الاثنين، 31 أكتوبر 2011

تاريخ الحركات الفكرية - عرض ونقد

تاريخ الحركات الفكرية – عرض ونقد[1]

اسم الكتاب: تاريخ الحركات الفكرية واتجاهاتها في شرق الجزيرة العربية وعُمان.
المؤلف: عبدالرحمن بن عثمان بن محمد الملا
دار النشر:الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية – الخبر
الطبعة: الأولى - 1414هـ (1994م)
عدد الصفحات: 269 صفحة

التعريف بالكتاب:
تحدث المؤلف في البدء عن العبادات والديانات السائدة في المنطقة قبل الإسلام كالمجوسية واليهودية والنصرانية وعملية نشوء المذاهب في الديانة النصرانية ودور النصارى في عملية التبشير ومدى إخفاق جهودهم في ذلك خصوصاً في الفترة الأخيرة من القرن الحاضر.
ثم يعرّج المؤلف بسرد أحداث كيفية دخول الإسلام إلى شرق الجزيرة في إقليم البحرين وعمان، مع ذكر الوفادة على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأسماء الذين وفدوا عليه، ولا ينسى في ذلك الإشارة لحركة الردة وموقف أهل البحرين منها، وكذلك حركة الردة في عمان.
بعدها قام المؤلف بتسليط الضوء على كيفية نشوء حركة الخوارج وتاريخهم في العصر الأموي مع ذكر مبادئهم العامة وفرقهم بالتفصيل، وذلك بذكر بعض نشاط الإباضية السري وخصوصا في عمان وعقائدهم وفقههم مع توضيح الفرق بينهم وبين الخوارج، متطرقا إلى بعض الحركات والانتفاضات في المنطقة كحركة صاحب الزنج وانتفاضات بني عبدالقيس وسليمان بن حكيم في البحرين، ليأتي الدور على ذكر الشيعة والتشيع باعتبار وجودهم في المنطقة من القرن الأول وحتى القرن الحاضر، مع ذكر فرقهم والفرق بين كل فرقة، ومدلول مصطلح التشيع عبر مراحل نشاطه الحركي، ومن بعض استنتاجاته حول الفرق بين الشيعة الإخباريين والأصوليين أن الإخباريين مهدوا لفكرة ولاية الفقيه باعتبار أنهم يعتقدون بوجود ركن رابع للدين وهو الإمام وفي حالة غيبة الإمام على العالم الذي يختارونه القيام بدور الإمام.

أما دور القرامطة فأعطاه المجال الأوسع والأبرز في كتابه هذا، باعتبار أن حركة القرامطة تعتبر من الحركات التي ناهضت الخلافة العباسية في بغداد، مما أدى إلى وجود معارك كثيرة بين الخلافة العباسية وبين الحركة القرمطية، مع ذكر تفاصيل كثيرة متعلقة بتحركاتهم في جميع الأقطار، كالبصرة ونواحيها، وإقليم البحرين الذي يعتبر التحرك الثاني والأقوى في تاريخ القرامطة من حيث فرض السيطرة على الأقاليم المحيطة به، مركّزاً على الدور الوحشي الذي قام به القرامطة من قتل وسلب ونهب، مع ذكر الطرق الوحشية المختلفة في ممارساتهم العسكرية أثناء القتال غير المبرر كهجومهم على الحجاج ونزع ممتلكات الحرم المكي بدعوى إسقاط الدولة العباسية من حيث أنها غير قادرة على صيانة وحفظ المقدسات، وأن الأمن يعيش زعزعة مما يؤثر على كيان الخلافة العباسية بتصورهم، وكذا أتى على ذكر الأوضاع بعد موت أبي طاهر، وكيفية سير الحركة في ظل أحفاد زعماء القرامطة، وكيفية انهيار الدولة من قبل أبناء البحرين لاختلاف سياسة الأبناء عن سياسة آبائهم.

كما لا يخفى على القارئ أن مدينة الأحساء التي عمّرها القرامطة هي ما يسمى اليوم بـ(قرية البطالية) حيث يوجد بعض الآثار الدالة على ذلك، فقد كان مصطلح (أحساء) يطلق على أكثر من جزء في هذه البقعة كأحساء بني سعد، وأحساء بني خرشاف وغير ذلك، حتى استقر الإسم بإضافة أل التعريف على أحساء وهو هذا الإقليم المعروف في وقتنا الحاضر.

