الأحد، 24 نوفمبر 2019

المآتم الحسينية .. أدوارها وشرعيتها (قراءة نقدية)



عنوان المحاضرة: المآتم الحسينية .. أدوارها وشرعيّتها
اسم المحاضر: الشيخ/ محمد العبيدان
تاريخ المحاضرة: ليلة 1 محرم 1441هـ
مكان المحاضرة: مجلس سيد الشهداء عليه السلام بالقديح
مكان القراءة النقدية: حوزة السيدة المعصومة عليها السلام بالقديح
تاريخ القراءة النقدية: 3 ربيع أول 1441هـ

عرض ونقد: عبدالله بن علي الرستم

تلخيص المحاضرة:
ابتدأ الشيخ بعرض التساؤلات الواردة حول بداية نشوء المآتم الحسينية وأدوارها، ثم ذكر أحد إشكالات الباحثين القائل بأن بداية المآتم الحسينية كانت في العهد القاجاري اعتماداً على إنشاء (وزارة الشعائر) من قبل القاجاريين.
وقد أوضح قبل الشروع في المحاضرة بأن الحديث بين أبناء الطائفة الإمامية وليس بين الشيعة وغيرهم، ثم بدأ الشيخ بتعريف المأتم الحسيني كتحديد نقطة انطلاق للبحث، محدداً بأن المأتم الحسيني بدأ بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وليس قبل استشهاده، وعليه يكون بداية المأتم بعد استشهاده عليه السلام وليس إبّان الدولة القاجارية.

ثم قسّم المآتم إلى نوعين:
- مآتم عائلية: والتي كانت تُقام من قِبل العلويين فقط، بدءاً من واقعة الطف مروراً بالكوفة والشام وحتى وصولهم إلى المدينة المنوّرة.
- مآتم عامة: وهي المآتم التي يقيمها ويشرف عليها الناس بعيداً عن المآتم العلوية، وقد بدأت في الكوفة لكثرة وجود الشيعة، مع غياب المآتم في الشام حينها لغياب التواجد الشيعي فيها، وكذا قيامها في المدينة المنوّرة بدءاً من وصول الركب الحسيني إلى المدينة المنوّرة.
ثم تطرق إلى تطوّر المآتم مع مرور الوقت، واستمرارها بدعم من الأئمة عليهم السلام كالحثِّ على البكاء والاجتماع وإنشاد الشعر، مستشهداً ببعض الروايات الواردة في هذا الشأن.
عرّج الشيخ بعدها إلى تطوّر المأتم الحسيني، وهل هو ذاته المأتم الذي أُقيم في كربلاء بعد استشهاد الحسين عليه السلام، مستطرداً إلى تساؤلٍ يطرحه البعض أن ما يجري على المنبر الآن هو تغريب للمأتم الحسيني نتيجة طرح المواضيع ذات الأبعاد المختلفة عن المأساة الحسينية.
وقد أوضح الشيخ المحاضر بأن المأتم مؤسسة فكرية تتطور وفق مقتضيات ظرفي الزمان والمكان، وأشار إلى أن المأتم مرّ وفق أدوارٍ ثلاثة:
الدور الأول: يبدأ منذ استشهاد الحسين عليه السلام وحتى سقوط بغداد على يد هولاكو.
الدور الثاني: منذ سقوط بغداد على يد هولاكو وحتى بداية العصر الحديث.
الدور الثالث: من بدايات العصر الحديث وحتى يومنا.
ثم تطرق إلى التركيز على أن كلَّ دورٍ فيه نقطة أساسيّة وعناصر تكميلية للعنصر الأساسي الذي سيشترك فيه كل الأدوار الثلاثة، مع إشارته إلى أنَّ كل دور يعتمد على جانب شكلي ونوعي.
الدور الأول: العنصر الأساس هو الجانب المأساوي، ونقد السُّلطة الحاكمة تلميحاً وتلويحاً.
أما الجانب التكميلي وهو الشكل: فهو عبارة عن عرض المصيبة وبيان أهم ما حصل على شهداء الطفِّ، بحيث أن مصيبة الحسين عليه السلام كانت تقام طيلة عشرة أيام بدلاً من يوم العاشر من محرم فقط. وأشار أن الجانب الشكلي الآخر هو مواسم زيارة الإمام الحسين عليه السلام.
أما الجانب النوعي في الدور الأول: كانت تبدأ بذكر المصيبة، ثم تطوَّر الوضع إلى التوسُّع في ذكر الأحداث منذ وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وحتى استشهاده عليه السلام، وكذلك نموّ البُعْدِ الفضَائلي في المأتم، أي: ذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام.
والأمر الثالث في تطور المآتم: تكامل الشعر والنثر المتمثل في كتابة المقاتل.
الأمر الرابع: إدخال شهادات المعصومين عليهم السلام وأبطال الحركات الثورية ضد السُّلطات الحاكمة، ثم ذَكَرَ مصادر ذات صلة، مثل: مقتل أبي مخنف، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، تاريخ ابن أعثم الكوفي، الإرشاد للشيخ المفيد.

