الأحد، 31 أكتوبر 2021

ماهو نهج البلاغة - السيد الشهرستاني

 


الكتاب: ماهو نهج البلاغة؟

المؤلف: السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني

الناشر: مطبعة النعمان النجف الأشرف

تاريخ الطباعة: الطبعة الثالثة 1400هـ

عدد الصفحات: 64 صفحة

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

عرضٌ وتعريف:

يُعد السيد/ هبة الدين الشهرستاني (ت 1386هـ) من نوابغ العراق، لما له من مؤلفات وإسهامات فكرية كثيرة، قال عنه الزركلي في الأعلام: "أصدر مجلة العلم وهي أول مجلة عربية ظهرت في النجف، وأُسندت إليه وزارة المعارف العراقية"، ناهيك أن له من المؤلفات الكثيرة ومنها هذا الكتاب الذي نحن بصدده، والذي يُعد حلقة من حلقات من كتبوا وأسهموا في التأليف عن الكتاب الشهير "نهج البلاغة".

وهذا الكتاب الذي رغم صغر حجمه إلا أنه كتابٌ ينبئ القارئ على سعة اطّلاع مصنّفه، وروعة بيانه، ودقّة ملاحظاته، وقوّة تتبعه، فقد عرّف في هذه الصفحات عن الكتابِ وكاتبه، ودافع عن سهام الإشكالات التي وُجّهت له، وعلى شهرة نهج البلاغة إلا أنه ينقل بعض الأحداث ذات الصلة به والتي حصلت له مباشرة، منها قوله: (ولقد حاورني ببغداد سنة 1328هـ رئيس كتّاب القنصلية البريطانية "نرسيسيان" من فضلاء الأرمن زاعماً تفوّق نهج البلاغة على كل كلامٍ عربيٍّ لكثرة ما فيه من السهل الممتنع الذي لا يوجد في سواه وانقياد الأسجاع الصِعاب فيه بلا تكلّفٍ، واستشهد بقوله عليه السلام: "أم هذا الإنسان الذي خُلق في ظلمات الأرحام وسجف الأستار نطفةً دهاقاً وعلقة محاقاً فجنيناً وراضعاً ووليداً ويافعاً، ثم منحه الله سبحانه بصراً لا حظاً، ولساناً لافظاً، وقلباً حافظاً ... الخ".

معجباً بحسن التسجيع، وكيف يجري الروي كالماء السلسال على لسان الإمام (ع)، ثم قال: ولو كان يرقى هذا الخطيب العظيم منبر الكوفة في عصرنا هذا لرأيتم مسجدها على سعته يتموّج بقبّعات الافرنج للاستقاء من بحر علمه الزاخر). اهـ.

ولم يكتفِ بهذا النقل المباشر؛ بل نقل بعض أقوال من سجّلوا إعجابهم بنهج البلاغة، مثل: الأستاذ/ حسن نائل المرصفي، والشيخ/ محمد عبده، وغيرهما.

ولم تخفَ على السيد الشهرستاني بعض الأمور المهمّة التي عالجها كثير من  المؤلفين، إلا أنه الشهرستاني له طابعه الخاص في رصف المعلومات، فمن تلك المسائل تركيزه على الخطبة الشقشقية واختلاف رواتها قبل الشريف الرضي، حيث إن هذه الخطبة لا زال لها منكرون بحجّة ما ورد فيها من تصريحات على لسان الأمير عليه السلام، فقد نقل الشهرستاني تلك الاختلافات الواردة عند جمعٍ من العلماء التي لا تحيد عن المعنى رغم اختلاف رواتها، ومن أولئك العلماء الذين نقلوها قبل الشريف الرضيّ (ت 406هـ)، الشيخ المفيد (ت 413هـ) في الإرشاد .. وهو أستاذ الرضي كما هو معلوم، والشيخ الصدوق (ت 381هـ) في علل الشرائع، واستدلّ بقول الشيخ إبراهيم القطيفي في كتابه الفرقة الناجية قوله: (وقد روى الخطبة الشقشقية جماعة قبل الرضي، كابن عبد ربه في الجزء الرابع من العِقد وأبي علي الجبائي (ت 303هـ) في كتابه وابن الخشّاب في درسه والحسن بن عبدالله بن سعيد السكّري (ت 275هـ) في كتاب المواعظ والزواجر والصدوق في معاني الأخبار والشيخ المفيد).اهـ

