السبت، 17 نوفمبر 2012

كناقل التمر إلى هَجَر

(كناقل التمر إلى هَجَر)
بقلم: عبدالله بن علي الرستم 
مجلة اليمامة عدد (2230) 18 ذي الحجة 1433هـ

       مثال قديمٌ استشهد به الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام(1) في إحدى كتبه التي بعثها إلى معاوية بن أبي سفيان، حيث قال: (أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمداً صلى الله عليه وآله لدينه، وتأييده إياهُ لمن أيّدهُ من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عَجَباً، إذ طفقت تُخبرنا ببلاءِ الله تعالى عندنا، ونعمته علينا في نبيّنا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، أو داعي مسدده إلى النِّضَال).

وقد ذكر الميداني هذا المَثَل في كتابه (مجمع الأمثال)(2) بصيغةٍ مختلفة، وهي:
(كَمُسْتَبْضِعِ التَّمْرِ إلى هَجَرَ)
 قَال أبو عبيد: هذا من الأمثال المبتذلة ومن قديمها، وذلك أن هَجَرَ معدنُ التمر والمستبضع إليه مخطئ، ويُقَال أيضاً: كمستبضع التمر إلى خيبر قَال النابغة الجعدي:
وإنَّ امرأ أهْدَى إلَيْكَ قَصَيْدةً  ==  كَمُسْتَبْضِع تَمْرَاً إلَى أرضِ خَيْبَرَا. اهـ.

ويبدو أن في كلام أبي عبيد وهمٌ لم يتطرّق إليه الميداني، فلا شكّ أن الذاهب إلى هناك يستبضعُ التمر أي: ينقله عن طريق الشراء ونحوه، وأشار إلى هذا المعنى ابن أبي الحديد في قوله: (وهي بلدةٌ كثيرةُ النخل يُحمل منها التمر إلى غيرها). فربما قصد أبو عبيد نقل التمر إلى هَجَر للبيع، أي: خِلاف ما استشهدنا به من قولِ ابن أبي الحديد، وهو مثلٌ يُضرب لمن يضع الشئ في غير موضعه. وهَجَر كما هو معروف أرضٌ في إقليم البحرين شرق الجزيرة العربية، وهي ما يُعرف اليوم بالأحساء، التي اشتهرت بكثرة إنتاجها التمرَ من شجر النخل.
وأشار إلى ذلك الصحابيّ الجليل عَمّار بن ياسِر رضيَ اللهُ عنهُ(3) أثناء حرب صِفّين في قوله: (والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هَجَر لعلمنا أنّا على الحق وأنتم على الباطل)، وهذه الإشارة كناية عن كثرة التمر، وأن هَجَر منطقة زراعية منذ قديم الزمن.
       والتمرُ ليس محصوراً في أرض هَجَر!! بل هو منتشرٌ في جميع بقاع الأرض، إلا أن دخول هَجَر في الأمثال يُدلّل على شهرتها وذياع صيتها بين المواضع الأُخرى التي تُنتج التمر، ومما وظّف هذا المثل شعراً، شاعر العرب (محمد مهدي الجواهري):
وناقل التمر عن جهلٍ إلى هَجَرٍ  ==  كناقل الشعر عن جهلٍ إلى اليمنِ
وقول الجواهري تأكيدٌ على أن هَجَرَ موطنٌ مشهور بالتمر.

       ويقع غير واحدٍ في هذه الشبهات، وذلك لعدم معرفة بعضهم بجغرافية الجزيرة العربية ومواضعها والأشياء التي تشتهر بها، ولا شك أن بعض الأمثال تأخذ نصيبها في حديث الناس مع مرور الأزمان، وربما دَخَل المثلُ حياتهم اليومية، وهذه هي طبيعة الأمثال الشائعة. أما قول أبي عبيد (من الأمثال المبتذلة) فلا نصيب له، فلو كان لا نصيب له لما استشهد به سيّد البلغاء وإمام المتكلّمين والفصحاء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام!!؛ لأن طبيعة أئمة اللغة الاستشهاد بما يقوّم الجملة العربية لا إفسادها واللجوء إلى الأمثال المبتذلة!! فكيف بأمير المؤمنين الذي هو معدن هذا الفن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
(1)      شرح نهج البلاغة، عبدالحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو حامد، عز الدين (ت:656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه – مصر، 15/181/28.
(2)      مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري (ت: 518هـ)، تحقيق: محمد محيى الدين عبدالحميد، دار المعرفة – بيروت، 2/152/3080.
(3)      المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري (ت: 405هـ)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى – 1411هـ (1990م)، 3/433/5651.

