الأحد، 9 ديسمبر 2018

العمامة - عرض وتعريف


اسم الكتاب: العِــمَــامَــــة
المؤلف: سعود بن عبدالله الرُّومي
الناشر: المهرجان الوطني للتراث والثقافة – الرياض
تاريخ النشر: الطبعة الأولى – 1435هـ (2014م)
عدد الصفحات: 135
المقاس: 22 × 16 سم
عرض وتعريف: عبدالله بن علي الرستم

التعريف بالكتاب:
يتطرق المؤلف إلى لباس (العِمامة) الذي يُعد من التراث العربي والإسلامي، ولما لها من مكانةٍ خاصة في ذلك يشرع المؤلف بتعريف العِمامة عند اللغوين القدماء والمعاصرين والتي تعني: اللباس الذي يُلاث على الرأس تكويراً، وجمعها: عمائِم، واستشهد بالأثر القائل: (العمائم تيجان العرب)، وتطرق إلى فوائدها الكثيرة مستشهداً بقول الفرزدق والجاحظ في هذا الباب، ولا يخفى على المؤلف أن يُعطي لمحة تاريخية مما ذكره الرحّالة والمؤرخون بشكل مقتضب، وكذلك اهتمام المستشرقين بذكرها في رحلاتهم ومذكراتهم الشخصية، أمثال دوزي وَ ادوارد لين، ومن طرائف ما استشهد به المؤلف قصة ذكرها ادوارد لين تُبيّن مكانة العمامة، وهي: (رووا أن عالماً سقط من فوق حِماره في شارع من شوارع المدينة، فتدحرجت عمامته بعيداً عنه، فتجمّع المارّون وأخذوا يجرون وراء العِمامة صائحين: ارفعوا تاج الإسلام، ارفعوا تاج الإسلام، بينما كان العالِم المسكين طريح الأرض يناديهم مغتاظاً: أنهِضوا أولاً شيخ الإسلام).
 

 واللطيف في ذلك أن للعمامة عدّة أسماء بناءً على وضعها، ولونها، ولابسها، فقد ذكر المؤلف عدة أسماءٍ لها، وأنواعها، كما أنه أشار إلى أن لكل طبقةٍ عمامة يُعرف لابسها، فاستشهد بقول الجاحظ: بأن للخلفاء عِمَّة، وللفقهاء عِمَّة، وللأعراب عِمَّة، وللروم والنصارى عِمَّة ...الخ. وللعمامة كيفية في لبسها، كالسدل والإرخاء والاعتجار  والاحتناك وغير ذلك، وقد استمرّ لبس العمامة إلى زماننا هذا، مع ابتعاد عنها في بعض المناطق العربية حيث حلّ لباسٌ آخر، ولكل منطقة طريقة، وهي كما ذكر الجاحظ آنفاً، وأضاف المؤلف أن لكل لونٍ من ألوان العمائم معنىً، ومن ضمن ما استشهد به العمامة الخضراء، التي روي أن رسول الله صلى الله عليه وآلهِ وسَلَّم لبس عمامةً خضراء، ويشير المؤلف أن أوّل ظهور للعمامة الخضراء كان في عهد المأمون سنة 201 هجرية، حينما أعطى ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام كشعارٍ للعلويين تقرباً من العلويين، والحال ذاته استمر إلى العصر المملوكي في مصر والشام حينما أمر السلطان شعبان بن حسن أن يجعل اللون الأخضر شعاراً لعمائم العلويين (الأشراف) تعظيماً لقدرهم، في حين إن بعض البلدان لا تعير اهتماماً للألوان، مثل: أفغانستان وباكستان، فهم يلبسون العمائم السوداء والخضراء ولا يُنسبون إلى النبي صلى الله عليه وآلهِ وسَلَّم كما في بعض الحواضر العربية والفارسيّة وغيرهما التي تعني العِمَّة الخضراء والسوداء الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وآلهِ وسَلَّم.

ولا يفوت المؤلف تسليط الضوء على عمائم النساء، التي في بداية أمرها لم تكن تلبس العمامة، إلا بعد فترة زمنية طويلة، حيث كان لهن عمائم خاصّة بهنّ، وأنه شوهد في أنطاكية أن في عمائم النساء اختلافٌ تُعرف بعضهن بها من كثرة أولادها وقلّتهم من حيث الحجم، بينما في مصرَ عمائم النساء لا تختلف عن عمائم الرجال.
وتحوّلت العمامة إلى تراثٍ عربيٍّ يحافظون عليه، ولكل مناسبة لونٌ وحجمٌ وقماشٌ مختلفٌ، وكذلك بحسب الأجواء الحارة والباردة أو السهول والبوادي والصحاري، ونظراً لما للعمامة من أهمية فقد اعتنى المصنّفون بتأليف كتبٍ فيها، مثل: (صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة)، وَ (أزهار الكمامة في أخبار العمامة) وغيرها كثير من المصنّفات في هذا الشأن. ثم إن العمامة تحوّلت بفعل الزمن أنها خاصّة برجال الدِّين بينما العامّة من الناس توجّهوا إلى لبس العقال والكوفية أو الطربوش وغيرها من الملابس التي حلّت محلّها.

يتطرق المؤلف استطراداً إلى عادات القبائل وأعرافهم، وأن في العراق مثلاً يصل إلى حد القتل أو العقوبة القاسية لما لها من رمزيّة خاصة، ولذا فإن إسقاط العمامة يُعد إهانة، وانتقل الحال إلى العقال الذي يحتلُّ ذات الرمزية للعمامة، بحيث يبعث ذلك في نفس صاحبها على الغضب والألم حال إنزاله من قبل شخصٍ آخر حال حصول شجار أو سوء تفاهم، والحال ليس في العراق فحسب .. بل العمامة السيخية تلعب دوراً لا يقل أهمية عند المسلمين وأنها واجبةٌ على كل بالغ.


وقد اعتنى السلفُ بذكر ما يتعلق بالعمامة، ومنها ذكرهم صفة عمامة رسول الله صلى الله عليه وآلهِ وسَلَّم، وذكروا ما يتعلق بها من أحكام وفوائد وأدعية، وأن بعضهم يُكرم ضيفه بإلباسه عمامته، كما ورد أن النبي صلى الله عليه وآلهِ وسَلَّم كانت له عمامة اسمها السحاب ألبسها علياً عليه السلام، فكان الصحابة يقولون: جاء عليٌ في السحاب.
تتجلى أهمية العمامة وتتبع المؤلف في ذكر كل ما يتعلق بها، أنه أفرد باباً عن (رؤيا العمامة لدى المفسِّرين)، فقد تطرق إلى ذكر قول أربعة من المفسّرين كابن سيرين والنابلسي وغيرهما. وأكد في هذا الباب أن العمامة عند الجاهليين بمثابة التاج عند
غيرهم من الأمم، وكانوا يُعلون شأنها ويرفعون قدرها.

تطرق المؤلف بعد ذلك إلى أنواع العمائم في الأمم والدول، كالعمامة في العصور الأموية والعباسية ولدى المماليك، ثم عرّج على العمائم في العصر الحاضر واستخدامها في المملكة العربية السعودية وعمان والسودان وغيرها من البلاد، مع ذكر ألوانها وأنواعها.

* مما استشهد به المؤلف حول العِمامة قول أبي الأسود الدؤلي حينما سُئل عن فوائدها، أجاب:
جُنَّةٌ في الحرب، ومَكَنَّةٌ في الحرّ، ومدفأةٌ في القرّ، ووقارٌ في النديّ، وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة.

