الجمعة، 27 أغسطس 2021

معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية ج4 للشيخ حبيب آل جميع

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

بطاقة الكتاب:

الكتاب: معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية

المؤلف: الشيخ/ حبيب آل جميع

الناشر: دار المحجة البيضاء بيروت

تاريخ الطباعة: الطبعة الأولى 1443هـ

عدد الصفحات: 1000 صفحة

عرض وتعريف:

يطيب لي أن أقتبس شيئاً من كلمة سماحة الشيخ/ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373هـ) ذات الصلة بفكرة هذا الكتاب، والتي وضعت كمقدمة لكتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) للعلامة الشيخ/ آغا بزرك الطهراني، حيث يقول: (ولقد مرّ على الطائفة الحقّة الإمامية ثلاثة عشرة قرناً وفي كل قرنٍ من العلماء والعظماء المؤلفون بعامّة العلوم وشتى أنواع الفنون، وقد خلّفوا من أصناف التصانيف وآلاف التآليف، ما لا يُحصى عددهم وعدد مؤلفاتهم غير خالقهم، ولقد كان من الحري بل من اللازم أن يقوم في كل عصر من يضبط أسماء علمائه ومؤلفاتهم حتى تتصل سلسلة الأعصار بعضها ببعض وتعرف مؤلّفات أساطين هذه الطائفة الوضّاءة المجد بثقافتها وعلومها وآدابها ومعارفها، والتي يمكن أن يُقال أنه ليس في طوائف الإسلام طائفة أعظم منها في العلوم آثاراً ومآثراً ...)، وامتثالاً لهذه الأمنية قام فضيلة الأخ العزيز الشيخ/حبيب آل جُميع بتصنيف كتابِ (معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية) الذي أطلّ علينا في مطلع هذا العام 1443هـ الجزء الرابع من هذه الموسوعة القيّمة، والذي يُعد إكمالاً لمسيرة بدأ بها المؤلف الفاضل منذ سنوات، وذلك بتحمّله صِعاب هذا المشروع، وما يحمله من مشاق يعرفها أهل هذا الفن، من ضبط الأسماء وتصنيف المؤلفات وفق الفنون التي توافق منهج الكتاب، والتثبت من المعلومات ...الخ.

فإن الناظر لصفحات هذا الكتاب يجد مساهمةً كبيرةً من قِبل المؤلفين محل الإحصاء والتوثيق، وذلك لمواكبتهم متطلبات الزمن، كتخطيط المدن وجغرافيّتها، والاقتصاد، والقانون، والرياضة، والأحجار الكريمة وغيرها. وهذا ينبئ أن مشارب المعرفة قد تنوّعت، ومواكبة الزمن صارت مطلباً وحاجة ملحّة، وهذا ما يكشفه الكتاب محل الرصد والمتابعة.

ويشير المؤلف في هذا الصدد إحصائية الأجزاء الأربعة، وهي على النحو التالي:

1- عدد الكتب التي في المجلد الأول الصادر عام 1417هـ (2302) عنواناً، وتشمل الفترة من مابعد عصر الغيبة وإلى عام 1417هـ.

2- عدد الكتب التي في المجلد الثاني الصادر عام 1426هـ (2151) عنواناً، وتشمل الفترة من 1997 - 2003م.

3- عدد الكتب التي في المجلد الثالث الصادر عام 1434هـ (1975) عنواناً، وتشمل الفترة من 2004 - 2010م.

4- عدد الكتب التي في المجلد الرابع الصادر عام 1443هـ (2320) عنواناً، وتشمل الفترة من 2011 - 2017م.

وقد رصد المؤلف المؤلفات وصنّفها على ستة وعشرين فصلاً، ولكل فصلٍ من هذه الفصول تفريعات خاصة بكل علم، وهي على النحو التالي:

(1) علوم القرآن. (2) علوم الحديث. (3) علم الرجال. (4) العقائد وعلم الكلام. (5) علم الفقه. (6) علم أصول الفقه. (7) علم السيرة. (8) التاريخ والجغرافيا والتراجم. (9) الأدب العربي. (10) الدعاء والزيارة. (11) علم الأخلاق. (12) علم الفلسفة والمنطق. (13) علم الحكمة الإلهية والعرفان. (14) العلوم الطبيعية والطِب. (15) الثقافة المعاصرة. (16) التربية والتعليم. (17) الإدارة والتخطيط والاقتصاد. (18) الأسرة والمرأة. (19) علم الاجتماع. (20) علم النفس. (21) علم القانون. (22) النجاح وتنمية الذات. (23) الرسم والفن والسينما. (24) المكتبات وفهارس المخطوطات. (25) الرياضة. (26) الكشاكيل والأحجار الكريمة.


 
وأحب الإشارة في هذا الصدد أن المؤلف الفاضل، لا ينحو نحو تكريس الطائفية بهذا العنوان؛ بل هي طبيعة البحث التي تفرضها بعض الظروف، وإلا ففي التاريخ الكثير من المصنّفات لها العناية والرصد لطائفة معيّنة أو لمذهب من المذاهب الإسلامية، ومثال ذلك: (طبقات الحنابلة) لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى (ت 526هـ)، و(الطبقات السنيّة في أعلام الحنفية) للمولى تقيّ الدين بن عبدالقادر الحنفي (ت 1005/1010هـ)، و(أعلام المؤلفين الزيدية) للمعاصر/ عبدالسلام بن عباس الوجيه، وغيرها كثير من المصنّفات التي رصدت أعلام ومصنّفات طائفة من طوائف المسلمين، أضيف في هذه الإشارة أن كل معجمٍ يرصد مؤلفات طائفته لهو مساهمة فعّالة في دراسة فكر الطائفة وعطائها ومساهمتها في العلم والمعرفة، ومن يتعرّف على المؤلف الفاضل يجده متجاوزاً التصنيفات المذهبيّة من خلال سيرته وتعامله، وأن عنوان الكتاب لا يعكس بالضرورة تلك المسألة.

