الأربعاء، 30 يونيو 2021

مع كتاب (تتمة الأعلام) لـ/محمد خير

 وقفة سريعة مع (تتمة الأعلام) لـ/ محمد خير رمضان يوسف.

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 أصدر/ محمد خير كتابه (تتمة الأعلام) طبعته الأولى في 1416هـ، وأصدر الطبعة الثانية في جزئين عام 1422هـ، وألحقهما بمستدركٍ في جزءٍ واحدٍ في العام نفسه، وأصدر الطبعة الثالثة عام 1436هـ في عشرة مجلدات؛ لتكون الرابعة عام 1437هـ في عشرة مجلدات. ويبدو لي أن سبب إصدار الطبعة الرابعة بعد عام من الطبعة الثالثة، هو وجود خطأ فنيٍ وقعت فيه المطبعة وهو خلوّ الطبعة الثالثة من حرف (الغين) وبعض التراجم من حرف (الفاء)، فجاءت الرابعة في العام التالي كاملةً رغم وجود بعض الأخطاء الفنية منها: (ج5 بعد الصفحة 30 جاءت 8 ورقات مقلوبة)، ولا أعلم هل الطبعة التي لديّ فقط كذلك أم هي في عامة الطبعات!!.

في هذه الوقفة السريعة أحب الإشارة إلى بعض الأمور التي لي فيها رأيٌ يخالف ما ذهب إليه المؤلف في بعض التراجم، وليس الكتاب كاملاً، وهي على النحو التالي:

 

1. في الجزء الأول من الطبعة الثانية جاءت ترجمة السيدة/ آمنة بنت حيدر الصدر، المعروفة بـ(بنت الهدى) في سطور تعريفية قليلة مع الإشارة إلى مؤلفين من مؤلفاتها. وهذه الطريقة هي الطريقة المعتادة التي يقوم بها من يترجم للأعلام، إلا أن المؤلف يبدو لم تعجبه الترجمة، فأضاف لها بعض العبارات غير المنسجمة مع طريقة كتّاب السير والتراجم في الطبعة الثالثة والرابعة، حيث أضاف المقطع التالي الذي لم يكن موجوداً في الطبعة الثانية، وهو: (ومن انحرافها الفكري قولها ببنوة فاطمة فقط للرسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم، وادّعت أن رقية وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهن ربيباته من أم المؤمنين خديجة من زوجها السابق. وقد ردَّ عليها في مقال علمي رصين أستاذنا الشيخ خاشع حقي، بعنوان "مغالطات آمنة الصدر الملقّبة بالشهيدة بنت الهدى"، رداً لما ادّعته من ذلك في كتابها "المرأة مع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم في حياته وشريعته". ففنّد هذا الإفك، وبيّن تكذيب القرآن الكريم لها في قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساءِ المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهن) [سورة الأحزاب: 59] وغير ذلك من الأدلة).

التعليق:

وصف المؤلف للمترجم لها بالانحراف الفكري، والإفك، لا يستقيم مع فن الترجمة، خصوصاً وأن المسألة التي علّق عليها مسألة تاريخية وفيها آراء مختلفة بحثها العلماء في السيرة النبوية، وهم بين من يرى بنوّة البنات ومن لا يرى ذلك. نعم، من حقّه أن يذكر من رد عليها ويشير إلى الدراسة وبعض النقاط المهمّة، لكن الاستطراد والحكم على صاحب الترجمة بعبارات لا تليق أياً كان المترجم له فهذا يُخرج المؤلف عن فن الترجمة.

وأمر آخر في ذات الترجمة وهو: يبدو أن عبارته (اعتقلت بعد اعتقال أخيها السيد الصدر) المذكورة في الطبعة الثانية لم تعجبه، فغيّرها في الطبعة الثالثة والرابعة لتكون (اعتقلت بعد اعتقال أخيها محمد باقر الصدر) وموقع الشاهد كلمة (السيد) التي أسقطها من الطبعتين الثالثة والرابعة.

 


2. 2/123: قال في ترجمة المرجع الشيخ/ بشير حسين بن صادق علي الباكستاني أنه توفي عام 1418هـ، وأنه اغتيل في شهر رمضان، وأن من مصادره كتاب (المنتخب من أعلام الفكر والأدب) للمرحوم/ كاظم الفتلاوي.

التعليق:

أ. الشيخ بشير لحظة كتابة هذه السطور 23/ 3/ 1443هـ حيٌ يُرزق.

