الخميس، 17 نوفمبر 2011

شعلة من الغدير

شعلة من الغدير

تشكل حادثة الغدير حالةً مهمّة من جميع الجوانب، حيث تتخذ أبعاداً كثيرة من حيث المفهوم الطبيعي لها، كالبعد التاريخي والعقائدي والاجتماعي والروحي وغيرها من الأبعاد ذات الأهمية، وهذه الأبعاد رغم أهميتها إلا أن البُعد العقائديّ هو المسألة التي أخذت قسطاً وافراً من البحث والتنظير من قبل العلماء الأعلام والباحثين، وما زال البحثُ العقائديُّ ماسكاً بزمام السيطرة على الحادثة دون الأبعاد الأخرى.
ومن ضمن تلك الأبعاد المهمة وكلها مهمّة (البعد الاجتماعي) والذي حريٌ أن نلتفت له ونعطيه حجمه الطبيعي من القراءة الواعية ليأخذ نصيبه من التجسيد على أرض الواقع، فحادثة كحادثة الغدير وإن كانت جديرة بالتنظير لإثبات مسألة الولاية والإيمان بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إلا أنه من الواجب علينا في الطَرَفِ الآخر هو أن نعطيها البُعد الطبيعي من الجانب الاجتماعي، والذي تتجسّد أهميته في تقوية أواصر الأخوة الإسلامية مع كافة شرائح المجتمع الإسلامي، وخصوصاً المؤمنين بمسألة الولاية؛ لأنهم معنيون أكثر بهذه المسألة لاعتقادهم بها.

ولو نظرنا بعين البصيرة لرأينا أن مسألة تجسيد تلك الأخوة على أرض الواقع لرأيناها ناقصةً من حيث التطبيق، لأن مجتمعاتنا ما زالتْ تعيشُ حالةً من الفتور في الممارسة اليومية من حيث التعامل مع جميع من نعيش معهم، والذي من المفترض أن نرتقي بسلوكنا نحو تلك المسألة التي أخذت نصيباً وافراً من فكرنا طوال أربعة عشر قرنٍ من الزمن، حيث بتنا نفصل بين ما نعتقد به وما نمارسه في سلوكنا اليومي خضوعاً لأهوائنا وغرائزنا النفسية، وحريٌ بأن لا نفرّق بين السلوك والعقيدة في التعامل؛ لأنهما صنوان لا يفترقان، فمن كانت عقيدته في جانب وسلوكه في جانب فقد خسر الاثنين معاً وخسر معهما أشياءَ كثيرة سواءً في الدنيا أو الآخرة.
يُضاف إلى ذلك أن الإيمانَ والاعتقادَ بمسألةِ الأحقية بولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي التي تجعلنا أن نتمسك أكثر بهذا الاعتقاد، ذلك أن هذا الاعتقاد يحتوي على مفاهيم إنسانية تنبعُ من صفاء الشخصية التي نواليها ونحبّها، ويا تُرى ما فائدة الحب الذي ليس فيه روحاً تعملُ!!، وكما يُقال حول هذا الموضوع: الحبُ بلا عمل دعوى بلا دليل، فلكي نثبتَ دعوانا يجبُ أن نعملَ وفقَ هذا الاعتقادِ الذي نؤمنُ به، ذلك أن الاعتقادات التي نؤمن بها ومنها الولاية، يجب أن نكون خير من يبثّها عبر المساحات المتاحة لنا، حيث من خلالها تبرز الصورة الواقعية لهذا الاعتقاد، ومنها: تقوية أواصر الأخوّة الإيمانية فيما بين المسلمين بشكل عام، وهذا مصداق أوامرهم عليهم السلام التي وصلتنا عن طريق أحاديثهم: (كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم) (كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً)[1]، ومعلوم أن هذا المنهج مشتقٌ من رسالية الإمامة التي تعتبر امتداداً لخط الأنبياء عليهم السلام، وخط الأنبياء يتجسّدُ في سلوك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي مارسه في حياته وأمر به في قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى)[2] وكذا في قوله (الدين المعاملة)، وهذا المنهج في واقعه يحاكي منهج القرآن الكريم (إنما المؤمنون أخوة) والأدلة في ذلك من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة كثيرة وتكاد لا تحصى.