 

السيد هبة الدين الشهرستاني

وتعرّض السيد إلى شُرّاح نهج البلاغة الذين أتى على اسم 42 شارحاً، وكذا جاء على ذكرِ جامعي كلام أمير المؤمنين عليه السلام قبل الشريف الرضي، وعدّ جماعة ممن قام بهذا العمل موثقاً ذلك بالمصادر، منهم: زيد بن وهب (ت 96هـ)، ونصر بن مزاحم المنقري (ت 212هـ)، وإسماعيل بن مهران أبو يعقوب السكوني (ق 2)، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 206هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (ت 207هـ)، وهكذا إلى أن عدّ خمسة عشر عالماً وأديباً ممن جمعوا كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك دفاعاً عن التهمة القائلة بأن الشريف الرضي قام بوضعِ تلك الخطب على لسان أمير المؤمنين عليه السلام.

لاشك أن الحديث عن كتاب نهج البلاغة يطول، وعن هذا الكتاب الموجز عنه وما فيه من محتوىً جميل كذلك يطول، وما أحرى أن يعتني القُرّاء بنهج البلاغة وما كُتب حوله من دراسات وشروح استزادةً في العلم الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام ذلك الينبوع الذي يروي كل من قصده.

 

الجمعة، 29 أكتوبر 2021

جولة في كتاب (التلوّث البيئي) للدكتور/ عبدالوهاب صادق


جولة في كتاب (التلوّث البيئي) للدكتور/ عبدالوهاب صادق

عبدالله بن علي الرستم

تأتي هذه الدراسة المحتوية على خمسةَ عشر فصلاً في موضوع من المواضيع المهمّة، والتي بحاجة للإنسان أن يسلّط الضوء عليها في حياته العلمية والعملية، ألا وهو: (التلوّث البيئي) الذي لم يكن موجوداً في قرونٍ سابقة، واكتسح حياتنا في القرنين المتأخرين نتيجة التطوّر الصناعي الهائل، وسعي الإنسان إلى الرفاهية الزائدة عن حاجته، مما جعله يدمّر الحرث والنسل بحجّة الحاجة للرفاهية أو لغيرها من المبررات غير المنطقية، والتي بدورها تستنزف الموارد الطبيعية بطريقة غير دقيقة وغير علمية.

فالتلوّث (Pollution) هو إدخال أي مادة أو مُركَّب إلى المحتوى الأصلي للمادة والذي يؤدي إلى تغيّر في اللون أو الطعم أو الشكل أو الرائحة للمادة الأصلية، هذا من حيث التعريف، وقد احتوت الدراسة على خمسة عشر فصلاً، تناول فيها عدة عناوين مهمة، وهي: (الإسلام وحماية البيئة من التلوّث، الأمن البيئي المنشود والتوعية البيئية، التلوث الميكروبي، دور الكائنات الحية الدقيقة في التوازن البيئي، التلوث الغذائي، التلوث الهوائي، التلوث المائي، التلوث النفطي، التلوث الإشعاعي، التلوث المعدني، التلوث البيئي بمخلّفات الصرف الصحي، التلوث البيئي بالمطَر الحمضي، التلوث البيئي بالمبيدات والمخصّبات الزراعية، المقاومة الميكروبية، الأنظمة التشريعية للحماية البيئية).

انطلق المؤلف بطرح رؤية الإسلام نحو الحفاظ على البيئة، حيث تطرق في هذا الصدد إلى الرؤية الإسلامية المنبثقة من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، مثل:

- قوله تعالى: )ولا تُفسِدُوا فِيْ الأَرْضِ بعدَ إِصْلاَحِهَا(.

- قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة».

وأدلة أخرى تشير أن الإسلام نهى عن الإضرار بالبيئة؛ لئلا يحصل اختلال في التوازن البيئي، نتيجة طمع الإنسان وحرصه على تحقيق كل ما يساهم في الحصول على رفاهية مزعومة، وأن يأخذ من الطبيعة قدر حاجته، دون الإضرار بها. متطرقاً في الوقت ذاته إلى دور العلماء الأوائل ومنهم ابن سينا الذي ألّف كتاباً في الطب أسماه (القانون) ناقش فيه بصفة خاصة مسائل تلوّث الهواء، وأشياء كثيرة ذات صلة بالتلوّث، والتي أكد عليها بأن (الأمن البيئي في الإسلام واجبٌ ديني قبل أن يكون نظاماً تشريعياً).

جاء بعدها ليناقش الأمن البيئي المنشود والتوعية البيئية، حيث اقترح المؤلف أن يتم صناعة مناهج تعليمية في التوعية البيئية وتُدرَّس للطلاب منذ الابتدائية وحتى الثانوية، وذلك بشكل تدريجي حول أهمية ما يُسمى بالحفاظ على البيئة من التلوّث، خصوصاً وأن الإنسان محاطٌ بعدة أنواع من المخلّفات. وكذلك طالَبَ أصحاب المصانع أن يلتزموا بالتشريعات والأنظمة المقررة في هذا الشأن، تخفيفاً من الآثار السلبية الناشئة من دخان المصانع.

 يضاف إلى أن المخلفات تزداد على حساب الإسراف في تحقيق الرفاهية، والتي منها: الدخان، الأشعة، الغازات، الأبخرة السامّة، المبيدات ...الخ. علماً أنه يُرمى في المحيطات والبحار سنوياً ما يقارب 10 مليون طن من النفايات السامّة، فكيف سيكون الوضع مستقبلاً إذا كانت النفايات التي تُرمى بهذه الكمية!! مما يعني أن خللاً بيئياً في الحياة البحرية ستتأثر على نحوٍ سلبي، فرغم التشريعات والأنظمة التي وضعت لحفظ البيئة من الاختلال، إلا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في تلك الأنظمة، في تعزيزها وتفعيلها على أرض الواقع في حال صلاحها، أو تغييرها في حال عدم صلاحيتها.

ويشير المؤلف أن ذلك التلوّث سيكون له تأثيره في الغلاف الجوّي، أي: النقص في نسبة الأكسجين والنيتروجين، وهذا مرتبطٌ بزيادة عدد السكان على الأرض، والمرتبط بابتكار طرق جديدة تساعد على زيادة الإنتاج الغذائي، حيث حدث تلوثٌ جديدٌ يُسمى بالتلوث الغذائي (Food pollution)، وغيرها من الآثار المترتبة على عدم الوعي الكافي للتلوّث وأضراره الجسيمة على الحياة البشرية والحيوانية والزراعية.

إن التلوّث البيئي الذي يحدث في الوقت الحاضر يشكلُ هاجساً كبيراً لدى المنظمات المعنية، ويعد من أهم المشكلات التي تواجه المسؤولين والحكومات، محاولين بقراراتهم صناعة استقرار وتوازنٍ بيئي.

أما من حيث الاستخدام الجائر للمخصبات الزراعية والمبيدات فقد أدى ذلك إلى حدوث العديد من الأضرار الصحية والاقتصادية بالمواد الغذائية التي يستهلكها الإنسان، نشأ نتيجة ذلك التلوث الغذائي. وليس الهواء بمعزلٍ عما نحنُ بصدده، فلتلوّث الهواء عدة مصادر: طبيعية كالزلازل والبراكين، وغير طبيعية كمخلفات الإنسان والنفايات بجميع أنواعهما.