الدور الثاني: يبدأ بعد القرن السابع (بعد سقوط بغداد بيد هولاكو):
العنصر الأساس هو البعد المأساوي ونقد السلطة الحاكمة، وهو نقد صريح لبني أمية وبني العبّاس، ونقداً للسلطات الحاكمة حينها تلويحاً  وتلميحاً، وأشار بأن في الدور الأول لم يشتمل على ضربِ الصُدور وأنه لم يُعرف حينها، بينما أصبح اللطم على الصدور عنصراً أساسياً في المآتم في الدور الثاني، وأنَّ أوّل من أدخل اللطم هم البويهيّون، وأن الجانب الشكلي كما هو في الدور الأول، أما الجانب النوعي فقد  حصل تطورٌ، حيث تبدلت لغة المآتم من لغة عاطفية هادئة إلى لغة عاطفية هدفها الإثارة النفسية والعاطفية معاً، بإضافة السجع كسمة بارزة في هذا الدور، وغلب على  خطاب المآتم لغة الزهد نتيجة دخول هولاكو وما فعله بالمسلمين، ولم يذكر مصادر الدور الثاني.

الدور الثالث: حصل تطورٌ شكليٌ ونوعي، فقد حافظ على العنصر الأساس وهو القضية الحسينية (الجانب العاطفي المأساوي، ونقد السلطة) أما في الجانب الشكلي: نتيجة لوجود انفراج لبعض المجتمعات الشيعية فقد حصلت سعة في إقامة المآتم علناً طيلة شهري محرم وصفر، وطيلة أيام العام في بعض المناسبات الشخصية، وصارت كذلك كل أسبوع (العادة).
أما الجانب النوعي: فقد اختلفت لغة الخطاب، فقد انحسر السجع وحلّت محله اللغة المعروفة أو اللهجة المحكية التي يفهمها عامة الناس، والوقوف على مشاكل الناس ومعالجتها وفق رؤية أهل البيت عليهم السلام. وكذلك من ضمن التطور الدعوة إلى الإسلام ومعاجلة المشاكل العقائدية. بالإضافة إلى ربط الحديث محل الطرح على المنبر مع مصيبة سيد الشهداء عليه السلام.
ومن خلال هذا الطرح لا يوجد تغريب للمأتم الحسيني ولا تغييبٌ ولا فقدِ هوية، بل هو تطوّرٌ طبيعي نتيجة الظروف التي تطرأ على المجتمعات، وأنَّ ذلك يثبت بأن المأتم الحسيني مُوَاكِبٌ للحوادث الطارئة بشتّى أنواعها، اجتماعية، وعقائدية، وقرآنية ...الخ.

ثم جاء الحديث على المحور الثاني، وهو: دليل مشروعية إقامة المآتم الحسينية التي أثبتها بثلاثة أدلة أو طرق:
- وجود روايات عن أهل البيت عليهم السلام تحث على إقامة المآتم والبكاء على الحسين عليه السلام، وأشار إلى مصدرين، هما: وسائل الشيعة للحر العاملي، وكامل الزيارات لابن قولويه، وجاء بروايتين كاستدلال على هذا الطريق.
- روايات إحياء الأمر؛ لأنهم عليهم السلام سببٌ في بقاء إحياء الأمر.
- سيرة المعصومين عليهم السلام، ومنهم زين العابدين عليه السلام، وغيرهم من الأئمة عليهم السلام.
- هناك روايات تنهى عن الجزع، إلا  البكاء والجزع على الإمام الحسين عليه السلام.