* ومما جاء شعراً في العِمامة، قول الفرزدق:
إذا مالكٌ ألقى العِمامةَ فاحذروا = بوادرَ كفّي مالكٍ حين يغضبُ
فإنهما إن يظلماك ففيهما = نكالٌ لِعُريانِ العذابِ عصبصبُ

ختاماً:
يبقى هذا الكتاب التفاتة جميلة من مؤلّفه، حيث من خلال هذه الأوراق قدّم معلوماتٍ ثريّة حول ما يتعلق بالعِمامة، مع ذكر العادات والتقاليد في لبسها وما تعنيه، داعماً ذلك بالصور وبعض الأبيات الشعرية المرتبطة بها.





الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

ثقافة المجلات



ثقافة المجلات


بقلم: عبدالله بن علي الرستم

تعد المجلات (الأسبوعية، الشهرية، الفصلية، نصف السنوية، السنوية) بجميع توجهاتها إحدى منابع الثقافة في العصر الحديث، ولم أقرأ ذات يوم عن تاريخ نشوء أول مجلّة ربما لقصر اطّلاعي، فذات يوم وأنا أطالع مكتبتي الصغيرة إلى ذلك الكم من المجلات التي حرصت على اقتنائها والتي تبلغ أكثر من (80) عنواناً لمجلة متنوعة في فروع الثقافة والمعرفة، ازدحمت  مجموعة من الأسئلة في عقلي، ومنها هذا السؤال:
هل المجلة تشكل ثقافة لدى القارئ؟!
في الوهلة الأولى أستطيع الجزم أن ما يُكتب في تلك المجلات من أبحاث ومقالات، يشكّل البذرة الأولى لأفكار الكاتب، والتي عَصَرَ فيها أفكاره ونشرها متحمّلاً عِلّات ذلك البحث ومستعداً للنقد، حيث وظيفة المجلة المحاولة في تنشيط الحراك الثقافي في أي مجتمع.
إضافة إلى ذلك وصول المجلة إلى أكبر عدد ممكن من القُرّاء؛ وذلك لاحتوائها على مجموعة أقلام وأفكار مختلفة، وهو ما يعرّفك على بدايات الكتابة لدى بعض الكتّاب الذين ينبغي التعرّف عليهم، ولذا حرصتُ على اقتناء بعضها، والبعض الآخر سجّلتُ اشتراكاً فيها لتصلني عن طريق البريد، والاشتراك يطمئنني على وصول المجلة حال النِّسيان.
ويبقى في هذا الصدد أن لكل مجلّة توجه ما، فهناك المجلة العلمية، والثقافية، واللغوية، والتراثية، والفقهية، والفلسفية ...الخ، وهذا التنوّع في المجلات يشكل إثراء نوعياً لدى القارئ إذا ما استمر على اقتناء وقراءة هذه المجلات المتنوعة.
وهذه بعض من قائمة المجلات المهمّة التي لدي:
1- مجلة العصور (تصدر في لندن) آثارية تاريخية.
2- الاستشراق (تصدر في بغداد).
3- عالم المخطوطات والنوادر (تصدر في الرياض).
4- تراثنا (تصدر في بيروت) وهي تُعنى بتراث آل البيت عليهم السلام.
5- مجلة كلية الدعوة الإسلامية (تصدر في ليبيا) ثقافية إسلامية متنوعة.
6- مجلة رسالة التقريب (تصدر في طهران) تعنى بقضايا التقريب بين المذاهب الإسلامية.
7- مجلة المحجة (تصدر في بيروت) تعنى بفلسفة الدين.
8- مجلة ألباب (تصدر في المغرب) تعنى بالدين والأخلاق.
9- الموسم (تصدر في هولندا).
10- مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية (تصدر في الكويت).
11- مجلة العَرَب (تصدر في الرياض).
12- مجلة مركز دراسات وأبحاث المدينة المنوَّرة (تصدر في المدينة المنوّرة).
13- مجلة معهد المخطوطات العربية (تصدر في القاهرة).
14- مجلة الإصلاح الحسيني (تصدر في كربلاء) تُعنى بالنهضة الحسينية والدراسات الدينية.وغيرها كثير. 
أرجو لكم قراءة ممتعة مع المجلات أيّاً كانت توجهاتها.

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

موكب الأحزان - الشيخ/ جعفر المهاجر


الكتاب: موكب الأحزان (سبايا كربلاء) خريطة الطريق.
المؤلف: الشيخ الدكتور/ جعفر المهاجر
الناشر: دار بهاء الدين العاملي
التاريخ: الطبعة الأولى – 2011م
عدد الصفحات: 80 صفحة

