الخميس، 23 ديسمبر 2021

السيد عدنان العوامي بين الأدب والتحقيق

 


السيد عدنان العوامي بين الأدب والتحقيق

 بقلم: عبد الله الرستم

 ليس غريباً أن يقول الأستاذ/ محمد رضي الشماسي بحق السيد العوامي: (فإذا علمنا أن شاعراً مبدعاً، مثل السيد/ عدنان العوامي، دخل في عالم البحث والتحقيق، فسوف يغشانا شعور بالخوف على موهبته الفخمة أن تكسل في غمرة البحث، أو تهون بسبب الانغماس في قضايا التاريخ)؛ ذلك أن السيد العوامي يمتلك موهبة أدبية رائعة، وهو في ذات الوقت يحترف الكتابة التاريخية من خلال اللغة العميقة والتحقيق التاريخي، فتحقيقاته التاريخية تُفصح أن لديه مخزوناً أدبياً غزيراً، وهذا المخزون ظهر بعضه عبر قوالب شعرية، أو كتابات أدبية، أو تحقيقات تاريخية.

فلو أتينا إلى تحقيقه لديوان أبي البحر الخطي، فإننا أمام عملٍ مضنٍ استغرق سنوات من عمره، وقد قدم بهذا التحقيق خدمة لأدب وتاريخ المنطقة، وللتعرف أكثر على ما بذله من جهد في هذا التحقيق فدون القارئ أن يلتمس ذلك في مقدمة تحقيقه الديوان البالغة أكثر 100 صفحة موزعة على معلومات تاريخية وأدبية وتحقيقية، كذلك قيامه بالرجوع لمصادر مهمة تحدثت عن الحقبة الزمنية التي عاشها أبو البحر بملابساتها السياسية والاجتماعية والدينية، مع ترجيحات موثقة بالأدلّة دون أن تؤثر على لغة العوامي في بيانها السهل الممتنع، ولا تكاد أن تقول إلا أنك أمام عالمٍ تاريخي وأديب كبير ومحقق خبير وشاعر ماهر .

فالسيد العوامي بتحقيقه لديوان أبي البحر الخطي أحيا تراثاً مهماً، وذلك عبر تتبعه لمخطوطات الديوان، وإضافته مقدمة مهمة رصّعَ بها صفحات الديوان لتاريخ المنطقة المصاحب لحياة الشاعر الخطي، مع إضافة شرح للكلمات وترجيح بعضها على غيرها، واختيار المناسب منها لشعر الخطي، وكذلك قيامه باستخراج المصادر على اختلافاتها، الخطية والمطبوعة والمجلات والصحف والوثائق، مع إضافة الفهارس الفنية لهذا العمل الرائع والمهم في بابه ... الخ. كل ذلك يعيد الروح لهذا التراث الشعري الكبير لشاعر له شهرته وصيته في الأدب العربي للقرن العاشر، والذي يفصح عن وجود حركة أدبية غزيرة الإنتاج في المنطقة التي ينتمي إليها الشاعر . وإذا كان السيد العوامي قد اشتهر بتحقيقه لديوان أبي البحر الخطي، فأبحاثه ومتابعاته الأخرى لا تقل أهمية عما نشره في تحقيق الديوان، وللتعرف على ذلك فدون القارئ الوقوف على ما سطره في صفحات مجلة الواحة الفصلية، والتي تنوّعت بين الشعر والتاريخ والتحقيق، خصوصاً ما دوّنه حول تاريخ المنطقة في فترات زمنية مختلفة معتمداً على وثائق محلية وغير محلية؛ ليدعم بذلك وجهة نظره التي يتبناها عبر تتبع دقيق لمحتويات تلك الوثائق المختلفة، ولعل تنوع تلك المواضيع وما حوته من معلومات مهمة تُنبئ عن عدة أمور تكشف لنا شخصية السيد العوامي العلمية، والتي منها: حرصه على توثيق تاريخ إقليم البحرين التاريخي (الأحساء والقطيف والبحرين)، وتتبع المصادر ذات الصلة بالبحث الذي يطرقه، وهذا ما لمسته من قراءاتي لأبحاثه، واستماعي لبعض محاضراته التي ألقاها في الرياض، ولقاءاتي المتكررة معه خصوصاً التي زارني فيها بمدينة الرياض عام ١٤٤٠هـ أثناء معرض الكتاب الدولي بالرياض بصحبة السيد/ عباس الشبركة والأستاذ/ رضا سكرو، حيث كانت جلسة ثرية بكل ما تعنيه الكلمة.

 


ولعل أمراً ما، قد يغفله بعض من لا يعرف هذه القامة الثقافية، وهي : إن للسيد العوامي متابعات على ما تُرجم من رحلات وكتب عن تاريخ الجزيرة العربية والخليج، فقد كانت له وقفات على عدة كتب مترجمة، وتسجيل ملاحظاته على تلك الترجمات مع تبيان موقفه منها والإدلاء برأيه مدعوما بالدليل، مثل: ما نشره في مجلة الواحة العدد 46 عام ٢٠٠٧م بعنوان (رحلة سادلير إلى الجزيرة العربية ... بوصلة معطلة وترجمة مرتجلة) وذلك على حلقتين، وكذلك في ذات المجلة في العدد 48 عام ٢٠٠٨م (رحلة بلجريف .. ترجمة تحتاج إلى ترجمة) وذلك على 8 حلقات متتالية والتي صدرت فيما بعد في كتاب عن دار الانتشار العربي ببيروت، وكذلك في العدد 56 عام ۲۰۰۹م بحث بعنوان: (الترجمات العجماء .. مغامرة في الجزيرة العربية نموذجاً) ... وغيرها من الأبحاث التي تستدعي الوقوف أمام هذه الشخصية الشامخة بثقلها العلمي والمعطاء، فهو لا يختلف معهم من أجل الاختلاف!! بل يمر برحلة طويلة عبر قراءة النص المترجم والوقوف على طريقة الترجمة وتصويب أسماء المواقع والأشخاص وكل ما يمت بصلة للبحث الذي يطرقه.

 

من خلال ما تطرقت له بشكل مقتضب أستطيع القول أننا أمام شخصية موسوعية، لها بصمة في الشعر والأدب والتحقيق والترجمة، وهذا لا يتأتى إلا لمن يملك مشروعا ثقافيا ينبع من الغيرة على تراث وطنه الذي قصر فيه البعض بقصد أو بدون قصد، وتغافل عنه بعضهم، وجهله آخرون، وكذلك نحن أمام شخصية ترى للتوثيق أهمية بدلا من السجالات الجوفاء أو نقل المعلومات في وسائل التواصل دون تحري الدقة في نقلها بقصد السبق الإعلامي أو لأغراض غير علمية. وهذا يجعل الأجيال القادمة تتعرف على جهود هذه القامة البحثية التي حافظت ولا زالت تُعطي الكثير لأجل العلم وتاريخ المنطقة التي نعيش بين أفيائها الغنّاء.