وبما أن جمهور حجيج حجّة الوداع بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام على السمع والطاعة، واعتباره أميراً للمؤمنين، فإننا في هذه المناسبة نبايع علياً عليه السلام بإمرة المؤمنين، وذلك من خلال تجديد المعاهدة والبيعة الرمزية بيننا وبينه، على أن نقرأ أقواله ونعيها ونطبّق أوامره وننتهي عن نواهيه، فإن في ذلك سعادةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو الواسطة لوحي السماء في تعيينه ولياً وأميراً على المؤمنين، أما إذا أطعنا أهواءنا وخالفنا أوامره فإن إحياءنا لهذه المناسبة والمتعلقة باسمه لن تُجدي نفعاً.

لذا فإنه من خلال هذه المناسبة يجب أن نضغط على أنفسنا ونفتح صفحةً جديدةً مع من قاطعناه وهجرناه فنصله بالحُسنى، ومع من اغتبناه أن نطلب الصفح منه، ومع كل إنسان تربطنا به رابطة الإسلام والإنسانية؛ لأن عدم تطبيق ذلك يعدُّ مخالفةً صريحةً لأوامره عليه السلام المشتقة من القرآن الكريم.
       


[1] بحار الأنوار، المجلسي، 57/348 (باب في التقية)
[2] صحيح مسلم، 8/20 (باب النهي عن السباب)

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

لماذا ننتقد؟!

لماذا ننتقد؟!

يعتبر النقد من الظواهر الصحية التي تشوب المجتمعات المختلفة وخصوصاً المجتمعات ذات التعدد العِرقي والمذهبي والديني، ذلك أنها تبرز أماكن الخلل في بعض الظواهر أو بعض المسائل المطروحة على الساحة، سواءً كانت تلك المسألة اجتماعية أو دينية أو سياسية أو غير ذلك.
إلا أن الجانب المهم في ذلك هو: حريٌ بمن له اهتمام بالجانب النقدي أن يتفهم ما يتعلق بالقضية التي يجري عليها النقد، حتى تعمّ الفائدةُ كل الشرائح المهتمّة بذلك، وحتى لا يؤخذ على صاحب النقد أنه صاحب تصفية مع القضية التي تعرضت للنقد، أو صاحب تجنٍّ على ذلك المشروع، أو صاحب شخصنة مع صاحب الفكرة!! فوظيفة النقد هي تصفية الفكرة من الشوائب العالقة بها حتى يستفيد منها أصحاب الشأن.

ويأخذ النقدُ معالمه الجمالية حينما يستعرض الناقد أبعاد الفكرة من جميع جوانبها، خصوصاً إذا كانت الفكرة لها صلةٌ بالساحة التي تهم المجتمع البشري؛ لأنها بلا شك ستقدِّمُ خلاصةَ جهدٍ لأفرادٍ، وستنقذ مجتمعاً أو أمّة من أزمةٍ واقعة أو طارئةٍ أو محتملة، ولا يمكن للناقد أن يصلَ إلى هذه المرحلة إلا إذا كان على وعيٍ كبيرٍ في التعاطي مع القضايا الإنسانية المختلفة التي تهمّ البشرية، على خلافه من يهتم بقضاياه الفكرية والثقافية في معزلٍ عن المجتمع المحيط به.

كذلك من معالم النقد الجمالية أن يتصف الناقد ببعض المواصفات الضرورية، وهي: أن يركّز على جوهر القضية قدر الإمكان، وأن يتجرّد من تسييس الفكرة أو القضية إلى جهةٍ دون دليلٍ يُذكر أو حُجّةٍ هزيلة وأجنبية عن جوهر الفكرة، لئلا يفقد الناقد قيمته، وإلا فإن النقد سيبقى على قيمته الفعلية والجمالية كلّما كان الناقدُ أقرب إلى إعطاء الفكرة حجمها الطبيعي والواقعي.

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

المرأة ذلك الدر المصون

المرأة
 ذلك الدرّ المصون

ما زالت المرأة ذلك الإنسان الذي جهله الإنسان بكل مكوّناته وعناصره رغم وجودهما على وجه الأرض، ففي الأثناء التي تُهضم فيه المرأةُ وتُسحق كرامتها وتُهمَّش من الحياةِ الاجتماعية وحقِّ الحياةِ عن طريق الوأد الجسدي والوأد الفكري، ينبزغ نور النبوّة لينتشل ذلك الكيان المودع تحت التراب بكل ما يحتويه من فكر ومكانة وعطاء، باعثاً في قلب الأمة مكانة هذا الإنسان الذي يحتوي على أمورٍ كثيرة.

