الاثنين، 15 سبتمبر 2014

علي بن الحسن العبدي (ابن المقلة)


علي بن الحسن العبدي

(ابن المقلة) (524 – 599هـ)
 
بقلم: عبدالله بن علي الرستم


تمهيد:

 إنَّ التعرُّفَ على سِيَر العلماء فيه من الفوائد الكبيرة التي لا تُحصى، والعلماءُ يختلفونَ في تحصيلهم العلميّ بدوافع تختلفُ باختلافِ الظروفِ الزمانيّة والمكانيّة، فهناكَ من يتعلّمُ من أجلِ المفاخرةِ، وآخر يتعلَّمُ من أجلِ المتاجرة، وهناك من يتعلم من أجل العلم ...الخ، من خلال هذا المنطلق تم البحثُ في سيرة أبي الحسن علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي (ت599هـ)، وهو أحد العلماء المغمورين في بعض جوانب المعرفة، ولما لانتماء هذه الشخصية القَبَلي بصمةٌ في التاريخ في بعض ميادين الحياة المختلفة، تم لملمة أوراق سيرته من بطون الكتب؛ ليكون ضمن تلك السلسلة التي بلا شك أفادت واستفادت من الجوانب العلمية التي وصل لنا شئٌ منها، وغاب عنّا الكثير.

اسمه ونسبه:
هو علي بن الحسن بن إسماعيل بن أحمد [بن معروف][1] بن جعفر بن محمد بن صالح بن حسان بن حصن[2] بن معلى بن أسد بن عمرو بن مالك بن عامر بن معاوية بن عبد الله بن مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار [بن عمرو][3] بن وديعة بن الكيدي[4] بن أقصى بن عبدالقيس بن أقصى[5] بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، أبو الحسن العبدي من أهل البصرة، يعرف بابن المقلة[6]، هكذا أملى نسبه على جماعةٍ[7].

وينبغي التنبُّه إلى لقب مترجمنا (ابن المُقْلَة)[8] الذي يشاركه فيه الخطاط محمد بن علي بن الحسن بن مقلة (ت 328هـ) والذي يلقب بـ(ابن مقلة) بدون أل التعريف.

أما أبواه فوالده لم أقع على ترجمةٍ له أو معلومات لها ارتباط بشخصيته، ووالدته هي الفقيهة أم علي الرشيدة بنت الفقيه أبي الفضل بن محمد بن علي بن المؤمل بن تمام التميمي المالكي لَمّا كانت بالبصرة كانت تعيش، وهي مؤدِّبة[9]. ولها شعرٌ سنأتي على ذكره.

 تاريخ ولادته ووفاته:
سُئل العبديُّ عن مولده، فقال: ولدت في شهر ربيع الأول من سنة أربع وعشرين وخمسمائة بالبصرة، وتوفي بها في اليوم الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وخمسمائة[10]، وعند ياقوت أنه توفي في الرابع عشر من شهر شعبان عام تسع وتسعين وخمسمائة[11].

 سيرته:

إن سيرة مترجمنا العبدي سيرةٌ مليئةٌ بالعطاءِ في الجانب العلمي، وكذا ترحاله في طلب العلم، وهذا ما نلتمسهُ من خلال قراءتنا لسيرة شيوخه ومراسلاته الشعرية مع والدته، أنها شخصيةٌ هادئةُ الطِّباع، متديّنة متزّنة ومنزوية عن الدنيا وملذّاتها، ولعلّهُ كان يألفُ التِّرحال في أنحاء الأرض، إلا أن التاريخ لم يدوّن عن ترحاله سوى إلى ثلاثة أماكن وهي: بغداد حيث أخذ فيها العلم عن شيوخها الآتي ذكرهم، وكذا البحرين وجزيرة تاروت الواقعة على الساحل الشرقي من الجزيرة العربية، ولم يُفصح لنا التاريخ عن سبب رحلته إلى البحرين وتاروت، إلا أننا يمكن أن نقول ظناً وتخميناً أنه نظراً لقرب البصرة من هاتين الجزيرتين قد تكون تلك الرحلات إليهما زيارات عائلية ونحو ذلك، خصوصاً وأنَّ قبائل عبدالقيس كانت تقطن هذه المنطقة وهو ما يُسمى تاريخياً إقليم البحرين، وإلا لو كانت هجرته للعلم أو للتجارة لنُقل إلينا غرض هذه الزيارة، سواءً سرداً تاريخياً أو شعراً.