 

تم نشر هذه الكلمة في كتاب "الاحتفال التكريمي بمنتدى الثلاثاء الثقافي للأديب والشاعر عدنان السيد محمد العوّامي"، وذلك عن منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف، الطبعة الأولى 1441هـ (2020م). 


شعر الجن في التراث العربي .. للدكتور ابن سليم الرشيد


(شعر الجن في التراث العربي) للدكتور/ عبدالله الرشيد

? عبدالله بن علي الرستم

 

تفضل عليّ الدكتور/ عبدالله بن سُليم الرشيد بإهدائه لي نسخة من كتابه هذا، والذي كنتُ أبحث عنه ومجموعة أخرى ذات صلة بشعرِ وأدبِ وأعلامِ الجنّ، والباحث عن موضوعٍ شائقٍ شائكٍ كالباحث عن مفقودٍ له في دنيا مترامية الأطراف، فهو إما يقع على ما يسدّ نهمه عبر ترحاله وتجواله في المكتبات، وإما يتحرّق بنار البحث حتى يجد ضالّته ويريح ركابه استعداداً لجولات أخرى، تلبية لنزعةٍ يريد إشباعها، أو تحقيقاً لغاية يريد سدّ فجوتها، وهذا ما كنتُ ولا زلتُ أستشعره حينما أبحثُ عن موضوعٍ قلّت مصادره، بغية إرواء غليلي من المعرفة، حيث إن مثل هذه المسائل قليلة التدوين كدراسة أدبية وليس دينية، وهو ما أشار له المؤلف بقوله: (والذي أودّ أن أعطفَ إليه القارئ، هو أن هذا الكتاب الموجز يعالج ضرباً من الأدب الذي كاد يُنسى، على طرافته، وأوشك أن يندثر على أهميّته، وهو الشعر الذي نُسب إلى الجن وما أطاف به من أخبار تشرّق حيناً، وتغرّب حيناً آخر ...).

وقد أبدع المؤلف في دراسته التي طوّرها مذ كانت بحثاً صغيراً نُشر قبل هذا الكتاب بعشر سنوات، حتى وصل إلى هذا المستوى من الصورة التي صار فيها بين دفّتي كتاب، ففي كل فصلٍ من فصوله يطرح المؤلف بعض المفاهيم حول شعر الجنّ، ففي الأثناء التي لا يؤمن أن للجنّ شعراً وأنه متصنّعٌ لأغراض متعددة، فإنه يقدّم أدلّته وفق مناهج نقدية، فقد استعرض بعض الدراسات التي تناولت هذا الجانب من الأدب، وأشار إلى ما فيها من محتوى ذي صلةٍ بهذه الدراسة، فهو يرى أن شعر الجنّ استغرق في شعر المدح والفخر، خصوصاً في (دلائل النبوّة)، ناهيك أن الشعر الذي نُسب إلى الجنّ يفتقد إلى السمّة الفنيّة، فبعضه متكلّفٌ وغير موزون، وآخر صيغ لأغراض مختلفة، حيث (للشعراء أنفسهم يدٌ في صناعة هذا الشعر؛ ليتملّكوا به ألباب الناس، ويورّطوهم في تصديق هذا الزعم بأن للشاعر رئياً، ومن خلال تمكين هذا المفهوم يتنصّلون من التبعات، ويحرزون كثيراً من الغايات، كبلوغ المآرب الدنيوية، وعلوّ المكانة في مقامات العشيرة).


ومن أسباب المؤلف التي يعزز فيها رؤيته من نفي معظم الشعر للجن هو: (
غياب الجن والهواتف عن مشاهد إنشاء الشعر إلا قليلاً عند مجيء الإسلام، والسبب أن تفكير العرب كان محدوداً في العصر الجاهلي، بسبب الجهل وعالم الكهّان، وهذا مخالف للإسلام، بحيث إنه مرتبط بالتفكير البدائي) [بتصرّف]. ولم يكن المؤلف أوّل من يقول بذلك، بل استشهد بقول الجاحظ (ت 255هـ) الذي أسهب في هذا المورد، وأن منشأ ذلك التفرّد في الفلوات وأثره على العقل والتفكير، حيث قال: (ثم جعلوا ما تصوّر لهم من ذلك شعراً تناشدوه، وأحاديث توارثوها، فازدادوا بذلك إيماناً، فصار أحدهم حين يتوسّط الفيافي، في الليالي الحنادس .. فعند أوّل وحشةٍ وفزعةٍ ... وقد رأى كل باطل، وتوهّم كل زور فيقول في ذلك من الشعر على حسب هذه الصفة ...الخ)، وتعزيزاً لهذا الرأي يرى المؤلّف أن غالب الشعر المتعلّق بدلائل النبوّة ضعيفٌ ركيك، والباقي فمسحته قليلة من جمال الفنّ، وأن واضعيه من القصّاص والوعّاظ تختلف قوّة الشعر بناءً على ثقافتهم، وأن ليس لهم حظٌ من الشعر سوى الوزن والقافية.

وتتميماً لما ذُكر فإن عنصراً مهماً في الشعر وهو: (أن الشعر يقوم على التخييل، فإن إدخال عنصر "الجن" فيه هو جزء من ذلك التخييل، أو الإيهام الموجّه الذي يثير المتلقي إثارة مقصودة). وتبقى الآراء التي نقلتها من هذا البحث قليلة مقارنة بما أدلت به يراعة المؤلّف، الذي اتّسم بحثه بروحٍ علميّة وقلمٍ أدبيّ سيّال، ويشار في هذا الصدد أن كتاب (الهواتف) لابن أبي الدنيا (ت 281هـ) من أوائل من كتب في المجال.

صحيفة الجزيرة

الاثنين ٩ جمادى الأولى الأول ١٤٤٣ه‍ (١٣ ديسمبر 2021م)

العدد رقم (١٧٩٧٨)

https://www.al-jazirah.com/2021/20211213/wo3.htm

 



الاثنين، 1 نوفمبر 2021

مع السيد عدنان العوامي في كتابه (رحلة يراع)

 


مع السيّد عدنان العوامي في كتابه (رحلة يراع)

 عبدالله بن علي الرستم

 عندما أقف أمام قامة علميّة أتهيّب الكتابة عنها، خوفاً من التقصير، ومن تلك الشخصيات السيد عدنان العوّامي، الذي له بصماتٌ كثيرة في تاريخ وأدب إقليم البحرين، فالمتابع لإنجازاته وإنتاجه في تاريخ المنطقة يرى ذلك جلياً، حيث أبحاثه ومقالاته ومؤلفاته مبثوثة في المكتبات، خصوصاً المنشورة في مجلة (الواحة)، وما الكتاب الذي أتحدث عنه اليوم إلا واحدٌ من عدةِ كتبٍ، حيث جمع فيه ما تسنّى له نشره وإلقاؤه في مناسبات ومنشورات مختلفة، ففي هذا الكتاب جولةٌ متعددة الاتجاهات، تبدأ من التاريخ والسِيَر مروراً بالأدب واللغة وختاماً بالجانب المجتمعي، وكل هذه المقالات جزءٌ من تاريخ المنطقة الأدبي والمجتمعي يعتمد فيها على حضوره ومعايشته لبعضها وتارة أخرى على وثائق محليّة مهمّة.