 وقد رأيتُ المؤلّف منذ زمنٍ وهو يقيّد ويتابع كلّ ما تقع عينه عليه، إما بالزيارة أو بالتواصل أو بأي وسيلة أخرى في الحصول على مادة كتابه الماثل بيننا، ولولا همّته العالية لما خرجَت أجزاء المعجم إلى النور، ولا شك أن عملاً بهذا الحجم تقع فيه بعض الأخطاء التي لا تؤثر على المحتوى العام للمعجم. فجزى الله المؤلّف خير الجزاء على مواصلته هذا المشروع، ووفقه لإصدار الأجزاء المتبقية.


 

الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

وقفة مع كتاب (الهجريون ودورهم في رواية الحديث) للشيخ/ محمد الحرز الأحسائي

 



وقفة مع كتاب: (الهجَريون ودورهم في رواية الحديث)، للشيخ/ محمد الحرز الأحسائي

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 يشكّل كتاب (الهجريون ودورهم في رواية الحديث) للباحث الشيخ/ محمد بن علي الحرز، أهمية كبيرة في تاريخ الأحساء الموغل في القِدَم؛ لما للموضوع الذي تناوله المؤلف من قيمةٍ كبيرة، خصوصاً وأن الزاوية التي تناولها بحثاً تُعد زاوية مهمّة وبحاجة إلى تسليط الضوء على الدور العلمي للهَجَريين، وكذلك يُعد هذا الكتاب رافداً مهماً في كتب التراجم الخاصة بمنطقة الأحساء، فمع وجود مصنّفات سابقة لهذا الكتاب، مثل: (أعلام هَجَر) للسيد هاشم الشخص الأحسائي، و(مطلع البدرين) للمرحوم الحاج/ جواد آل رمضان، وغيرهما من المصنّفات؛ إلا أن هذا الكتاب يسدّ ثغرةً مهمّة في كتب التراجم الأحسائية.

 كان مدخل المؤلف لكتابه بارزاً ومهماً، وذلك بتوضيحه اسم (هَجَر) ومدى مشابهته لأسماء مواقع أخرى كـ(هَجَر اليمن) و (هَجَر المدينة)، مستشهداً ومرجّحاً بقرائن تدعم أن من ينتسب إلى (هَجَر) هو من (هَجَر إقليم البحرين التاريخي) خصوصاً أن بعضهم مذكور بنسبته إلى القبيلة وهي قبيلة عبدالقيس التي قطنت الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية. ولا يخفى على من يتابع كتب المؤلف ومنها هذا الكتاب أنه يسلّط الضوء على الموضوع محل البحث متجاوزاً الاستطرادات التي لا تمت إلى صلب البحث بصلة.

 تناول المؤلف شيئاً يسيراً من تاريخ قبيلة عبدالقيس التي نزحت إلى (هَجَر) والأسباب التي دعت لذلك النزوح بما يسمح به المقام، ومعرّجاً على دور الهجريين في رواية الحديث، حيث إن مقدمة المؤلف تكمن أهميتها بأن أبناء هذا الإقليم ليسوا منغلقين على أنفسهم أو أنهم يحصرون اهتمامهم في زوايا معيّنة؛ بل أثبت أن لهم إسهاماتهم في إعمار الأرض بشتى السبل، ومنها حبّهم وإحيائهم للعلم مع مشاركتهم في الحفاظ على بيضة الإسلام فور بزوغه في الحجاز والأحداث المصاحبة له.

 أما خطة البحث فقد كانت واضحة المعالم، من حيث ذكره مستويات الحديث عند الهجريين الذين رصدهم المؤلف بين دفّتي كتابه، مع الإشارة إلى أن عدد من ذكرهم من الرواة يبلغ (54) راوياً هَجَرياً. ولا شك أن هناك آخرين لم يتطرق لهم المؤلف بيد أنه وضع مصنّفه ليساهم في توثيق هذه الزاوية من تاريخ المنطقة ذات البعد الحضاري.

 

وقفة قصيرة مع الكتاب:

أُشير في هذه الوقفة القصيرة أن المؤلف رغم الجهد الذي بذله في رصد هذه الأسماء فإن لي تعقيباً على سبيل الإشارة لا الحصر، وهو على النحو الآتي:

(1) عدم ذكر تواريخ ولادة الرواة المعنيين محل البحث ووفياتهم، حيث إن ذكر هذه التواريخ أمر مهم في هكذا كتاب، وسأشير إلى بعضهم بشكل سريع.

(2) ص48 ترجمة إبراهيم بن مسلم الهجري: لإبراهيم الهجري سبعة طرق في الرواية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ذكر المؤلف أربعة طرق، وفاته ثلاثة طرق، وسأذكر ما فاته وهي: أن إبراهيم الهجري يروي عن أبي الأحوص عن عبدالله بن أبي أوفى عن رسول الله (ص)، وعن عبدالله بن مسعود عن رسول الله (ص)، وعن أبي عياض، عن أبي بكرة عن رسول الله (ص).