التعريف بقلم: عبدالله بن علي الرستم

عرض وتعريف:
من يقرأ كتابات الشيخ الدكتور/ جعفر المهاجر يُدرك أنه يقرأ لباحث يحملُ مسؤولية الكلمة وإن اختلفتَ معه، فقلّما تجدُ باحثاً ينطلق من قراءات مكثّفة ليُنتج لنا في كتاباته الكثير من التساؤلات التي تدعو إلى البحث في العمق التاريخي بوجود أدوات مهمّة لكل حدثٍ.
وهذا الكتاب ذي الحجم الصغير، فيه تساؤلات مهمّة، وأحداث أكثر أهمية بحاجة إلى قلمٍ يرصد الأحداث عن كثب ويحفر في العمق التاريخي ليقدّم مادة مهمة من مواد التاريخ الشيعي. فهذا الكتاب يرصد خريطة الطريق لموكب الأحزان الذي أُثكل برجالاته في كربلاء دفاعاً عن القيم والمبادئ الإسلاميّة بقيادة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الحسين بن علي عليه السلام، وينطلق الشيخ المهاجر في هذا الرصد من مصدرٍ يراه مهمّاً لشرح خريطة طريق موكب الأحزان، ذلك المصدر يعود إلى نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع الهجريين ذلك هو أبو الحسن علي بن أبي بكر الهَرَوي (ت 611 هـ) وكتابه الفريد (الإشارات إلى معرفة الزيارات)، والذي يرى المهاجر أن هذا الكتاب التفاتة جديرة بالعناية لم يسبق أن خُصص لهذا الأمر كتاباً مستقلاً له في ذلك الزمن.
فقد أخذ المهاجر من هذا المصدر ما يرشده إلى إشادة الأبنية والنُّصُب لطريق موكب الأحزان، الذي انطلق من الكوفة إلى الشام عبر محطات مختلفة، والتي يتوقف فيها الموكب الحزين لغرض الاستراحة ونحو ذلك، والتي يصل تعداد تلك المشاهد إلى 8 مشاهد وتاسعها أدرجه المهاجر تتمةً لها، فقد استخرج المؤلف المشاهد وسمّاها وأضاف لها بعض المعلومات التي تشير إلى وقوف الركب الحزين عندها، وهي:
1- مشهد/مسجد الحنّانة.
2- مشهد الموصل.
3- مشاهد نصيبين.
4- مشاهد بالس/ مسكنة.
5- مشاهد "جبل جوشن".
6- مشهد حماه.
7- مشهد حمص.
8- مشهد بعلبك.
9- مشهد الرأس ومشهد زين العابدين عليه السلام.
ويشير المؤلف المهاجِر في ص31 أن الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (الجامع الأموي في دمشق) أنه لم يذكر مشهد زين العابدين عليه السلام الواقع في الجامع الأموي ولم يأتِ به على ذكر. كذلك أضاف في ص27 أن مشهد بعلبك لم يذكره الهَروي وأضافه تتمة لطريق الموكب الحزين.
يناقش الشيخ المهاجر الدلالات والمغازي من إنشاء تلك المشاهد، فهو يذكر معلوماتٍ عن سبب تغيّر أسماء بعض المشاهد، وأن بعضها تحوّل إلى مسجدٍ، وغيرها كان يقع في طرقٍ بعيدة عن المُدن والتجمّعات البشرية؛ ذلك أن قوّاد الموكب يتحاشون الدخول في التجمّعات البشرية خوفاً من نقمة الناس عليهم، نتيجة ما فعلوه بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، من قتلٍ وقطع رؤوس وتسميتهم بالخوارج وغير ذلك من الأسباب التي تدعو إلى نقمة النّاس على بني أميّة. ولا يفوت الشيخ المهاجر أن يقف على المشاهد بنفسه كما ذكر في سطور كتابه، وهذا ما جعله يعتمد كتاب الهَرَوي الذي كان رحّالةً سجّل مرئياته في كتابه آنف الذكر، ويرى كذلك المؤلف أن المناطق التي أنشأت النُّصُب كانت ذات ميول شيعية، وبعضها صحيح التشيّع، وأشار إلى أن تفصيلات وأدلّة ما يقوله في كتابه (التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية)، وقد أورد بعضاً من الأدلّة التي يذهب إليها في كتابه هذا.
أما حول فكرة إنشاء النُّصُب يرى أنها جاءت بشكل تدريجي، حيث توضع علامة مكان كل محطة وقف فيها الموكب الحزين، إما لوجود نقطة من دم الإمام الحسين عليه السلام على صخرة، أو سقطٌ لامرأة كانت في الموكب، أو لأسباب أخرى ذكرها في سطور كتابه، ثم يعود أولئك الناس المحبون لأهل البيت عليهم السلام يطوّرون النصب إلى مشهدٍ ونحو ذلك حتى يتحوّل بفعل الزمن إلى مسجدٍ أو يبقى على حاله، فبعض تلك المشاهد تم تزييف اسمه بفعل الانتماءات السياسية على مرّ القرون. ويرى أن التاريخ أعوراً حيث سجّل أحداث السلاطين وترك أفعال الناس الذين يتحرّكون ويتصرّفون بتلقائيتهم تجاه الأحداث، ودليله أن المؤرخين لا يذكرون شيئاً عن منشئي هذه المشاهد.
من يقرأ كتابات الشيخ المهاجر سيرى أنه لا يخفي قناعاته عن القارئ، ففي هذا الكتاب أشار إشارات بسيطة حول بعض الأمور التي أخذت نقاشاً في الأوساط الشعبية والعلمية، ومنها: أنه يرى أن التي خطبت في الكوفة مع السيدة زينب عليها السلام إنما هي أختها سُكينة بنت علي وليست سُكينة بنت الحُسين، في حين أنه يغفل أَوْ لا يتطرق إلى ذكر سُكينة بنت الحسين!! وكذلك يرى أن لقاءً حصل بين جابر بن عبدالله الأنصاري والإمام زين العابدين عليه السلام، لكنه لا يوافق التاريخ المعروف بالعشرين من شهر صفر والمسمّى بيوم الأربعين، بل ينفي ذلك بضرسٍ قاطع، حيث الموكب الحزين لا يسعفه الوقت أن يقطع كل تلك الأماكن والمسافات في غضون أربعين يوماً، فهذه إشارات يتطرق لها عَرَضاً لخروجها عن متن الكتاب؛ إلا أنها تثير التساؤل عند القارئ.
هناك أشياء كثيرة تضمّنها الكتاب، والذي يحتاج إلى قراءة هادئة لما يتضمّنه من معلومات ثريّة كثراء كاتبها في كتاباته.

الأحد، 28 أكتوبر 2018

أويس القرني - للشيخ أحمد العبيدان


الكتاب: أويس القَرَنِي .. حقيقة تاريخية
المؤلف: أحمد بن حسين العبيدان
الناشر: مكتبة فدك – قم
تاريخ الطبع: الطبعة الأولى – 1427هـ (2006م)
عدد الصفحات: 232 صفحة

عرض وتعريف: عبدالله بن علي الرستم

التعريف بالكتاب:
كثيرة هي الشخصيات المغيّبة عن الثقافة العامة والمغمورة في بطون الكتب؛ وذلك لأسباب مختلفة قد تكون لها تبريرات وقد لا يوجد هناك تبريرٌ للتغييب، بيد أن وجود بعض الأقلام الفاعلة في توثيق ما يستحق التوثيق من سير العظماء من الصحابة والتابعين أمرٌ لا يمكن إنكاره، فجزى الله العاملين في هذا الميدان، وأعان الله المتحمّسين لذلك في إنهاء ما بدؤوه. وما شخصية أُويس بن عامر القَرني ببعيدة عن هذه الأمور، فمن تعرَّف عليها اكتشفها، ومن جهلها فقد يكون ضيّع بعضاً من فوائد سيرته العطرة، والمليئة بالعطاء.
يتناول المؤلف العُبيدان سيرة أُويَس من جميع جوانبها عبر منهجية اختطّها لكتابه هذا، فقد بذل جهداً كبيراً في توثيق كل ما يتعلق بهذه الشخصية المغمورة، فقد تناولت الدراسة اسم المترجَم له والاختلاف الذي وقع في اسمه أصحاب كتب التراجم، وكذا طريقة إسلامه، وصفاته وزهده، وأقوال المؤرخين القدماء وبعض المعاصرين في حقه، وغيرها من الجوانب التي استوعبت الشخصية بجميع محطّات حياتها.
والجميل أن المؤلّف وضع نصوصاً كثيرة، القادحة والمادحة لأُويس، فإنه لم يكتفِ أن يذكر كل النصوص مع تكرارها وله تبريره في ذلك، إلا أن تركيزه على فضائل هذا التابعي الجليل ماثلة أمامه، فهو – أويس – ممن عاصر زمن النبي صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بيد أن الظروف لم تسعفه لملاقاته؛ لانشغاله بخدمة أُمّه، ومع ذلك فإن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قد أبلغ أصحابه بصفات أويس وأن يبلغوه السلام وأنه خير التابعين وغيرها من الفضائل التي اتّسم بها أويس رضي الله عنه.
نعم .. كان أويس شخصية في قمّة الروعة، لما يحمله من سماتٍ مختلفة، كالتواضع والأخلاق والتقوى والابتعاد عن الشُّهرة، والانزواء عن الناس، والتقائه ببعض من كان يبحث عنه كَـهَرم بن حيّان العبدي الذي كان شخصية مماثلة له في الزهد والتقوى.
أتت غيرة المؤلف في الإقدام على هذا العمل لما قرأه من إجحاف وتناول سطحـــي لسيرة أويس، ولذا يرى أن تلك التلفيقات في شخصيّة أويس والتحجيم لها صناعة أمويّة، مما حدى ببعض مَن ذكره مِنَ المتقدمين أنه لم يُقتل مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفِّين، فتارة وضعوا قبره في إحدى جبال مكّة، وتارة في طريق عودته من معركة نهاوند، وتارة غير ذلك، كل ذلك ابتعاداً عن أن يكون من أتباع أمير المؤمنين عليه السلام الذي يظنُّ المؤلف أن أُويساً أسلم على يدي الأمير عليه السلام حينما بُعث إلى اليمن وقبل انصرافه للحج مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حجة الوداع.
بل أنكره بعضهم وأنه ليست شخصية حقيقية، بل شخصية مختلقة كما ذكر ذلك المؤلف في صفحات كتابه. ولعل أعظم وسامٍ بعد مدح رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لأويس قتاله بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام في صفّين، حيث نادى عليه السلام: (من يبايعني على الموت) فجاءه تسعة وتسعون مقاتلاً، فقال أين تمام المائة التي وعدتُ بها؟ وإذا بأويس القَرَني يتمم تلك المائة ويبايعه على الموت، فيُقتل ويصلّي عليه أمير المؤمنين عليه السلام في معركة تُعد الفاصلة بين الحق والباطل.
بل إن أحد الأوسمة – وما أكثرها – هي: أن أحد الشاميين في صفِّين سأل شخصاً من جيش أمير المؤمنين عليه السلام: أفيكم أويس؟ قال: نعم، فعدل من جيش معاوية إلى جيش عليٍّ عليه السلام، ذلك أن أويساً كما روي عنه صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يشفع يوم القيامة بعدد قبيلة ربيعة ومضر.
ختاماً: يصعب اختصار الكتاب والتعريف به في هذه الكلمات القليلة، وإنما هو تعريفٌ بكتابٍ قيّم لشخصيّة عظيمةٍ، والكتابات قليلة بحق خير التابعين أويس القرَني المرادي نزيل الكوفة رضي الله عنه، والذي أرجو أن ينال حقه في التعريف بما هو يناسبه.