السبت، 29 سبتمبر 2012

الإساءة لرسول الله (ص) كيف نتعامل معها؟!

الإساءة لرسول الله (ص) كيف نتعامل معها؟!
بقلم: عبدالله بن علي الرستم

         ليس جديداً علينا أن يُساء إلى الرموز الإسلامية، وأعظم رمزٍ يتفق المسلمون عليه هو شخصية رسول الله (ص)، سواءً كانت الإساءة من قبل المسلمين أو من غيرهم، مباشرة كانت أم غير مباشرة، في النهاية فإن الإساءة موجودة ومثبتة في كتب التاريخ.
         والمسألة ليست على أن تلك الإساءات موجودة أم لا!! بل المسألة مرتبطة بكيفية التعامل والتعاطي معها بشكل يتناسب مع حجم القضية، وهي متشعبة حسب تشعب دلالات القضية، ودلالاتها كبيرة بحجم الشخصية التي أُسئ إليها، ولن أتعاطى في هذه السطور الخفيفة إلا جانباً واحداً وبشكل مختزل؛ لأني أراه مهماً في هذا الصدد.
         على خلفية الإساءة الأخيرة لرسول الله (ص)، والطرق التي تم التعامل معها من قبل شريحة كبيرة من المسلمين بمختلف توجهاتهم وقومياتهم ولغاتهم، فإن بعضها مقبول وبعضها غير مقبول، وهذا ليس حديثي، ما أريد التصدي له هو على النحو التالي:
         ما مقدار معرفة المسلمين برسول الله (ص)؟! معرفة نظرية ناهيك عن المعرفة العملية التي تتشكل في أخلاقهم الروحية والعملية واقتدائهم به (ص) في جميع محطات حياتهم؟!! ولستُ مكلّفاً بالإجابة عن المسلمين أنفسهم، فإنه كما قالت العرب (رُبَّ حالٍ أفصحُ من مقال)، فحال المسلمين الأخلاقي ومدى تطبيقهم لهذه الجزئية من حياته (ص) لا يتناسب مع حجم التظاهرات التي خرجت ضد تلك الإساءة!!
         فتعال يا أخي العزيز إلى أحوال المسلمين في التعاملات التجارية، وكيف أن الغِشَّ يحتلُّ جزءاً كبيراً في التعاملات، والنصب والاحتيال في الدرجة الثانية، وتعال إلى أحوال المسلمين في السلوك الاجتماعي الفردي والجمعي، فإن معظمه قائماً على التهميش والمصلحة مصحوباً بالعنصرية والقومية والفئوية والحزبية، وتعال إلى كيفية انتهاك الأعراض تحت مسمّيات دينية وقانونية، وتعال وتعال ... الخ. فهل أصلح المسلمون أحوالهم في جوانب الحياة المختلفة ليتظاهروا ضد من أساء وهم في واقع الأمر أوّل من أساء!!
         لستُ متحاملاً على أحد، بل أقول إن واقع المسلمين الروحي والسلوكي في حالة مزرية، حتى جعلنا ذلك الرمز العالمي الخالد صاحب الرسالة العظيمة معرضاً للآخرين كي ينتهكوه.
         فحينما نثبت انتماءنا من خلال السلوك والتعاطي الحضاري مع هذه الشخصية، نستطيع أن نجعل الآخرين يحترمونه بدون أن نحرّك ساكناً، ولعل ذكرى مولده هي محطة مناسبة للتحدث عنه وعن مناقبه وتاريخه، وإن كانت كل الأيّام مناسبة للتذكير بفضله وبعطائه اللامحدود، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً[الأحزاب: 21].