أتى المؤلف بعدها على ذكر كيفية انهيار دولة القرامطة على يد أبناء جزيرة أوال من جهة وأبناء العيونيين من جهة أخرى، وهي ثورة داخلية ضد السياسة التعسفية التي مارسها القرامطة ضد أبناء هذا الإقليم من المسلمين، ليأتي بعدها دور ما أسماه المؤلف (إحياء فكر السنة)، ذلك أن القرامطة كانوا يمنعون بناء المساجد، فاقترح أحد وجهاء جزيرة أوال ببناء مسجد وذلك لما له من دور في إنعاش حركة التجارة، ذلك أن كثير من التجار من خارج الحدود القرمطية مسلمين، فيحتاجون إلى مسجد لممارسة شعائرهم كإقامة الفرائض اليومية وصلاة الجمعة، فاستحسنت الدولة القرمطية ذلك، وقد تم استخدام المسجد الذي بُني في أوال نقطة بدء لتحركات المعارضة، وهذا ما جرى بالفعل في حشد وتعبئة المسلمين بالثورة ضد النظام القرمطي، مما جعلهم يتمكنون من السيطرة على البحرين، وطرد واليها المرسول من قبل الدولة القرمطية وقتل بعض أصحابه، بعد إعلان عدم الطاعة.

الملاحظات:
1.   في الصفحات الأولى من الكتاب يشير المؤلف إلى مصادر بعض المعلومات إلى كتابه الآخر: تاريخ هجر 1/2، وهذا أظنه غير صحيح في المنهجية المتبعة في الاستدلال بالمصادر، لأن هذا الكتاب قد يقع بين يدي شخص ما، ولم يقع بين يديه الكتاب الآخر، والمفروض أن يشير المؤلف إلى الكتب التاريخية التي سبقت كتابه هذا، لأنها معلومات تاريخية أثبتها بمصادرها في كتابه الأول، وكان الأجدر أن يذكر المصادر في هذا الكتاب كذلك وأقصد بالمصادر التاريخية هي التي تعتبر أمهات كتب التاريخ والتي لا يخلو منها بلد، مثال ذلك في الصفحة 20 والصفحة 52 والصفحة 203.
2.   تدوين القضايا التاريخية يحتاج إلى عرض ووصف، بينما المؤلف نراه تارة يقيّم بعض التصرفات بنبذ بعضها الآخر كما ذكر فيما يتعلق ببعض تصرفات الإباضية ونقدها، وميله إلى أمر آخر.
وأظن أن هذا خارج عن المنهجية، فوظيفة المؤرخ غير وظيفة الناقد، حيث أن مسمى كتابه (تاريخ الحركات الفكرية ...) ولو كان يريد غير ذلك لذكر هذان المصطلحان بعد ذكر العنوان (عرض ونقد) حتى يتاح للقارئ إبداء رأيه قبالة نقد المؤلف.
ومثال[2] ذلك وصفه بعض فرق الشيعة بالانحراف ص156، وكان الأجدر به أن يذكر فرق الشيعة المغالية دون تصنيف بانحراف بعضهم واعتدال غيرها، مع أنه عرض أقوال بعض الشيعة بحق الغلاة.


[1] جريدة الجزيرة (ورّاق الجزيرة) يوم الأحد 6/2/1430هـ الموافق (1/2/2009م) العدد (13275) السنة (49)
[2] تم حذف الفقرة الأخيرة من (ومثال ... بحق الغلاة) من قبل الجريدة.

مع التونجي في تحقيقه ديوان أبي طالب




مع التونجي في تحقيقه ديوان أبي طالب

اسم الكتاب: ديوان أبي طالب (عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم)
جمعه وشرحه: الدكتور/ محمد التونجي
دار النشر: دار الكتاب العربي – بيروت
عدد الصفحات: 104 صفحات
الطبعة: الأولى – 1414هـ (1994م)