نبدأ مع السيّد بما سطّرته يراعته عن أبي البحر الشيخ جعفر الخطّي (ت 1028هـ) الذي له تاريخ طويل معه، فهو هنا لا يسطّر تاريخاً أو سيرة فحسب!! بل يُبحر في حياة شاعر الخليج في عصره والذي عمل على تحقيق ديوانه في مجلدين بعد رحلة امتدت لسنوات من البحث والتحقيق ليكون تحقيقه يُشار له بالبنان مقارنة بغيره ممن عمل على تحقيق ديوان أبي البحر، وما هذا إلا جهد العالِم الذي يُخلص لتاريخ أمّته وسِيَر عظمائها، فيقف موقف المتأمّل في كل حدثٍ مرّ بحياة الخطّي مؤيداً تارة ومفنداً تارة أخرى، فقد صاحبت الخطي ظروف الهجرة إلى البحرين إبّان الغزو البرتغالي، ثم ينتقل بعدها إلى شيراز وغير ذلك من محطات حياته، ويُعد شِعْرَ الشيخ الخطي وثيقة مهمّة للأحداث التي مرّت في ذلك الحين. ولا يسعنا الإبحار أكثر مما ذكرنا، لِتَمرَّ بنا يراعة العوامي على توثيق شخصيات أخرى، كالراحل حمد الجاسر (ت 1420هـ) الذي يعتبره بأنه من أشد المحاربين بالقلم، وأقواهم بأساً وجَلَداً ذلك أن الجاسر زار القطيف عام 1363هـ أثناء عمله مشرفاً على مدارس أرامكو، ومنها تكررت زياراته وكثرت علاقاته بشخصيات علمية من القطيف، والجاسر شخصية أشهر من أن تُعرّف، ولم ينسَ شخصية الشاعر أحمد بن سلمان الصايغ القطيفي (ت 1420هـ) الملقّب بالكوفي، والذي عاش معه الربع الأخير من عمره، ذلك أن الكوفي عاش خمسة وتسعين عاماً، وقد عايش العوّاميَ الكوفي معايشة الصديق المقرّب، وله وقفات مع شخصيات أخرى كالراحل عبدالكريم الجهيمان، والأستاذ/ عبدالله الشباط وغيرهم، وما هذا التوثيق من العوّامي إلا وفاء للقامات التي لها بصماتٌ في تاريخ المنطقة التاريخي والأدبي والاجتماعي.

كانت بداية الفصل الثاني (الأدب واللغة) مع ابن المقرّب العيوني (ت 630هـ) الشاعر المشهور الذي كُتبت عنه دراسات عدة، حيث يعيش المؤلّف مع ابن المقرّب وما كُتب عنه من دراسات تعامل الخبير، لما له العوامي حظٌ كبيرٌ من المعرفة الأدبية، فهو لا ينعطف مع رأي دون أن يخوض في غماره، ولا ينفي شيئاً إلا بشواهد شعرية وتاريخية لها الحضور العلمي وليس الميول النفسية، كالتحدث عمّا نُسب للشاعر من قصائد، وما دار النقاش حول مذهبه الديني، فقد خاض هذا المجال بإيجازٍ غير مخل في حين، وبإطنابٍ غير مملٍ حينما يتطلب الأمر الإطالة، كلُّ ذلك بلغة مليئة بالرقي في قضايا اختلف واتفق فيها مع آخرين.



وللعوامي وقفةٌ مع الفصحى والدارجة في القطيف بين العوام والمثقفين، والتي يرى أن لهجة أهل القطيف لا زالت محافظة على فصاحتها وإن تغيّرت طريقة نطق بعضها، بل إنه يرى أن عامل القوّة ما زال جلياً في محافظة اللهجة الدارجة بالقطيف على أصالتها. أما ما كتبه عن السرقة الأدبية في النقد القديم والحديث فهو حديث المطلع الخبير، فهو رغم قيامه بتعريف السرقة وتطوّر المصطلح إلى مصطلحات شبيهة بها كالتناص ونحوه، فقد وقف من آراء ابن وكيع التنيسي موقف الناقد البصير، وأن ما دوّنه ابن وكيع من سرقات المتنبي ماهي إلا قنصٌ غير موفّق، وما بين صيد ابن وكيع وقول المتنبي بونٌ شاسعٌ في الغرض والمفردة والصياغة، ويرى العوّامي أن الشعر كغيره من الفنون الإنسانية نتاج مؤثرات ثقافية متراكمة تكوّنت لدى الشاعر بفعل احتكاكه بعوامل التأثير في بيئته ومحيطه، وأنه لا بد لتلك الثقافة أن تستدعي عفو الخاطر لحظة مخاض القصيدة شاء الشاعر أم لم يشأ.

أما الفصل الثالث فقد جاء في عناوين تتحدث عن الحس الوحدوي في شرق الجزيرة العربية وتحوّلات الولاء من القبيلة إلى المنطقة كقبيلة عبدالقيس، مروراً بمشهد الوئام الطائفي في القطيف من خلال الوثائق المحلية؛ لتكون خاتمة المطاف عن الشاعر/ خالد بن محمد الفرج كنموذج للاندماج الوطني، وهذا الفصل لاشك أنه من الفصول المهمّة التي يغفل عنها كثيرٌ من الكتّاب. ولذا لا يسعني في الختام إلا الشعور بالتقصير تجاه ما كتبته عن قامةٍ تاريخية أدبية علمية كالسيد/ عدنان العوّامي، وغرضي فيما دوّنته هو التعريف بجزء من إنتاجه الذي وثّقه في هذا الكتاب.




