الاثنين، 8 أكتوبر 2018

أبو الشهداء الحسين بن علي [عليه السلام] - العقاد



اسم الكتاب: أبو الشهداء الحسين بن علي [عليه السلام]
المؤلف: عباس محمود العقاد
الناشر: منشورات المكتبة العصرية – صيدا – بيروت (د. ت)
عدد الصفحات: 143 صفحة
قراءة: عبدالله بن علي الرستم

التعريف:
كعادته العقّاد في كتاباته، فهو صاحب أسلوب أدبي راقي .. يأسر القارئ بهذا الأسلوب في ما يكتبه، يضاف إلى ذلك أنه صاحب عقلية موسوعية ومفكرة في الوقت ذاته، فقد استفتح كتابه هذا بتوضيح أن الحسين بن علي عليه السلام يمثل قمّة الشرف والأخلاق لأنه ينحدر من أصلٍ طاهرٍ وأبوين عظيمين تربيا في مدرسة النبوة، وأن ندّه يزيد بن معاوية يمثل قمة الدناءة والخسّة لانحداره من مدرسة متسلّطة على رقاب الناس بالقوّة والغَلَبَة، وأن الصراع المتمثل بين الحسين بن علي عليه السلام ويزيد ليس صراعاً شخصياً!! بل صراعٌ بين الحق والباطل.

ثم يوضح العقّاد أسباب الخلاف بين بني هاشم وبني أمية إلى العصر المسمّى بالجاهلية حيث انفرد الهاشميون بالزعامة في قريش والأمويون بالزعامة في الشام، ثم يعرّج بعدها على العام الثامن للهجرة حيث إسلام أبي سفيان ومعاوية، ومحاولة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في تأليف قلبه للإسلام بشتّى الوسائل والسُبُل حيث جعل بيته حرماً من دخله كان آمناً، إلا أن تلك المحاولات لم تلقَ صدراً رحباً في قلبِ أبي سفيان الذي مازالت الجاهلية معشعشةً في قلبه حتى يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانعقاد السقيفة والإقرار بالخلافة لأبي بكر، حيث حاول بطُرُقِه أن يثير الفتنة بين المسلمين، وذلك بذهابه إلى أمير المؤمنين عليه السلام والعباس وطلبه منهما أن يخلعوا الرجل من منصبه لأنه ليس بصاحب كفاءة وأنه على استعداد بإمداد علي والعباس بالخيل والرجال، إلا أن الأمير عليه السلام يعرف مغزى ذلك رافضاً هذا العرض المغري، الذي ينطوي بداخله إثارة فتنة بين المسلمين.

وكان ما كان من أحداث التاريخ من تولي أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين عليه السلام الخلافة، وعهد الإمام إلى ابنه الحسن عليهما السلام بالخلافة وموت الأخير بالسم على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، أَحَسَّ معاوية بدنوّ الأجل، فقد أرسل إلى عُمَّاله بأخذ البيعة لابنه يزيد بالقوّة، فبايعوا مُكرَهين مع علم معاوية أن ذلك غير جائز في نظام الخِلافة إلا أنه طرحه ليبقي السُلطة في يد بني أُميّة.
ثم عرّج على طريقة يزيد في أخذ البيعة من أكبر منافسيه وهم: عبدالله بن عمر والحسين بن علي عليه السلام وعبدالله بن الزبير، حيث ذكر أن شخصية كـ(يزيد) تنقصه الخِبرة في إدارة الدولة، ذلك أنه طلب من واليه على المدينة أن يأخذ البيعة من منافسيه بالقوّة وإن رفضوا فليضرب أعناقهم، موضحاً في الوقت ذاته أن بني أمية حاولوا الاستفادة من رفع بعض الشعارات مثل: النبوة في بني هاشم فلا يصح أن تكون الخلافة فيهم، يضاف إلى ذلك استخدامهم العصبية القبلية في مد نفوذهم وسلطتهم على المجتمع الإسلامي ... وغير ذلك مما له شأنٌ في الحفاظ على كرسي الخلافة أو المُلك.