ب. ترجم له الفتلاوي في (المنتخب) المطبوع عام 1419هـ وقال عنه: زرته مراراً، ولم يذكر أنه توفي، أي: إن كتاب الفتلاوي طُبع بعد عامٍ من اغتيال الشيخ بشير حسب زعم المؤلف.

ج. قد يكون المؤلف محمد خير أخذ تاريخ وفاته من مصدر آخر، لكنه لم يذكره!! والخلاصة أن الشيخ حيٌ يرزق كما أسلفتُ القول، ولا أعلم كيف جاز للمؤلف يكتب عن وفاته، والشيخ له أكثر من صورة ومقطع فيديو ظهرا في وسائل التواصل والإعلام بعد العام المذكور الذي ذهب المؤلف أنه اغتيل في 1418هـ!!

3. 3/ 71:
ترجم في هذا الجزء والصفحة لشخصية تُدعى/ حسين الموسوي (ت 1422هـ) والذي يراه عالماً مجتهداً مرجعاً، ثم تحوّل إلى أهل السنة والجماعة، وقُتل. ويقصد بذلك صاحب كتاب (لله .. ثم للتاريخ).

التعليق:

من المعروف أن هذه الشخصية مفتراةٌ وغير حقيقية، وقد صنّف الشيخ/ علي آل محسن القطيفي كتاباً يفنّد ما ورد فيه من مزاعم وأباطيل، وطُبع الكتاب عام 1425هـ، ومن يقرأ كتاب الشيخ المحسن يدرك ذلك جيداً، بل إن بعض السنّة المعاصرين ذهبوا ذات المذهب من حيث أسطورية هذه الشخصية وعدم وجود شخصية حقيقية ألّفت هذا الكتاب واسمها (حسين الموسوي).

4. 6/291: في ترجمة الدكتور غازي القصيبي، من الطبعة الرابعة، قال:

(واصطدم بأكثر من داعية وكاتب إسلامي، وقد أخطأ مرة ربما في حق الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم فذكر الشيخ ابن باز رحمه الله أنه إما أن يتوب أو أن يُقام عليه الحدُّ. وذُكر قبيل وفاته أنه كان يصلّي، فإذا لم يقدر على الوضوء تيمم).اهـ

التعليق:

قول المؤلف: أنه (ربما) أخطا بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم. السؤال: ما علاقة هذه العبارة بالترجمة؟ خصوصاً وأن المعلومة غير مؤكدة، وخاضعة تحت معيار (ربما)، فلا أرى أن هذا يخدم الترجمة خصوصاً وأن المعلومة غير أكيدة، ولو كانت أكيدة فعلى المؤلف أن يوردها وإلا فلا داعي لذكرها.

ثم قوله (ذُكر أنه كان يصلّي قبيل وفاته)!! وهذا يبدو لي اتّهام مبطّن بأن المترجم له كان لا يصلّي، والأمر نفسه في العبارة السابقة خاضعٌ للنقل غير المؤكّد تحت معيار (ذُكر)، وكأي قارئٍ للترجمة ماذا يفيدني أنه (رُبما) وَ (ذُكر)؟! فهذا مما لا يليق بمؤلفٍ له عشرات الكتب بل تجاوزت المائة كتاب أن يكتب معلوماته وهو غير متأكدٍ منها.

 5. 5/149: في ترجمة عبدالعزيز الجواهري ذكر أن الجواهري جمع ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي، وهذا صحيح، لكن المؤلف وقع في خطأ مطبعي وهو قوله: (محمد سعيد جوبي) بينما الصواب (محمد سعيد الحبوبي) وبعض الأخطاء تغيّر المعنى.

 6. 7/223: ترجمة السيد/ محمد باقر الصدر، ذكره في الطبعة الثانية بترجمة موجزة جداً، وأضاف معلومات في الطبعة الثالثة والرابعة، إلا أنه تخطّى حدود الترجمة إلى محاكمة الآراء، فبعد أن ذكر شيئاً من ترجمته وشيئاً من آرائه، قال: "... وزعم أن الإمام علياً رضي الله عنه كان يعلم الغيب «علما ما كان وما سيكون»! اللهم إنا نبرأ إليك من هذا! والله تعالى يقول لأكرم خلقه محمد صلى الله عليه وسلّم: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ماشاء الله ولو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير وما مسّني السوء إن أنا إلا نذير وبشيرٌ لقومٍ يؤمنون) [سورة الأعراف: 188] ولو كان الإمام علي رضي الله عنه يعلم الغيب فلماذا لم يدفع عن نفسه السوء ...؟؟"اهـ.