كذلك روى عن مجموعة لم يتطرق لهم المؤلف وهم: عبيدالله بن معية السوائي من بني عامر بن صعصعة، وقيل عبدالله، وقد ورد اسمه في الرواية (رجل من بني سواءة)، وقرط أبو توبة.

(3) كذلك فات المؤلف ذكر بعض الرواة الذين نقلوا عن أبي إسحاق الهجري (إبراهيم بن مسلم)، أمثال: أسباط بن محمد بن عبدالرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي الكوفي (ت 200هـ)، والحسن بن دينار، و زهير بن معاوية (ت173هـ)، وغيرهم ممن فات المؤلف ذكرهم.

(4) تمنيتُ أن يذكر المؤلف أسماء الرواة كاملة دون الكنية وأقصد بهم الذين وردوا تحت فقرة (الراوي عنهم) و (الراوون عنه)، وذلك تلافياً لاشتباه الكُنى عند بعض الرواة.

(5) ص78 ترجمة حوشب بن عقيل الهجري: أضيف على ما ذكره إلى أن من روى عنهم أكثر من الذين ذكرهم المؤلف، منهم: أبو الزبير الدرمكي، و عطاء بن أبي رباح المكّي (27 114هـ)، و مسلم بن يسار الأموي (ت 108هـ)، أما من رووا عنه فإن بعض الأسماء فاتت المؤلف ومنها: إبراهيم بن أبي داود، وإياس بن دغفل البصري الحارثي (أبو دغفل)، وبكير بن عبدالعزيز، وغيرهم.

(6) هذا ما وددت ذكره على سبيل العُجالة، وإن كان الكتاب يستحق وقفةً أكثر من هذه الوقفة القصيرة لما يمثله من أهمية علمية وتاريخية.

(7) يبقى الكتاب مهماً وبصمة ثريّة من بصمات المؤلف، والنقاط المذكورة لا تقلل من شأنه ولا من قيمته العلمية، حيّ الله المؤلّف وحيّ الله بصماته في توثيق تاريخ الأحساء.

نُشر المقال في صحيفة الجزيرة، يوم الاثنين 15 محرّم 1443هـ (23 أغسطس 2021م)، عدد رقم (17783)

https://www.al-jazirah.com/2021/20210823/wo4.htm

الخميس، 19 أغسطس 2021

المدن المستدامة والمشروع الحضري

المدن المستدامة والمشروع الحضري .. "توظيف إرث الماضي في رسالة إلى المستقبل"

بيئة وتنمية: عبدالله بن علي الرستم

 لقد باتَ موضوع التنمية الحضرية والاستدامة البيئية من المواضيع الملحّة على مستوى عالمي، وذلك لأهميته الكبيرة في الحفاظ على الطبيعة ومواردها، ولا يمكن لأيّ دولة أن تتقدم بدون أن يكون لديها تفعيل لهذه الجزئية المهمّة في الحياة، حيث يذهب الدكتور/ فؤاد غضبان في كتابه (المدن المستدامة والمشروع الحضري) المطبوع عام 2014م، إلى أن مفهوم التنمية المستدامة بدأ بالظهور في بداية الثمانينات الميلادية، وظهرت له عدة تعريفات ومفاهيم، منهم من يتعامل معها كرؤية أخلاقية، ومنهم من يرى أنها كنموذج تنموي وبديل عن النموذج الصناعي الرأسمالي، ومنهم من يرى أنها أسلوبٌ جديدٌ لإصلاح أخطاء وتعثرات النماذج المطروحة وعلاقتها بالبيئة، وغير ذلك.

ويوعز د. غضبان إلى أن دوافع التنمية المستدامة نتجت عن مشاريع التنمية التي يقوم بها الإنسان لتحسين حياته وتطويرها نحو الأفضل لتمسَّ مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتمثل هذا التحسين في: زيادة معدلات الإنتاج الزراعي والصناعي في الاستهلاك، وتحسين مستويات المعيشة، وتقلّص في عدد الأوبئة، وزيادة نسبة السكان المستفيدين من مياه الشرب ووسائل الصرف.

وفي هذا الصدد يشير المؤلف إلى أن مفهوم التنمية المستدامة برز عام 1972م بمؤتمر ستوكهولم (السويد) حول البيئة الإنسانية، الذي نظّمته الأمم المتحدة بمثابة خطة نحو توجيه الاهتمام العالمي بالبيئة؛ ليعاد عقد عدة مؤتمرات ذات صلة، ومنها المؤتمر الذي عقد بالبرازيل عام 1992م الذي شكّل أكبر حشد عالمي حول البيئة والتنمية والذي عُرف بـ»قمة الأرض» لأهميته العالمية، حيث التنمية المستدامة ليست نظرية، بل هي مقاربة استراتيجية متكاملة ترتكز على مفهوم التضامن المزدوج في المكان والزمان، وترتكز التنمية على عدة فعاليّات ومنها الفعالية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والكفاية البيئية التي تعني تجنّب الاستنزاف المفرط للموارد المتجددة.



