الجمعة، 29 أكتوبر 2021

جولة في كتاب (التلوّث البيئي) للدكتور/ عبدالوهاب صادق


جولة في كتاب (التلوّث البيئي) للدكتور/ عبدالوهاب صادق

عبدالله بن علي الرستم

تأتي هذه الدراسة المحتوية على خمسةَ عشر فصلاً في موضوع من المواضيع المهمّة، والتي بحاجة للإنسان أن يسلّط الضوء عليها في حياته العلمية والعملية، ألا وهو: (التلوّث البيئي) الذي لم يكن موجوداً في قرونٍ سابقة، واكتسح حياتنا في القرنين المتأخرين نتيجة التطوّر الصناعي الهائل، وسعي الإنسان إلى الرفاهية الزائدة عن حاجته، مما جعله يدمّر الحرث والنسل بحجّة الحاجة للرفاهية أو لغيرها من المبررات غير المنطقية، والتي بدورها تستنزف الموارد الطبيعية بطريقة غير دقيقة وغير علمية.

فالتلوّث (Pollution) هو إدخال أي مادة أو مُركَّب إلى المحتوى الأصلي للمادة والذي يؤدي إلى تغيّر في اللون أو الطعم أو الشكل أو الرائحة للمادة الأصلية، هذا من حيث التعريف، وقد احتوت الدراسة على خمسة عشر فصلاً، تناول فيها عدة عناوين مهمة، وهي: (الإسلام وحماية البيئة من التلوّث، الأمن البيئي المنشود والتوعية البيئية، التلوث الميكروبي، دور الكائنات الحية الدقيقة في التوازن البيئي، التلوث الغذائي، التلوث الهوائي، التلوث المائي، التلوث النفطي، التلوث الإشعاعي، التلوث المعدني، التلوث البيئي بمخلّفات الصرف الصحي، التلوث البيئي بالمطَر الحمضي، التلوث البيئي بالمبيدات والمخصّبات الزراعية، المقاومة الميكروبية، الأنظمة التشريعية للحماية البيئية).

انطلق المؤلف بطرح رؤية الإسلام نحو الحفاظ على البيئة، حيث تطرق في هذا الصدد إلى الرؤية الإسلامية المنبثقة من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، مثل:

- قوله تعالى: )ولا تُفسِدُوا فِيْ الأَرْضِ بعدَ إِصْلاَحِهَا(.

- قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة».

وأدلة أخرى تشير أن الإسلام نهى عن الإضرار بالبيئة؛ لئلا يحصل اختلال في التوازن البيئي، نتيجة طمع الإنسان وحرصه على تحقيق كل ما يساهم في الحصول على رفاهية مزعومة، وأن يأخذ من الطبيعة قدر حاجته، دون الإضرار بها. متطرقاً في الوقت ذاته إلى دور العلماء الأوائل ومنهم ابن سينا الذي ألّف كتاباً في الطب أسماه (القانون) ناقش فيه بصفة خاصة مسائل تلوّث الهواء، وأشياء كثيرة ذات صلة بالتلوّث، والتي أكد عليها بأن (الأمن البيئي في الإسلام واجبٌ ديني قبل أن يكون نظاماً تشريعياً).

جاء بعدها ليناقش الأمن البيئي المنشود والتوعية البيئية، حيث اقترح المؤلف أن يتم صناعة مناهج تعليمية في التوعية البيئية وتُدرَّس للطلاب منذ الابتدائية وحتى الثانوية، وذلك بشكل تدريجي حول أهمية ما يُسمى بالحفاظ على البيئة من التلوّث، خصوصاً وأن الإنسان محاطٌ بعدة أنواع من المخلّفات. وكذلك طالَبَ أصحاب المصانع أن يلتزموا بالتشريعات والأنظمة المقررة في هذا الشأن، تخفيفاً من الآثار السلبية الناشئة من دخان المصانع.