ثم يعمد العقّاد إلى عمل موازنة بين الشخصيتين، يخلص في تلك الموازنة أن الإمام الحسين عليه السلام ورث صفات بني هاشم كالشجاعة والإقدام والدين ...الخ، أما يزيد فلم يرث إلا القليل من الصفات المحمود الموجودة في بني أمية، وأنه لا مقارنة بين الشخصيتين حتى من جذورهما، ويوجز قوله أنه لو رأيت علوياً بعد أكثر من مائة سنة لرأيت فيه شخصية علي بن أبي طالب عليه السلام متجسدة فيه، ويضرب مثالاً على ذلك يحيى بن عمر العلوي، الذي تجسدت فيه صفات الشجاعة والإقدام والكرم وغيرها من الصفات الهاشمية.

ينتقل الحديث بعدها إلى مكانة وصفات الحسين وكرمه وسموّ أخلاقه ووفائه وشجاعته وما ينقل عنه في بطون الكتب التاريخية، وينتقل بعدها إلى شئٍ من المفارقة بينه وبين يزيد من حيث الخصال الحميدة التي تمثلت في شخصية الإمام الحسين عليه السلام وبين يزيد بن معاوية الذي لم يرث شيئاً من تاريخ أبيه وجده لا من حيث القدرة الإدارية ولا الالتزام الديني من ناحية عامة، بل كان همّه نفسه، ثم إن العقّاد ذكر شيئاً من مثالبهم، وشكك في ما يُسمى بالمناقب، ومنها ص46 ما يُنسب إلى معاوية كتابة الوحي فهذا على رأي العقّاد لا أساس له من الصحة، وقتله حجر بن عديّ.

أما عن حال معسكر يزيد فإنه يلخص قوله في ثلاثة شخصيات بارزة، ويذكر بعض مثالبها وهم: عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وعبيدالله بن زياد، وما دامت هذه الشخصيات التي لا تدعم سلطان بل كان وجودها للطمع المادي، فقد أودت بحياة يزيد، وأبرز ما يعيب هذه الشخصيات هو طمع ابن سعد في المال وعبيدالله بن زياد مشكوك النسب وابن ذي الجوشن متلبساً بالولاء للأمويين والحقد الأعمى لآل علي سمة بارزة فيه، بينما الذين التحقوا بجيش الحسين عليه السلام كان التحاقهم التحاق محبة في دين الله ودفاعاً عن ابن رسول الله صلى الله عليه وآله.

يذكر في الصفحات التي تلي ما ذكرنا آنفاً قصة خروج الحسين من المدينة إلى مكة وإرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة والأحداث التي جرت لمسلم، وهي معروفة لمن قرأ شيئاً عن واقعة الطف، حيث تحوّل ذلك الجيش الكبير الذي التف حول مسلم بن عقيل في الكوفة إلى تأييد وهمي بعد أيّام حيث أثّرت فيه الأموال وتهديدات عبيد الله بن زياد مع جيشه الصغير، لتكون النتيجة قتل مسلم وهانئ بن عروة رضي الله عنهما وإرسال رأسيهما إلى يزيد، وقد أرسل الحسين عليه السلام بعد هذه الحادثة بعض الرسل إلى شيعته في الكوفة لاستكشاف الأمر، بيد أن تلك الرسل كُشف أمرها وقتلت، وأشار بعض من في ركب الحسين بالرجوع وآخرون بالمواصلة وآخرون بالتريّث، فخطب فيهم بأن من أراد اللحوق به وإلا فقد برأت ذمتهم، فلم يبق معه إلا القليل وجميع أهل بيته الذين صحبوه.

ثم جاء الحر بن يزيد الرياحي، وقد منع مفارقة الحسين عليه السلام إلا ويسلّمه إلى ابن زياد، فألقى الحسين عليهم الحجة تلو الحجة ويحذّرهم عاقبة المخالفة، وأتى رسول ابن زياد بعدها برسالة يطلب فيها الجعجعة بالحسين عليه السلام وإنزاله في أرض لا ماء فيها، وقد طلب زهير بن القين من الحسين عليه السلام قتال هؤلاء، فرد عليه السلام على زهير بأنه يكره أن يبدأهم بقتال.
ثم تنافس الثلاثة في تنفيذ سوء الخاتمة، فابن سعد متحيّر بين الجائزة وقتل الحسين عليه السلام، وابن ذي الجوشن وابن زياد متحمّسان في إراقة الدماء، ليدفعا العار الذي يلاحقهما من سوء النسب والخصال الذميمة، ليصلوا جميعهم إلى تنفيذ ما عزموا عليه من قتله عليه السلام، وتسجيل أسمائهم في ارتكاب أبشع جريمة عرفتها البشرية وهي قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