أما حول أبعاد التنمية المستدامة فيشير المؤلف إلى عدة أبعاد، تتمثل في: الأبعاد الاقتصادية (حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية، إيقاف تبديد الموارد الطبيعية، والمساواة في توزيع الموارد ...الخ)، والثاني هو الأبعاد الاجتماعية (تثبيت النمو السكاني مع أهمية توزيع السكّان، مع تعزيز دور المرأة المتمثل في رعايتها للبيئة كالعناية بالزراعة والاستخدام الأمثل للموارد)، والأبعاد البيئية (حماية الموارد الطبيعية، حماية المناخ من الاحتباس الحراري، وإتلاف التربة عبر استعمال المبيدات وتدمير الغطاء النباتي)، وكذلك الأبعاد التكنولوجية والمؤسساتية. ولا تغيب ذاكرة المؤلف عن معوّقات وتحديات التنمية المستدامة المتمثلة في الفقر والحروب والمنازعات المسلّحة، والتضخم السكّاني غير الرشيد، وتدهور قاعدة الموارد الطبيعية.
أما في صدد المشروع الحضري فإن المؤلف يقوم بتسليط الضوء عليه باعتباره أساس التخطيط الاستراتيجي وذلك بتحليل عوامل ظهوره في ظل التغيرات العالمية المعاصرة تبعاً لمفهومه وأهدافه وخصائصه والتحديات التي يواجهها حسب المقاييس التي يتناولها، ذلك أن المشروع الحضري المستدام يعتبر أداةً لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة وفق مقاربة نظامية، مع ربط ذلك بدور عمران المشاريع وأهدافها الأساسية وتحدياتها وضرورة الربط بين مختلف الفاعلين الحضريين وتبنّي مبدأ المسؤولية والاعتماد على القواعد التي تسمح بتحقيق كل الأهداف المرجوّة، كل ذلك مقرون بطرح نماذج دوليّة في تطبيق المشاريع الحضرية للمدن المستدامة، حيث إن المشروع الحضري يعد أسلوباً جديداً لتسيير المدينة، ومقاربة حديثة لدمج مختلف الفاعلين والقطاعات والتنسيق فيما بينهم، كما أن المشروع الحضري ليس مشروعاً إقليمياً أو ممارسات رسمية مؤطّرة، بل هو قبل كل شيء عبارة عن رؤية استراتيجية متنازلة لكل الإقليم لتكون في النهاية نتيجة مرجوّة وليست نقطة انطلاق؛ لأن أهدافه تتمثل في: تحسين الاستعمال، الاهتمام بنوعيّة المجال الحضري العمومي معمارياً وتحقيق مبادئ التنمية المستدامة من خلال استعمال عقلاني للمكان، مع الاهتمام بنوعيّة المجال الحضري معمارياً وتثمين الإرث المعماري، والحفاظ على وحدة المدينة التي لا ترتكز على التحضير السياسي القوي الذي يجنّب المدينة الانقطاعات الحضرية والوظيفية والاجتماعية.
يذهب الدكتور/ غضبان إلى خصائص المشروع الحضري الذي يرى أنه تطوّري يرتكز على المدى الطويل، فهو لا يبدأ من الصِفر؛ بل يعتمد على إرث الماضي، وإيصال رسالة إلى الأجيال المستقبلية، وذلك بدمج مقاييس مختلفة عبر إعادة تأهيل وهيكلة أحياء وخلق أحياء جديدة في عالم تسوده مشاعر الاطمئنان في مكان العيش؛ لأن ذلك يعد نجاحاً في تنفيذ المشاريع الحضرية من خلال الحفاظ على خصائص المكان، والحفاظ على ذلك يمر بمراحل من التحديات الثقافية، فالمشروع الحضري لا يعني فقط صناعة مدن منظّمة فقط؛ بل بحاجة إلى إعادة استرجاع القيم الثقافية للمدينة، وترسيخ القيم التاريخية لها ومجالها الحضري.
لا زال في الكتاب محل الحديث الكثير من النظريات التي بحاجة إلى شرحٍ وتعاطٍ معاصر لمفهوم المدن المستدامة والمشاريع الحضرية، والتي تسير فيها بلدان العالم أجمع في تطبيقها لينعم الإنسان في بيئة خُلقت له لأنه الوحيد الذي يستطيع استثمارها وفق رؤية رشيدة يساهم في صناعتها القطاعات المعنية والإنسان الذي هو أحد محاور التنمية المستدامة.

 

نُشر هذا التعريف في (مجلة اليمامة) العدد رقم (2671)، يوم الخميس 11محرّم 1443هـ (19 أغسطس 2021م).

http://www.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=8326 

الخميس، 5 أغسطس 2021

قصة مكتبة آل عصفور

 


بطاقة الكتاب:

اسم الكتاب: إسهامات أسرة آل عصفور في تاريخ البحرين العلمي .. قصة مكتبة آل عصفور

المؤلف: الدكتور/ منصور محمد سرحان

الناشر: مؤسسة مجمع البحوث العلمية

تاريخ الطباعة: الطبعة الأولى 1431هـ (2010م)

عدد الصفحات: 137 صفحة

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 عرض وتعريف:

يُعد هذا الكتاب من الكتب التي تناولت جزءاً من تاريخ أسرة آل عصفور البحرانية، ذات الصيت الكبير في تاريخ البحرين العلمي والمذهب الشيعي الاثني عشري؛ وذلك لشهرة بعض أعلام الأُسرة على المستوى المذهبي، وذلك بدءاً من القرن الحادي عشر وحتى القرن الخامس عشر، حيث برز أعلامٌ كثيرون من هذه الأسرة عبر إسهاماتهم العلمية المتمثلة في قيامهم بالتدريس والتأليف، ويتناول محطات أخرى ومهمة في تاريخ وإرث العائلة العلمي.

سلّط الباحث الضوء على تراجم أسرة آل عصفور بدءاً، بذكر أسمائهم وترجمة يسيرة عن كلِّ عَــلَمْ ومؤلفاتهم والمصادر المستقاة عن كل ترجمة على حده، وكان ترتيبها حسب القرون، ليكون عدد المترجم لهم على النحو التالي:

1. عالمان في القرن الحادي عشر.