العرض:
لا شك أن التحقيق والشرح في مجال الأدب والشعر يحتاج إلى أدوات كثيرة، وذلك لاحتواء الكثير من الدواوين على مسائل تاريخية ولغوية وأعلام وغيرها، ولعل من تلك الدواوين هو: ديوان أبي طالب عم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي يعتبر من الدواوين المهمة، لما يُعرف عنه من شعر جيّد.
ولديوان أبي طالب عدة طبعات، منها [غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب] للشيخ الأزهري محمد خليل الخطيب المطبوع في القاهرة سنة
وكذلك قام الشيخ/ محمد حسن آل ياسين بتحقيق ديوان أبي طالب الذي هو من  صنعة أبي هفّان المهزمي البصري وصنعة علي بن حمزة البصري التميمي، من منشورات دار الهلال ببيروت.
وكذلك فقد قام الدكتور/ محمد التونجي باستدراك على الشيخ الأزهري محمد خليل الخطيب آنف الذكر، ومع اطلاعنا على هذه الطبعات الثلاث ومراجعة بعض المصادر التي اعتمدها، رأينا أن التونجي وقع في مسائل كثيرة، كان الأجدر به عدم الوقوع فيها، ومنها:
1.     هناك أكثر من 30 بيتاً لم يدرجها في تحقيقه هذا، رغماً أننا رجعنا إلى بعض المصادر التي تناولها في تحقيقه، واستقى منها معلوماته، فرأينا أنه لا يذكرها في تحقيقه هذا الديوان.
2.     وجود حوالي 25 شاهداً تختلف رواياتها، دون أن يشير إليها في تحقيقه، وكان المفترض أن يشير إليها، ليكون العمل أوسع وأشمل، وهذا الاختلاف بالتقديم والتأخير تارة، وبالاختلاف الكلّي تارة أخرى.
3.     من عمل الدكتور التونجي في تحقيقه هذا، أنه يشير إلى رقم القصيدة في شرح الخطيب لديوان أبي طالب، بينما هناك بعض القصائد لا يشير إلى أرقامها.
4.     من الأخطاء التي وقعت أثناء تحقيقه، قوله صفحة 63 أن الخطيب انفرد بذكر البيت 91 من القصيدة، وحين الرجوع إلى شرح الخطيب لا نرى أنه يثبت ذلك البيت في تلك القصيدة.
5.     وقع الدكتور كذلك في خطأٍ تاريخي وذلك بقوله في الصفحة 30:
وقال يرثي أخاه الزبير، وفي الهامش يقول: الزبير هو ابن عبدالمطلب من رجالات قريش في الجاهلية قتل يوم أجنادين شهيداً في خلافة أبي بكر، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحبه.
       ومعلوم أن أبا طالب توفي قبل الهجرة، فيا ترى كيف يرثي أخاه في خلافة أبي بكر!! وخلافة أبي بكر كانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام 11هـ، ووقعة أجنادين سنة 13هـ.
6.    هناك بعض الأخطاء المطبعية التي لا تؤثر على سير التحقيق، إلا أني أتمنى في العمل المحقق أن يخلو من الأخطاء المطبعية سواءً في أرقام الصفحات أو الطبعات أو غيرها، ليكون العمل أكثر دقة، وليكون مصدراً مهماً حال خلوّه من هذه الأخطاء.
7.     وهذه النقطة اقتراح منّي، فهي على النحو التالي: لو أضاف إلى عمله هذا مراجعة بعض مخطوطات الديوان التي قد تكون في إحدى خزائن الكتب العربية والأجنبية وأضافها إلى استدراكه، لكان العمل أكثر شمولية ونفعاً.

نسأل من الله العلي القدير أن يوفق الدكتور وغيره من المحققين في استخراج تراثنا العربي بكل صوره وأشكاله، ليتسنى لنا الاطلاع عليه والاستفادة منه.

جريدة المدينة (ملحق الأربعاء) يوم الأربعاء 10/3/1431هـ الموافق (24 فبراير 2010م) قسم (عالم الكتب)

الحج في أدب الرحلات

الحج في أدب الرحلات

تعتبر رحلات الحج من المسائل المهمة، حيث اعتنى المسلمون في شرق الأرض وغربها بهذه الفريضة وتدوين ما يجري عليهم في الطريق إلى وصولهم للأماكن المقدسة وحتى عودتهم إلى بلادهم، كوصف الطرق وما تحتويه من آبار ومدن وغير ذلك مما يجري على كل مسافر يقطع مسافة طويلة في ظل انعدام الكثير من وسائل الأمن وسبل الوصول، وكذلك وصف ما يجري عليهم من مشاق الرحلة الطويلة، إلا أنه يأتي الدور الأهم في هذه الرحلات وهو وصف تلك الطقوس الدينية التي يقيمها المسلمون في كلٍ من المدينة المنورة وعلى الأخص المسجد النبوي الشريف، وكذا مكة المكرمة ومسجدها الحرام، ووصف أداء شعائر الحج من الذهاب إلى عرفات مروراً بمزدلفة وانتهاءً بمنى. ويختلف الوصف من كاتب إلى آخر، فمنهم المسهبُ في وصفه ومنهم الموجز.