ثم عرّج على إشكالين حول شرعيّة إقامة المآتم الحسينية:
1.              أن المآتم بما تحويه من حزنٍ وبكاء تخالف الأطروحة العرفانية، اعتماداً على نظرية البهجة، وهي موجودة عند المتصوّفة، والتي تعني: أن انتقال الإمام الحسين عليه السلام من دارٍ إلى دار هو يوم بهجة؛ لأنه انتقل إلى دارٍ الراحة ونحن بقينا في دار الشقاء، واستشهد بكلامٍ لابن الرومي والسيد ابن طاووس.
           وقد ناقش هذه المسألة نقضاً لها بشكل موجز؛ لأنه لا يرى الرد المستفيض لها لعدم استحقاقها الوقت الطويل للرد.
3.      الدليل الأول الذي تمسك به الشيعة (روايات البكاء) لا يمكن الاعتماد عليها في مكان الاستدلال، بسبب: (أ) روايات البكاء موضوعة ومكذوبة وهي من وضع الغلاة؛ لأنها اشتملت على ثوابٍ كثير لا يناسب الفعل الصغير. (ب) أن النصوص كانت مخصصة بظرف زماني خاص ولا تنطبق على زماننا.
وقد ناقش الشيخ الإشكالين بإجابة موجزة، حيث ينصب ذلك الأجر في البكاء على الحسين عليه السلام بأنه من عطاء الله عز وجل وليس من عطاء البشر، وإجابات أخرى تنقض الإشكالين  مستقاة من روايات أهل البيت عليهم السلام.
  

المميزات:
- تسليط الضوء على مسألة مهمة قلّما يتطرق لها الخطباء.
- استخدام التقسيم المرحلي/التاريخي.
- التأصيل للمسألة (التعريف اللغوي، ترجيح الآراء).
- الاستشهاد بالروايات دعماً للآراء المُدرجة.
- الشمولية في الطرح.

الملاحظات:
1. مصطلح المفكِّر: وصف الشيخ من قال بأن المآتم الحسينية بدأت في الدولة القاجارية بأنهم جماعة من المفكّرين أو أحدهم، ثم قال بعدها أحد الباحثين.
 التعليق:
من يقول بهذا الكلام لا يصل إلى مستوى المفكِّر وإشكاله يحمل مغالطات تاريخية يعرفها من له أدنى اهتمام بتاريخ النهضة الحسينية، لذا لا يمكن وصف الطرح المتهافت بأن صاحبه مفكِّر، خصوصاً وأن الإشكالَ ليس وجيهاً، حتى يتم افتتاح إشكاله صدر المحاضرة.

2. غياب الشواهد:
حينما ذكر تعريف المأتم الحسيني وأنه يُطلق على التجمعات التي تُقام بعد وفاة الشخص، لم يدعم هذا التعريف بشواهد لغوية أو شعرية، خصوصاً وأنها متوافرة في الكتب المعنية كالمعاجم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التالي:
ذكر السيوطي في المزهر نقلاً عن المبرد:
وأضْحت مراد لها مأتم ... على النَّسْرِ تُذْري عليه الدُّمُوعا
 قال ابن دريد في جمهرة اللغة:
والمأتم، والجمع مآتم، وهو اجتماع النساء في حزن أو سرور. قال حُمَيْد بن ثور:
وجئن إليها مأتماً بعد مأتمِ

قال الجوهري في (الصحاح في اللغة):
أتم: 
الأَتومُ: المُفْضاةُ، وأصله في السِقاء تَنْفَتِقُ خُرْزَتان فتصيران واحدة. والمَأْتَمُ عند العرب: النساء يجتمعن في الخير والشر. قال أبو عطاء السِنْديّ:
عَشِيَّةَ قام النائحاتُ وشُقِّقَتْ ... جيوبٌ بأيدي مأتَمٍ وخُدودُ
أي بأيدي نساء والجمع المآتم وعند العامة: المصيبة، يقولون: كنا في مأْتَمِ فلان، والصواب أن يقال: كنّا في مَناحَةِ فلان.