الاثنين، 8 أكتوبر 2018

أبو الشهداء الحسين بن علي [عليه السلام] - العقاد



اسم الكتاب: أبو الشهداء الحسين بن علي [عليه السلام]
المؤلف: عباس محمود العقاد
الناشر: منشورات المكتبة العصرية – صيدا – بيروت (د. ت)
عدد الصفحات: 143 صفحة
قراءة: عبدالله بن علي الرستم

التعريف:
كعادته العقّاد في كتاباته، فهو صاحب أسلوب أدبي راقي .. يأسر القارئ بهذا الأسلوب في ما يكتبه، يضاف إلى ذلك أنه صاحب عقلية موسوعية ومفكرة في الوقت ذاته، فقد استفتح كتابه هذا بتوضيح أن الحسين بن علي عليه السلام يمثل قمّة الشرف والأخلاق لأنه ينحدر من أصلٍ طاهرٍ وأبوين عظيمين تربيا في مدرسة النبوة، وأن ندّه يزيد بن معاوية يمثل قمة الدناءة والخسّة لانحداره من مدرسة متسلّطة على رقاب الناس بالقوّة والغَلَبَة، وأن الصراع المتمثل بين الحسين بن علي عليه السلام ويزيد ليس صراعاً شخصياً!! بل صراعٌ بين الحق والباطل.

ثم يوضح العقّاد أسباب الخلاف بين بني هاشم وبني أمية إلى العصر المسمّى بالجاهلية حيث انفرد الهاشميون بالزعامة في قريش والأمويون بالزعامة في الشام، ثم يعرّج بعدها على العام الثامن للهجرة حيث إسلام أبي سفيان ومعاوية، ومحاولة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في تأليف قلبه للإسلام بشتّى الوسائل والسُبُل حيث جعل بيته حرماً من دخله كان آمناً، إلا أن تلك المحاولات لم تلقَ صدراً رحباً في قلبِ أبي سفيان الذي مازالت الجاهلية معشعشةً في قلبه حتى يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانعقاد السقيفة والإقرار بالخلافة لأبي بكر، حيث حاول بطُرُقِه أن يثير الفتنة بين المسلمين، وذلك بذهابه إلى أمير المؤمنين عليه السلام والعباس وطلبه منهما أن يخلعوا الرجل من منصبه لأنه ليس بصاحب كفاءة وأنه على استعداد بإمداد علي والعباس بالخيل والرجال، إلا أن الأمير عليه السلام يعرف مغزى ذلك رافضاً هذا العرض المغري، الذي ينطوي بداخله إثارة فتنة بين المسلمين.

وكان ما كان من أحداث التاريخ من تولي أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين عليه السلام الخلافة، وعهد الإمام إلى ابنه الحسن عليهما السلام بالخلافة وموت الأخير بالسم على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، أَحَسَّ معاوية بدنوّ الأجل، فقد أرسل إلى عُمَّاله بأخذ البيعة لابنه يزيد بالقوّة، فبايعوا مُكرَهين مع علم معاوية أن ذلك غير جائز في نظام الخِلافة إلا أنه طرحه ليبقي السُلطة في يد بني أُميّة.
ثم عرّج على طريقة يزيد في أخذ البيعة من أكبر منافسيه وهم: عبدالله بن عمر والحسين بن علي عليه السلام وعبدالله بن الزبير، حيث ذكر أن شخصية كـ(يزيد) تنقصه الخِبرة في إدارة الدولة، ذلك أنه طلب من واليه على المدينة أن يأخذ البيعة من منافسيه بالقوّة وإن رفضوا فليضرب أعناقهم، موضحاً في الوقت ذاته أن بني أمية حاولوا الاستفادة من رفع بعض الشعارات مثل: النبوة في بني هاشم فلا يصح أن تكون الخلافة فيهم، يضاف إلى ذلك استخدامهم العصبية القبلية في مد نفوذهم وسلطتهم على المجتمع الإسلامي ... وغير ذلك مما له شأنٌ في الحفاظ على كرسي الخلافة أو المُلك.

ثم يعمد العقّاد إلى عمل موازنة بين الشخصيتين، يخلص في تلك الموازنة أن الإمام الحسين عليه السلام ورث صفات بني هاشم كالشجاعة والإقدام والدين ...الخ، أما يزيد فلم يرث إلا القليل من الصفات المحمود الموجودة في بني أمية، وأنه لا مقارنة بين الشخصيتين حتى من جذورهما، ويوجز قوله أنه لو رأيت علوياً بعد أكثر من مائة سنة لرأيت فيه شخصية علي بن أبي طالب عليه السلام متجسدة فيه، ويضرب مثالاً على ذلك يحيى بن عمر العلوي، الذي تجسدت فيه صفات الشجاعة والإقدام والكرم وغيرها من الصفات الهاشمية.

ينتقل الحديث بعدها إلى مكانة وصفات الحسين وكرمه وسموّ أخلاقه ووفائه وشجاعته وما ينقل عنه في بطون الكتب التاريخية، وينتقل بعدها إلى شئٍ من المفارقة بينه وبين يزيد من حيث الخصال الحميدة التي تمثلت في شخصية الإمام الحسين عليه السلام وبين يزيد بن معاوية الذي لم يرث شيئاً من تاريخ أبيه وجده لا من حيث القدرة الإدارية ولا الالتزام الديني من ناحية عامة، بل كان همّه نفسه، ثم إن العقّاد ذكر شيئاً من مثالبهم، وشكك في ما يُسمى بالمناقب، ومنها ص46 ما يُنسب إلى معاوية كتابة الوحي فهذا على رأي العقّاد لا أساس له من الصحة، وقتله حجر بن عديّ.

أما عن حال معسكر يزيد فإنه يلخص قوله في ثلاثة شخصيات بارزة، ويذكر بعض مثالبها وهم: عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وعبيدالله بن زياد، وما دامت هذه الشخصيات التي لا تدعم سلطان بل كان وجودها للطمع المادي، فقد أودت بحياة يزيد، وأبرز ما يعيب هذه الشخصيات هو طمع ابن سعد في المال وعبيدالله بن زياد مشكوك النسب وابن ذي الجوشن متلبساً بالولاء للأمويين والحقد الأعمى لآل علي سمة بارزة فيه، بينما الذين التحقوا بجيش الحسين عليه السلام كان التحاقهم التحاق محبة في دين الله ودفاعاً عن ابن رسول الله صلى الله عليه وآله.