ومن تلك الرحلات التي حفظها لنا التاريخ رحلة العلامة إسماعيل جغمان من صنعاء اليمن إلى مكة المكرمة، حيث كتب رحلته عام 1241هـ، والتي ذكر فيها ما جرى عليهم في رحلة حج تلك السنة، فمن ضمن ما ذكره حول وصف بحر الحديدة قوله: "ولم أر كبحر الحديدة في البحور على أبواب البنادر من شدة ثورانه، وتلاطم أمواجه وكثرة هيجانه"، وكذا وصفه جزيرة كمران، حيث يقول عنها: "وصلناها نصف نهار الاثنين، وهي جزيرة عجيبة، عذبة الماء، طيبة الهواء، كثيرة النخيل، أبياتها العشش، وفيها بئر .. وفيها مسجد عجيب، وقلعة عظيمة"، كذلك وصف وضعه حينما ركب السفينة ودخل البحر، حين أصابته الربشة وتغيرت أوضاعه بسبب عدم مساعدة الريح لهم، مما جعل الرحلة أكثر مشقة، و ذلك بعد يومين من دخولهم البحر حيث تلاطمت أمواجه بعد هيجان الريح، مما جعل الحجاج يتيقنون بالهلاك، فأكثروا من نطق الشهادتين، وغير ذلك مما ذكره في رحلته ممن وضع الطريق وأسماء المناطق التي مروا بها، وأسماء بعض العلماء والقضاة ممن كانوا معهم في هذه الرحلة.

ومن طريف ما ذكره أثناء انتهائهم من الحج وذهابهم إلى جدة، قوله: "وكان وصولنا جدة من الفرج بعد الشدة العظيمة من الأهوال في طريقنا، وعدم الأمن على نفوسنا وما معنا، وشدة وعثاء السفر لما يلاقيه الإنسان من الضجر، لاسيما من الجمالين أهل تلك الديار، فإنهم كما قال الملك الجبار (كأنهم حمرٌ مستنفرة) لا تراهم يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون بين الحصى والدر الثمين، بل لا يقطع عندهم المعروف باللسان ولا باليد من الإحسان، فسبحان الذي أحلهم بين الحرمين الشريفين".

ومن ضمن تلك الرحلات رحلة علي باي العباسي سنة 1221هـ فقد ذكر ما جرى عليه في هذه الرحلة، ومن ضمن ما ذكره حول مشعر منى قوله: "ليس فيها غير شارع واحد، ولكنه من الطول بحيث احتجتُ لعشرين دقيقة كي أقطعه، ويمكن ملاحظة البيوت الجميلة التي أغلبها تهدّم وبقي بدون سقف .. وكل المناطق التي مررتُ بها حديثاً تأخذ شكلاً سهلاً ضيقاً يقع بين جبلين من الصخر الجرانيتي الأملس، والطريق منبسطةٌ تماماً وذات أرضية رملية، وهي مليئة بالجمال وبالناس من مشاة وراكبي خيول وعدد متزايد من الهوادج"، وعن وصف الوقوف بعرفات يقول: "إنه حشد لا يمكن إحصاؤه من البشر، من جميع الأمم ومن كل الألوان، يصلون من أقاصي الأرض، مجتازين أنواع المخاطر والصعاب المتعددة كي يعبدوا مجتمعين إلهاً واحداً هو إله الفطرة، فساكن القوقاز يمد يد الأخوة إلى الأثيوبي أو إلى الأسود الغيني، والهندي والفارسي متأخين مع البربري والمغربي".

وقد وصف العباسي رحلته هذه وصفاً دقيقاً، وخصوصاً فيما يتعلق بالمناسك وما فيها، وعن وضع الحجاج في عرفات ومزدلفة ومنى وكذا الكعبة المشرفة، وهو وصف ينم عن معرفة بكاتبها ومدى ثقافته العالية، ولا يخفى أن لكل رحلة صعوبة ومشقة كما هو معروف، ولذا فقد أصيب العباسي بألم خفيف متواصل أسفل بطنه وانتفاخٌ بيّن في الجزء السفلي منه، وغيرها من المصاعب التي شاهدها في رحلته التي انطلقت من المغرب وحتى مكة المكرمة.

نشر هذا المقال في:
المجلة العربية (419)، ذوالحجة 1432هـ (نوفمبر 2011م).

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

من ينقذ مكتبات العلماء؟!!


من ينقذ مكتبات العلماء؟!!

