الجمعة، 28 أكتوبر 2011

وفاة الامام الجواد عليه السلام

نعزّي صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، بمرور ذكرى وفاة جده الإمام محمد الجواد عليه السلام، الذي كانت حياته تعتبر مرحلةً جديدة من مراحل الإمامة وهي: دخول الشيعة في اختبارٍ جديد من اختبارات الولاء لأئمة أهل البيت عليهم السلام، ذلك أن الإمام الجواد عليه السلام يعتبر أولُ إمامٍ يتولى مقاليد الأمة وهو في سن الثامنة، على خلاف من سبقه من الأئمة، حيث كانت أعمارهم بعد العشرين عاماً، وإيمان الشيعة بقيادة الصغير للأمة ليس بالأمر السهل، إلا أنه ولله الحمد والمنّة فإن الشيعة اجتازوا هذا الاختبار بصبرٍ وأناة، وآمنوا بمعجزة السماء في الأرض، وهذا نابع من ثقافة القاعدة الشعبية القوية، التي تفهمت منطلق الإمامة وضوابطها.
والإيمان بمثل هذه المسائل يستلزم على الإنسان الموالي لأهل بيت النبوة عليهم السلام، أن يكون على وعيٍ تامٍ في مثل هذه المسائل المصيرية، ذلك أنهم آمنوا بإمامة هذا الصغير لوجود الضوابط المتعارفة في مسألةٍ كالإمامة، حيث يجب توافر بعض العناصر في شخصية الإمام المراد تسليمه قيادة أمور الأمة الإسلامية، ومنها: العلم والعصمة والطهارة، صَغُر عُمْر الإمامِ أو كَبُر، وهذه الصفات لا تتوافر في غيرهم.
وهذه المسألة تعطينا إشارة مهمة حول احتواء الكفاءات وقدرتها على إدارة الأمور في أوساطنا الشعبية والعلمية، والتي نحن بحاجة أن نكوّن كفاءات في جميع الميادين، وصنع الكفاءة يأتي من دور العائلة والمجتمع في احتواء الطاقات الكامنة في أبنائنا، وأن نشجّعهم باقتحام ميادين الحياة، ونشد من أزرهم، ليكونوا امتداداً لأطروحات أهل البيت في تلك الميادين.
ولعلّ الظروف التي أحاطت بإمامة الجواد عليه السلام مقاربة للظروف التي مرّت بأبيه الإمام الرضا عليه السلام، وهي في واقع الأمر ليست مسألةً عادية حتى تمرّ مرور الكرام، فقد تم تعريضه إلى اختبارات وامتحانات كبيرة، وذلك وفقاً للظروف التي مرّ بها إبّان إمامته، فقد كانت الأجواء مليئةً بتيارات فكرية، ومشحونة بشتى المناظرات في علوم مختلفة، كعلوم القرآن، والحديث الشريف، والتفسير والفقه، والأصول، والفلسفة وعلم والكلام، والنحو واللغة، والطب، والكيمياء، والفيزياء والفلك وغيرها.
وهذه العلوم لابد لها من جهة تغذيها، وهم الخلفاء العباسيّون؛ لأنهم الداعم الأساسي لهذه العلوم وللتيارات كذلك، ولذا كانت بغداد من مدن العِلْم التي يتقاطر إليها العلماء من أبناء الملل والنِّحَل، كاليونان والفُرس والأقباط، ولولا وجود الأئمة عليهم السلام في خضم هذه الصراعات الفكرية لكان ما كان من أمر الأمة. ولذا كانت تمثل العطاء العلمي في مدارس ثلاث: الشيعة الإمامية، والمعتزلة، والأشاعرة. إلا أن مدرسة الإمامية كانت أعمقها أصولاً، وأرسخها جذوراً؛ لأنها تستمد أصالتها من روافد جامعة آل البيت عليهم السلام، بما عرفت من العمق ودقة الآراء التي فجّرها الأئمة المعصومون عليهم السلام، ذلك أن علمهم من علم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس غريباً على من يؤمن بإمامة صبيٍ يخوض غمار هذه التيارات وينجو منها مسدداً بألطافٍ إلهية، ولعل مناظراته الكثيرة تنبؤنا بأهمية الإيمان بإمامة صبي توفرت فيه جوانب عدة ومنها: العلم. إلا أن بعض المشاغبين في مثل هذه المسائل أبى إلا أن يُضعف من بعض المناظرات ويقحمها في زاوية صغيرة بحجّة أنها لا تشكل أهمية علمية، فهي من المسائل المتعارفة والسهلة والتي لا تدل على ذكاء خارق أو ما شابه ذلك، ويقصد بذلك مناظرة يحيى بن أكثم مع الإمام الجواد في مسألة المحرم الذي قتل صيداً، وهذه المشاغبة لا تنفك عن أصحاب العقول المعارضة لخط أهل البيت عليهم السلام، وقد بذل ابن تيمية جهده في الحط من شأن هذه المناظرة بحجة أن الإمام وضع الإشكالات ولم يأتِ بالجواب، وهذا من المؤسف أسلوبٌ من أساليب النقض والحل، لأنه لم يكن من المتابعين لمثل هذه المسائل والبحث عن أجوبتها في مواقعها الطبيعية من التراث الإسلامي.
والحديث عن إمامنا الجواد ليس بالأمر السهل، فهي رغم قصر عمره المبارك إلا أنه كان مليئاً وحافلاً بإحياء أوامر الشريعة الغرّاء، وصناعة جيلٍ يحامي ويدافع عن الإسلام الحق، وذلك من كلا الجنسين نساءً ورجالاً، إلا أن السلطة الحاكمة لم تتحمل دور الإمام الرسالي، وشعبيته العظيمة عند عموم المسلمين، فكان من أمر المعتصم أن دسّ إليه السم في طعامٍ عن طريق بعض خواصّه، فسلامُ الله على إمامنا حياً وميتاً وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...