يذكر في الصفحات التي تلي ما ذكرنا آنفاً قصة خروج الحسين من المدينة إلى مكة وإرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة والأحداث التي جرت لمسلم، وهي معروفة لمن قرأ شيئاً عن واقعة الطف، حيث تحوّل ذلك الجيش الكبير الذي التف حول مسلم بن عقيل في الكوفة إلى تأييد وهمي بعد أيّام حيث أثّرت فيه الأموال وتهديدات عبيد الله بن زياد مع جيشه الصغير، لتكون النتيجة قتل مسلم وهانئ بن عروة رضي الله عنهما وإرسال رأسيهما إلى يزيد، وقد أرسل الحسين عليه السلام بعد هذه الحادثة بعض الرسل إلى شيعته في الكوفة لاستكشاف الأمر، بيد أن تلك الرسل كُشف أمرها وقتلت، وأشار بعض من في ركب الحسين بالرجوع وآخرون بالمواصلة وآخرون بالتريّث، فخطب فيهم بأن من أراد اللحوق به وإلا فقد برأت ذمتهم، فلم يبق معه إلا القليل وجميع أهل بيته الذين صحبوه.

ثم جاء الحر بن يزيد الرياحي، وقد منع مفارقة الحسين عليه السلام إلا ويسلّمه إلى ابن زياد، فألقى الحسين عليهم الحجة تلو الحجة ويحذّرهم عاقبة المخالفة، وأتى رسول ابن زياد بعدها برسالة يطلب فيها الجعجعة بالحسين عليه السلام وإنزاله في أرض لا ماء فيها، وقد طلب زهير بن القين من الحسين عليه السلام قتال هؤلاء، فرد عليه السلام على زهير بأنه يكره أن يبدأهم بقتال.
ثم تنافس الثلاثة في تنفيذ سوء الخاتمة، فابن سعد متحيّر بين الجائزة وقتل الحسين عليه السلام، وابن ذي الجوشن وابن زياد متحمّسان في إراقة الدماء، ليدفعا العار الذي يلاحقهما من سوء النسب والخصال الذميمة، ليصلوا جميعهم إلى تنفيذ ما عزموا عليه من قتله عليه السلام، وتسجيل أسمائهم في ارتكاب أبشع جريمة عرفتها البشرية وهي قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

في فصل (خطأ الشهداء) ينسال قلمُ العقّاد بطريقته المعهودة حيث تحملُ بين طيّات ذلك السيلان الجميل كلمات رائعة حول ثورة الطف وهي قوله: (هي ليست ضربة مغامر من مغامري السياسة، ولا صفقةُ مساومٍ من مساومي التجارة، ولا وسيلةَ متوسّلٍ ينزل على حكم الدنيا أو تنزل الدنيا على حكمه) هذا هو ملخص الفصل الذي تحدث فيه عن صواب الطريقة التي اتخذها أبو الشهداء عليه السلام، فالثورة التي خاضها مع أصحابه وأهله لا تقاس بمقاييس، بل تقاس (بمقياسها الذي لا يتكرر ولا يستعاد الطلب من كل رجل) وأنها حالة نادرة في تاريخ البشرية، حيث أصبحت هذه الثورة الداء الذي نَخَر الدولة الأموية وأزالها إلى أنقاض من خلال الثورات التي تلت الثورة الحسينية المباركة.

يسترسل المؤلف في حديثه عن الحسين وأصحابه وأهل بيته، ليأتي على مدى تفانيهم وصبرهم واستعدادهم للموت دونه عليه السلام، موضحاً في الوقت ذاته عظمة المدينة التي اقترن اسمها باسم الحسين عليه السلام وهي (كربلاء)، وقد استرسل المؤلف في ذكر بعض مواطن المعركة التي أسماها بمعركة (النور والظلام) مركّزاً على بعض المواقع التي كانت تمثل موقفاً رسالياً للإمام الحسين عليه السلام، وأن الجُبْنَ والهزيمة النفسية متغلغلة في نفوس جيش الظلام جيش ابن زياد الذي أخذ على عاتقه مقاتلة الحسين عليه السلام بطريقة لم يكن للإنسانية فيها نصيب، وهي قتل الشيخ الكبير والطفل الصغير والاعتداء على النساء بالترويع، ثم تطرّق الكاتب إلى مقتل الحسين عليه السلام وأصحابه الكرام الذي وقفوا معه إعلاءً لكلمة الحق، مشيراً إلى الخسّة والدناءة في جيش الظلام الذي مارس صنوف الشر من أجل الشر، وليس من أجل الغنيمة، راسماً صورة جميلة حول الزوار الذين يطوفون بقبره وقبور الشهداء تخليداً لمقام الشهيد الذي يعتبر مكانه من أقدس وأشرف بقعة تظلها السماء.

أما عن مكان الرأس الشريف فهو لا يوليه أهمية، فهو يراه أنه اختلاف لفظي، وإنما التعظيم قريبٌ من قلب كل مسلم يحمل محبة لسيد شباب أهل الجنّة، فهو من كل الأماكن التي دُفن فيها مكان للتعظيم والتكريم.

وعن وقاحة ابن زياد يرسم بقلمه صورة الدناءة التي تمثلت في شخصية ابن زياد، والذي طاف بنساء بيت النبوة في كل بلاد، هاتكاً ستورهن، ومتعدياً على كرامتهن، ومتطاولاً عليهن، وقد رمى زينب عليها السلام بكلمات كانت شديدة على قلبها، فردّت عليه بكل رباطة جأش وفصاحة لسان، والتي لولاها لانقرض يوم كربلاء، والحال نفسه في مجلس يزيد الذي تطاول على بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان لزينب عليها السلام نفس الموقف الذي وقفته من ابن زياد بصلابة الإيمان الذي يتجسد في كل كلمة من كلماتها، مثبتاً في الوقت ذاته أن أفعال ولاته – يزيد – محل رضا وقبول، وإلا ما سبب سكوته على ما جرى في كربلاء وفي الهجوم على حريم المدينة وغير ذلك!!.

ولم يكن في حسابات يزيد أن تكون هناك ثورة عارمة بفعلته الشنيعة ببنات الرسالة في كربلاء، حتى طرد أهل المدينة واليه بعد أن أنكروا على يزيد فعله الأمور المنكرة، مما جعله يوجه لهم شخصية تمرّست على الشر، محاولاً إجبارهم على الولاء له، ولم يخضعوا لما أراد فأباح المدينة لجنده ثلاثة أيام نظير نكرانهم البيعة ليزيد، وقد كانت النتيجة لتلك المجزرة الفظيعة مقتل أكثر من عشرة آلاف إنسان بما فيهم أبناء المهاجرين والأنصار الذين هم صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وقد جاء الرجل الكفؤ في اجتثاث الزمرة الفاسدة وهو: المختار الثقفي الذي قتل كل من له صلة بواقعة كربلاء من قريب أو بعيد من أتباع بني أمية، وقد كان رد الفعل العنيف الذي أودى بالدولة الأموية العريضة هو ما قام به الحجاج من قتل وسفك للدماء وأعظمها رميه الكعبة بالمنجنيق ليجعلها أثراً بعد عين.

في نهاية المطاف يختم العقّاد كتابه بكلمات مختزلة عن الشخصية التي ظفرت بعد تلك الواقعة، موضحاً أن يزيد ليس له مأثرة تُذكر بحقه فهو لم يرث شيئاً من الدهاء كما هو أبوه، والشخص الذي انتصر عسكرياً نراه يولّي مهزوماً أمام صفحة التاريخ، ليحلّ محله الشهيد الذي رسم الخلود بدمه الوضّاء، وهذه من آيات الانقلاب، منتقداً في الوقت ذاته الشيخ محمد الخضري الذي وضع جزءاً من اللوم على خالعي بيعة يزيد وأن الأوضاع التي حصلت في المدينة يتحملون نتيجتها، وعاذراً يزيد في بعض ما قام به من سلوك تجاه رعيّته. أما أبو الشهداء فهو الشخصية الوحيدة في تاريخ الدنيا التي أنجبتهم أسرة الحسين عليه السلام والذي ينظر إلى الخلود بعمله، أما عن عاشق الجمال فقد أعطانا نُتَفَاً من قصائد الشعراء كدعبل والكميت وابن الرومي والفرزدق والمعرّي لتكون هي الخاتمة التي سطرها لكتابه (أبو الشهداء الحسين بن علي) عليه السلام.
               
