هو تقليل قيمة كتاب الغريب والعبدالقادر وأضرابهما!! بل إني ممن يؤيد الرجوع إلى الكتب المتخصصة، وليس الاتكاء على أي مصدرٍ يخدم ما يذهب إليه دون الرجوع إلى المصدر الأم!!.

3-            أرجو لكلا الأخوين رحلة ممتعة في البحث حول (قبيلة عبدالقيس) مع وضع نقاط رئيسة في البحث ليتسنى لنا الوقوف على مسائل دسمة تستحق القراءة، وأشكر الأستاذ/ راشد بن جعيثن على تفضله بإطلاعي على جميع الردود، وكذلك على حسن استضافته العربية لي في منزله العامر، وكذلك أؤكد أن مثل هذه الحوارات ممن يثري الحِراك الثقافي في بلدنا الغالي .. ودمتم بخير.


 نشر هذا المقال في مجلة اليمامة

عدد (2178) السنة الحادية والستون، السبت 17 ذوالقعدة 1432هـ - الموافق 15 أكتوبر 2011م. ص56.

مشاريعنا الثقافية .. أين هي؟! الدكتور الفضلي نموذجاً



مشاريعنا الثقافية .. أين هي؟!

الدكتور الفضلي نموذجاً


عبدالله بن علي الرستم
المملكة العربية السعودية - الأحساء 

لا شك أن كلَّ حراكٍ ثقافي له جذوره الضاربة والتي تحركه للبروز بشكل أوضح في ميادين الحياة، وذلك عبر نشاطات متعددة الجوانب والأهداف، ولا يمكن نعتُ أيّ مشروعٍ بداية انطلاقته بنعوتٍ ما قبل أن تتحقق بعض أهدافه ويتلمّسها المحيطون، فإذا ما تحققت بعض تلك الأهداف استطاع المحيطون والمستفيدون تقييم تلك المشاريع التي يكافح من أجلها المثقفون العاملون، وهنا تبرز أهمية المشاريع الثقافية الفردية والمؤسساتية.

بيد أن ما يجري على الساحة العربية والإسلامية أن بعض المثقفين لا يمتلكون هذه الرؤية، حيث تغيب عن أذهانهم إنشاء المشاريع الثقافية الفردية والمؤسساتية إلا ما ندر، وهو ما يؤدي إلى تشتيت جهد المثقف سنوات من عمره دون أهداف ومشاريع، وغياب هذه الرؤية عند المثقف تعد بحقٍ مؤسفة؛ باعتباره من الطلائع التي يُعتمد عليها في تحريك عقل المجتمع ليجعله شعلةً من النشاط وتحقيق ما يصبو إليه في خدمة الثقافة على جميع أصعدتها.

وبالنظر إلى بعض المشاريع الثقافية القائمة والمتوزّعة في بلدان العالم، ينبغي على المثقفين الذين لديهم رؤية للمشاريع الثقافية أن يشحذوا طاقاتهم لصنع مشاريعَ تناسب الحياة الراهنة بكل تفاصيلها قدر المستطاع وتصب في صالح البشرية، فالعمل الثقافي الفردي وإن كان يحمل شيئاً من الرصانة والقوّة، إلا أنه ينبغي أن يُعزَّزَ بطاقاتٍ متنوعة؛ لتكون أكثر شمولية من العمل الفردي الذي قد يعتوره النقص في كثير من جوانبه، وليكون حفاظاً على مخرجات الثقافة من الترهّل والخمول، كذلك من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها في المشاريع الثقافية المؤسساتية أن تبتعد عن التحزّبات وطغيان جانبٍ على آخر، فالمثقف الواعي هو الذي يتجاوز كل التحزّبات والتصنيفات، حيث إنها تعرقل الرؤية الشمولية في مثل هذه المشاريع التي يُراد لها خدمة الثقافة.

وبالنظر إلى ماذكرته سلَفاً تبرز أمامنا شخصيةٌ من شرق المملكة العربية السعودية وهي بحق قامةٌ شامخةٌ ساهمت في وضع لبناتٍ ثقافية وعلمية في الوطن وخارجه، تلك الشخصية هي شخصية الراحل الدكتور/ عبدالهادي الفضلي - رحمه الله - الذي كان شعلةً من النشاط على كثير من المستويات إلى آخر رمقٍ من حياته، فلم يكتفِ بوضع مشروعٍ له طيلة حياته العلمية وهو (تطوير المناهج الجامعية والحوزوية) إلا أنه ساهم في الوقت ذاته في بناء صرحٍ علمي بسواعد بعض المهتمين في ذات الشأن، تمثل ذلك في تدريس وتأليف بعض المناهج لـ(الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية) بلندن مع مساهمته في خطة سير الدراسة الجامعية فيها بطلبٍ من الدكتور/ محمد علي الشهرستاني، وإنشاء قسم (اللغة العربية) بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة بمعيّة الدكتور/ محمد علي الساسي، وكذلك قيامه بعقد محاضرات مكثّفة في المنطقة الشرقية، فقد كان لكل نشاطاته وحِراكه صدى واسعٌ وطيب، وغيرها من المشاريع العلمية التي استفاد وما زال يستفيد منها الكثير من أبناء الأمة العربية والإسلام.

وهذا المشروع الذي وضعه على كاهله، ليس من السهل اليسير أن يثابر من أجل الاستمرار في تحقيقه، إلا أن الراحل الفضلي استمر في تحقيق طموحه ولو بالمساهمة القليلة في كثير من المشاريع، ومن يقرأ تراثه المتوزع في الكتب والمجلات وغيرها، يرى أنه ليس من السهل المواصلة في هكذا مشروع في ظل وجود بعض العقبات التي تعيقه بين الفينة والأخرى، وإن دلّ فإنما يدلّ على عِظَم المشروع والهمّة العالية التي يتحلّى بها.

وحريٌ بالمثقفين المعاصرين الاستفادة من تجارب السابقين والمعاصرين في البدء أو المساهمة بشكل كبير في دعم أي حِراكٍ ثقافي له وسائله وأهدافه وغاياته النبيلة، ولا شك أن المشاريع الثقافية التي تخدم المجتمعات في جميع الأصعدة محفوفة بعناية إلهية أياً كان القائم عليها.
نُشر هذا المقال في: صحيفة الوسط (البحرينية) 27 رجب 1436هـ (15 مايو 2015م)، العدد رقم (4634).

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...