لكل عالمٍ من علمائنا الكرام مكتبة خاصة يرجع لها أنّى شاء، وتمضي الأيام والسنوات والمكتبة تكبر وتكبر بحسب اهتمام هذا العالم بجمع تلك الكتب المهمة، سواءً المتعلقة باهتماماته أو المساعدة لبعض بحوثه من هنا وهناك.
ولا شك أن في كل مكتبة كتباً نادرة، أو مهمّة قد لاتتواجد في المكتبات المعاصرة لظروف معينة، والأسف كل الأسف أن هذا العالم أو الباحث حينما يرحلُ تبقى المكتبة تحت سيطرة الغبار والأرفف وبعض الحشرات وغيرها من الأسباب، مستنجدة بأصحاب الاهتمام من هذه السيطرة، وكم من المكتبات التي بقيت عرضة لذلك دون رحمة من أبناء هذا العالم أو من بعض المهتمين، وقد جهدت بعض المؤسسات المحلية في إنقاذ بعض تلك المكتبات، إلا أن البعض الآخر يحتاج إلى اهتمام، سواء بفتح باب الزيارة لها، أو بتنظيمها، أو لوجود أحد الأبناء يستفيد منها، أو فتح باب المزاد العلني لبيعها.

وقد آلمني أن بعض المكتبات التي تحوي الكثير من الكتب النادرة ما زالت حتى وقتنا الحاضر تحت سيطرة بعض الأسباب المؤدية إلى فنائها البطئ، وقد أردتُ استنقاذ بعض العناوين النادرة والتي تصب في اهتماماتي، إلا أن عوائقاً حالت دون تحقيق المراد.

وكم من المكتبات التي بيعت بالتجزئة وهو الحل الأمثل لإنقاذ الكتب من الهلاك، لأن الكتاب يشكّل ذكرى للمشتري إذا كان على معرفة بهذا العالم، وبقاء المكتبة بين الأرفف دون مرتادٍ لها يميتها، ويعرضها للدمار.

أسباب كثيرة هي التي تدمّر مكتبات علمائنا وباحثينا، نتمنى من يستنقذها من سماسرة الكتب الذين لا يعرفون قيمتها، ويكدسونها في مستودعاتهم وتبلى بعد حين.



جريدة المدينة (ملحق الأربعاء)، 20 شوال 1431هـ (29 سبتمبر 2010م).

فن التحقيق .. ثقافة موسوعية

فن التحقيق .. ثقافة موسوعية
 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

يعتبر تحقيق الكُتُب من المَسَائِل التي تحتاجها الساحة بِشَكْلٍ مُلحّ، سواءً للشخص المُحقِّق أو للكتاب المُحقَّق، باعتبار أن كتب التراث بحاجةٍ إلى أن تخرج للساحة بحلّة جديدة لتزويدِ القُرّاء بثقافةِ بعض المؤلفين الذي رحلوا ولم يتسنّ لهم طباعة ما خطّهُ يراعُهم، وفَنُّ التحقيقِ يحتاج إلى شخصٍ يمتلك قُدرةً كبيرةً من الجُهدِ الذهني والعلمي ليتسنى له أن يجعل من الكتاب مادةً سهلة التناول عند عشّاق القراءة، لأنه كالشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين.
فقد كتب في هذا الفن الكثير من العُلماء، كالدكتور/ عبدالسلام هارون - رحمه الله - في كتابه (تحقيق النصوص ونشرها)، والدكتور/ عبدالهادي الفضلي - حفظهُ الله وشافاه - في كتابه (تحقيق التراث)، وغيرهما كثير من أرباب هذا الفن، وقد أجاد هذان العالِمان فيما كتباه، باعتبارهما أصحابُ فنٍّ وتجربةٍ عريقةٍ في مراجعة وتحقيق الكتب المخطوطة، إضافة إلى ذلك إسهامهما في إثراء المكتبة العربية بوضع مادة دسمة تستحق القراءة فيمن له اهتمام بتحقيق كتب التراث، كذلك فقد قدّما للمكتبةِ العربيّة بعض الكتب التراثية التي قاموا على تحقيقها ونشرها، وهذا مما ساعد القُرّاء البحث عن النسخ المحققة باسمهما.