 
مكانته:
يبدو أن لأبي الحسن العبدي مكانةً كبيرةً في العِلم، وذلك بناءً على وصف مترجميه له، ولعلَّ وصف معاصره العماد الأصبهاني أبلغ من وصف غيره، خصوصاً وأنه كانت بينهما جَلَسات متعددة، يتم فيها تدارس العلم وخصوصاً الأدب والشعر، فمما قاله العماد الأصبهاني عنه[12]: شابٌ من أهلِ العلم وأصحابِ الحديث، متوقد الذكاء، وله يدٌ في علم العَروضِ والقَوافي.

 وقال الذهبي[13]: واشتغل وحدّثَ وصنّفَ وقال الشعر والترسّل، وثّقه الدبيثي[14] وروى عنه، وأثنى عليه، قال: لقيته بواسط.
 فمع هذه المكانة وإطراء الأصبهاني له بعبارة: (من أهل العلم وأصحاب الحديث) والذهبي في قوله: (وحدّث .. وثقة الدبيثي وروى عنه) دلالة أن له يداً في رواية الحديث، إلا أنه من خلال البحث لم أجد له اسماً في سندِ روايةِ حديث، ومع ذلك لا يمكن لنا التهاون بمكانته العلمية بمجرّدِ عدمِ العُثُورِ على رواية له!! فقد يكون بروز الأدب والشعر على شخصيته أكثر من رواية الحديث.

شيوخه[15]:
إن لأبي الحسن العبدي شيوخاً عِدّة، التقاهم وأخذ عنهم العلم، فقد قرأ الأدب على مجموعة من علماء عصره في البصرة وبغداد، وهم كما ذكرهم القفطي[16]:

-                  أبو علي بن الأحمر ( كان حياً عام 558هـ): الحسين بن أبي منصور، بن حامد بن أبي علي، بن مقلد، ابن الأحمر التميمي. من ولد عاصم بن عمير الحماني. شيخ كبير السن والقدر، غزير الأدب، وقاد الفكر. شعره متكلف جيد، كشعر الأدباء. لكنه متبحرّ في فنّه. أديب، أريب. عربيّ النجار، تميمي الفصاحة. وله رواية عالية بمجمل اللغة[17].

-                  أبو العباس ابن الحريري.

-                  أبو المعز بن أبي الدنيا.

 

وذكر ياقوت[18] آخرين غيرهم، وهم:

-                  أبو محمد جابر بن محمد الأنصاري.

-                  أبو العز طلحة بن علي بن عمر المالكي (ت 535هـ).

-                  أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبدالملك الواعظ.

-                  أبو إسحاق إبراهيم بن عطية الشافعي إمام الجامع بالبصرة.

-                  أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري في بغداد (ت550هـ) له كتاب: المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر[19].

-      أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي (ت550هـ): الحافظ الأديب المعروف بالسلامي، كان حافظ بغداد في زمانه وكان له حظٌ وافرٌ من الأدبِ، وأخذَ الأدبَ عن الخطيبِ أبي زكريا التبريزي، وخطه في غاية الصحة والإتقان، وكان كثير البحث عن الفوائد وإثباتها، روى عنه الأئمة فأكثروا، وأخذ عنه علماء عصره منهم الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي، وأكثر روايته عنه، وذكره الحافظ أبو سعد ابن السمعاني في كتبه. وكانت ولادته ليلة السبت خامس عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة[20].

-      أبو بكر بن الزاغوني (ت 552هـ): محمد بن عبيدالله بن نصر البغدادي المجلِّد، حدث عنه ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وابن طبرزد، والكندي، وابن ملاعب، ومحمد بن أبي المعالي بن البناء، وعبد السلام بن يوسف العبرتي، ومحاسن الخزائني، وأبو علي بن الجواليقي، وعبد السلام بن عبد الله الداهري، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وآخرون، وآخر أصحابه بالإجازة أبو الحسن بن المقير. قال السمعاني: شيخ صالح متدين، مرضي الطريقة، قرأت عليه أجزاء، وكان له دكان يجلد فيها، طال عمره، وعلا إسناده[21].