صحيفة الجزيرة
يوم الاثنين 26 ربيع الأول 1443هـ (1 نوفمبر 2021م)

عدد رقم:17843

https://www.al-jazirah.com/2021/20211101/wo1.htm

الأحد، 31 أكتوبر 2021

ماهو نهج البلاغة - السيد الشهرستاني

 


الكتاب: ماهو نهج البلاغة؟

المؤلف: السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني

الناشر: مطبعة النعمان النجف الأشرف

تاريخ الطباعة: الطبعة الثالثة 1400هـ

عدد الصفحات: 64 صفحة

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

عرضٌ وتعريف:

يُعد السيد/ هبة الدين الشهرستاني (ت 1386هـ) من نوابغ العراق، لما له من مؤلفات وإسهامات فكرية كثيرة، قال عنه الزركلي في الأعلام: "أصدر مجلة العلم وهي أول مجلة عربية ظهرت في النجف، وأُسندت إليه وزارة المعارف العراقية"، ناهيك أن له من المؤلفات الكثيرة ومنها هذا الكتاب الذي نحن بصدده، والذي يُعد حلقة من حلقات من كتبوا وأسهموا في التأليف عن الكتاب الشهير "نهج البلاغة".

وهذا الكتاب الذي رغم صغر حجمه إلا أنه كتابٌ ينبئ القارئ على سعة اطّلاع مصنّفه، وروعة بيانه، ودقّة ملاحظاته، وقوّة تتبعه، فقد عرّف في هذه الصفحات عن الكتابِ وكاتبه، ودافع عن سهام الإشكالات التي وُجّهت له، وعلى شهرة نهج البلاغة إلا أنه ينقل بعض الأحداث ذات الصلة به والتي حصلت له مباشرة، منها قوله: (ولقد حاورني ببغداد سنة 1328هـ رئيس كتّاب القنصلية البريطانية "نرسيسيان" من فضلاء الأرمن زاعماً تفوّق نهج البلاغة على كل كلامٍ عربيٍّ لكثرة ما فيه من السهل الممتنع الذي لا يوجد في سواه وانقياد الأسجاع الصِعاب فيه بلا تكلّفٍ، واستشهد بقوله عليه السلام: "أم هذا الإنسان الذي خُلق في ظلمات الأرحام وسجف الأستار نطفةً دهاقاً وعلقة محاقاً فجنيناً وراضعاً ووليداً ويافعاً، ثم منحه الله سبحانه بصراً لا حظاً، ولساناً لافظاً، وقلباً حافظاً ... الخ".

معجباً بحسن التسجيع، وكيف يجري الروي كالماء السلسال على لسان الإمام (ع)، ثم قال: ولو كان يرقى هذا الخطيب العظيم منبر الكوفة في عصرنا هذا لرأيتم مسجدها على سعته يتموّج بقبّعات الافرنج للاستقاء من بحر علمه الزاخر). اهـ.

ولم يكتفِ بهذا النقل المباشر؛ بل نقل بعض أقوال من سجّلوا إعجابهم بنهج البلاغة، مثل: الأستاذ/ حسن نائل المرصفي، والشيخ/ محمد عبده، وغيرهما.

ولم تخفَ على السيد الشهرستاني بعض الأمور المهمّة التي عالجها كثير من  المؤلفين، إلا أنه الشهرستاني له طابعه الخاص في رصف المعلومات، فمن تلك المسائل تركيزه على الخطبة الشقشقية واختلاف رواتها قبل الشريف الرضي، حيث إن هذه الخطبة لا زال لها منكرون بحجّة ما ورد فيها من تصريحات على لسان الأمير عليه السلام، فقد نقل الشهرستاني تلك الاختلافات الواردة عند جمعٍ من العلماء التي لا تحيد عن المعنى رغم اختلاف رواتها، ومن أولئك العلماء الذين نقلوها قبل الشريف الرضيّ (ت 406هـ)، الشيخ المفيد (ت 413هـ) في الإرشاد .. وهو أستاذ الرضي كما هو معلوم، والشيخ الصدوق (ت 381هـ) في علل الشرائع، واستدلّ بقول الشيخ إبراهيم القطيفي في كتابه الفرقة الناجية قوله: (وقد روى الخطبة الشقشقية جماعة قبل الرضي، كابن عبد ربه في الجزء الرابع من العِقد وأبي علي الجبائي (ت 303هـ) في كتابه وابن الخشّاب في درسه والحسن بن عبدالله بن سعيد السكّري (ت 275هـ) في كتاب المواعظ والزواجر والصدوق في معاني الأخبار والشيخ المفيد).اهـ

 

السيد هبة الدين الشهرستاني

وتعرّض السيد إلى شُرّاح نهج البلاغة الذين أتى على اسم 42 شارحاً، وكذا جاء على ذكرِ جامعي كلام أمير المؤمنين عليه السلام قبل الشريف الرضي، وعدّ جماعة ممن قام بهذا العمل موثقاً ذلك بالمصادر، منهم: زيد بن وهب (ت 96هـ)، ونصر بن مزاحم المنقري (ت 212هـ)، وإسماعيل بن مهران أبو يعقوب السكوني (ق 2)، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 206هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (ت 207هـ)، وهكذا إلى أن عدّ خمسة عشر عالماً وأديباً ممن جمعوا كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك دفاعاً عن التهمة القائلة بأن الشريف الرضي قام بوضعِ تلك الخطب على لسان أمير المؤمنين عليه السلام.

لاشك أن الحديث عن كتاب نهج البلاغة يطول، وعن هذا الكتاب الموجز عنه وما فيه من محتوىً جميل كذلك يطول، وما أحرى أن يعتني القُرّاء بنهج البلاغة وما كُتب حوله من دراسات وشروح استزادةً في العلم الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام ذلك الينبوع الذي يروي كل من قصده.

 

الجمعة، 29 أكتوبر 2021

جولة في كتاب (التلوّث البيئي) للدكتور/ عبدالوهاب صادق


جولة في كتاب (التلوّث البيئي) للدكتور/ عبدالوهاب صادق

عبدالله بن علي الرستم

تأتي هذه الدراسة المحتوية على خمسةَ عشر فصلاً في موضوع من المواضيع المهمّة، والتي بحاجة للإنسان أن يسلّط الضوء عليها في حياته العلمية والعملية، ألا وهو: (التلوّث البيئي) الذي لم يكن موجوداً في قرونٍ سابقة، واكتسح حياتنا في القرنين المتأخرين نتيجة التطوّر الصناعي الهائل، وسعي الإنسان إلى الرفاهية الزائدة عن حاجته، مما جعله يدمّر الحرث والنسل بحجّة الحاجة للرفاهية أو لغيرها من المبررات غير المنطقية، والتي بدورها تستنزف الموارد الطبيعية بطريقة غير دقيقة وغير علمية.