فمع ما ذكرتُ إلا أنّ هناك وللأسف شريحة كبيرة دخلت هذا الميدان بدون علم، مثل: أن يقوم إنسان ليس له اطّلاع أو اهتمام بعلم الحديث ليُقحم نفسه في هذا العلم الواسع ويحقق كتاباً في الحديث، أو أن يأتي إنسانٌ ما ليس له اطلاع بالمسائل القرآنية ويحقق كتاباً في علوم القرآن الكريم ...الخ، وهذا تجاوزٌ أرجو أن لا يستشري في ساحتنا الثقافية والعلميّة، لأن بعض الكتب تحتاج إلى قراءة أخرى كحياة المؤلف والعصر الذي عاش فيه والثقافة التي نهل منها وسبب تأليفه الكتاب وغيرها من المسائل التي تستوجب من المحقق الوقوف عليها، حتى لا يتعرض للإهانة وهو غنيٌ عنها. فبمراجعة سريعة على بعض الكتب المُحقَّقة نرى هناكَ بعض التجاوزات عند بعض المحققين الذين ليس لديهم علمٌ في هذا الفن، ففن التحقيق بحاجة إلى ثقافة موسوعية شأنها إضفاء معلومات على الكتاب المُحقَّق تفيد القارئ، وكلّما كان المحقِّق صاحب علمٍ، خَرَجَ الكتاب وتلقّفهُ أصحاب الاهتمام، لذا فعلى المحقق أن يحقق الكتب التي تخضع تحت اهتماماته وتخصصه فهو بلا شك سيكون أكثر الناس معرفة بالمقاصد واللغة التي يكتب بها أولئك المصنّفون.

نعم .. للتحقيق أشكال كثيرة، كأن يقوم المحقق بإخراج الكتاب من ظُلُمَاتِ الخَزَائن، إلى أرفف المكتبات، وهو ما يعبَّر عنهُ بضَبْطِ النص، وهذا جُهدٌ يُشكر عليه صاحبه، وهو في الواقع إنقاذٌ لتلك النسخة الذي ظلّت حبيسةَ الخزائن، وهناك من يقارن بين النسخ في حال توافرها في خزائن الكتب العالمية، وأشكال كثيرة لهذا الفن، نرجو ممن يدخل في الميدان أن يكون طويل النَفَس، ليكون مفخرةً للعِلمِ والعُلماء ومحل تقدير الكل.  

الرابط:
http://www.al-madina.com/node/305477

نشر في جريدة الجزيرة (ورّاق الجزيرة)، بتاريخ 3 رجب 1432هـ (5 يونيو 2011م) عدد رقم (14129)

الرستم معقباً .. المصادر الحديثة لا تخدم البحث

الرستم معقباً .. المصادر الحديثة لا تخدم البحث

ينتابني شعورٌ من البهجة والسرور حينما أرى نقاشاً يطولُ لأكثر من حلقة فيه أخذٌ ورد، خصوصاً كالنقاش الذي جرى بين الأستاذ/ راشد بن جعيثن، والأستاذ/ خالد النزر على صفحات مجلة "اليمامة" في الأعداد (2169 + 2170 + 2173 + 2172) وذلك حول قبيلة (عبدالقيس) والذي أبدى كلاً من الأستاذين الكريمين وجهة نظره المبنية على مصادر مختلفة ومهمّة في الوقت ذاته.