 

تلامذته:

إن عَلَماً بحجمه لا يبعدُ أن يكون له عشراتُ من التلاميذ وروّاد العِلم، إلا أن المصادر التاريخية لم تُسعفنا بشيء من ذلك، حيث إن جميع من ترجم له أغفل التعرّض لتلاميذه، وربّما ذلك لعدم بروزهم واشتهارهم، أو لم يتم الترجمة لهم في الكتب المعنيّة، مثل: كتب الأدب والتراجم ونحوها.

مؤلفاته:
ذكر غير واحدٍ من أرباب التراجم كالقفطي في إنباه الرواة، وياقوت في معجم الأدباء .. وغيرهم، أن للعبدي مؤلفات، إلا إنهم لم يذكروا شيئاً من أسماء تلك المؤلفات.

        فمن أقوالهم حول مؤلفاته، قول القفطي[22]: له معرفةٌ بالأدب والعَروضِ، وله في ذلك مصنّفات. وقال ياقوت[23]: وعاد إلى بلده وخرّج لنفسه فوائد في عدّةِ أجزاء عن شيخه. وكذا قول الصفدي[24]: خرّج لنفسه فوائدَ عن شيوخه في عدّة أجزاء.

وسار على ذلك المتأخرون وساقوا كلام المتقدمين في مصنّفاتهم، إلا أن واحداً من المتأخرين[25] سمّى لنا كتاباً من تلك المصنّفات، حيث قال: "من تصانيفه (فوائدُ في الأدب) في عدّة أجزاء" ولم يوضّح لنا هويّة هذا الكتاب من حيث مكان طباعته وعدد أجزائه وصفحاته!!.

 

شعره:
بناءً على ما ذكره المصنّفون في ترجمة أبي الحسن العبدي، من أن له شعراً واهتماماً بالعَروض والأدب، إلا إنّهم لم ينقلوا لنا سوى قليل من شعره الذي أنشأه، حيث ذكر ياقوت[26]: هو شيخٌ فاضلٌ لهُ معرفةٌ بالأدبِ والعروضِ، ولهُ كتبٌ وتصانيفٌ في ذلك، ويقولُ الشعرَ ويترسل.
وقال معاصرهُ العماد الأصبهاني[27]: له يد في علم العروض والقوافي. كان خدم ببغداد سنة سبع وخمسين وخمس مئة. فلما انحدرت، في نيابة الوزير، إلى البصرة، في شوال من السنة رافقني إليها. وكنا نتناشد الأشعار، ونتذاكر طرف الأخبار. ومدة مقامي بالبصرة إلى أن خرجت منها في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين، ما كان يخل بمحاضرتي.

قال أبو عبدالله[28]: أنشدني أبو الحسن علي بن الحسن العبدري[29] لنفسه [الخفيف]:
شيمتي أن أغض طرفي في الـ
وأصون الحديث أودعه صو

 
دار إذا ما دَخلتها لصديق
ني سري ولا أخون رفيقي 

قال: وأنشدني أيضا لنفسه [السريع]:
لا تسلك الطرق إذا أخطرت
قد أنزل الله تعالى:
)
ولا

 
 
لو إنها تفضي إلى المملكة
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
(
[30]


ومن شعره ما ذكره العماد الأصبهاني في ذم تاروت جزيرةٍ بالبحرين، عند كونه بالقطيف سنة أربع وخمسين وخمس مئة[31] [الخفيف]:
قبّح الله ليلتي ومَبِيتي
ليس عندي سِوى ثيابيَ شيءٌ
وحِصاني نِضْوٌ من الجوع مثلي

 
 
أتلَوَّى للجوع في تارُوتِ
مثل مَيْت قد حلَّ في تابُوتِ
فاقِدٌ قَتَّهْ كفقديَ قُوتي