ويلاحظ على الكاتب القدير عباس العقاد ما يلي:
1.  عدم إيعاز المرويات الحديثية والتاريخية إلى مصادِرِها، وهذا في حدِّ ذاتهِ يُخِلُّ بالكِتابِ، خصوصاً أنه كان يعيش في عصر نهضة فكرية، ومع صحة بعض ما يذكره إلا أنَّ هذا من الأمور المهمَّة في كتابٍ كهذا، أو على الأقلِّ أن تقومَ بهذا الدَور دارِ النَّشْرِ التي نَشَرَتْ فِكْرَ العقّاد.
2.  ذكر كثيراً من الأحداث التاريخية التي هي بحاجة إلى تحقيق تاريخي، مثل: تسمية الحسن والحسين بعد ولادتهما بـ(حرب) من قبل أبيهما أمير المؤمنين عليه السلام، وتهديد الإمام الحسن عليه السلام على سجن أخيه الحسين حينما صالح معاوية ص42، وغيرها من الروايات التي يرسلها إرسال المسلّمات دون تحقيق وتوثيق، بينما نراه ص40 يشكك في رواية أن الحسين ولد لستة أشهر ويضعها ضمن الخزعبلات دون ترجيح مرجّح!! ومعلوم أن التشكيكات تأخذ مأخذها من نفوس القُرّاء لسهولة إطلاق أي كلمة في تلك التشكيكات، بينما الرد والبحث الموضوعي والمنهجي في مثل هذه المسائل تستلزم وقتاً طويلاً، والقارئ المتمكّن هو من يكتشف قدرة المؤلف من عدمها في تناول مثل هذه المسائل، وأظنُّ أن العقّاد جديراً بتناول هذه المسائل التحقيقية، لكنه أخفقَ في عدم تناوله هذه بنقاش موضوعي.



الثلاثاء، 31 يوليو 2018

مـن تُقلِّد / من يـُقَلـد؟!


من تُقَلِّد/من يُقلِّد؟!
بقلم/ عبدالله بن علي الرستم

لعل من الأسئلة التي قد تكون مزعجة لي في السنوات الأخيرة، هي (من تُقـلِّـد/من يُقلِّـد؟!)، والإزعاج ليس ناشئاً من غياب الجواب؛ بل من الأثر السلبي الذي يضفيه بعض السائلين متخذين في هذا السؤال وسيلةً للطعن في فلان من الناس، وتصنيفه أنه محسوب على مرجعيّة الفقيه الفلاني أو الفقيه الآخر. ويزداد عجبي حينما يكون السائل منشغلاً بهذه القضايا التي قد لا تزيده علماً ومعرفةً حينما يعلم أن فلاناً من الناس يرجع في تقليده إلى زيدٍ أو عمروٍ!!
فمن الآثار السلبية التي ينشغل بها بعض الناس في الاستغراق في معرفة من يقلِّد الشيخ الفلاني من الفقهاء، أو الخطيب الفلاني؟! ليقرر بعدها هل يحضر مجلس أبي عبدالله الحسين عليه السلام الذي يقرأ فيه الخطيب فلان أم لا؟! وعجبي ممن يشتغل بتصنيف الناس وكأنه وصيٌ عليهم، قد لا يمتلك معرفة كافية من سيرة أبي الشهداء عليه السلام، في حين أن مجالس أبي عبدالله الحسين عليه السلام مفتوحة لكل الشرائح والأطياف، خصوصاً وأن الروايات الواردة في إحياء أمرهم لا تكاد تُحصى، ومع ذلك هناك من ينشغل بالبحث عن تقليد الخطيب الفلاني ليقرر إن كان سيحضر مجلسه أم لا!!.

في الكلمات الآنفة لا أعني أحداً، ولستُ معنياً بالسائل أياً كان انتماؤه وتوجهه الثقافي؛ إلا أني سمعت عن هذه المسألة أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان ولا زالت تتردد في عدة أماكن؛ ويبدو أنها حصلت في أماكن أخرى، بحيث يحصل تشنج أو نقاش حادٌ بين بعض الأفراد في استضافة الخطيب الفلاني من عدمه بحجة مرجعيته الفقهية!! ويا ليت أن تكون أسباب التشنّج أو رفض الاستضافة ناشئٌ من وجود علامة استفهام على الخطيب الفلاني، كأن يكون مثيراً للفتنة في البيت الشيعي، أو لافتعاله مسألة طائفية أو نحو ذلك؛ إنما ذلك يحصل من أجل التصنيف المرجعي، وكأن الحجة أو الحقيقة لا يمتلكها إلا من انتمى إلى المرجعية الفلانية.

وكم هو رجائي أن يتجاوز الأحبة الانشغال بهذه التصنيفات التي لا تساهم إلا في تفتيت وحدتنا الولائية وهويّتنا الشيعيّة، فنحن لا نكاد نهدأ من فتنة طائفية إلا ونصحو على فتنة داخل الوسط الشيعي!! وكأنه لا يوجد قضية نشتغل عليها وننشغل بها إلا تصنيف الناس بناءً على تقليدهم. علماً أني – بفضل الله تعالى – تربّيتُ على عدم الانشغال بتصنيف الناس وإلى من يرجعون في تقليدهم الفقهي؛ وقد صادقتُ أشخاصاً سنوات طوال ولم أسألهم عن تقليدهم؛ لأن تقليدهم لا يهمني؛ إنما يهمّني أخلاق الإنسان وصدقه وإخلاصه ومحبته وولائه لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم، ولم أعلم بانتماء بعضهم الفقهي إلا بعد سبع سنوات عبر حديث عَرَضي عفوي هو من تفوّه به دون أن يقصد.

خاتمة
مجالس أبي عبدالله الحسين عليه السلام تسع كل الديانات والمذاهب والتيّارات؛ فالحسين عليه السلام عظيم، ودليل عظمته أن الكل يتحدث عن ذلك السموّ المتألق في سيرته وتضحيته التي حرّكت قلوب الملايين من البشر لأخذ العظة والعِبرة من عطاءاته التي لا تُحصى، حيث لا زال السنّي والشيعي والمسلم والمسيحي وغيرهم يكتبون كتابات رائعة عن المولى الحسين عليه السلام، فهل نبجّل كتابات المسيحي ونترنّم بها، ونترك أصحاب النفس الولائي؟! تلك مفارقة عجيبة.  