التعليق:

مسألة علم الغيب، يجب أن تُفهم وفق سياقها الصحيح قبل كل شيء، وإلا لا يوجد أحدٌ من علماء الإمامية من يقول أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام يعلم الغيب استقلالاً؛ بل يكون ذلك عن إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلّم له، أو إلهاماً من الله عز وجل، ولا أطيل في التعقيب؛ لأن ما تفضل به المؤلف خارجٌ عن نطاق الترجمة، وتشويه للشخصية المترجم لها، وهذا مع الأسف وقع فيه المؤلف في أكثر من شخصية، ولا داعي لذكر تلك الشخصيات التي حاكم آراءها في كتابه وتجاوز حدود الترجمة والتعريف، إنما عنيتُ في هذه التعليقات كجزء من إطلالتي السريعة على الكتاب، نعم .. لو ذكر الرأي وتركه خيرٌ من محاكمته وهو يجهل بعض المسائل والتي منها مسألة (علم الغيب للأئمة عليهم السلام في مذهب الإمامية).

 

7. 8/ 207: الشيخ/ محمد علي العُمري. قال عنه: (مرجع شيعي).

التعليق:

هو العَمري (بفتح العين) وليس العُمري.

ثم  لم يكن الشيخ العمري رحمه الله من المراجع!! بل كان وكيلاً شرعياً لجملة من العلماء كما ذكر المؤلف في ثنايا الترجمة، ووجهاً بارزاً للشيعة في الحجاز، فالمرجعية شيء، والمكانة الدينية شيء آخر.

 


ختاماً:

هذه التعليقات السريعة، لا تلغي أهمية العمل، وجهد المؤلف فيه، وتتبعه المصادر المختلفة؛ بل الأمنية أن يتجاوز مسألة الحكم على الآراء والتي مارسها في بعض الشخصيات المشهورة في الميدان الديني أو السياسي أو الأدبي، ففي الأثناء يقرأ القارئ ترجمة أحد الشخصيات، وإذا به يفاجأ بأن المؤلف تحوّل إلى محلل سياسي أو واعظٍ أو شيئاً مختلفاً عن الهدف الذي صُنّف الكتاب لأجله.

الأحد، 20 يونيو 2021

الأحساء في رحلة وليام بلجريف (1279 - 1280هـ)

 


الأحساء في رحلة وليام بلجريف (1279 - 1280هـ)

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

لاشك أن الرحلات التي قام بها المستكشفون للجزيرة العربية كثيرة، وهي مهمّة رغم قلّة المعلومات في بعضها، أو وجود بعض المغالطات والأخطاء التي تكتنفها تلك الرحلات، وقد استُخلصت واستُلّت بعض المعلومات من تلك الرحلات فيما يخص بعض مناطق ومدُن شبه الجزيرة العربية، ومن بين تلك الرحلات رحلة البريطاني وليام بلجريف إلى الأحساء في (1279 – 1280هـ)، والتي تناولها الدكتور/ دايل بن علي الخالدي بالعرض والدراسة كبحثٍ مستقلٍ، نُشر في حوليات المؤرخ المصري بجامعة القاهرة عام 1436هـ.

 

فقد  عرّف د. دايل بالرحالة بلجريف المولود عام 1826م ذي الأصول اليهودية والمعتنق للمسيحية بعدها، وأهداف رحلته التي يحدد رغبته – بلجريف – بأن الهدف هو الرغبة في الاستكشاف والملاحظة، مع دراسة سكّان الجزيرة العربية كعِرقٍ، مع دراسة أحوالهم الفكرية والسياسية والاجتماعية. وقد أعدّ بلجريف عدّته للرحلة من تغيير اسمه من (بلجريف) إلى (سليمان) بالإضافة إلى معرفته بمبادئ مهنة الطب والتي حمل معه صناديق مليئة بالعقاقير وبعدد من المراجع الطبّية لمساعدته في إنجاز مهامه. وقد كان مسار رحلته من الأردن مروراً بالجوف – والتي استلّ د. صالح السنيدي ببحث مستقل منشور "بلجريف في الجوف" – وحائل والقصيم ثم الرياض والأحساء وبعدها إلى القطيف.