وكما أسلفنا القول بأن والدة العبدي مؤدِّبةٌ ولها شعرٌ ومراسلاتٌ مع ابنها، وننقلُ ما ذكره العماد الأصبهاني في خريدةِ القصر[32]، وذلك قوله: وكان ولدها الأديب علي العبدي يتردد إليَّ، فقال لي: كنتُ غائباً عن والدتي في بعضِ أسفاري، فكتبتُ إليها قصيدةً طويلةً [البسيط]:
سِيّان إِنْ عذَرُوا فيكم وإنْ عذَلُوا
لا أكذِبُ الله ما لي غير حِبّكُمُ
وليس في النّاس لي لو كان ينفَعكُم
أشتاقُكم وبِوُدّي لو يواصلُني
وقد صحِبتُ أُناساُ واشترطتُ لكم
قلبي يميلُ إليكم دونَ غيرِكُمْ
ورُبَّما قلتُ للواشي إِليَّ بِكُمْ
صِلوا وصُدُّوا وجُورُوا واعدِلُوا وقِفُوا
مهما فعلتم فمحمولٌ ومغتفَرٌ

 
لأنَّني عن هواكم لستُ أنتقلُ
والاستزادةِ من وجدٍ بكم شُغُلُ
أَنْ تعلَمُوا ذاك منّي غيركم أَمَلُ
خَيالكُم لو بنومٍ كنتُ أكتحلُ
قلبي ويصحَبُهم جسمي وقد قَبِلُوا
وإِنْ صدَدْتُم وإِنْ صافَوْا وإِنْ وصَلُوا
هم الأَحِبَّةُ إِنْ جارُوا وإِنْ عدَلوا
عمّا أُحِبُّ فعندي بعدُ مُحْتَمَلُ
وما أمرتم فمسموعٌ ومُمْتَثَلُ


قال: فأجابت والدتي عنها بقصيدة منها [البسيط]:
لولا الأمانيُّ والتَّسويفُ والأمَلُ
وكلَّما اشتدَّ بي نارٌ تُعَذِبني
وقد تعلَّلْتُ أسباباً لرؤيتكم
أَهْذي بكم حَسْبُ ما أحيا فإِن حضَرَتْ
ناديتُ لا تأخُذُوا ثأري بهم هبةً
لأظُهِرَنَّ هوىً قد كنتُ أكتُمُه

 
ما كان يكنُفُني سهلٌ ولا جَبَلُ
فليس إِلا دموعُ العينِ تنهملُ
فكيف بي وبكم إن فاتتِ العِلَلُ
منّي الوفاةُ وَأوْفَى دُونِيَ الأَجَلُ
يا غايةَ السُّؤْلِ قد ضاقت بيَ الحِيَلُ
فليس لي في هوى أمثالِكم خَجلُ


قال: ولها أيضاً جواب شيء كتبته إليها فأجابت [الكامل]:
وَصَل الكتابُ وسِرُّه وضميرُهُ
فيما تضَمَّنه لأَجْلُوَ ناظري
بأَبي وأُمِّي ما اشتكيتَ من الأَسى

 
 
فظَلِلْتُ أُسْرِحُ ناظري وأُدِيرُهُ
وأقول يا مَنْ عَزَّ فيه نظيرُهُ
فاشتدَّ في قلبي فُدِيتَ زفيرُهُ


ومنها:
فسَلِ المُتَيَّمَ بَعْدَ بُعْدِ ديارِكمْ
كلفَتْه صَدّاً وبُعْداً عنكُمُ
يا مَنْ تأمَّرَ في الفؤاد تحكُّماً
ما كان تأخيرُ الجواب تثبُّطاً

 
من غيرِ سُوءٍ كيف كان مصيرُهُ
أمراً يَهُدُّ قُوَى الجبالِ عَشِيرُهُ
ما ذَلَّ من كان الجمالَ أميرُهُ
لا بل لأَسباب جرتْ تأخيرُهُ


قال: وكتبت إليَّ أيضاً وأنا بالبحرين، من قصيدة [الطويل]:
تحيّةُ ربّي كلَّ يومٍ مجدَّدٍ
إذا كنتمُ في الرَّبْع قَرَّتْ بقربه
ولا مرحباً بالرَّبْعِ لستم حُلُولَه