2. 18 عالماً في القرن الثاني عشر.

3. 29 عالماً في القرن الثالث عشر.

4. 7 علماء في القرن الرابع عشر.

5. 12 عالماً في الثلاثين سنة الأولى من القرن الخامس عشر.

وكانت أولى تلك التراجم ترجمة الشيخ/ سليمان بن صالح بن أحمد بن عصفور الدرازي البحراني (ت 1085هـ)، مروراً بوالد الشيخ يوسف البحراني ثم ابنه الشيخ يوسف البحراني، والشيخ خلف آل عصفور وغيرهم من بقية أعلام هذه الأسرة.

حاول الباحث في تسليط الضوء على سبب انتقال بعض أفراد العائلة إلى بعض المناطق خارج البحرين، وذلك نتيجة الظروف السياسية التي مرّت بها بلاد البحرين، كخروج الشيخ/ أحمد بن إبراهيم آل عصفور (ت 1131هـ) "والد الشيخ يوسف" الذي قطَن منطقة القطيف نتيجة الغزو العماني وتعرّضت مكتبته إلى الحرق والنهب، والظروف التي ألمّت بالبحرين في تلك الفترة، أو انتقال بعضهم إلى (كازرون) إحدى قرى شيراز كالشيخ/ إبراهيم بن عبدالنبي آل عصفور (ت 1173هـ)، وغيرهم الذين اضطرّتهم الظروف إلى الهجرة.

تنوّعت مؤلفات أعلام أسرة آل عصفور في مجالات عدّة من العلوم، كالفقه والتراجم والتجويد واللغة والعَروض وأصول الفقه والحديث وغيرها، والتي تُعد بالعشرات، منها ما هو مطبوع، ومنها لا زال مخطوطاً، أما المخطوط فقد كان للشيخ محسن بن عبدالحسين آل عصفور الجهد الكبير في لـمِّ تراث العائلة والعناية به، طباعةً وتحقيقاً وبعضها لا زال قيد الحفظ في مؤسسة مجمع البحوث العلمية التي تقع تحت إدارته في البحرين حالياً، والبعض الآخر انتقل إلى بعض المؤسسات العلمية في إيران، والتي فهرس بعضها كلاً من الشيخ/ حبيب آل جميع، والشيخ/ أحمد المرهون في رصدٍ تحت عنوان: (فهرس مخطوطات آل عصفور في بوشهر) وقد بلغت تلك المخطوطات (539) عنواناً بين مخطوطة ناقصة وأوراق متفرقة.

يشار في هذا الصدد أن الكتاب على ثراء المعلومات الذي يحويه، وتقسيمه العلماء وفق القرون، وحديثه عن مكتبة آل عصفور والظروف التي مرّت بها، إلا أنه لم يترجم لبعض علماء أسرة آل عصفور القاطنين خارج البحرين، كالقطيف وبعض المناطق الإيرانية، علماً أن المؤلف وضع صور بعضهم، مثل: الشيخ محمد بن أحمد بن حسن آل عصفور ووالده (من يزد)، والشيخ/ محمد رضا حدائق ووالده الشيخ أبو الحسن (من آل عصفور في شيراز)، وغيرهم كثير، والجدير بالذكر في هذا الصدد أن هناك بحثٌ منشور في الشبكة العنكبوتية تحت عنوان (البُشرى في علماء الأسرة) للشيخ/ محمد مهدي آل عصفور القطيفي، صدر كطبعة الكترونية عام 1423هـ، أي: قبل صدور كتاب الدكتور سرحان بسبعة أعوام، كتبه المؤلف بالتنسيق مع الشيخ/ محسن آل عصفور، وذكر فيه جملة من أعلام عائلة آل عصفور بعضها ليس له ذكرٌ في كتاب الدكتور سرحان، مثل: الشيخ/ محمد بن إبراهيم بن محمد آل عصفور (ت 1325هـ) والذي توفي في (أبو شهر) والمذكور في أعلام الثقافة للدكتور النويدري (3/301 رقم 527)، حيث كان الأجدر من الدكتور سرحان الاستفادة منه قدر المستطاع؛ ليكون الكتاب أكثر شمولية وتغطية لأعلام الأسرة ومكتبتهم، وهذا الكتاب (البُشرى) تخلله التقصّي في أعلام آل عصفور القاطنين في القطيف، وبهذا لابد لنا من كتابٍ يحوي تراجم علماء آل عصفور في الخليج عموماً؛ ليتعرّف القارئ على تاريخ وعطاء هذه الأسرة، وكذلك للتعرف من ينتسب إليها ومن لا ينتسب إليها، خصوصاً مع وجود عوائل أخرى في إقليم البحرين التاريخي (الأحساء والقطيف والبحرين) تحمل ذات الاسم، وبعضها تغيّر اسمه، وهذا ما يوضحه مقطع فيديو يجمع ما تفرّق من العائلة حملوا أسماء عوائل أخرى غير اسم العائلة المعروف، حيث كان اللقاء في الأحساء بمزرعة إبراهيم السلطان، ولابد أن تلك العوائل التي تغيّر اسمها فيها علماء وطلبة علم.