السبت، 1 سبتمبر 2012

زوجي العزيز .. (إنما أنا بشر مثلكم)

زوجي العزيز .. (إنما أنا بشر مثلكم)

        يتصرف كثير من الرجال مع زوجاتهم بطريقة مناقضة للتعامل البشري، فمع النظر إلى ميله وحاجته إليها في معظم شؤون حياته، إلا أنه يأبى إلى أن يحترم هذا الكيان الماثل بين يديه، فتراه يضع دستوراً يصب في صالحه، ويحرم شريكة حياته من التعامل بنفس الأسلوب، وكأنها ليست بشراً من حقها العيش بكرامة!! فتراه يرفع صوته في حين يحرمها من النظرة الغريبة له حينما يبدر منه تصرف غريب، وتراه يزمجر ويغضب في حين يحرمها من محاسبته في تصرفاته أو إصلاحها، وتراه يقدم الإهانة تلو الإهانة بسبب وبدون سبب في حين يلقم فاها (فمها) حجراً لو تحدثت بحرف واحد ... الخ، يا ترى كيف لمثل بعض الرجال أن يستحقوا جنة الله في الأرض (المرأة)!!
        ولا أكاد أستوعب سلوك بعض الرجال حيال بعض تصرفاتهم الخارجة عن نطاق الإنسانية، كحرمانها من الذهاب إلى بيت أهلها بحجة خلاف أو بدون سبب أو بناء على مزاجه المضطرب أو لعدم تفرغه أو ...الخ، وكأنها مجردة من المشاعر الإنسانية، فالزوجة كسائر الأشياء بحاجة إلى شحن من الطاقة إذا شارفت على الانتهاء، والطاقة التي ستأخذها من والديها هي الحنان والنظرة الأبوية الصادقة التي ربما استحقت في قاموسك الحرمان .. وغيرها من التصرفات الكثيرة التي يسيطر عليها الرجل بدون وجه حق، محولاً ذلك المنزل إلى مصحة نفسية بدلاً أن يكون روضة من رياض الدنيا ..
        اعذرني يا آدم لو انتقدتك هذه المرّة بهذه القسوة .. فحواء أمي وزوجتي وأختي وابنتي وجارتي وخالتي وعمتي فما عليك إلا أن تمنحها بعض الحب والحنان حتى تمنحك كل الحب والحنان، ثم إن حواء تستحق ذلك؛ لأنها الشخصية الوحيدة التي تلجأُ إليها حين تدلهم بك الخطوب، فهي الحضن الدافئ، وهي الصدر الحنون، وهي الوجه المشرق، وهي من ضمن الطرق الموصلة إلى الله عز وجل .. فإني أكاد أسمع صوتها المتحشرج وتقول (زوجي العزيز .. إنما أنا بشر مثلكم).