3. تقسيم المآتم: ذكر الشيخ إلى أن المآتم بدأت مآتم علوية خاصة ثم قام العامة بإقامة المآتم.
 التعليق:
غاب عن الشيخ التطرّق بأن هناك مآتم رسمية برعاية بعض الدول، مثل:
المآتم الحسينية برعاية البويهيين، والفاطميين، فقد نقل المؤرّخون ذلك إبّان حكمهم، ويُراجع في ذلك على سبيل المثال كلاً من:
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي (ت 597هـ)، 14/150 حوادث سنة 352 حتى 14/210 حوادث سنة 362هـ.
نزهة المُقلتين في أخبار الدولتين، لابن الطوير عبدالسلام الفهري (ت 617هـ)، 219[1].
الكامل في التاريخ، ابن الأثير (ت 630هـ) (7/279 حوادث سنة 352هـ حتى 7/316 حوادث سنة 358).
مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، سبط ابن الجوزي (ت 654هـ)، 17/350 حوادث سنة 352هـ حتى 17/439 حوادث سنة 363هـ.
الخطط المقريزية، تقي الدين أحمد المقريزي (ت 845هـ)، (2/212 + 348).
4. التحقيب التاريخي:
تطرق الشيخ إلى تقسيم موضوعه ثلاثة أقسام، وهي:
- القسم الأول: من مقتل الحسين # وحتى سقوط بغداد في القرن السابع.
- القسم الثاني: من سقوط بغداد حتى بداية العصر الحديث.
- القسم الثالث: من بدايات العصر الحديث إلى يومنا.

التعليق:
يلاحظ في التقسيم غياب الغرض منه، فقد تطرق بإسهاب حول مسألة التأصيل كحث الأئمة عليهم السلام على البكاء (وهذا أمرٌ جيّد ومطلوب)، إلا أنه غاب عنه تسليط الضوء على القسم الثاني والثالث، بل القسم الثالث لم يُعط الكفاية من الطرح.
إضافة إلى أن القسم الثالث (العصر الحديث) لم يُحدد تاريخه ولم يتطرق له، بينما تحدث عنه عرضاً عبر رده حول تغريب المنبر الحسيني.
فلماذا لم يكن التقسيم كالتالي: 
1. من مقتل الحسين عليه السلام حتى منتصف القرن الرابع مع بروز دولتي البويهيين والفاطميين.
2. ومن منتصف القرن الرابع قيام دولتي البويهيين والفاطميين - حيث انتقلت المآتم من السرّيّة إلى العَلن في الأسواق والتكايا ودخول الضرب على الصدور وزيادة عدد كتابة المقاتل الحسينية، إلى سقوط بغداد في منتصف القرن السابع (655هـ).
3. ومن سقوط بغداد حتى قيام الدولة الصفوية، حيث دخلت بعض الممارسات، وأُنشئت الحسينيات، ودُعمت الشعائر وأشياء أخرى لها صلة بالمآتم.
4. ومن سقوط الدولة الصفوية إلى سقوط الدولة القاجارية (1342هـ).
5. من سقوط القاجاريين وحتى وقتنا الراهن، حيث كثرة المقاتل، وتطوّر الأداء المنبري، وتنظيم المواكب العزائية.

5. وجود بعض الأخطاء التاريخية، مثل:
قال الشيخ: بأن اللَّطمَ على الصدور لم يكن معروفاً في الدور الأول، بل عُرف في الدور الثاني في عهد البويهيين، والذي يبدأ بسقوط بغداد في القرن السابع.
 التعليق:
هذا خطأ تاريخي، حيث البويهيّون عاشوا ضمن الدور الأول في القرن منتصف الرابع إلى القرن الخامس (320 454هـ / 932 1062م)، فيكون بذلك بأن الضرب على الصدور بدأ بالدور الأول حسب تقسيم الشيخ.