فالتلوّث (Pollution) هو إدخال أي مادة أو مُركَّب إلى المحتوى الأصلي للمادة والذي يؤدي إلى تغيّر في اللون أو الطعم أو الشكل أو الرائحة للمادة الأصلية، هذا من حيث التعريف، وقد احتوت الدراسة على خمسة عشر فصلاً، تناول فيها عدة عناوين مهمة، وهي: (الإسلام وحماية البيئة من التلوّث، الأمن البيئي المنشود والتوعية البيئية، التلوث الميكروبي، دور الكائنات الحية الدقيقة في التوازن البيئي، التلوث الغذائي، التلوث الهوائي، التلوث المائي، التلوث النفطي، التلوث الإشعاعي، التلوث المعدني، التلوث البيئي بمخلّفات الصرف الصحي، التلوث البيئي بالمطَر الحمضي، التلوث البيئي بالمبيدات والمخصّبات الزراعية، المقاومة الميكروبية، الأنظمة التشريعية للحماية البيئية).

انطلق المؤلف بطرح رؤية الإسلام نحو الحفاظ على البيئة، حيث تطرق في هذا الصدد إلى الرؤية الإسلامية المنبثقة من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، مثل:

- قوله تعالى: )ولا تُفسِدُوا فِيْ الأَرْضِ بعدَ إِصْلاَحِهَا(.

- قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة».

وأدلة أخرى تشير أن الإسلام نهى عن الإضرار بالبيئة؛ لئلا يحصل اختلال في التوازن البيئي، نتيجة طمع الإنسان وحرصه على تحقيق كل ما يساهم في الحصول على رفاهية مزعومة، وأن يأخذ من الطبيعة قدر حاجته، دون الإضرار بها. متطرقاً في الوقت ذاته إلى دور العلماء الأوائل ومنهم ابن سينا الذي ألّف كتاباً في الطب أسماه (القانون) ناقش فيه بصفة خاصة مسائل تلوّث الهواء، وأشياء كثيرة ذات صلة بالتلوّث، والتي أكد عليها بأن (الأمن البيئي في الإسلام واجبٌ ديني قبل أن يكون نظاماً تشريعياً).

جاء بعدها ليناقش الأمن البيئي المنشود والتوعية البيئية، حيث اقترح المؤلف أن يتم صناعة مناهج تعليمية في التوعية البيئية وتُدرَّس للطلاب منذ الابتدائية وحتى الثانوية، وذلك بشكل تدريجي حول أهمية ما يُسمى بالحفاظ على البيئة من التلوّث، خصوصاً وأن الإنسان محاطٌ بعدة أنواع من المخلّفات. وكذلك طالَبَ أصحاب المصانع أن يلتزموا بالتشريعات والأنظمة المقررة في هذا الشأن، تخفيفاً من الآثار السلبية الناشئة من دخان المصانع.

 يضاف إلى أن المخلفات تزداد على حساب الإسراف في تحقيق الرفاهية، والتي منها: الدخان، الأشعة، الغازات، الأبخرة السامّة، المبيدات ...الخ. علماً أنه يُرمى في المحيطات والبحار سنوياً ما يقارب 10 مليون طن من النفايات السامّة، فكيف سيكون الوضع مستقبلاً إذا كانت النفايات التي تُرمى بهذه الكمية!! مما يعني أن خللاً بيئياً في الحياة البحرية ستتأثر على نحوٍ سلبي، فرغم التشريعات والأنظمة التي وضعت لحفظ البيئة من الاختلال، إلا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في تلك الأنظمة، في تعزيزها وتفعيلها على أرض الواقع في حال صلاحها، أو تغييرها في حال عدم صلاحيتها.

ويشير المؤلف أن ذلك التلوّث سيكون له تأثيره في الغلاف الجوّي، أي: النقص في نسبة الأكسجين والنيتروجين، وهذا مرتبطٌ بزيادة عدد السكان على الأرض، والمرتبط بابتكار طرق جديدة تساعد على زيادة الإنتاج الغذائي، حيث حدث تلوثٌ جديدٌ يُسمى بالتلوث الغذائي (Food pollution)، وغيرها من الآثار المترتبة على عدم الوعي الكافي للتلوّث وأضراره الجسيمة على الحياة البشرية والحيوانية والزراعية.

إن التلوّث البيئي الذي يحدث في الوقت الحاضر يشكلُ هاجساً كبيراً لدى المنظمات المعنية، ويعد من أهم المشكلات التي تواجه المسؤولين والحكومات، محاولين بقراراتهم صناعة استقرار وتوازنٍ بيئي.

أما من حيث الاستخدام الجائر للمخصبات الزراعية والمبيدات فقد أدى ذلك إلى حدوث العديد من الأضرار الصحية والاقتصادية بالمواد الغذائية التي يستهلكها الإنسان، نشأ نتيجة ذلك التلوث الغذائي. وليس الهواء بمعزلٍ عما نحنُ بصدده، فلتلوّث الهواء عدة مصادر: طبيعية كالزلازل والبراكين، وغير طبيعية كمخلفات الإنسان والنفايات بجميع أنواعهما.

ويؤكد المؤلف على أن الإنسان يتحمّل النسبة الأكبر في التلوّث؛ بل يراه هو الملوّث الحقيقي للماء نتيجة لتطوّره الصناعي وزيادة متطلبات رفاهيته، حيث لجأ إلى سكب كميات كبيرة من النفط والمخلفات الصناعية في الأنهار والبحيرات، بالإضافة إلى ممارسات أخرى واضحة للعيان. ويشير إلى حالة من تلك الحالات من سلوكيات الإنسان وهو مخلفات الصرف الصحي، ففي مدينة ينبع الصناعية تحتوي على تراكيز عالية من تلك المعادن التي سببها الصرف الصحي، لما فيها من العناصر المعدنية الثقيلة التي تسهم بدرجة كبيرة في تأقلم الكائنات الحية الدقيقة والمعزولة من أماكن مختلفة من المملكة العربية السعودية، فمن تلك العناصر الموجودة في الماء الملوّث وتعد من أهمها: الرصاص والزئبق والكادميوم والكوبالت والنيكل، كما أن وقود السيارات يمثل مصدراً رئيساً لعنصر الرصاص.



أما عن مشتقات النفط وتكريره فقط كشفت حرب الخليج الثانية عام 1991م دور النفط كسلاح خطير في تلوّث البيئة، خصوصاً إسهام ناقلات النفط العملاقة في القيام بهذا الدور، كغسل مستودعاتها وإجراء عمليات الصيانة والنظافة، وكل ذلك كما هو معلوم أنه يكون في البحار والمحيطات، وهذا ما جعل بعض المنظمات من سنِّ قوانين وتشريعات لهذه العملية، عبر تقنيات مختلفة، حيث يشجّع المؤلف الباحثين في دول الخليج بإجراء الكثير من البحوث والتجارب، نظراً لالتصاق هذا الموضوع بالتلوث النفطي، خصوصاً وأن دول الخليج من أهم الدول المصدِّرة للنفط.