ويؤكد المؤلف على أن الإنسان يتحمّل النسبة الأكبر في التلوّث؛ بل يراه هو الملوّث الحقيقي للماء نتيجة لتطوّره الصناعي وزيادة متطلبات رفاهيته، حيث لجأ إلى سكب كميات كبيرة من النفط والمخلفات الصناعية في الأنهار والبحيرات، بالإضافة إلى ممارسات أخرى واضحة للعيان. ويشير إلى حالة من تلك الحالات من سلوكيات الإنسان وهو مخلفات الصرف الصحي، ففي مدينة ينبع الصناعية تحتوي على تراكيز عالية من تلك المعادن التي سببها الصرف الصحي، لما فيها من العناصر المعدنية الثقيلة التي تسهم بدرجة كبيرة في تأقلم الكائنات الحية الدقيقة والمعزولة من أماكن مختلفة من المملكة العربية السعودية، فمن تلك العناصر الموجودة في الماء الملوّث وتعد من أهمها: الرصاص والزئبق والكادميوم والكوبالت والنيكل، كما أن وقود السيارات يمثل مصدراً رئيساً لعنصر الرصاص.



أما عن مشتقات النفط وتكريره فقط كشفت حرب الخليج الثانية عام 1991م دور النفط كسلاح خطير في تلوّث البيئة، خصوصاً إسهام ناقلات النفط العملاقة في القيام بهذا الدور، كغسل مستودعاتها وإجراء عمليات الصيانة والنظافة، وكل ذلك كما هو معلوم أنه يكون في البحار والمحيطات، وهذا ما جعل بعض المنظمات من سنِّ قوانين وتشريعات لهذه العملية، عبر تقنيات مختلفة، حيث يشجّع المؤلف الباحثين في دول الخليج بإجراء الكثير من البحوث والتجارب، نظراً لالتصاق هذا الموضوع بالتلوث النفطي، خصوصاً وأن دول الخليج من أهم الدول المصدِّرة للنفط.

ونتيجة لتطوّر الأبحاث في شؤون التلوّث، استطاع الباحثون من إيجاد أنظمة متطوّرة، يمكن استخدامها للتخلص من فضلات الصرف الصحي، كفصل المياه الواردة عن دورات مياه المنازل والتي تعرف بالمياه السوداء، عن المياه الواردة من مخلفات المصانع والتي تعرف باسم المياه الرمادية، كذلك فصل مياه الأمطار، وذلك عبر طرق معالجة أولية وثنائية وثلاثية.

من المسائل المهمة التي ربما لا يعرفها الكثير وهي مسألة: المطر الحمضي (Acid rain) الذي هو عبارة عن تطاير أبخرة بعض الأكاسيد، مثل: أكاسيد الكبريت والنيتروجين والكربون من مداخن المصانع حيث تلامس الأكاسيد الماء المتساقط إلى الأرض لتشكّل ماءً له صفة حمضية لا يلبثُ أن يتساقط على الأرض والمسطحات المائية ليلحق الضرر بالكائنات الحية. إلا أن ذلك مصحوبٌ بمشكلات كزيادة نسبة تركيز بعض العناصر المعدنية السامة مثل: الألومنيوم والنُحاس والخارصين والتي تلعب دوراً مباشراً في حدوث ظاهرة التداخل المعدني بين العناصر المعدنية الأخرى، والتي تؤدي إلى عدم الاستفادة من بعض العناصر المعدنية الكبرى مثل الكالسيوم والصوديوم، وهذا يؤدي بالتالي إلى إلحاق الضرر بالكائن الحي، ويظهر هذا الضرر في صور وأشكالٍ شتّى.

 أما عن التلوث بالمبيدات والمخصّبات الزراعية، فإنه يُعرض في الأسواق العديد من تلك المبيدات والتي تحمل أسماء مختلفة، وعند إضافة المبيد إلى التربة فإن هناك العديد من التحوُّلات البيولوجية والبيئية التي تسهم بشكل كبير في تغيير خاصية ذلك المبيد.