6. حول انتشار فن (السَّجَع)، قال الشيخ بما معناه: إن السجع انتشر في الدور الثاني ولم يكن موجوداً في الدول الأول.
 التعليق:
إن فن السجع كان منتشراً في الدور الأول، وتحديداً في القرن الرابع الذي يُعد من أزهى العصور، وكون السجع فنٌ بلاغيٌ له مكانته، وعليه انتشرت المقامات كمقامات بديع الزمان الهمداني (358 398هـ)، والقاسم بن علي الحريري (446 516هـ) وغيرهما.
ولذا كان ممن استخدم السجع في المقاتل الحسينية الشيخ المفيد (ت 413هـ) في كتابه الإرشاد، والموفق بن أحمد الخوارزمي (ت 568هـ)، وابن نما الحلّي (ت 567 645هـ)، والسيد علي ابن طاووس (ت 664هـ). وهؤلاء كلهم عاشوا قبل القرن السابع باستثناء السيد ابن طاووس الذي عاش جزءاً من أحداث سقوط بغداد، أي: ما يقدر بعشر سنوات تقريباً، وسجع أمثال هؤلاء الأعلام غير متكلّف؛ بل هي طبيعةٌ وسجيّة في أقلامهم، ولمراجعة ذلك فدون القارئ والمهتم كتبهم التي صنّفوها في مقتل الإمام الحسين عليه السلام.
الشواهد:
قال الشيخ المفيد في ذكر خبر مسلم بن عقيل[2]: "فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه، وضمنوا له النصرة والنصيحة ووثّقوا له في ذلك وعاقدوه، ثم لم تطل المدّة بهم حتى نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه، فقُتل بينهم ولم يمنعوه". وقال: "قد نُكثت بيعته، واستُحلّت حرمته، ولم يوفَ له بعهدٍ، ولا رُعيت فيه ذِمَّةٌ ولا عقد. وغير ذلك".
قال الموفق بن أحمد الخوارزمي في مقدمة مقتله[3]: "... وأنا لما عجزت لتأخير زماني عن المناضلة دونه وإراقة دمي، والمثول بين يديه على قدمي، أحببتُ أن أجمع مقتله بلعاب قلمي، وأُطاعن دونه ودون ذريّته باللِّسان، إذ لم أُطاعن دونهم بالسِّنان... " وقال: "وأردتُ أن يرتفع مستطير الشُّعاع، مكشوف القناع، ولم ألمظه ما يرويه الغُلاة، ولم أُحبّره بما يستلذّه الغواة، وختمتُ مجموعي هذا بقصّة المختار، الذي شفى صدور الأبرار، من تلك الأوتار ...".



7. دور الشيعة إبّان الحكم الأموي في الأندلس:
للشيعة في البلاد الأخرى حضورٌ لمناسبة عاشوراء، سواءً على نحو النثر أو الشعر، ومنها ما كان لغلاة السنّة موقفٌ من الشيعة في الأندلس[4]، يُروى لعبدالملك بن حبيب (ت 238هـ) كبير فقهاء قرطبة أيام عبدالرحمن الأوسط أبيات يخاطب بها الأموي  يقول فيها:
لا تنسَ لا ينسكَ الرحمنُ عاشورا   =   واذكره، لا زلتَ في التاريخ مذكورا
قال النبيُّ صلاة الله تشمله -   =   فولاً وجدنا عليه الحقَّ والنورا
فيمن يوسِّع في إنفاقِ موسمه   =   ألّا يزال بذاك العام ميسورا

وهنا إشارة إلى إحياء سنّة أموية في اليوم العاشر من المحرم وهي: إظهار الفرح والسرور نتيجة مقتل الإمام الحسين عليه السلام، ويبدو من سياق الحديث أن هناك شيعة في الأندلس يحييون المآتم على الحسين عليه السلام.

8. دور الشيعة إبّان الحكم الإخشيدي في مصر[5]:
يذهب البعض أن الدولة الفاطمية هي من شجّعت إظهار المآتم أيام عاشوراء، وهذا وإن كان صحيحاً، إلا أن دور الشيعة في حكم الإخشيديين بمصر (323 357هـ /935 968م) كان حاضراً على الساحة، قال المقريزي نقلاً عن ابن زولاق (ت 387هـ)[6] عن أحداث سنة 363هـ:
إنما قويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر، وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الإخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر كلثوم وقبر نفيسة، وكان السودان وكافور يتعصّبون على الشيعة، وتتعلق السودان في الطرقات بالناس، ويقولون للرجل: من خالك؟ فإن قال معاوية أكرموه، وإن سكت لقي المكروه وأُخذت ثيابه وما معه..الخ.
وكذلك كانت الشيعة تزور مشهد زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام يوم عاشوراء[7]، وكذلك كانت الشيعة -  تزور مشهد كلثوم العلوية وتذكر السلف وتنوح، وذلك سنة 350هـ.[8]

9. دور الشيعة والمآتم في الدول قبل العهد القاجاري[9].
من المهم استعراض دور الشيعة في الدول قبل العهد القاجاري، حيث يثبت أنهم كانوا يمارسون الشعائر الحسينية والتي منها المآتم في ظل الحكومات السُنّيّة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين؛ بل كانت هناك حكومات شيعية أو تميل إلى التشيّع سمحت بإقامة مآتم الحزن على أبي عبدالله الحسين عليه السلام، ذلك أنه أقيمت بعض الدويلات الشيعية خلال هذين القرنين، مثل: الدولة السربداريّة (٧٣٧ - ٧٨٣ه‍) في خراسان، ودولة القراقويونلو في أذربيجان والعراق، والدولة المرعشية في مازندران وجيلان، وطبيعي أن هذه الدول ستحتضن الشعائر وإقامة المآتم.
بل إنه في ظل الحاكم التيموري شاهرخ[10] كانت تُلقى القصائد الحسينية في مجلسه لميله إلى هذا اللون من الشعر. وهذه النقطة غرضها هو: أن المآتم كانت تقام في إيران قبل القاجاريين والصفويين.