ونتيجة لتطوّر الأبحاث في شؤون التلوّث، استطاع الباحثون من إيجاد أنظمة متطوّرة، يمكن استخدامها للتخلص من فضلات الصرف الصحي، كفصل المياه الواردة عن دورات مياه المنازل والتي تعرف بالمياه السوداء، عن المياه الواردة من مخلفات المصانع والتي تعرف باسم المياه الرمادية، كذلك فصل مياه الأمطار، وذلك عبر طرق معالجة أولية وثنائية وثلاثية.

من المسائل المهمة التي ربما لا يعرفها الكثير وهي مسألة: المطر الحمضي (Acid rain) الذي هو عبارة عن تطاير أبخرة بعض الأكاسيد، مثل: أكاسيد الكبريت والنيتروجين والكربون من مداخن المصانع حيث تلامس الأكاسيد الماء المتساقط إلى الأرض لتشكّل ماءً له صفة حمضية لا يلبثُ أن يتساقط على الأرض والمسطحات المائية ليلحق الضرر بالكائنات الحية. إلا أن ذلك مصحوبٌ بمشكلات كزيادة نسبة تركيز بعض العناصر المعدنية السامة مثل: الألومنيوم والنُحاس والخارصين والتي تلعب دوراً مباشراً في حدوث ظاهرة التداخل المعدني بين العناصر المعدنية الأخرى، والتي تؤدي إلى عدم الاستفادة من بعض العناصر المعدنية الكبرى مثل الكالسيوم والصوديوم، وهذا يؤدي بالتالي إلى إلحاق الضرر بالكائن الحي، ويظهر هذا الضرر في صور وأشكالٍ شتّى.

 أما عن التلوث بالمبيدات والمخصّبات الزراعية، فإنه يُعرض في الأسواق العديد من تلك المبيدات والتي تحمل أسماء مختلفة، وعند إضافة المبيد إلى التربة فإن هناك العديد من التحوُّلات البيولوجية والبيئية التي تسهم بشكل كبير في تغيير خاصية ذلك المبيد.

ويرى المؤلف أنه بالإمكان الاستعاضة في الوقت الحاضر عن تلك المخصّبات الزراعية باستخدام الأسمدة العضوية من مخلفات الصرف الصحي ومخلفات الحيوانات والطيور؛ لأن لها العديد من الخصائص الجيدة التي تتفوق بها على تلك المصنَّعة، حيثها تلائم النشاط الميكروبي، وتسهم في احتفاظ التربة بقوامها ورطوبتها، وتلائم نمو العديد من الخضروات والفواكه.

ويختم المؤلف كتابه حول الأنظمة التشريعية للحماية البيئية، بقوله: بالرغم أن الدول الصناعية الكبرى وضعت قوانين وتشريعات للحفاظ  على البيئة، إلا أنها للأسف تلجأ في معظم الأحيان إلى اتّباع طرق غير شرعيّة، للتخلّص من المخلفات والنفايات الصناعية والكيميائية، وتقوم بإلقاء تلك المخلّفات في البحار أو بدفنها في أراضي الدول الفقيرة مقابل إمدادها بالغذاء.

وحول برامج الوقاية المختلفة والتي وُضعت من قبل الكثير من المنظمات والمؤسسات المهتمة بالمحافظة على البيئة، فهذه يجب أن تطبق تطبيقاً كاملاً، وإلزام جميع الدول بالأخذ بها دون استثناء دولة دون أخرى.




 مجلة اليمامة

عدد رقم (٢٦٨١)

الخميس ٢٢ ربيع الأول ١٤٤٣ه‍ (٢٨ أكتوبر ٢٠٢١م)

http://www.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=9122


 

الاثنين، 11 أكتوبر 2021

تاريخ الشريف العابد .. ظهور بعد شتات

 


كتاب (تاريخ الشريف العابد أخي محسن)

ظهورٌ وجمعٌ بعد شتات

 بطاقة الكتاب:

الكتاب: المحفوظ من "تاريخ الشريف العابد أخي محسن" .. في نسب مؤسسي الدولة الفاطمية، وبدء الدعوة الإسماعيلية، وأخبار الدعاة والقرامطة.

جمعه وأعده وحققه/ عبدالخالق بن عبدالجليل الجنبي

الناشر: دار المحجة البيضاء – بيروت وَ منشورات ملتقى الواحتين – بيروت

سنة الطبع: الطبعة الأولى – 1440هـ (2019م)

عدد الأجزاء: جزءان

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

 التعريف بالكتاب:

كثيرة هي الكتب التي تعرّضت للضياع والتلف لأسبابٍ يصعب حصرها، وبفعل النسخ (نسخ الكتب) وتوثيق المصنّفين للأخبار المنقولة شفاهاً ممن كان قبلهم، تم اكتشاف الكثير من أسماء المصنّفات التي وُثّقت في تلك الكتب، فمنها لا زال في طيّ النسيان والفقدان، وآخر لا زالت بعض نصوصه متناثرة في بطون الكتب.

وفي أواخر القرن الرابع عشر والقرن الحالي ظهرت بعض الكتب المفقودة، وذلك بأسلوب الجمع من مصادر متعددة، مثل: (مرويات كتاب المدينة ليحيى بن الحسن العلوي العقيقي "ت 277هـ"، وَ مقتل الإمام الحسين عليه السلام لأبي مخنف الكوفي "ت157هـ")، وغيرهما كثير، واستخراج الكتب المفقودة من المصادر المطبوعة له دورٌ في منح القارئ شيئاً من التعرّف على كتابٍ توزّعت معلوماته في كتب أخرى، وتساعد كذلك على معرفة المصنِّف والمصنَّف، خصوصاً إذا لم يكن لهذا المؤلف سوى كتابٍ واحد، وما كتاب تاريخ الشريف العابد أبي الحسين محمد بن علي الحسيني (ت 398هـ) المعروف بـ(أخي محسن) إلا نموذج من تلك النماذج التي حفظها التاريخ في بطون كتب متعددة.

حول هذا الأمر لا زالت يراعة الأستاذ/ عبدالخالق الجنبي سيّالة لا تجف، ومعطاءة لا تقف، وذلك بفضل مواصلته البحث والقراءة في مجالٍ عَشِقَهُ وأخذ منه جُلَّ وقته، فقد صدر له كتابٌ تحت عنوان: (المحفوظ من تاريخ الشريف العابد أخي محسن .. في نسب مؤسسي الدولة الفاطمية وبدء الدعوة الإسماعيلية وأخبار الدعاة القرامطة) في جزئين عن دار المحجة البيضاء وملتقى الواحتين، وذلك عام 1440هـ، حيث قام بجمع المادة من مصادر متعددة، منها: (النويري، المقريزي، الدواداري ... وآخرين) وأعد شروحاً للنصوص المقتبسة من تلك المصادر، وأثرى وحقق بعض ما ورد فيها وفق آليّةٍ تذهب بالقارئ إلى التعرف على كتابٍ كان مفقوداً ليرى النور بعد جهدٍ يعطي صورة عامة عن المؤلِّف والمؤَلَّف.