 


لاشك أن الدكتور سرحان قام بجهدٍ رائع في سد ثغرة مهمة في تاريخ جزئية مهمّة من تراث عائلة آل عصفور العلمي، وهو قصة المكتبة التي تعرّضت للحرق والتدمير وغير ذلك مما تسببه الحروب من القيام بتصرفات لا تليق في التعامل مع تراث عائلة لها حضورها العلمي في الساحة، حيث خلّف الشيخ/ أحمد آل عصفور (ت 1131هـ) مكتبة كبيرة، حيث تحوّلت المكتبة إلى ابنه الشيخ/ يوسف (صاحب الحدائق)، والتي تطوّرت مع الأيام لتبلغ عشرين ألف كتاب كما نُقل عمّن زاره في كربلاء، ولولا ظروف الهجرة من بلدٍ إلى بلد لكانت المكتبة أكبر من الوضع الذي عليه أيام حياته؛ لتنتقل بعد وفاته بالوصية إلى ابني أخويه الشيخ/ حسين بن محمد، والشيخ/ خلف بن عبدعلي، وممن تولى رعاية المكتبة الشيخ/ إبراهيم بن محمد بن أحمد، الذي قدم إلى (أبو شهر) وباشر الاهتمام بها وتنظيمها حتى وفاته، وقد نالت المكتبة عناية تامة من قبل المتولّين عليها من الأُسرة، علماً أنها بعد ذلك تعرّض المكان الذي فيه المكتبة إلى انهيار كادت أن تودي بمقتنيات المكتبة، إلا أن العناية الإلهية حافظت على هذا التراث، حيث ممن ساهم في تنظيف المكتبة وتنظيمها بعد الانهيار الشيخ/ علي محمد محسن آل عصفور صاحب كتاب (بعض فقهاء البحرين).

 

وقد أشار المؤلف إلى بحث نشره الشيخ/ محسن آل عصفور نُشر في مجلة (لؤلؤة الخليج) حول تعرّض المكتبة إلى سرقة مجموعة من الكتب الخطية النفيسة وبيعها، إلا أن بعض أفراد العائلة ساهم في الحفاظ على ما تبقى منها وترميم كافة الكتب التي تعرّضت بفعل الزمن إلى التمزيق وغيرها من الأمور التي تتعرض لها الكتب الخطيّة. يبقى الحديث عن المكتبة وتاريخها كبير بحجم العائلة وتراثها الذي توزّع هذا التراث في أكثر من مكان، وهذه السطور مجرد تعريف وتذكير حول العناية بكل ما يمتُّ للتراث العائلي والعلمي، كي لا نخسر أكثر مما خسرناه عبر القرون.

 ورغم أهمية ذلك إلا الأجد بالباحث أن يضع نماذج مصوّرة من تلك المخطوطات مع التوسع في ذكر بيانات المخطوط المتوفر وتحديد مكانه، وهذا العمل لا شك أنه سيضيف أهمية كبيرة في كل من يريد أن يدرس تاريخ وتراث العائلة العلمي، ورجائي كذلك هو أن يتناول الباحث ذلك في طبعات لاحقة من هذا الكتاب القيّم.


مع رحلات الحج الهندية

 


مع رحلات الحج الهندية

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 يُعد كتاب "الجزيرة العربية في أدب الرحلات الأردي" للدكتور/ سمير عبدالحميد نوح، والذي يقع في 663 صفحة، من الكتب المهمة في هذا الجانب، لأنه دراسة شاملة عن رحلات الهنود إلى أصقاع المعمورة، وما يهمني في هذا التعريف بهذا الكتاب ما يخص "رحلات الحج" حيث يشرح فيها البدايات والأساليب المستخدمة في كتابة تلك الرحلات والتي تتراوح بين الأساليب البسيطة، وبين من ينطبق عليه أدب الرحلة، بالإضافة إلى انتقال الكتابة من اللغة الفارسية باعتبارها كانت اللغة الرسمية والعلمية للهند في فترات سابقة إلى اللغة الأردية.

 وتعتبر رحلات الحج الهندية كأي رحلة من بلاد بعيدة عن الحرمين الشريفين، بما يعتورها من صعوبة ومشاق الطريق، وتعرّض الحاج للّصوص وقطّاع الطُرق، وبعض الأحداث التي يمرّ بها الحجاج حال توجههم إلى بيت الله العتيق. 

 فقد أشار المؤلف د. سمير نوح، إلى بعض أوائل رحلات الحج الهندية إلى البقاع المقدّسة، حيث كانت رحلة الشيخ/ عبدالحق محدث دهلوي للحج عام (997هـ) والمعنونة بـ"جذب القلوب إلى ديار المحبوب" من أوائلها، لتأتي بعدها رحلة خواجه معصوم عام (1067هـ) والتي حملت اسم "يواقيت الحرمين"، ورحلة شاه وليّ الله الدهلوي عام (1140هـ) ذات الاسم "فيوض الحرمين" ثم تلتها الكثير من الرحلات التي وصفت الشيء الكثير من طرق الحج، وآدابه ومناسكه والظروف المصاحبة للرحلة، إلى ذكر المسائل الاجتماعية والعلمية والاقتصادية في الحرمين الشريفين، ففي رحلة الحاج/ مولوي رفيع الدين المراد آبادي عام (1201هـ) والمسماة (آداب الحرمين)  والتي استغرقت ثلاث سنوات منذ خروجهم من الهند وحتى عودتهم عام 1204هـ، فقد تضمنت وصفاً للحج وذكر بعض الأماكن وأسماء الأعلام، يقول د. سمير: (وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرحلة مملوءة لحد الإفراط في ذكر أكابر وأعلام المدينتين المقدّستين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة، ولهذا تحمل أهمية خاصة لمن أراد التعرّف على علماء مكة والمدينة في ذلك الوقت).