10. حول الإشكال القائل بأن المآتم الحسينية بدأت إبّان الدولة القاجارية.
التعليق:
لم يحدد الشيخ تاريخ الدولة القاجارية، وحريٌ به أن يتطرق إلى تاريخها ولو تقريباً؛ ليكون المتابع والمستمع على علمٍ بتواريخ الدول وأدوارها حول المآتم الحسينية، وللتوضيح أقول: إن الحكم القاجاري كان في الفترة (1193 1342هـ  /1779 1924م)، وكان بداية أمرها مساندة للصفويين، واستغلّت بعض ظروف الضعف الذي دبّ في الدولة الصفوية، ومن ثم استقلّت.

11.    لم يتطرق الشيخ إلى مسألة ذات صلة، حال استعراضه عن الدولة القاجارية وأنها أنشأت (وزارة الشعائر)، وهذه مسألة في غاية الأهمية، حيث إنشاء الوزارات يأتي لتطوّر البرنامج السياسي والتنظيمي لكل دولة، وهذا معروف بأن بعض الدول تضم بعض الوزارات تحت مسمّىً واحد؛ لعدم الحاجة إلى توسيع النطاق وتكثير الحقائب الوزارية، مثلاً: وجود وزارة الحج والعمرة كوزارة مستقلة لوجود الحرمين الشريفين في بلادنا، بينما في بلادٍ أخرى قد تُضم هذه الحقيبة الوزارية إلى وزارة الشؤون الإسلامية أو أي وزارة ذات صلة بهذه الأمور، وغيرها من التسميات الوزارية لكل دولة.
علماً: أن (وزارة الشعائر) لم تكن إبّان الدولة القاجارية؛ بل كان في عهد الدولة الصفوية[11].


12. مسائل ذات صلة:
حال التطرّق إلى وزارة الشعائر، والذي يصحبه من إقامة الشعائر وجود الحسينيات، والتي قد أُنشئت من أجل إقامة المآتم والشعائر الحسينية، فبعد أن كانت تُقام في الأسواق والتكايا أو في المساجد كما في بعض المراحل التاريخية الأولى، بدأ إنشاء الحسينيات لأجل هذا الأمر، قبل قيام الدولة القاجارية (1193 1342هـ  /1779 1924م)، ويشير أحد الباحثين[12] أن الحسينيّات نشأت في القرن الرابع إبّان العهد البويهي بشكل متقطّع، بينما برزت كمنشأة وتطوّرت في العصر الصفوي خاصة في عهد الشاه عباس الأول (995 1038هـ / 1587 1629م)، بينما يذهب باحثٌ آخر([13]) أن الحسينية كمنشأة بدأت في العهد المغولي بالهند حيث شيّد محمد قلي قطب شاه (987 1020هـ / 1580 1612م) حسينية وتُسمى (عاشور خان باديشاهي "1000هـ/1592م" وهي قريبة من حيدر أباد.
بل أشارت د. غادة إلى أن أحد مراقد أبناء الأئمة عليهم السلام (إمام زاده) الذي تم إنشاؤه في العصر السلجوقي (429 552هـ/ 1037 1157م) أو الغزنوي  (351 583هـ / 961 1181م)  وتم تحويله إلى حسينية في العصر الصفوي[14]، مما يعني أنه يقوم بجزء من وظائف الحسينية التي منها إقامة المآتم على الإمام الحسين عليه السلام والعزاء، إلا أنه تحوّل إلى حسينية في العصر الصفوي.

13. حول الاستعراض عن تاريخ المأتم:
كان الأحرى بالشيخ مع هذا الاستعراض الجميل، أن يستعرض الكل بشكل جزئي، ويشبع الدور الأوّل بحثاً وتنقيباً وكل ما له صلةٌ به فقط، وذلك لما تتطلبه المادة من تقصٍ وتحقيق تاريخيّين؛ لأهمية الموضوع.