 
على رَبْعِ ذاتِ الخالِ ما هَبَّتِ الصَّبا
وقلتُ له يا رَبْعَ مَيَّةَ مرحبا
ولو كان مُخْضَلَّ الجوانب مُعْشِبا


ومنها:
صَبَوْتُ إليكم غيرَ طالبِ ريبةٍ
وأَلَّفْتُ بينَ الشَّوقِ والصَّبرِ عنكُمُ
ولمّا سألتُ القلبَ سلوةَ حُبِّكم

 
ولا غَرْوَ إِنْ قال العَواذلُ قد صَبا
فما اجتمعا بل كان شوقُك أغلبا
وشاورتُه فيما أُحاوِلهُ أبى


ومنها:
وما استطعمتْ نفسي طعاماً بلذّة
فيا منتهى الآمالِ يا منتهى المُنَى
تَوخَّى كتابي وابْعَث لي رسالةً

 
ولا استعذبتْ من بَعْدِ بُعْدِك مَشْرَبا
أُردِّدُها حتّى أَهِيمَ وَأَطْرَبا
كتاباً بليغاً عن كتابك مُعْرِبا


وأنشدني أيضاً لوالدته الرشيدة هذه من قصيدة أولها:
عُوجا علي أرضهم غداً ولِجا
ثُمَّ اسألا عنهم الدِّيارَ عسى

 
والْتَمِسا لي من حبّهم فَرَجا
تُظهِرُ لي من جوابها حُجَجا


ومنها:
لا تمدَحَنْ غيرَ مَنْ تُجَرِّبهُ
فكم دخيلٍ بغيرِ معرفةٍ
واصْبِرْ لصَرْفِ الزَّمان محتسِباً
لا تُؤْكَلُ القِدرُ غيرَ ناضجةٍ

 
فرُبَّما يستحقُّ منك هِجا
غير عليمٍ بأنَّهُ خَرَجا
بما طواه الزَّمانُ وانْدَرجا
وجادَ أكلُ الطَّعامِ إِن نَضِجا


ولها أنشدني ولدها علي العبدي [الوافر]:
تضايقتِ الأُمورُ فَدَتكَ نفسي
إذا أعياك أمرٌ في مُهِمٍّ
فثِقْ باللهِ فَارِجِ كلِّ هَمٍّ

 
بلا شكوى ويُوشكُ أن تَضيقا
ولم تلحقْ لمخرجهِ طريقا
وسَلْ من بَعْدِ ذالِكُمُ الصَّديقا


وأنشدني أيضاً ولدها عليٌّ لها [السريع]:
دَعْ سالفَ الأمواتِ لا تَبكْهِمْ
ما أنت بالخالد من بعدهمْ

 
وابْكِ على نفسك يا جاهلُ
أنت على آثارهم راحلُ


وأنشدني لها ولدُها مَرْثِيَةً [الطويل]:
أقولُ ولم أبلُغْ نهايةَ فضلِها
تشيرُ فلا يَعْيا الصَّواب برأيها
وإِن تَكُ قد ماتت لنا أُسوةٌ بمَنْ
وفاطمةُ الزَّهراءُ بنت مُحَمَّد

 
 
بكاك ويبكي الوالدُ المتندِّمُ
يَعِزُّ علينا كيف تُنسَى وتعدمُ
مضى قبلَها فيما يُظَنُّ ويُعلَمُ
عليها سلامُ الله ماتت ومَرْيَمُ


إن ذِكْرَنا لشعر والدة العبدي، يفصحُ عن أن الشعر والأدب متأصلٌ فيه، لما للتربية من دورٍ في ذلك، وكما هو واضحٌ في الرابطة الحميمة بين العبديِّ ووالدته من خلال المراسلات الشعرية، ذلك أن المراسلات الشعرية لها دورٌ في صقل الموهبةِ أكثر فأكثر، ويبدو أن لديها شعراً غير الذي ذكره العماد الأصبهاني برواية ابنها أبي الحسن العبدي، كما أنه قد يكون له شعرٌ غير الذي ذكرناه، إلا أن هذا ما استطعنا الوقوع عليه.