 أما رحلة سيد أحمد بريلوي عام (1236هـ) والتي حملت اسم (تاريخ عجيب) كانت هذه الرحلة تمر بظروف مختلفة (في وقت أصدر فيه بعض علماء الهند فتوىً تبطل فريضة الحج بدعوى خطورة السفر، وقد سافر بمعيّة الشيخ سبعمائة حاج في أواخر شهر شوّال 1236هـ، فوصلت السفينة إلى جدة في شعبان عام 1237هـ، وتم التوجه من جدة إلى مكة، وقد قوبل الشيخ بحفاوة كبيرة) وقد تطرقت الرحلة إلى النفقات اليومية في مكة، ونظراً لقلّة ذات اليد، ذكر أنهم كانوا يطبخون العدس بدلاً من اللحم، ووصف حال الصلاة في الحرم، وأن كل جماعة تقيم الصلاة لوحدها مما جعله وجماعته ينشغلون بقراءة القرآن الكريم حتى انتهاء الجماعات الأخرى من الصلاة، فتبدأ جماعته في الصلاة، وقد التقى الشيخ بريلوي بكبار العلماء والشيوخ من جنسيات متعددة، منهم: خواجه ألماس الهندي، وحسن أفندي نائب سلطان مصر، وسيد محمد وزير سلطان المغرب، وأحد كبار مسلمي البلغار، ومفتيا الشافعية والحنفية ... وغيرهم من الأعيان الذين أتى على ذكرهم في رحلته.

 أما رحلة شبلي النعماني إلى الحج عام 1293هـ والتي كان عمره حينما حجَّ تسعة عشر عاماً، فقد عبّر عن حبّه الشديد للعرب والعربية، وذكر أهل الجزيرة العربية وما يتّصفون به من كرم وبساطة، معلناً عن فرحته؛ لأن فطرتهم لم تلوّثها المدنية الحديثة، ويشيد بحسن أخلاقهم، وقد استفاد من رحلته للحج الكثير، منها: تجواله بين المكتبات في المدينة المنوّرة، وذكر أنه شاهد مصادر ومراجع عن علم الحديث لا يعتقد أنه رآها في أيّ مكانٍ آخر. 



أما الحاج/ سيد كاظم حسين الذي سمّى رحلته بـ"حرمين شريفين" والتي كانت عام 1308هـ، فقد (تناول فيها ذكر الحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية لمنطقة الحجاز آنذاك) ومما ذكره في رحلته عن وصف الحياة الاجتماعية: (في جيوب أهل المدينة ساعات استنبولية، والغروب هنا يكون تمام الساعة الثانية عشرة، ولا تطلق المدافع هنا كما يحدث في بلاد الهند، والنساء هنا يخرجنَ من بيوتهنّ، يلتزمن بالحجاب من الرأس إلى القدمين، وأهل مكّة طيّبون، على خُلُقٍ، ويمتازون بالحلم والصدق والإخلاص).

 

ولا تنتهي الأحداث التي جاءت على ذكرها الرحلات الهندية للحج، لكن ختام حديثنا سيكون عن رحلة الحاج/ مرزا عرفان بيك، وذلك عام (1304هـ) والمسمّاة ب"سفرنامه حجاز"، فمما جاء فيها وصفة حالة هطول المطر أثناء جلوسهم في الحرم المكّي، يقول: (كنا نجلس في المسجد الحرام، نتبادل الحديث في بعض الأمور، وإذا بالسماء يتغيّر لونها، فتبرق وترعد، وتظهر آثار هطول الأمطار ... وبدأنا نشم رائحة قدوم المطر. وفجأة تحوّلت القطرات إلى سيلٍ منهمرٍ ... وجرى الناس ناحية "ميزاب الرحمة" وبدأوا في التجمّع تحته).

 يشار في هذا الصدد أن بعض كتّاب الرحلات لم يكتفوا بالحج فقط؛ بل كان بعضهم في ذهابه للحج أو حال عودته يمرّ ببعض البلدان، كالشام والعراق وإيران ومصر وغيرها من البلدان التي كان الغرض منها الاستكشاف أو أغراض أخرى.

صحيفة الجزيرة

الاثنين ٢٣ ذو الحجة 1442هـ (٢ أغسطس 2021م)

العدد رقم (١٧٧٦٥)

 https://www.al-jazirah.com/2021/20210802/wo3.htm

الرحلة الحجازية، للشيخ آل كاشف الغطاء

 


الرحلة الحجازية (نهزةُ المسافر ونزهة المسامِر) للشيخ آل كاشف الغطاء

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 هذه رحلة من رحلات الحج التي حبّر سطورها فقيه وعالم من علماء الإسلام، ورمز من رموزه، وهو: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373هـ)، والتي كانت عام 1329هـ، ولم ترَ النور إلا قبل خمسة أعوامٍ مضت، فقد كانت نقطة الانطلاق من نجف العراق مروراً بكربلاء فالكاظمية فالفلّوجة والرمادي وَ هيت وغيرها من المواضع التي يمرّ بها حاج العراق آنذاك، وقد كان المرور بعدها إلى الشام فدير الزور ثم تدمر، ثم التوجه بالقطار إلى تبوك فمدائن صالح التي صارت للشيخ فرصة لزيارتها حال تعطّل القطار، وقد وصف الشيخ الحاج مدائن صالح وصفاً بديعاً لمقدرته العالية في صياغة أفكاره، لما يُعرف عنه من كثرة الاطلاع في كتب الأدب واللغة والشعر والتي انعكست في خطاباته وكتاباته، وهو ما جعل استشهاده بالشعر في هذه الرحلة كثيرٌ، حيث قال عن مدائن صالح: (فلما بلغتُها وجدتُ الحجرات في أوساط الجبال والغُرفات في أعاليه في كثرة يعسر عدّها، وكل تلك الجبال بمكانٍ من الصلابة بحيث لا يحصّل الظِفر منها ولو عمل جهده ذرّة؛ فكأنها مذاب من الحديد مصبوب في قوالب، والحجرات متقاطرة في شلخ تلك الهواضب وقرارها).