ورغم مرور الزمن على تعليمات منقذ الإنسانية من ظلمات الجهل إلى نور العلم، فإن الجهل ما زال موجوداً يتقلّب بعدةِ صورٍ ليسحق كرامة المرأة التي تُعتبر عصبُ الحياة والوجه الآخر للرجل، فهي شمسٌ تشرق لتمد حياة الرجل بالدفء طوال النهار، وهي قمرٌ منيرٌ حينما يُرخي الليلُ سدولَهُ ليُعطي صورةً أخرى لذلك الدفء عبر حنانها المبثوث فوق نجوم السماء وزخّات المطر، وهي الركن الذي يُعتمد عليه أثناء غياب الرجل، وما هي كذلك إلا لعظمة ودقّةِِ الصانعِ الذي أبدعَ في خلقِ هذا الإنسانِ الضعيف بمكوّناته القويّ بوجوده.

فمن خلال استعراض خَلْقِ المرأة ودورها في الحياة بجميع أطوارها نستنتج أن للمرأةِ أدواراً ليست محصورةً بين جدران المنزل؟! وإن كان هناك عدة أدوار تستطيع أن تؤديها خارج هذا الإطار فإنه يستلزم عليها القيام بأدوارها داخل الأسرة قبل الخروج منها بمعيّة الرجل، وقد نلاحظ ذلك جليّاً في حياة سيدات نساء العالمين وعلى رأسهم فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإن لهذه المرأة خدمات جليلة منذ بزوغ نورها على بطحاء مكّة وحتى رحيلها، وذلك عن طريق التزامها بمباديء الإسلام وحفظها وصايا أبيها ورسمها على أرض الواقع كإسلام يمشي بين أزقّة المدينة المنوّرة، انطلاقاً من إطار الأسرة المقدّسة اللامحدود، وذلك بتجلّي تربيتها بعد رحيلها في حياة أبناءها الذين حافظوا على الخطوط العامة للإسلام بمعيّةِ أمير المؤمنين عليه السلام.

ومع علم الكثير بأدوار المرأة ومكانتها في الشريعة الإسلامية والشريعة الفكرية إلا أنه يوجد ثمةَ رواسب عند البعض تخالف هاتين الشريعتين متجاهلاً أو متغافلاً أو ناكراً بعض العناوين العامة الموجودة في الدستور المقدّس ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة:187]، وهذا العنوان العظيم الصادر من عند العظيم لهو من العناوين العميقة التي لا يسع أيّ إنسان أن يفهمه ما لم يكن القرآن الكريم دليله الذي يستضيء به حين تدلهمّ الخطوب على صاحبها، وفي الأثناء التي تصدر الآيات الكريمة في حفظ هذه المكانة يتأوّل المتأوّلون على غير بصيرةٍ بأخذِ ما يوافق نهجهم المخالف لروح الشريعة محتجّين بقوله تعالى ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾ ومتغافلين بقية ما ورد في الآية الكريمة ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، فعملية التفضيل مقرونة كذلك بالتقوى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[الحجرات:13]، فلم يكرِّم الله سبحانه وتعالى الرجل على المرأة ما لم تكن التقوى في طليعة الحياة العملية التي من خلالها يُعرفُ الصالح من الطالح.

وبالنظر إلى الحياة العملية التي نمارسها اليوم نجد بعض الأخطاء الشنيعة والفظيعة وعلى رأسها ممارسة العنف ضد المرأة بجميع صوره، ومن ثم تأتي بعض الممارسات اللاأخلاقية واللادينية كالضرب والشتم والقذف، وكل هذا يظن البعض أنه من حق الرجل ممارسة هذه الأمور متأولاً على غير بصيرة بنسبتها إلى الإسلام، والإسلام من هذه الممارسات براء، والسبب كامن في أمور عِدة، منها:
الأساليب التربوية التي نشأ عليها، أو التأثر ببعض الأفكار الغربية، أو وجود بعض العادات والتقاليد الخاطئة، أو ثقافة شربها من غير منابعها السليمة، وغيرها من الأسباب التي تجعل من بعض الرجال ممارسة هذا العنف، مع العلم أن بعض ممارسات الرجل سببها المرأة، مما يضطر الرجل إلى فعل بعضٍ من هذه الأمور.

ولكن!! مهما كانت الأسباب لا تؤدي إلى مثل هذه الأمور الخالية من روح الإسلام المحمديّ الأصيل الذي بدوره جعل لكلا الجنسين كرامة، وما وجود الإسلام إلا لحماية كلا الجنسين من بعض الممارسات المشينة.
  
      

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...