الأحد، 29 يوليو 2018

موسوعة مقتل الإمام الحسين عليه السلام .. مراجعة نقدية


موسوعة (مقتل الإمام الحسين عليه السلام)
مراجعة نقدية
بقلم: عبدالله بن علي الرستم
 هوية الكتاب:
الكتاب: موسوعة مقتل الإمام الحسين عليه السلام .. توثيق لواقعة الطف من القرن الأول إلى القرن العاشر الهجري. (1/6)
المؤلف: الشيخ محمد بن عيسى آل مكباس البحراني
الناشر: آيه حيات
الطبعة: الثانية 1435هـ (2014م)

التعريف بالكتاب:
صدر عن قلم الشيخ آل مكباس الكتاب آنف الذكر، والذي يُعد فكرة رائعة من حيث تجميع المقاتل غير المعروفة والمشهورة في كتاب واحد يرجع إليه الباحثون إذا ما أرادوا عمل دراسة حول هذا الموضوع في فترة محددة، حيث يعد هذا العمل التجميعي إضافة للمكتبة العربية، باعتبار أن بعض المقاتل مضمّنة في كتب التاريخ ذات المجلدات المتعددة، مما يصعب على بعض الباحثين غير المختصين الوصول إلى مرادهم لأسباب شتّى، فجزى الله الشيخ المكباس خير الجزاء على هذا العمل.
وقد بدأ مُعد الكتاب بمقدمة ذكر فيها أسماء من صنّف كتاباً في مقتل الإمام الحسين عليه السلام، وأردفها بمعلومات ضافية حول الإمام الحسين عليه السلام ، بدءاً من ذكر ولادته وأحاديث عن البكاء عليه واستحباب إتيانه، وكذا أحاديث حول أن الحسين عليه السلام مقتول كما قُدّر له في علم الله سبحانه وتعالى، مع ذكر أن الأنبياء والملائكة عليه السلام يعلمون ذلك، واستشهد المؤلف بذكر روايات تتحدث عن النوح وبكاء الأئمة عليه السلام على ما جرى في هذه الحادثة الأليمة.

أضاف المؤلف كذلك شيئاً من أدعيته وخطبه عليه السلام، وحول ما جرى على الأنبياء والمرسلين عليه السلام حال مرورهم كربلاء، مع تسليط الضوء على أبرز الأحداث المصاحبة لحياته عليه السلام في ولادته وخروجه من المدينة ولقائه جيش عمر بن سعد وحتى استشهاده وما جرى يوم مقتله ونحو ذلك. مستوفياً أبرز الأحداث التي حصلت في حياة سيد الشهداء كمقدمة للولوج إلى المقاتل التي صنّفها المؤرخون والعلماء من العامة والخاصة تفجعاً وتخليداً لذكرى السبط الشهيد.

وقفة:
لهذا العمل أهمية كبيرة، ولذا كانت لي وقفة معه من نواحٍ متعددة، وذلك لما تخلله من نقصٍ في الجوانب العلمية والفنّية. قد يختلف معي بعض المهتمين وكذا المعد لهذه الموسوعة وقد نتفق، حيث تسجيل هذه الملحوظات أتت لأهمية العمل الذي قام بإعداده الشيخ المكباس.