ما يميّز هذا الكتاب أنه يعد في طليعة المصادر التي تتحدث عن موضوع طالما كثر النقاشُ فيه، وهو (نسب مؤسسي الدولة الفاطمية، وبدء الدعوة الإسماعيلية وأخبار القرامطة)؛ لتكون النتيجة وفق هذا المصدر القريب عهداً من تلك الأحداث أن مؤسسي الدولة الفاطمية أدعياء في نسبهم للبيت العلويّ الشريف، ومع أن المؤلّف – أخي محسن – يختلف مع أدعياء النسب إلا أنه أنصفهم، ولم يكتب غير الحقيقة التي يراها دون مزايدة أو مبالغة في أخبارهم، ومن مزاياه كذلك أنه "يتصف بتقصٍ واسع لأحداث زمانه مع جودة في سبك الكلام، وصياغته، وتنسيقه، وكل ذلك يدل على أن الشريف نال قسطاً جيداً من علوم عصره لغةً وأدباً ومعرفة".

احتوى الجزء الأول على نص الكتاب المجموع من المصادر التي نقلت عنه، حيث عملية الجمع والترتيب مسألة لا تقل جهداً عن التأليف؛ لأنها استخراجٌ من مصادر متعددة بأسلوب يحاول جامعه في أن يجعل معلومات الكتاب متماسكة ومنتظمة، كي لا يفقد قيمته العلمية، وتساعد كذلك على فهم مسار الأحداث، أما الجزء الثاني فقد احتوى على ترجمة الشريف العابد أخي محسن ومصادر كتابه ومعلومات عن الأحداث المصاحبة للفترة التي عاشها المؤلّف، وكذلك احتوى على منهجية الأستاذ الجنبي في إخراج هذا التاريخ وآلية التحقيق فيه، مع دراسةٍ كتبها حول الشريف والمصادر التي تحدثت عن نسب الخلفاء الفاطميين، ومجموعة ملاحق وضعها الجنبي تتمة لفكرة الكتاب وما يتعلق بها، حيث ناقش فيها آراء المثبتين والنافين لنسب الخلفاء الفاطميين للبيت العلوي الشريف، والجميل في الأمر أن الأستاذ الجنبي وضع في الملاحق معلومات ذات صلة بالكتاب، مثل: الخرائط التفصيلية لأهم المواضع المذكورة في تاريخ الشريف العابد، وصورة خطية من رسالة الخليفة عبدالله المهدي في نسبه، والمدرجة ضمن كتاب (الفرائض وحدود الدين) لابن منصور اليمن، وبعض النصوص ذات الصلة بمسائل تضمّنها الكتاب، بالإضافة إلى الفهارس والحواشي التي تتواجد في كل كتابٍ؛ ليخرج الكتاب بشكلٍ يتلاءم مع الفترة التي كتب فيها.

 


الاثنين، 27 سبتمبر 2021

قراءة في كتاب: معجم نساخ الكتب في الأحساء للذرمان


قراءة في كتاب (معجم نُسّاخ الكتب في الأحساء "القرن 11 14هـ") لمؤلفه الأستاذ/ عبدالله بن عيسى الذرمان

 بقلم: عبدالله بن علي الرستم

تعريف وقراءة: 
جاء هذا الكتاب بقلم أحد أبناء الأحساء، والذي يفاجئنا بين فترة وأخرى بكتابٍ يتناول زاوية من تاريخ الأحساء الكبير، وهذه المرّة جاء كتابه عبارة عن زاوية من زوايا التاريخ العلمي للأحساء، وهو: (معجم نُسّاخ الكتب في الأحساء "القرن 11 14هـ") صدر الكتاب عن مؤسسة يسر للعلوم الشرعية والتربوية، وذلك عام 1442هـ، ويقع في 368 صفحة من الحجم الوسط، وذكر ما عدده 203 شخصيات من النسّاخ، مع وضع نماذج من الصور الخطية التي عليها أسماء النسّاخ.

 تعرّض المؤلف لعناوين عدة كتمهيد للدخول إلى المحتوى الأساسي، منها ما يتعلق بعناية أهل الأحساء بالكتب، وقد أتى على ذكر شواهد تاريخية حول اهتمام العلماء والتجّار من أهالي الأحساء باقتناء ووقف الكتب، وأشار في ذات الوقت إلى أن أقدم نصٍ وقع عليه حول هذا الأمر يعود إلى القرن التاسع الهجري، حيث ذكر قولاً للسخاوي حول السلطان أجود بن زامل وعنايته بجمع الكتب، حيث يقول السخاوي: (وله إلمامٌ ببعض فروع المالكية، واعتناء بتحصيل كتبهم).اهـ

 عرّج بعدها المؤلف بالتعريف بمفهوم نسخ الكتب، وعناية الأحسائيين بنسخها سواءً أكان النسخ لأنفسهم أو لأشخاص آخرين، كأن يكون الآخرون حكّاماً أو علماءَ أو تجار أو غيرهم؛ وذلك ليكون الانتفاع من الكتب المنسوخة في مجالات مختلفة، كالانتفاع العلمي أو الحفظ أو نشر مؤلفات العلماء، ولها فوائد أخرى كالوقف والإعارة والإهداء ونحو ذلك من الفوائد الكثيرة جرّاء نسخ الكتب.

بعد ذلك ذكر المؤلف أسماء النسّاخ مع تراجم مختصرة عنهم، وسرد أسماء الكتب التي نسخوها، بمعيّة المصادر التي استقى منها المعلومات لكل شخصية.

وهنا لي جولةٌ مع الكتاب على وجه السرعة، حيث دوّنتُ بعض الآراء علّها تكون في صميم الكتاب وفكرته ومحتواه:

 1. فات المؤلف أن يسلّط الضوء أو أن يذكرَ ما جاء من الدراسات التي سبقت هذه الدراسة، فالمألوف في الدراسات العلمية أو الأكاديمية وحتى البحوث الحديثة غير الأكاديمية أن تذكر ما سبق الدراسة محل الكتابة من بحوث ودراسات، وأحب الإشارة إلى أنه قد كتب في هذا الميدان باحثان من الأحساء، هما:

* من نسّاخي الكتب في الأحساء، الأستاذ/ أحمد عبدالهادي المحمد صالح، مجلة الواحة العدد (37) عام 2005م.

 * نسّاخ الكتب في الأحساء (حلقتان)، الشيخ/ محمد بن علي الحرز، مجلة الواحة العددان (56) عام 2009م وَ (57) عام 2010م.