 يضاف إلى أن المخلفات تزداد على حساب الإسراف في تحقيق الرفاهية، والتي منها: الدخان، الأشعة، الغازات، الأبخرة السامّة، المبيدات ...الخ. علماً أنه يُرمى في المحيطات والبحار سنوياً ما يقارب 10 مليون طن من النفايات السامّة، فكيف سيكون الوضع مستقبلاً إذا كانت النفايات التي تُرمى بهذه الكمية!! مما يعني أن خللاً بيئياً في الحياة البحرية ستتأثر على نحوٍ سلبي، فرغم التشريعات والأنظمة التي وضعت لحفظ البيئة من الاختلال، إلا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في تلك الأنظمة، في تعزيزها وتفعيلها على أرض الواقع في حال صلاحها، أو تغييرها في حال عدم صلاحيتها.

ويشير المؤلف أن ذلك التلوّث سيكون له تأثيره في الغلاف الجوّي، أي: النقص في نسبة الأكسجين والنيتروجين، وهذا مرتبطٌ بزيادة عدد السكان على الأرض، والمرتبط بابتكار طرق جديدة تساعد على زيادة الإنتاج الغذائي، حيث حدث تلوثٌ جديدٌ يُسمى بالتلوث الغذائي (Food pollution)، وغيرها من الآثار المترتبة على عدم الوعي الكافي للتلوّث وأضراره الجسيمة على الحياة البشرية والحيوانية والزراعية.

إن التلوّث البيئي الذي يحدث في الوقت الحاضر يشكلُ هاجساً كبيراً لدى المنظمات المعنية، ويعد من أهم المشكلات التي تواجه المسؤولين والحكومات، محاولين بقراراتهم صناعة استقرار وتوازنٍ بيئي.

أما من حيث الاستخدام الجائر للمخصبات الزراعية والمبيدات فقد أدى ذلك إلى حدوث العديد من الأضرار الصحية والاقتصادية بالمواد الغذائية التي يستهلكها الإنسان، نشأ نتيجة ذلك التلوث الغذائي. وليس الهواء بمعزلٍ عما نحنُ بصدده، فلتلوّث الهواء عدة مصادر: طبيعية كالزلازل والبراكين، وغير طبيعية كمخلفات الإنسان والنفايات بجميع أنواعهما.

ويؤكد المؤلف على أن الإنسان يتحمّل النسبة الأكبر في التلوّث؛ بل يراه هو الملوّث الحقيقي للماء نتيجة لتطوّره الصناعي وزيادة متطلبات رفاهيته، حيث لجأ إلى سكب كميات كبيرة من النفط والمخلفات الصناعية في الأنهار والبحيرات، بالإضافة إلى ممارسات أخرى واضحة للعيان. ويشير إلى حالة من تلك الحالات من سلوكيات الإنسان وهو مخلفات الصرف الصحي، ففي مدينة ينبع الصناعية تحتوي على تراكيز عالية من تلك المعادن التي سببها الصرف الصحي، لما فيها من العناصر المعدنية الثقيلة التي تسهم بدرجة كبيرة في تأقلم الكائنات الحية الدقيقة والمعزولة من أماكن مختلفة من المملكة العربية السعودية، فمن تلك العناصر الموجودة في الماء الملوّث وتعد من أهمها: الرصاص والزئبق والكادميوم والكوبالت والنيكل، كما أن وقود السيارات يمثل مصدراً رئيساً لعنصر الرصاص.



أما عن مشتقات النفط وتكريره فقط كشفت حرب الخليج الثانية عام 1991م دور النفط كسلاح خطير في تلوّث البيئة، خصوصاً إسهام ناقلات النفط العملاقة في القيام بهذا الدور، كغسل مستودعاتها وإجراء عمليات الصيانة والنظافة، وكل ذلك كما هو معلوم أنه يكون في البحار والمحيطات، وهذا ما جعل بعض المنظمات من سنِّ قوانين وتشريعات لهذه العملية، عبر تقنيات مختلفة، حيث يشجّع المؤلف الباحثين في دول الخليج بإجراء الكثير من البحوث والتجارب، نظراً لالتصاق هذا الموضوع بالتلوث النفطي، خصوصاً وأن دول الخليج من أهم الدول المصدِّرة للنفط.