ولكوني أحد المهتمين بتاريخ وتراث المنطقة الشرقية، آمل من الأستاذين العزيزين أن يمعنا النظر في أمورٍ عدة، وهي:
1-            ذكر الأستاذ/ النزر حول مايثبت تشيع العيونيين، وأضاف أن ذلك لا يخدم البحث الذي هم بصدده، وأتى الأستاذ/ الجعيثن بما يفند تشيع العيوننين.
وأقول: إن عملية البحث حول مذهب أي دولة لا يخدم أي مسألة ما، إلا إذا كانت هناك بعض الأحداث التي لها علاقة بذلك. لأنه في تصوّري أن معظم الملوك مهما كان توجههم الديني فإنهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم التي تتفق وسياسة الدولة.
واستطراداً في ذلك، أقول: إن الأستاذ/ الجعيثن، رمى بحث الأستاذ/ نايف الشرعان عرض الحائط، ذلك أن الشرعان أثبت في بحثه الموسوم بـ(نقود الدولة العيونية) تشيع العيونيين عن طريق الآثار، ومنها العملات المستخدمة آنذاك، حيث قال الجعيثن: (فلم يثبت ذلك وفق ما تقتضيه مصداقية الآثار خاصة وأن هذا الزمان عج بتزوير الوثائق والعملات!!). وتمنيتُ لو أن الأستاذ/ الجعيثن أثبت لنا أن ما ذهب إليه الشرعان باطلٌ بالأدلة العلمية الدامغة. لكنه لم يثبت لنا ذلك.
بل أضيف على ذلك كإثبات، أن الدكتور/ فرج الله أحمد يوسف، المتخصص في المسكوكات، أنه من أوائل من عاين المسكوكات من كانت في مركز الملك فيصل وبحالتها المتصلبة وحتى تفكيكها ومن خلال الدراسة والتحليل ثبت بأنها أصلية وليست مزورة أو مقلدة، وذلك حسب إفادة الأستاذ/ نزار آل عبدالجبار الباحث في شؤون الآثار بمتحف الدمام الإقليمي.
يشار إلى ذلك أن إحدى الكتب التي رجع إليها الأستاذ/ الجعيثن، كتاب (ابن مقرب والدولة العيونية) للدكتور/ فضل العماري، الذي أثبت تشيع الدولة العيونية من خلال قراءةٍ نقديةٍ لديوان ابن المقرب العيوني.
خلاصة الأمر: تمذهب الدولة يجب أن لا يأخذ مكاناً أكبر من حجمه، فيكفي أن أمراء الدولة العيونية مسلمون، ولا يضير أن يكون للشيعة عبر التاريخ دولة أقاموها وأفل نجمها لظروف مختلفة، وبروز نجم دولة وأفول أخرى، أمرٌ طبيعي يحصل في كل زمان وكل مكان، وإذا أراد كلٌ من النزر والجعيثن أن يبحثا مذهب الدولة العيونية فما عليهما إلا فتح حوارٍ آخر بعيداً عن موضوع (قبيلة عبدالقيس)، بشرط أن ينهيا بحثهما الأول، وذلك بالاعتماد على المصادر الأم، وليس المصادر الحديثة، التي ربما يكون في نقل المعلومة بعض الأخطاء والتصحيف.
2-            رجوع الأستاذ/ الجعيثن إلى مصادر حديثة، مثل: (تحفة المستفيد للشيخ العبدالقادر) و(الأحساء عبر أطوار التاريخ للغريب) وغيرهما.
في تصوري، أن مسألة كمسألة النَسَبْ يجب أن لا يُعتمد على أمثال هذه الكتب، لأنها كتب تاريخية وإن تخللتها معلومات في الأنساب، كذلك لوجود الكثير من الأخطاء فيها، وقد أثبت الأستاذ/ الجعيثن أن خالد الغريب خالف أمانة النقل ومصداقية المرجعية في ذلك، وحبذا لو تم الرجوع إلى أمهات المصادر فيما يتعلق بالأنساب، وكذا فيما يتعلق بأي مسألة تاريخية ليتسنى للباحث الوقوف على الحقيقة، ولا أقصد من ذلك هو تقليل قيمة كتاب الغريب والعبدالقادر وأضرابهما!! بل إني ممن يؤيد الرجوع إلى الكتب المتخصصة، وليس الاتكاء على أي مصدرٍ يخدم ما يذهب إليه دون الرجوع إلى المصدر الأم!!.
3-            أرجو لكلا الأخوين رحلة ممتعة في البحث حول (قبيلة عبدالقيس) مع وضع نقاط رئيسة في البحث ليتسنى لنا الوقوف على مسائل دسمة تستحق القراءة، وأشكر الأستاذ/ راشد بن جعيثن على تفضله بإطلاعي على جميع الردود، وكذلك على حسن استضافته العربية لي في منزله العامر، وكذلك أؤكد أن مثل هذه الحوارات ممن يثري الحِراك الثقافي في بلدنا الغالي .. ودمتم بخير.


نشر هذا المقال في مجلة اليمامة
عدد (2178) السنة الحادية والستون، السبت 17 ذوالقعدة 1432هـ - الموافق 15 أكتوبر 2011م. ص56.