في فصل (خطأ الشهداء) ينسال قلمُ العقّاد بطريقته المعهودة حيث تحملُ بين طيّات ذلك السيلان الجميل كلمات رائعة حول ثورة الطف وهي قوله: (هي ليست ضربة مغامر من مغامري السياسة، ولا صفقةُ مساومٍ من مساومي التجارة، ولا وسيلةَ متوسّلٍ ينزل على حكم الدنيا أو تنزل الدنيا على حكمه) هذا هو ملخص الفصل الذي تحدث فيه عن صواب الطريقة التي اتخذها أبو الشهداء عليه السلام، فالثورة التي خاضها مع أصحابه وأهله لا تقاس بمقاييس، بل تقاس (بمقياسها الذي لا يتكرر ولا يستعاد الطلب من كل رجل) وأنها حالة نادرة في تاريخ البشرية، حيث أصبحت هذه الثورة الداء الذي نَخَر الدولة الأموية وأزالها إلى أنقاض من خلال الثورات التي تلت الثورة الحسينية المباركة.

يسترسل المؤلف في حديثه عن الحسين وأصحابه وأهل بيته، ليأتي على مدى تفانيهم وصبرهم واستعدادهم للموت دونه عليه السلام، موضحاً في الوقت ذاته عظمة المدينة التي اقترن اسمها باسم الحسين عليه السلام وهي (كربلاء)، وقد استرسل المؤلف في ذكر بعض مواطن المعركة التي أسماها بمعركة (النور والظلام) مركّزاً على بعض المواقع التي كانت تمثل موقفاً رسالياً للإمام الحسين عليه السلام، وأن الجُبْنَ والهزيمة النفسية متغلغلة في نفوس جيش الظلام جيش ابن زياد الذي أخذ على عاتقه مقاتلة الحسين عليه السلام بطريقة لم يكن للإنسانية فيها نصيب، وهي قتل الشيخ الكبير والطفل الصغير والاعتداء على النساء بالترويع، ثم تطرّق الكاتب إلى مقتل الحسين عليه السلام وأصحابه الكرام الذي وقفوا معه إعلاءً لكلمة الحق، مشيراً إلى الخسّة والدناءة في جيش الظلام الذي مارس صنوف الشر من أجل الشر، وليس من أجل الغنيمة، راسماً صورة جميلة حول الزوار الذين يطوفون بقبره وقبور الشهداء تخليداً لمقام الشهيد الذي يعتبر مكانه من أقدس وأشرف بقعة تظلها السماء.

أما عن مكان الرأس الشريف فهو لا يوليه أهمية، فهو يراه أنه اختلاف لفظي، وإنما التعظيم قريبٌ من قلب كل مسلم يحمل محبة لسيد شباب أهل الجنّة، فهو من كل الأماكن التي دُفن فيها مكان للتعظيم والتكريم.

وعن وقاحة ابن زياد يرسم بقلمه صورة الدناءة التي تمثلت في شخصية ابن زياد، والذي طاف بنساء بيت النبوة في كل بلاد، هاتكاً ستورهن، ومتعدياً على كرامتهن، ومتطاولاً عليهن، وقد رمى زينب عليها السلام بكلمات كانت شديدة على قلبها، فردّت عليه بكل رباطة جأش وفصاحة لسان، والتي لولاها لانقرض يوم كربلاء، والحال نفسه في مجلس يزيد الذي تطاول على بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان لزينب عليها السلام نفس الموقف الذي وقفته من ابن زياد بصلابة الإيمان الذي يتجسد في كل كلمة من كلماتها، مثبتاً في الوقت ذاته أن أفعال ولاته – يزيد – محل رضا وقبول، وإلا ما سبب سكوته على ما جرى في كربلاء وفي الهجوم على حريم المدينة وغير ذلك!!.