الملاحظات:
1. العنوان: جاء العنوان باسم "موسوعة مقتل الإمام الحسين عليه السلام .. توثيق لواقعة الطف من القرن الأول إلى القرن العاشر الهجري".
أقول: جميل أن يحدد المؤلف الفترة الزمنية التي يوثّق من خلالها عملاً ما، وذلك لما تشكّله هذه الفترة من مدلولات مختلفة، بيد أن المؤلّف لم يذكر لنا سبب تحديده الفترة الزمنية والتي تبدأ من القرن الأول وتنتهي بالقرن العاشر!!.
2. الالتزام بخطة عمل: قال المعد في ج1 ص20: (لقد قمنا بإعداد موسوعة تضم مجموعة من المقاتل، وهي أمّهات المصادر التي كتبت عن المقتل الشريف، ورتّبناها بحسب الفترة الزمنية). اهـ.
أقول: لم يلتزم المعد بهذا البند الذي وضعه، ذلك أن القارئ لا يرى ترتيباً زمنياً كما قال المعد، مثال:
في الأثناء التي نرى مقتل ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ) في المجلد الأول، فإنه في الوقت نفسه نرى مقتل الطبراني (ت 260هـ) في المجلد الخامس، وقد تخلل بين المقتلين مقاتل متعددة في تواريخ مختلفة.
وكذا يأتي مقتل ابن عساكر (ت 751هـ) في المجلد الرابع، فإنه في نفس الوقت يأتي مقتل الذهبي (ت 748هـ) في المجلد السادس ... وهكذا.
وهذا خلاف البند الذي وضعه المُعد.
3. خطة العمل: إن عملاً موسوعياً كهذا الكتاب كان من المُرجى أن تكون له خطة عمل رصينة في مقدمته، وهذا ما لم يتوفر في هذه الموسوعة، وأقصد بخطة العمل طريقة المُعد في هذه الموسوعة والذي جاء فيها بالجمع العشوائي الذي لا يعرف كيف يبتدئ القارئ وكيف ينتهي؟! وقد ذكرتُ في الفقرة الثانية أنه لم يلتزم بما ألزم به نفسه، وهو ترتيب المقاتل وفق الفترة الزمنية.
4. المصادر: لم يعتمد المعد على مصادر محققة إلا في بعضها، ولم يباشر في تحقيق غير المحقق منها، حيث العمل التجميعي فنٌ، وكان على المعد أن تكون بصمته واضحة فيه، إلا أن العمل خلا من بصمته سوى الجمع فقط.
5. أصحاب المقاتل: تمنيتُ أن يأتي المُعد بتعريف موجز عن مصنّف كل مقتل؛ وذلك للتعرّف عليه وعلى شيء من ثقافته ومصنّفاته، فالسيرة تُفصح عن صاحبها.
6. المؤلفون في مقتل الحسين عليه السلام: بدأ المؤلف في ج1 ص6 في تعداد من ألّفَ في مقتل الحسين عليه السلام، حيث عدّ سبعة وسبعين عنواناً ممن ألّفَ في هذا الجانب.
أقــــول:
- لي ملاحظة على القائمة المذكورة تتمركز في أن المعد لهذه القائمة لم يَسِرْ على طريق واضح، ذلك أن المقاتل التي في القائمة أزعمُ أن جزءاً منها ليست من إعداده، وخصوصاً من الرقم (1) وحتى الرقم (33) حيث اقتبسها من مقدمة الشيخ فارس تبريزيّان الحسّون في تحقيقه لمقتل ابن طاووس ولم يُشِر إلى أنه اقتبسها منه.
- إضافة على ذلك أن بقية القائمة من (34) وحتى الأخير تختلف طريقة عرضها عن القائمة الأولى (1 33).
- ومما يزيد ثقتي فيما أزعمه أن هناك تكراراً في ذكر أسماء المقاتل، مثال: صاحب المقتل رقم (17) أبو عبدالله بن زكريا الغلابي (ت 298هـ) هو ذاته صاحب المقتل رقم (66) محمد العلابي، وأظن أن (العلابي) بالعين خطأ مطبعي، والصواب (الغلابي) كما في رجال النجاشي (ترجمة رقم 963). وكذا صاحب المقتل رقم (11) معمر بن المثنى هو ذاته صاحب المقتل رقم (71).
- لا أعلم سرّ هذا الذكر السردي للمقاتل دون ترتيب الفترة الزمنية، حيث فكرة الكتاب تتمحور حول ذكر المقاتل من القرن الأول وحتى القرن العاشر الهجري، بيد أن المعد لم يذكر أن هذه القائمة رصدٌ لما كُتب في هذا الباب أم مجرد ذكرٍ عابرٍ!! وإلا لاكتفى بذكر المقاتل إلى القرن العاشر الهجري.
- يبدو أن المعد لم يلتفت في نقله إلى عناوين المقاتل إلى بعض العبارات المبهمة، مثل: ج1 ص15 رقم (48) مقتل أبي عبدالله الحسين عليه السلام للمولى حيدر علي الشرواني المذكور في (ج 10: 115).
والسؤال: ماذا يقصد المعد من عبارة (المذكور في ج 10: 115)؟!.
وكذا في ج1 ص17 رقم (65) مقتل أبي عبدالله الحسين عليه السلام للشيخ أبي خمسين الأحسائي المتوفى سنة 1316 والمذكور غلطاً في ج21 ص80 بعنوان أبي حسين.
والسؤال: ماذا يقصد المعد من عبارة (والمذكور غلطاً في ج21 ص80)؟!.
وغيرها من العبارات المبهمة.
7. معنى كلمة مقتل: كان من المفترض أن يأتي المعد بمقدمة ضافية حول معنى كلمة (مقتل) وسبب انتشار تأليف المقاتل عند العامة والخاصة، فمن يقرأ مقدمات بعض المقاتل تتبين له أسباب شتّى في كتابة هذه النوعية من المؤلفات، وطرق مختلف بين السرد التاريخي والأسلوب الروائي ونحو ذلك.
8. الفرق بين ذِكر/ مقتل: يبدو لي أن هناك فرق بين كلمة (ذِكْر) وكلمة (مقتل) فالذِكر عبارة عن إشارة لما جرى على الحسين في كربلاء بشكل مقتضب، والمقتل أوسع من الذِكر حيث إنها تشمل بعض تفاصيل الأحداث في واقعة كربلاء، ولذا أرى أن المعد أسمى بعضها مقتلاً وهي لا تتعدى ثلاث صفحات مثل: تاريخ ابن الوردي ج4 ص269، ومقتل الدميري ج4 ص417 ... وغيرهما. فما ورد في هذه الصفحات لا يصل إلى مسمّى مقتلاً؛ بل ذكرٌ مقتضبٌ لما جرى على الحسين وأهل بيته وأنصاره.
ولو تم تسمية كل من كَتَبَ بضع صفحات عن سيد الشهداء سمّينا ما كتبه مقتلاً لكان الكتاب أكبر مما هو عليه الآن، ذلك أن كثيراً من المصادر التاريخية تناولت سيرة واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في صفحات معدودة، ولكن لا نستطيع إطلاق مصطلح (مقتل) عليها للأسباب آنفة الذكر.
9. التكرار: لا أعلم لماذا كرر المعد بعض المقاتل وشتت فيما بينها ولم يجعلها متلاحقة في نفس المجلّد، خصوصاً وأن بعضها يعود لنفس المؤلف، مثل:
ما أورده عن مروج الذهب للمسعودي ج2 ص133، وعن التنبيه والإشراف للمسعودي كذلك ج5 ص249. وكذا ما أورده عن تاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص253 وسير أعلام النبلاء للذهبي نفسه ج6 ص165، وغيرهما ممن له كتابان وذكر شيئاً من مقتل الحسين عليه السلام. لذا لو وضعها متلاحقة مع ذكر المصدر لأصبح أحدهما مكملاً للآخر.
10. التخريج والتهميش: في هذه المقاتل مجموعة من المعلومات بحاجة إلى تخريج المصادر كالآيات والأحاديث الشريفة وأبيات الشعر والخطب ...الخ، ذلك أن إرجاع هذه المعلومات لمصادرها يزيد من قيمة العمل ويبرزه بشكل أفضل، ولذا أرى أن الشيخ حفظه الله لم يقم بهذه الأمور المهمّة.
11. المصادر: ذكر المعد مصادر هذه الموسوعة في نهاية الجزء السادس دون ترتيب ألفبائي كما هو المتعارف في رصف المصادر في كل الكتب، مع العلم أن بعض هذه المصادر ناقص المعلومات كاسم دار النشر واسم المحقق وبقية المعلومات اللازم توافرها في المصادر.
12. الفهارس: إن موسوعة بهذا الحجم والموضوع، حرية بأن تحظى بفهارس فنّية تخدم الباحثين في السيرة الحسينية؛ بل إن طبيعة الموسوعات المهمّة أن يكون لها فهارس فنّية، مثل: فهرس الآيات القرآنية، والروايات، والأعلام، والأماكن، والقبائل، وأبيات الشعر ... الخ.
13. بذل المعد جهداً جميلاً في تجميع هذه الموسوعة، إلا أنه في الوقت نفسه فاته بعض المقاتل التي من الجدير وضعها ضمن هذه الموسوعة، مثل:
- مقتل أبي العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي (ت 333هـ)، في كتابه المِحَن، الصادر عن دار العلوم بالرياض بتحقيق الدكتور/ عمر بن سليمان العقيلي عام 1404هـ وقد ذكر شيئاً مما يتعلق بمقتل الحسين في 18 صفحة.
- مقتل الحسين للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت 363هـ)، في كتابه (شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار) الصادر عن مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ببيروت، بتحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي مج3 ص134 ج12 في طبعته الثانية عام 1427هـ (2006م)، وقد جاء ذكر ما ورد على الحسين عليه السلام في كربلاء في 67 صفحة تقريباً.
- مقتل الحسين عليه السلام الذي جاء تحت عنوان "تسلية المجالس وزينة المُجالس"، للسيد محمد بن أبي طالب الحسيني الموسوي الحائري الكركي (القرن العاشر) بتحقيق: فارس حسون كريم، الصادر عن مؤسسة المعارف الإسلامية بقم، الطبعة الأولى 1418هـ في جزئين كبيرين.
- وغيرها كثيرٌ مما لم يُثبته المُعد في هذه الموسوعة القيّمة.
14. ج5 ص263: قال المعد: محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي السبتي.
والصواب: البُستي، كذا قاله الذهبي في ميزان الاعتدال 3/506/7346.
15. من خلال التصفح في الموسوعة بدا لي أن المعد لا ينقل ما ورد في تلك المقاتل منذ بداية المقتل وحتى نهايته؛ بل إنّه يبدأ النقل منذ وفاة معاوية وتولية يزيد مروراً بأحداث كربلاء إلى شيء من أحداث السبي ونحو ذلك.
وتارة ينقل أشياء تبدأ منذ ولادة السبط الشهيد وحتى استشهاده، وهذا مما يجعل القارئ يتيه بين هذه التوثيقات التي تارة تبدأ بأحداث العام (60 هـ) وتارة تبدأ بولادته عليه السلام!!.
مثال: ج6 ص303 مقتل ابن الصبّاع المالكي (ت 855هـ) فقد ذكر المعد أحداث ولادة السبط عليه السلام وَنَسَبِه وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في حقه وعلمه وشجاعته ...الخ. وكذلك مقتل الطبراني ج5 ص101 حيث أتى على ذكر ما أورده الطبراني من روايات قبل أحداث عام (60هـ). في حين أن بعض المقاتل لا يذكر هذه الأمور وهي مثبتةٌ في المقتل المطبوع، مثال ذلك مقتل ابن طاووس في بداية الجزء 3 من الموسوعة، حيث بدأ بذكر أحداث عام (60هـ) من وفاة معاوية وما تلاها من أحداث ولم يذكر الأمور التي جاءت في المقتل قبل هذا العام!!.

ولذا تأتي أهمية خطة العمل التي لم يضعها المُعِد في مقدمته، والتي تساهم في سير الكتاب على نهج وطريقة واضحة، وكذا مساعدة القارئ في التعرّف على ما كتبه العلماء في مقاتلهم.

خــتامــاً:     
أرجو أن تكون الملاحظات المدوّنة أعلاه قد أضافت شيئاً مهماً يخدم هذه الموسوعة الفريدة في بابها، والتي بحاجة إلى تكريس الجهود في الاهتمام بكل ما له صلة في الموسوعات، وإن شاء الله تعالى يتدارك المعد ما له صلة بالموسوعة في طبعة لاحقة، وفقنا الله وإيّاه للعمل الصالح في خدمة محمد وآل محمد عليهم السلام.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...