ويرى المؤلف أنه بالإمكان الاستعاضة في الوقت الحاضر عن تلك المخصّبات الزراعية باستخدام الأسمدة العضوية من مخلفات الصرف الصحي ومخلفات الحيوانات والطيور؛ لأن لها العديد من الخصائص الجيدة التي تتفوق بها على تلك المصنَّعة، حيثها تلائم النشاط الميكروبي، وتسهم في احتفاظ التربة بقوامها ورطوبتها، وتلائم نمو العديد من الخضروات والفواكه.

ويختم المؤلف كتابه حول الأنظمة التشريعية للحماية البيئية، بقوله: بالرغم أن الدول الصناعية الكبرى وضعت قوانين وتشريعات للحفاظ  على البيئة، إلا أنها للأسف تلجأ في معظم الأحيان إلى اتّباع طرق غير شرعيّة، للتخلّص من المخلفات والنفايات الصناعية والكيميائية، وتقوم بإلقاء تلك المخلّفات في البحار أو بدفنها في أراضي الدول الفقيرة مقابل إمدادها بالغذاء.

وحول برامج الوقاية المختلفة والتي وُضعت من قبل الكثير من المنظمات والمؤسسات المهتمة بالمحافظة على البيئة، فهذه يجب أن تطبق تطبيقاً كاملاً، وإلزام جميع الدول بالأخذ بها دون استثناء دولة دون أخرى.




 مجلة اليمامة

عدد رقم (٢٦٨١)

الخميس ٢٢ ربيع الأول ١٤٤٣ه‍ (٢٨ أكتوبر ٢٠٢١م)

http://www.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=9122


 

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

تاريخ الشريف العابد .. ظهور بعد شتات

 


كتاب (تاريخ الشريف العابد أخي محسن)

ظهورٌ وجمعٌ بعد شتات

 بطاقة الكتاب:

الكتاب: المحفوظ من "تاريخ الشريف العابد أخي محسن" .. في نسب مؤسسي الدولة الفاطمية، وبدء الدعوة الإسماعيلية، وأخبار الدعاة والقرامطة.

جمعه وأعده وحققه/ عبدالخالق بن عبدالجليل الجنبي

الناشر: دار المحجة البيضاء – بيروت وَ منشورات ملتقى الواحتين – بيروت

سنة الطبع: الطبعة الأولى – 1440هـ (2019م)

عدد الأجزاء: جزءان

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 التعريف بالكتاب:

كثيرة هي الكتب التي تعرّضت للضياع والتلف لأسبابٍ يصعب حصرها، وبفعل النسخ (نسخ الكتب) وتوثيق المصنّفين للأخبار المنقولة شفاهاً ممن كان قبلهم، تم اكتشاف الكثير من أسماء المصنّفات التي وُثّقت في تلك الكتب، فمنها لا زال في طيّ النسيان والفقدان، وآخر لا زالت بعض نصوصه متناثرة في بطون الكتب.

وفي أواخر القرن الرابع عشر والقرن الحالي ظهرت بعض الكتب المفقودة، وذلك بأسلوب الجمع من مصادر متعددة، مثل: (مرويات كتاب المدينة ليحيى بن الحسن العلوي العقيقي "ت 277هـ"، وَ مقتل الإمام الحسين عليه السلام لأبي مخنف الكوفي "ت157هـ")، وغيرهما كثير، واستخراج الكتب المفقودة من المصادر المطبوعة له دورٌ في منح القارئ شيئاً من التعرّف على كتابٍ توزّعت معلوماته في كتب أخرى، وتساعد كذلك على معرفة المصنِّف والمصنَّف، خصوصاً إذا لم يكن لهذا المؤلف سوى كتابٍ واحد، وما كتاب تاريخ الشريف العابد أبي الحسين محمد بن علي الحسيني (ت 398هـ) المعروف بـ(أخي محسن) إلا نموذج من تلك النماذج التي حفظها التاريخ في بطون كتب متعددة.