وقد صحب معه شخصاً أُردنياً ادّعى أنه مساعده وزوج أخته، وكذلك بقائد القافلة الذي عرّفه بأنه (أبو عيسى) ولم يذكر اسمه، وقد استضافه في الأحساء خلال إقامته فيها، وتجوّل معه في بعض معالمها كعين أم سبعة، وعين نجم وسوقَي الهفوف والمبرز وغيرها. والجميل في هذه الرحلة أن بلجريف يشير إلى محطات الطريق وذكر الأماكن بوصفٍ دقيق كقيام أبي عيسى بوضع أحجارٍ ضخمة، ووضعها في منتصف الطريق بصحراء الدهناء على شكل أهراماتٍ صغيرة يصل ارتفاعها 30 قدماً كعلامة للقوافل حتى عُرفت بـ(رجم أبي عيسى)، مما جعل الرحالة الذين أتوا بعده يثقون بوصفه الذي كتبه في رحلته.

وصف بلجريف الأحساء من الناحية السياسية والأمنية وأن من يسير بين الأحساء والقطيف بأنه آمنٌ تماماً، لقيام حكّام الدولة السعودية الثانية بتأمين الطُرق عبر القضاء على قطّاع الطُرق والنهّابين وأنه ليس لهم وجودٌ، وقد قدّم وصفاً للهفوف وأنها ذات شكل بيضاوي، ووَصَف حي الكوت بأنه عبارة عن قلعة ضخمة يحيط بها خندق عميق وأسوار وأبراج تتميز بالارتفاع والسماكة، ووصف بقية الأحياء كحي النعاثل وحيّ الرفعة الذي قال عن شوارعه بأنها واسعة ونظيفة جداً لدرجة أنه فضّلها على نظيرتها في دمشق، حيث وصفها (وشوارع دمشق أو بريدة لا تصل إلى ربع هذا الاتّساع أو النظافة)، فهو حيٌ صحّي لتميزه بالأناقة وجمال بعض مساكنه.

 وقد زار بلجريف المبرّز وتجوّل في سوقها وشوارعها، ووصف بقية مرافقها، ثم تحدث عن قريبة الكلابية، ووصف أسواق الأحساء وحالتها الاقتصادية والتجارية، وكذا عيون الأحساء التي قال عنها (أبو عيسى) بأنها تصل إلى قرابة 300 عين من كثرتها، وسلّط الضوء على النشاط الزراعي مُبدياً إعجابه بأنواع التمور والرطب لكثرتها وخصّ رطب الخلاص بإعجاب كبير، حتى قال عنه بأنه (أفضل رطب الدنيا كلّها). ولا بد من رحّال كـ(بلجريف) أن يقتحم الحياة الاجتماعية ويوثّق ما يشد الانتباه، وهذا ما ميّز رحلته عن بقية الرحّالة، حيث يقول د. صالح السنيدي: (تميّز عن غيره من الرحالة والمستكشفين بالغوص في أعمال تلك المجتمعات التي زارها فاهتمّ بالجوانب الديموغرافية والأنثروبولوجية، بالإضافة إلى اهتمامه بالجوانب الطبوغرافية والتاريخية والسياسية). واستكمالاً لذلك، فإن بلجريف دوّن مرئياته حول ثقافة أهل الأحساء (المتيّمون بالأدب والشعر سواءً أكان عمودياً أم نبطياً) كما يقول. أما الناحية الدينية فكثير من الباحثين يجمعون أنه نقل الصورة الخطأ عن فهمه للإسلام، وقد أوضح مواقع ذلك الدكتور/ دايل، مفنّداً ما ذهب إليه بلجريف من أن أهل الأحساء والقطيف لم يعرفوا الإسلام إلا بعد أن دخلوا تحت الحكم السعودي!!، لأنه – بلجريف – دوّن رحلته ليقرأها أهل بلده والدول الأوروبية عموماً، وليس تدوينه ليقرأها أهل الأحساء، وهذا يكشف شيئاً من تعصّبه الديني وجهله عن الإسلام في الوقت ذاته.

وقد بذل الدكتور/ دايل، جهداً في تفصيل بعض المطالب وشرحها في هوامش وضعها لذلك، مدعماً ذلك بالمصادر، وبعض الصور ذات الصلة بهذه الرحلة.