وفاة الامام الجواد عليه السلام

نعزّي صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، بمرور ذكرى وفاة جده الإمام محمد الجواد عليه السلام، الذي كانت حياته تعتبر مرحلةً جديدة من مراحل الإمامة وهي: دخول الشيعة في اختبارٍ جديد من اختبارات الولاء لأئمة أهل البيت عليهم السلام، ذلك أن الإمام الجواد عليه السلام يعتبر أولُ إمامٍ يتولى مقاليد الأمة وهو في سن الثامنة، على خلاف من سبقه من الأئمة، حيث كانت أعمارهم بعد العشرين عاماً، وإيمان الشيعة بقيادة الصغير للأمة ليس بالأمر السهل، إلا أنه ولله الحمد والمنّة فإن الشيعة اجتازوا هذا الاختبار بصبرٍ وأناة، وآمنوا بمعجزة السماء في الأرض، وهذا نابع من ثقافة القاعدة الشعبية القوية، التي تفهمت منطلق الإمامة وضوابطها.
والإيمان بمثل هذه المسائل يستلزم على الإنسان الموالي لأهل بيت النبوة عليهم السلام، أن يكون على وعيٍ تامٍ في مثل هذه المسائل المصيرية، ذلك أنهم آمنوا بإمامة هذا الصغير لوجود الضوابط المتعارفة في مسألةٍ كالإمامة، حيث يجب توافر بعض العناصر في شخصية الإمام المراد تسليمه قيادة أمور الأمة الإسلامية، ومنها: العلم والعصمة والطهارة، صَغُر عُمْر الإمامِ أو كَبُر، وهذه الصفات لا تتوافر في غيرهم.
وهذه المسألة تعطينا إشارة مهمة حول احتواء الكفاءات وقدرتها على إدارة الأمور في أوساطنا الشعبية والعلمية، والتي نحن بحاجة أن نكوّن كفاءات في جميع الميادين، وصنع الكفاءة يأتي من دور العائلة والمجتمع في احتواء الطاقات الكامنة في أبنائنا، وأن نشجّعهم باقتحام ميادين الحياة، ونشد من أزرهم، ليكونوا امتداداً لأطروحات أهل البيت في تلك الميادين.
ولعلّ الظروف التي أحاطت بإمامة الجواد عليه السلام مقاربة للظروف التي مرّت بأبيه الإمام الرضا عليه السلام، وهي في واقع الأمر ليست مسألةً عادية حتى تمرّ مرور الكرام، فقد تم تعريضه إلى اختبارات وامتحانات كبيرة، وذلك وفقاً للظروف التي مرّ بها إبّان إمامته، فقد كانت الأجواء مليئةً بتيارات فكرية، ومشحونة بشتى المناظرات في علوم مختلفة، كعلوم القرآن، والحديث الشريف، والتفسير والفقه، والأصول، والفلسفة وعلم والكلام، والنحو واللغة، والطب، والكيمياء، والفيزياء والفلك وغيرها.
وهذه العلوم لابد لها من جهة تغذيها، وهم الخلفاء العباسيّون؛ لأنهم الداعم الأساسي لهذه العلوم وللتيارات كذلك، ولذا كانت بغداد من مدن العِلْم التي يتقاطر إليها العلماء من أبناء الملل والنِّحَل، كاليونان والفُرس والأقباط، ولولا وجود الأئمة عليهم السلام في خضم هذه الصراعات الفكرية لكان ما كان من أمر الأمة. ولذا كانت تمثل العطاء العلمي في مدارس ثلاث: الشيعة الإمامية، والمعتزلة، والأشاعرة. إلا أن مدرسة الإمامية كانت أعمقها أصولاً، وأرسخها جذوراً؛ لأنها تستمد أصالتها من روافد جامعة آل البيت عليهم السلام، بما عرفت من العمق ودقة الآراء التي فجّرها الأئمة المعصومون عليهم السلام، ذلك أن علمهم من علم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس غريباً على من يؤمن بإمامة صبيٍ يخوض غمار هذه التيارات وينجو منها مسدداً بألطافٍ إلهية، ولعل مناظراته الكثيرة تنبؤنا بأهمية الإيمان بإمامة صبي توفرت فيه جوانب عدة ومنها: العلم. إلا أن بعض المشاغبين في مثل هذه المسائل أبى إلا أن يُضعف من بعض المناظرات ويقحمها في زاوية صغيرة بحجّة أنها لا تشكل أهمية علمية، فهي من المسائل المتعارفة والسهلة والتي لا تدل على ذكاء خارق أو ما شابه ذلك، ويقصد بذلك مناظرة يحيى بن أكثم مع الإمام الجواد في مسألة المحرم الذي قتل صيداً، وهذه المشاغبة لا تنفك عن أصحاب العقول المعارضة لخط أهل البيت عليهم السلام، وقد بذل ابن تيمية جهده في الحط من شأن هذه المناظرة بحجة أن الإمام وضع الإشكالات ولم يأتِ بالجواب، وهذا من المؤسف أسلوبٌ من أساليب النقض والحل، لأنه لم يكن من المتابعين لمثل هذه المسائل والبحث عن أجوبتها في مواقعها الطبيعية من التراث الإسلامي.
والحديث عن إمامنا الجواد ليس بالأمر السهل، فهي رغم قصر عمره المبارك إلا أنه كان مليئاً وحافلاً بإحياء أوامر الشريعة الغرّاء، وصناعة جيلٍ يحامي ويدافع عن الإسلام الحق، وذلك من كلا الجنسين نساءً ورجالاً، إلا أن السلطة الحاكمة لم تتحمل دور الإمام الرسالي، وشعبيته العظيمة عند عموم المسلمين، فكان من أمر المعتصم أن دسّ إليه السم في طعامٍ عن طريق بعض خواصّه، فسلامُ الله على إمامنا حياً وميتاً وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...