ولم يكن في حسابات يزيد أن تكون هناك ثورة عارمة بفعلته الشنيعة ببنات الرسالة في كربلاء، حتى طرد أهل المدينة واليه بعد أن أنكروا على يزيد فعله الأمور المنكرة، مما جعله يوجه لهم شخصية تمرّست على الشر، محاولاً إجبارهم على الولاء له، ولم يخضعوا لما أراد فأباح المدينة لجنده ثلاثة أيام نظير نكرانهم البيعة ليزيد، وقد كانت النتيجة لتلك المجزرة الفظيعة مقتل أكثر من عشرة آلاف إنسان بما فيهم أبناء المهاجرين والأنصار الذين هم صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وقد جاء الرجل الكفؤ في اجتثاث الزمرة الفاسدة وهو: المختار الثقفي الذي قتل كل من له صلة بواقعة كربلاء من قريب أو بعيد من أتباع بني أمية، وقد كان رد الفعل العنيف الذي أودى بالدولة الأموية العريضة هو ما قام به الحجاج من قتل وسفك للدماء وأعظمها رميه الكعبة بالمنجنيق ليجعلها أثراً بعد عين.

في نهاية المطاف يختم العقّاد كتابه بكلمات مختزلة عن الشخصية التي ظفرت بعد تلك الواقعة، موضحاً أن يزيد ليس له مأثرة تُذكر بحقه فهو لم يرث شيئاً من الدهاء كما هو أبوه، والشخص الذي انتصر عسكرياً نراه يولّي مهزوماً أمام صفحة التاريخ، ليحلّ محله الشهيد الذي رسم الخلود بدمه الوضّاء، وهذه من آيات الانقلاب، منتقداً في الوقت ذاته الشيخ محمد الخضري الذي وضع جزءاً من اللوم على خالعي بيعة يزيد وأن الأوضاع التي حصلت في المدينة يتحملون نتيجتها، وعاذراً يزيد في بعض ما قام به من سلوك تجاه رعيّته. أما أبو الشهداء فهو الشخصية الوحيدة في تاريخ الدنيا التي أنجبتهم أسرة الحسين عليه السلام والذي ينظر إلى الخلود بعمله، أما عن عاشق الجمال فقد أعطانا نُتَفَاً من قصائد الشعراء كدعبل والكميت وابن الرومي والفرزدق والمعرّي لتكون هي الخاتمة التي سطرها لكتابه (أبو الشهداء الحسين بن علي) عليه السلام.
               
ويلاحظ على الكاتب القدير عباس العقاد ما يلي:
1.  عدم إيعاز المرويات الحديثية والتاريخية إلى مصادِرِها، وهذا في حدِّ ذاتهِ يُخِلُّ بالكِتابِ، خصوصاً أنه كان يعيش في عصر نهضة فكرية، ومع صحة بعض ما يذكره إلا أنَّ هذا من الأمور المهمَّة في كتابٍ كهذا، أو على الأقلِّ أن تقومَ بهذا الدَور دارِ النَّشْرِ التي نَشَرَتْ فِكْرَ العقّاد.
2.  ذكر كثيراً من الأحداث التاريخية التي هي بحاجة إلى تحقيق تاريخي، مثل: تسمية الحسن والحسين بعد ولادتهما بـ(حرب) من قبل أبيهما أمير المؤمنين عليه السلام، وتهديد الإمام الحسن عليه السلام على سجن أخيه الحسين حينما صالح معاوية ص42، وغيرها من الروايات التي يرسلها إرسال المسلّمات دون تحقيق وتوثيق، بينما نراه ص40 يشكك في رواية أن الحسين ولد لستة أشهر ويضعها ضمن الخزعبلات دون ترجيح مرجّح!! ومعلوم أن التشكيكات تأخذ مأخذها من نفوس القُرّاء لسهولة إطلاق أي كلمة في تلك التشكيكات، بينما الرد والبحث الموضوعي والمنهجي في مثل هذه المسائل تستلزم وقتاً طويلاً، والقارئ المتمكّن هو من يكتشف قدرة المؤلف من عدمها في تناول مثل هذه المسائل، وأظنُّ أن العقّاد جديراً بتناول هذه المسائل التحقيقية، لكنه أخفقَ في عدم تناوله هذه بنقاش موضوعي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...