14. دور كتابة المقاتل في جميع الأدوار:أشار الشيخ إلى دور المقاتل بشكل مقتضب، والرأي الذي أتبنّاه أن لكتابة المقتل دورٌ كبيرٌ في تطوّر المآتم وصناعة جُملة من خطباء المنبر بمعيّة كتب المقاتل، حيث المقاتل بما تمثّله من أهمية في تطوّر سرد الأحداث التاريخية، فإن في بعض المقاتل توظيف مهم لتطور دور المأتم، وهذا يتضح من خلال قراءة جملة من المقاتل وتصنيفها على مدى أربعة عشر قرن من الزمان.

رأي: توسيع نطاق البحث على مدى ليلتين:
المتابع لنوعية الخطاب المنبري العاشورائي يلاحظ معاناة الخطباء في محاولة جلب المواضيع ذات الاهتمام أيام عاشوراء، ولذا يُعرِض كثيرٌ من الخطباء من تقسيم المحاضرة إلى قسمين، وهذا شأنه، إلا أني أتمنّى في السنوات المقبلة أن تكون المحاضرة شاملة حتى لأكثر من ليلتين إذا استدعى الموضوع ذلك، فهذا مما يرسم ثقافة تأصيلية للمستمع والمتابع لقضايا النهضة الحسينية.
والأمر الآخر: أن تكون المحاضرة محل النقد مكتوبة وموثّقة بالمصادر، حتى ما إذا أراد الناقد يقدم مساهمته في ذلك، رجع إلى الكلام المحاضرة المكتوبة؛ لأن الخطاب الشفاهي قد يحصل فيه خطأ ما أو سبقُ كلمة على أخرى ونحو ذلك.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

رابط محاضرة الشيخ:


رابط القراءة النقدية:




[1] نزهة المقلتين في أخبار الدولتين، لابن الطوير أبو محمد المرتضى عبدالسلام بن الحسن الفهري القيسراني ( 525 617هـ / 1130 1120م)، أعده للنشر: أيمن فؤاد سيد، دار الكتب والوثائق القومية القاهرة، 1437هـ (2016م)، 219. وفيه يتحدث عن سنة 517هـ.
[2] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد (سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد)، الشيخ المفيد (ت 413هـ)، دار المفيد بيروت، الطبعة الثانية 1414هـ (1993م)، ج11 رقم 2/30 32.
[3] مقتل الحسين عليه السلام، الموفق بن أحمد الخوارزمي (ت 568هـ)، تحقيق الشيخ/ محمد السماوي، دار الحوراء بيروت، الطبعة الثانية 1430هـ (2009م)، 1/18 20.
[4] التشيّع في الأندلس منذ الفتح حتى نهاية الدولة الأموية، د. محمود علي مكّي، مكتبة الثقافة الدينية القاهرة، الطبعة الأولى 1424هـ (2004م)، 31.
[5] الخطط المقريزية، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (766-845هـ)، تحقيق: د. محمد زينهم مديحة الشرقاوي، مكتبة مدبولي القاهرة، 1997م، 2/212.
[6] هو أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق الليثي (306 387هـ / 919 997م) فاضل مؤرخ مصنّف.
[7] الخطط المقريزية، المقريزي، 3/637.
[8] الخطط المقريزية، المقريزي، 3/381.
وكلثوم هي: كلثوم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق عليه السلام.
[9] إيران السنية .. الحياة الدينية في إيران قبل الصفويين، د. ممدوح رمضان أحمد، مركز نماء للبحوث والدراسات بيروت، الطبعة الأولى 2018م،179 194.
[10] الحكومة التيمورية (٧٧١ - ٩١٢ه‍).
[11] التشيع العلوي والتشيع الصفوي، د. علي شريعتي، دار الأمير بيروت، 1422هـ (2002م)، 207.
[12] العمارة الإسلامية بإيران .. مساجد مدارس حسينيات، د. غادة عبدالمنعم الجميعي، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة، 2015م، 411.
[13] الحسينيات .. دراسة آثارية تاريخية حول النشأة والتطوّر المعماري والتنوّع الوظيفي، د. إبراهيم صبحي السيد غندر، مجلة العصور لندن، مج24 ج1 يناير 2014م (ربيع الأول 1435هـ)، 20.
[14] العمارة الإسلامية بإيران، د. غادة الجميعي، 431.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...