حول هذا الأمر لا زالت يراعة الأستاذ/ عبدالخالق الجنبي سيّالة لا تجف، ومعطاءة لا تقف، وذلك بفضل مواصلته البحث والقراءة في مجالٍ عَشِقَهُ وأخذ منه جُلَّ وقته، فقد صدر له كتابٌ تحت عنوان: (المحفوظ من تاريخ الشريف العابد أخي محسن .. في نسب مؤسسي الدولة الفاطمية وبدء الدعوة الإسماعيلية وأخبار الدعاة القرامطة) في جزئين عن دار المحجة البيضاء وملتقى الواحتين، وذلك عام 1440هـ، حيث قام بجمع المادة من مصادر متعددة، منها: (النويري، المقريزي، الدواداري ... وآخرين) وأعد شروحاً للنصوص المقتبسة من تلك المصادر، وأثرى وحقق بعض ما ورد فيها وفق آليّةٍ تذهب بالقارئ إلى التعرف على كتابٍ كان مفقوداً ليرى النور بعد جهدٍ يعطي صورة عامة عن المؤلِّف والمؤَلَّف.

ما يميّز هذا الكتاب أنه يعد في طليعة المصادر التي تتحدث عن موضوع طالما كثر النقاشُ فيه، وهو (نسب مؤسسي الدولة الفاطمية، وبدء الدعوة الإسماعيلية وأخبار القرامطة)؛ لتكون النتيجة وفق هذا المصدر القريب عهداً من تلك الأحداث أن مؤسسي الدولة الفاطمية أدعياء في نسبهم للبيت العلويّ الشريف، ومع أن المؤلّف – أخي محسن – يختلف مع أدعياء النسب إلا أنه أنصفهم، ولم يكتب غير الحقيقة التي يراها دون مزايدة أو مبالغة في أخبارهم، ومن مزاياه كذلك أنه "يتصف بتقصٍ واسع لأحداث زمانه مع جودة في سبك الكلام، وصياغته، وتنسيقه، وكل ذلك يدل على أن الشريف نال قسطاً جيداً من علوم عصره لغةً وأدباً ومعرفة".

احتوى الجزء الأول على نص الكتاب المجموع من المصادر التي نقلت عنه، حيث عملية الجمع والترتيب مسألة لا تقل جهداً عن التأليف؛ لأنها استخراجٌ من مصادر متعددة بأسلوب يحاول جامعه في أن يجعل معلومات الكتاب متماسكة ومنتظمة، كي لا يفقد قيمته العلمية، وتساعد كذلك على فهم مسار الأحداث، أما الجزء الثاني فقد احتوى على ترجمة الشريف العابد أخي محسن ومصادر كتابه ومعلومات عن الأحداث المصاحبة للفترة التي عاشها المؤلّف، وكذلك احتوى على منهجية الأستاذ الجنبي في إخراج هذا التاريخ وآلية التحقيق فيه، مع دراسةٍ كتبها حول الشريف والمصادر التي تحدثت عن نسب الخلفاء الفاطميين، ومجموعة ملاحق وضعها الجنبي تتمة لفكرة الكتاب وما يتعلق بها، حيث ناقش فيها آراء المثبتين والنافين لنسب الخلفاء الفاطميين للبيت العلوي الشريف، والجميل في الأمر أن الأستاذ الجنبي وضع في الملاحق معلومات ذات صلة بالكتاب، مثل: الخرائط التفصيلية لأهم المواضع المذكورة في تاريخ الشريف العابد، وصورة خطية من رسالة الخليفة عبدالله المهدي في نسبه، والمدرجة ضمن كتاب (الفرائض وحدود الدين) لابن منصور اليمن، وبعض النصوص ذات الصلة بمسائل تضمّنها الكتاب، بالإضافة إلى الفهارس والحواشي التي تتواجد في كل كتابٍ؛ ليخرج الكتاب بشكلٍ يتلاءم مع الفترة التي كتب فيها.

 


وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...