وقد أتى الباحثان على أسماء كثيرة ممن مارس نسخ الكتب من الأحسائيين، ورد بعضها في هذا الكتاب، وبعضها لم يرد.

 2. قام المؤلف بتقسيم النسّاخ بناءً على القرون، وهو أمرٌ جيّدٌ، إلا أن الأمر الذي أود ذكره أنه لم يذكر تاريخ ميلاد ووفاة كثير من المترجم لهم من النسّاخ، وغرض ذكر تاريخَـي الولادة والوفاة، أنهما جزءٌ من الترجمة، حيث هذا المتّبع في كتب التراجم أيّاً كان نوع التراجم، خصوصاً وأن بعض الشخصيّات تتنقل من منطقة لأخرى، وبعضهم لا توجد قرينة على أنه كان في الأحساء أو ولد وتوفي بها!! مثل: ص67 رقم (7) الشيخ زيد بن إسماعيل بن زيد، والذي لا توجد قرينة على أنه نسَخَ أو ولد أو توفي في الأحساء، وفي ص83 رقم (19) الشيخ عبدالله بن محمد بن زيد الشافعي، وغيرهما كثير في الكتاب على هذه الصفة.

3. رغم الجهد المبذول في هذا المعجم، إلا أنه جاء مختصراً جداً، خصوصاً وأن الأحساء تعتبر حاضرة علمية، يفد إليها العلماء وطلاب العلم من جهات عدة، وهو ما أشار إليه المؤلف في ص19 بقوله: "اشتهرت الأحساء عبر تاريخها العلمي بكثرة العلماء، ووفرة الأدباء، وبروز الأعيان والوجهاء، حتى غدت مناراً حضارياً يقصده النجباء، ومنهلاً علمياً يغترف منه طلاب العلم الفضلاء"اهـ.

ولو أتينا إلى تراجم أعلام الأحسائيين في الفنون والعلوم لما استطاع باحثٌ إحصاؤهم، فكان من الأفضل لو أخذ المؤلّف جولة على الأحساء بمدنها وقراها، وقصد العلماء والباحثين في كل بلدة، فلا شك أنه سيتحصل على أعداد تفوق هذا العدد المذكور في هذا المعجم.

 4. جاء المؤلف على ذكر بعض النسّاخ في فصل (عناية أهل الأحساء بالكتب) ص31، مثل: مطرود بن محمد أبو ذيب الخطّي، حيث نسخَ كتاب (سمط النجوم العوالي بأنباء الأوائل والتوالي) للشيخ عبدالملك العصامي، ويبدو أن المؤلّف نسي أن يضمّنه في متن الكتاب ويخصّه بترجمة.

 5. في ص157: ذكر المؤلف اسم الناسخ: عبدالعالي بن محمد بن حسن بن رمضان، وفي ص57 ذكره باسم: عبدالعلي بن حسن بن محمد بن رمضان، والملاحظ في الاسم أن هناك اختلافاً في اسم الأب والجد، ويبدو أن الصواب عبدالعالي بن محمد، كما ورد في قيد النسخ لكتاب "دلائل الخيرات" ص158.

 ختاماً:

على ما دونته من آراء وملاحظات، يبقى الكتاب إضافة للمكتبة الأحسائية التي يرفدها الكثير من الباحثين بكتاباتهم وبحوثهم بشكل مستمر، ونسأل الله التوفيق للباحث وبقية الباحثين في نشر تراث الأحساء المخطوط، وما يتعلق به من بحوث تاريخية وتراثية وعلمية.


 

الاثنين، 20 سبتمبر 2021

أدب الجدران

 


أدب الجدران

 عبدالله بن علي الرستم

الجدران جمعٌ مفردها (جدار)، والمقصود من العنوان، هو: استخدام الكتابة على الجدران كنوعٍ من التعبير عما يختلج النفس من أمور، وقد نقلت كتب الأدب والتاريخ شيئاً من ذلك، وحريٌ بأن يتم تناول هذه المسألة من جميع النواحي، فقد تناول بعض الدارسين في الوقت الراهن هذه المسألة في دراسات شتّى، يجد المهتم تلك الدراسات أو المقالات منشورة على موقع الشبكة العالمية للمعلومات، وهي متعددة من حيث الرؤية التي يحملها الكاتب نفسه، سواءً تعاطى معها من جانب نفسي أو اجتماعي أو نحو ذلك، في الوقت ذاته تجد الكثير من الصور المبثوثة على القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية التي هي في ذات الوقت تُعدُّ رصيداً جيداً لمن يريد دراسة الظاهرة.

ومما يُنقل في هذا الشأن على سبيل المثال لا الحصر، ما قاله السيوطي في تاريخ الخلفاء 277: "وفي سنة ست وثلاثين أمر – يقصد المتوكّل العباسي – بهدم قبر الحسين [عليه السلام]، وهدم ما حوله من الدور، وأن يعمل مزارع، ومَنَعَ الناس من زيارته، وخُرِّبَ وبقي صحراء، وكان المتوكل معروفاً بالتعصّب، فتألم المسلمون من ذلك، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء ...الخ".

وفي هذا الصدد نُقل عن أبي الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي (ت 611هـ) صاحب كتاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات) أن المنذريَّ قال عنه ص5 أنه: "كان يكتب على الحيطان، وقلّما يخلو موضعٌ مشهورٌ من مدينة أو غيرها إلا وفيه خطّه، حتى ذَكر بعض رؤساء الغزاة البحرية أنهم دخلوا في البحر المالح إلى موضعٍ وجدوا في برّه حائطاً وعليه خطّه"، وأكد ذلك ابن خلِّكان بقوله: "إنه – الهروي – لم يترك برّاً ولا بحراً ولا سهلاً ولا جبلاً من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلا رآه، ولم يصل إلى موضعٍ إلا كتَبَ خطّه في حائطه، ولقد شاهدتُ ذلك في البلاد التي رأيتها مع كثرتها".

والشواهد كثيرة، حيث تُعد الجدران مساحة حُـرَّة لمن يريد أن يعبّر عمّا يريد دون أن يكتب اسمه، وكم قرأنا الكثير من تلك الكتابات على الجدران ذات الطابع المختلف، سواءً كانت كتابات ساخرة، أو حِكَم، أو مقتبسات، أو أبيات شعرية، أو نحو ذلك.

إلا أن الأمر المرفوض في هذا الشأن هو أن تكون الكتابات خادشة للحياء، وتشويه المرافق العامّة بهذه الكتابات، خصوصاً إذا كان الكاتب لا يجيد النحو ولا الإملاء ولا يجيد استخدام الألوان، والحديث في هذا الشأن ذو شجون كما يُقال.




 

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...