 
ختاماً:
هذا ما تيسّر لنا جمعه من سيرة أبي الحسن علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي المعروف بـ(ابن المقلة) أو (ابن العلماء)، لنكون بذلك قد أسهمنا في جمع شتات ما يتعلق بشخصية من الشخصيات العلمية في الأدب والعروض، ولا شك أن ما فاتنا كثيرٌ.



[1] إنباه الرواة على أنباه النحاة، علي بن يوسف القفطي (ت 624هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي – القاهرة + مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الطبعة الأولى – 1406هـ (1986م)، 2/ 242-243، ترجمة رقم (447).
[2] في إنباه الرواة (بن خضر) 242.
[3] إنباه الرواة، القفطي، 242.
[4] في إنباه الرواة (بن لكيز) 242. وهو الأصح.
[5] في إنباه الرواة (بن أفصى) بالفاء 242 وكذا الأولى (بن أفصى). وهو الأصح.
[6] في إنباه الرواة (يعرف بابن العلماء)، 242، وفي مختصر تاريخ الدبيثي للذهبي (يُعرف بابن المعلمة) 1/296.
[7] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، دار الفكر – بيروت، الطبعة الثالثة – 1400هـ (1980م)، 13/88-90، ترجمة رقم (15). والوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل الصفدي (ت 764هـ)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط – تركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الأولى – 1420هـ (2000م)، 20/213، ترجمة (300).
[8] المُقْلَة: شحمة العين التي تجمع السواد والبياض وقيل هي سوادها وبياضها الذي يدور كله في العين وقيل هي الحَدَقة، وقيل هي العين كلها. راجع: اللسان، ابن منظور، مادة (مقل). ويشار في هذا الصدد أن (مقلة) اسم جدٍ للخطاط، في حين أنه لقبٌ لمترجمنا.
[9] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصبهاني، 1/280 (العبدي البصري).
[10] إنباه الرواة، القفطي، 2/242-243.
[11] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/88-90.
[12] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصبهاني، 1/280 (العبدي البصري).
[13] تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق الدكتور/ عمر عبدالسلام تدمري، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الأولى – 1407هـ (1987م)، 42/401.
[14] مختصر تاريخ ابن الدبيثي، اختصره الذهبي، 1/296 ترجمة رقم (1101)، والدبيثي هو: محمد بن سعيد بن يحيى، أبو عبدالله ابن الدبيثي: مؤرخ، من حفاظ الحديث. من أهل واسط. نسبته إلى (دبيثا) من نواحي واسط (558-637هـ).
[15] قمنا بترجمة شيوخ (ابن المقلة) بناءً على ما توفر لدينا من معلومات عنهم، ومن لم نجد له ترجمة ذكرنا اسمه كما وردت عند القفطي وياقوت.
[16] إنباه الرواة، القفطي، 2/242-243 + معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/88-90.
[17] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصبهاني [بتصرف]، ذكر له العماد الأصبهاني شعراً في مدح أحد القضاة.
[18] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/88-90. والوافي بالوفيات، الصفدي، 20/213.
[19] كشف الظنون، حاجي خليفة،
[20] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر – بيروت، 1900، 4/293، ترجمة (624).
[21] سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 20/278، ترجمة (186).
[22] إنباه الرواة، القفطي، 2/242-243.
[23] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/88-90
[24] الوافي بالوفيات، الصفدي، 20/213.
[25] هدية العارفين "أسماء المؤلفين وآثار المصنّفين"، إسماعيل باشا البغدادي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1/703، [د.ت].
[26] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/88-90.
[27] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصبهاني، 1/280 (العبدي البصري).
[28] معجم الأدباء، ياقوت الحموي، 13/88-90، وإنباه الرواة، القفطي، 2/242-243.
[29] العبدي، وليس العبدري .. وأظنّه وهماً من ياقوت، أو خطأٌ مطبعي؛ لأن من ينتسب إلى عبدالقيس لا يقال له عبدري!!، بل يقال له عبدي.
[30] سورة البقرة: 195.
[31] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصبهاني، 1/280 (العبدي البصري).
[32] خريدة القصر وجريدة العصر، العماد الأصبهاني، 1/280 (العبدي البصري).


نشر هذا البحث في مجلة (الساحل) - تصدر من بيروت، العدد 21.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...