ونتيجة لتطوّر الأبحاث في شؤون التلوّث، استطاع الباحثون من إيجاد أنظمة متطوّرة، يمكن استخدامها للتخلص من فضلات الصرف الصحي، كفصل المياه الواردة عن دورات مياه المنازل والتي تعرف بالمياه السوداء، عن المياه الواردة من مخلفات المصانع والتي تعرف باسم المياه الرمادية، كذلك فصل مياه الأمطار، وذلك عبر طرق معالجة أولية وثنائية وثلاثية.

من المسائل المهمة التي ربما لا يعرفها الكثير وهي مسألة: المطر الحمضي (Acid rain) الذي هو عبارة عن تطاير أبخرة بعض الأكاسيد، مثل: أكاسيد الكبريت والنيتروجين والكربون من مداخن المصانع حيث تلامس الأكاسيد الماء المتساقط إلى الأرض لتشكّل ماءً له صفة حمضية لا يلبثُ أن يتساقط على الأرض والمسطحات المائية ليلحق الضرر بالكائنات الحية. إلا أن ذلك مصحوبٌ بمشكلات كزيادة نسبة تركيز بعض العناصر المعدنية السامة مثل: الألومنيوم والنُحاس والخارصين والتي تلعب دوراً مباشراً في حدوث ظاهرة التداخل المعدني بين العناصر المعدنية الأخرى، والتي تؤدي إلى عدم الاستفادة من بعض العناصر المعدنية الكبرى مثل الكالسيوم والصوديوم، وهذا يؤدي بالتالي إلى إلحاق الضرر بالكائن الحي، ويظهر هذا الضرر في صور وأشكالٍ شتّى.

 أما عن التلوث بالمبيدات والمخصّبات الزراعية، فإنه يُعرض في الأسواق العديد من تلك المبيدات والتي تحمل أسماء مختلفة، وعند إضافة المبيد إلى التربة فإن هناك العديد من التحوُّلات البيولوجية والبيئية التي تسهم بشكل كبير في تغيير خاصية ذلك المبيد.

ويرى المؤلف أنه بالإمكان الاستعاضة في الوقت الحاضر عن تلك المخصّبات الزراعية باستخدام الأسمدة العضوية من مخلفات الصرف الصحي ومخلفات الحيوانات والطيور؛ لأن لها العديد من الخصائص الجيدة التي تتفوق بها على تلك المصنَّعة، حيثها تلائم النشاط الميكروبي، وتسهم في احتفاظ التربة بقوامها ورطوبتها، وتلائم نمو العديد من الخضروات والفواكه.

ويختم المؤلف كتابه حول الأنظمة التشريعية للحماية البيئية، بقوله: بالرغم أن الدول الصناعية الكبرى وضعت قوانين وتشريعات للحفاظ  على البيئة، إلا أنها للأسف تلجأ في معظم الأحيان إلى اتّباع طرق غير شرعيّة، للتخلّص من المخلفات والنفايات الصناعية والكيميائية، وتقوم بإلقاء تلك المخلّفات في البحار أو بدفنها في أراضي الدول الفقيرة مقابل إمدادها بالغذاء.

وحول برامج الوقاية المختلفة والتي وُضعت من قبل الكثير من المنظمات والمؤسسات المهتمة بالمحافظة على البيئة، فهذه يجب أن تطبق تطبيقاً كاملاً، وإلزام جميع الدول بالأخذ بها دون استثناء دولة دون أخرى.




 مجلة اليمامة

عدد رقم (٢٦٨١)

الخميس ٢٢ ربيع الأول ١٤٤٣ه‍ (٢٨ أكتوبر ٢٠٢١م)

http://www.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=9122


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...