استغرقت الرحلة من العراق إلى المدينة المنوّرة خمسة أيام، وكان دخولهم المدينة عن طريق باب العنبرية، ويصف تشرّفه بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بقوله: (ثم تشرّفنا عصراً بلثم أعتاب الحضرة النبوية، فشاهدنا مشهداً كريماً ومسجداً عظيماً يدهش الرائي، وينعش الجائي في إتقانه وإحكامه، وحسن تنسيقه ونظامه، وبديع هندسته ورائع زينته وزخرفته، وتحليته الذهبية، ونقوشه الملوّنة، وأساطينه الرخامية الرفيعة، وسواريه الشاهقة المنيعة) وهكذا يصف بقية ما حواه المسجد، من بيبانه وقبّـته واسطواناته وغيرها من المحتويات بوصفٍ بديع رائع، وكما هو حال بقية الحجاج في التوجه لزيارة البقيع وقبر سيّد الشهداء الحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه في أُحد.

وبعدها كان التوجّه نحو مكة المكرّمة مع المحمل الشامي لما فيه من الحراسة النظامية، وقد تعرّضوا في طريقهم إلى مضايقات بعض قاطني تلك المنطقة التي يمرّ الحاج بطريقهم لأخذ (الخاوة) أي: مبلغاً من المال وقد وصف تلك الحالة بقوله: (... وهم يرون أي: من استوقفوهم قتل الحاج وسفك دمه غنيمة فوق سلب ماله، ولا تجوزهم قوافل الحاج إلا وقد ضحّوا جملة من النفوس المحرّمة في ذلك الطريق، رمياً بالبنادق، أو رضخاً بالصخور، أو شدخاً بالعمد). وقد كان المرور بعدة مواضع ذكرها ووصَفَ حالها، وحال وصولهم مكّة المكرّمة شرعوا في أعمال الحج من الطواف والسعي فالذهاب إلى عرفات وبقية المشاعر لإتمام الفريضة، وقد قال عن مِنى: (ولـمّا أتينا مِنى وجدناها بلدة عامرة ذات عمارات أنيقة، وأزقّة متّسعة مستطيلة، وموقعها شرقي مكّة وهي شعب من شعاب تلك الجبال التي لا يحصيها العدّ ولا يعدّها الإحصاء، ونزلنا في ميسرة الجبل إلى جنبِ مسجد الخيف)، وقد منّ الله عليه بالتشرّف بالدخول إلى (جوف الكعبة) مع بعض الأعيان والتي قال عنها: (هي حجرة كبيرة واسعة مربّعة تزيد على عشرة أمتار في مثلها بأبعادها الأربعة، وترتفع عن أرض المسجد والمطاف بأكثر من قامة وهي من الأرض إلى قاعتها مكلّسة بالصخور، مفروشة بالصخور المرمرية الأنيقة الملوّنة ...) ولم يترك وصف بقية مشاهداته في الحرم المكي الشريف، من حجر إسماعيل ومساحة المسجد الحرام وغيرهما.



بعد الانتهاء من الحج اختار الرجوع إلى المدينة بدلاً من سلك طريق البحر بعد مشاورة أهل المعرفة والدراية، وحال وصولهم المدينة قاموا بزيارة سيد الشهداء وبقية المساجد التي يزورها الحجّاج، كان من ضمن زياراته أثناء إقامته بالمدينة المنوّرة زيارة (مكتبة عارف حكمت) التي وصفها وصفاً دقيقاً لعشق الشيخ للقراءة والبحث في الكتب وذلك لوجودو مكتبة شخصية كبيرة في بلده، حيث قال في وصفه المكتبة: (... ففزعتُ إلى أعظمها وأشهرها وهي مكتبة شيخ الإسلام في الآستانة (عارف حكمة) من أعيان أوائل القرن الثالث عشر، ومكتبته إلى جنب الحرم النبوي مما يلي باب جبرئيل)، وقال: (أما عددها فنفس العدة التي أوقفها ذلك الشهم الغيور العارف، وجاء بها من الآستانة إلى تلك البقعة المقدّسة، ثلاثة عشر ألف كلّها من نفائس الكتب القلمية المجدولة بأنواع الذهب، وأحسن الزينة، وأجود الخطوط، وأكثر الكتب مخطوطة وهي حتى الآن غير مطبوعة ولا متداولة، وفيها مالم نسمع به فضلاً عن عدم رؤيته ...).

ومع ختام الرحلة كان وصف طريق العودة من المدينة إلى الشام عن طريق المقطورة، مع حرص الشيخ على ذكر محطات الوقوف والمواضع التي يمرّ بها الحجاج.

مع هذا الإيجاز، لا زالت رحلات الحج فيها الشيء الكثير الذي يصوّر ويحفظ لنا تاريخ الحجاز ومواضعه وأحداثه وتراثه وأعلامه، مع تركيز بعضهم وصف جانب على جانب آخر، كلٌ وحسب اهتمامه وما يشد انتباهه.

صحيفة الجزيرة

الاثنين 16 ذو الحجة 1442هـ (26 يوليو 2021م)

العدد رقم (١٧٧٥٩) 

https://www.al-jazirah.com/2021/20210726/wo2.htm


وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...