نُشر المقال في:

صحيفة الجزيرة  - عدد رقم (١١٧٢٩)

الاثنين ١١ ذو القعدة ١٤٤٢ه‍ (٢١/ ٦/ ٢٠٢١م)

https://www.al-jazirah.com/2021/20210621/wo2.htm

الاثنين، 7 يونيو 2021

فهرسة الكتب

 



بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 تُعد فهرسة المكتبات من الأشياء المهمة، ذلك أنها تساهم في التعرّف على حجم المكتبة ومحتوياتها، وكذلك تساعد في التعرّف على أشياء كثيرة، كطبعات الكُتب، وتواريخها، ومعرفة أسماء دور النشر التي كانت حاضرة في الساحة الثقافية ثم اضمحلّ دورها، ونحو ذلك من المسائل المهمة في هذا الشأن.

 يقول الدكتور/ أحمد بنبين: إن أقدم ما وصلنا من فهارس القدماء "شذرات من الفهرس الببليوغرافي الذي وضعه الشاعر اليوناني كاليماخوس" في القرن الثالث قبل الميلاد لأهم خزانة في العصر القديم وهي مكتبة الاسكندرية. وهذا ينم عن أن الفهرسة مهمة منذ زمن متقدم، وقد حظيت كثير من المكتبات العامة على عناية كبيرة من حيث الفهرسة العلمية والفنّية؛ لأنها تساعد الزائر على معرفة ما تحتويه المكتبة من كتب، على خلافه في افتقاد المكتبة فهرسة فنية، حيث يصف السيد/ أحمد الحسيني المكتبات الخاصة أو الصغيرة "والتي ليس لها فهرس مدوّن فني وليس لأكثرها تنظيم ولم تحض بعناية مالكيها أو القائمين بشؤونها، بل أكثرها لم يعلم أحد بما فيها من التراث، بل وجدتُ بعض المالكين لا علم لهم بما في حوزتهم من الكتب والنفائس؛ لأنها وصلت إليهم بالإرث من آبائهم وأجدادهم أو اشتروها بغير وعي تبجحاً بأنهم يملكون مخطوطات ...الخ" والمكتبة بدون فهرس يصعب التعرّف على ما فيها من كتب.

 وبحسب متابعة قاصرة، أن بعض الأعلام حينما ينتقل إلى بارئه مخلفاً وراءه مكتبة كبيرة أو صغيرة، فإن مآل تلك المكتبة إلى البيع العشوائي، أو شراءها من قبل جهة حكومية، أو نحو ذلك، ما هو ملحوظ في هذه المكتبة بعد البيع لا أحد يعلم على ماذا تحتوي المكتبة!! وأعداد الكتب التي فيها، ونوعيتها وطبعاتها وتارة مخطوطاتها وغير ذلك مما له صلة بهذا الأمر، في حين أن الأمر الذي أراه في غاية الأهمية أن تلك المكتبة أياً كان مصيرها، أن يُعمل لها فهرسة خاصّة قبل البيع؛ لكي تساعد من يريد التعرّف على مافيها من نفائس، أو معرفة مصادر المعرفة عند صاحبها، وذلك من خلال نوعية وطبيعة الكتب المقتناة لهذا العَــلَم.

 نعم، حظيت بعض المكتبات بفهرسة فنية، لكن الفهرسة اقتصرت على الكتب المخطوطة ولم تتم العناية بالكتب المطبوعة، وأهمية فهرسة الكتب المطبوعة، ذلك أن بعض الكتب المطبوعة بقيت في عالم النُدرة، وحريٌ بها أن تنال العناية بفهرستها، من جهة أخرى أن بعض أصحاب المكتبات له عناية بأمور أخرى، وهي: تحديد تاريخ ومكان الشراء، أو تحديد طريقة حصوله على الكتاب بالإهداء أو بالإرث، ولعل كثيراً منهم كتب سعر الكتاب، وبعضهم يعتني بكتابة بعض الحواشي أو الفوائد بداخل الكتاب، هذه الأمور مما تسهم في معرفة الشخص وكيفية عنايته بمكتبته، وهذه العملية التي ذكرتها تساعد الباحث الذي سيقرأ حياة صاحب المكتبة من خلال مكتبته وتصنيفها وفهرستها وغير ذلك من الأمور ذات الصلة في هذا الأمر.

وأحمل أسفاً شديداً على كثير من المكتبات التي بيعت قبل أن تنال فهرسة أو على دراسة لها أو دراسة مالكها من خلال مكتبته عن طريق التعرف على محتوياتها والمسائل التي ذكرتها أعلاه.



نُشر هذا المقال في: صحيفة الجزيرة - العدد 17717 - الاثنين 26 شوّال 1442هـ:
https://www.al-jazirah.com/2021/20210607/wo2.htm

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...