الأحد، 19 أغسطس 2012

هلال رمضان والعيد

هلال رمضان والعيد

هي نفسها المسألة تتكرر كل عام عند الشيعة الإمامية، ولستُ في صدد اللوم أو العتاب أو التهكم أو أي نوع من التجريح والنقد غير المبرر ضد هذه المسألة!! إلا أن المؤلم في هذه المسألة أن أصحاب الشأن لا يطبّقون بعض الضوابط التي لها صلةٌ بالأمور الفقهية والاجتماعية؛ باعتبار أن الفقه علمٌ له مساس بالحياة الاجتماعية.
قبل سنوات تحدثتُ مع أحد طلبة العلوم الدينية – نسيت اسمه – حول مجلس الاستهلال في منطقة الأحساء ودوره في مثل هذه المسائل، فتحدث عنه وقال: إن المجلس ليس له مجلس (أي: انتهى دوره وفُض جمعه)؛ وذلك لقيام بعض الفضلاء بنشر تصريحات تخالف ضوابط تصريحات المجلس، وأسباب أخرى.
أتذكر أني قرأتُ في إحدى الكتب عن دور المرجعية في توحيد الأمة وخصوصا في إثبات هلال شهر رمضان وهلال العيد، ومضمون القصة أن جماعة يأتون إلى السيد/ محسن الحكيم فيسألونه عن صيام شهر رمضان، فيسألهم: ماذا يقول الشيخ/ محمد رضا آل ياسين؟ فيجيبونه: قال الشيخ لم يثبت عنده الصيام. فيقول: قولي هو قول الشيخ محمد رضا آل ياسين (أي: لم يثبت الصيام)، والحال نفسه عند الشيخ آل ياسين حينما يُسأل عن هلال العيد مثلاً، فقبل إجابته يقول: ماذا يقول السيد محسن؟ فيقولون له: ثبت عند السيد محسن غداً عيد، فيجيبهم: غداً عيد.
هذا النموذج الراقي من دور المراجع العظام – رحمهم الله تعالى – يشكل حالة من الانسجام ودوره في توحيد الأمة تجاه قضاياها المختلفة.
والغريب أن مجموعة من فضلاء المنطقة يرجعون في تقليدهم إلى مرجع واحد، ومع ذلك تراهم مختلفين، وكأن لسان حال العامّي: إذا كانوا لا يثقون في بعض لماذا هم علماء؟!! وليس لنا أن نلوم هذا العامي على تفكيره؛ لأنه أجاب بالفطرة دون تكلّف، وحري بعلمائنا أن يوطدوا العلاقة في مثل هذه القضايا ويوحدوا الجهود تجاه قضايا المجتمع المصيرية، فضلاً عن الاختلافات المبنائية بين الفقهاء التي يرجعونها إلى المكلّف نفسه ومدى اطمئنانه للشهود.
وقول البعض: كل على اطمئنانه، لا تجر نفعاً، بل تجر ويلاً لأولئك الذين لا يعرفون دقائق الأمور في مثل هذه المسائل، أو لا يعرفون كيف يختلفون، حيث المطلوب من أصحاب الشأن أن يلتفتوا إلى هذه المسائل – وهم ملتفتون بلا شك ولكن يجب تعزيز النظرة الاجتماعية – لتوظيفها في خدمة المجتمع المؤمن، كذلك لتخف التصريحات المنبرية حول هذه المسائل وكلٌ يسعى لتعزيز موقفه وتثبيته في قلوب الناس!! في حين أننا غنيون عن التصريحات، وما أحوجنا إلى تكثيف الجهود في إصدار بيان واحد للعيد أو للحج أو لغيرها من القضايا المختلفة.


تنبيه: لا أحب الخوض في مثل هذه المسائل .. ولكنها نفثة محزوووووون
وكل عام وأنتم بألف صحة وعافية ..

الاثنين، 25 يونيو 2012

وتسابيون

وتسابيون
يعد الواتساب What Sapp إحدى وسائل الإتصال الحديثة والأكثر استخداماً في الوقت الحاضر، ذلك أن البريد الإلكتروني والفيسبوك والتويتر سبقا هذه الخدمة للتواصل مع العالم الداخلي والخارجي، وكذلك الهاتف الثابت والمحمول. وتعد هذه الوسائل إحدى الطرق التي عززت ووثقت العلاقة بين جميع فئات المجتمع، حيث لا توجد حجة لأي إنسان يمتلك هذه الوسائل أن يعتذر عن التواصل.
ومع كثرة توفر وسائل الاتصال الحديثة بجميع كيفياتها، إلا أنه ظهر في الطرف المقابل مجموعة من الناس تركت التواصل التقليدي، وهو: الزيارات العائلية وغيرها، مكتفين بالطرق الحديثة التي لا تكلّف الإنسان ذهاباً وإياباً، بل البعض الآخر رغم توفر هذه الوسائل بات في حالة من الخمول في عدم التواصل مع الناس لأسباب قد تكون ضعيفة وقد تكون لها أهميتها.
في المحصلة النهائية، ينبغي على كل إنسان الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة وتفعيلها في الجانب الإيجابي؛ لأنه يوجد عند بعض شرائح المجتمع من يتعاطى مع هذه الوسائل بطريقة سلبية، كنشر الإشاعات، والصور المخلّة بالذوق العام، والكلام الرخيص ونحو ذلك.

الجمعة، 20 أبريل 2012

الكتاب المستعمل .. ظاهرة صحية

الكتاب المستعمل .. ظاهرة صحية
بقلم: عبدالله بن علي الرستم


يُعَدُّ الكِتَابُ أَحد وَسائلِ الثَّقافةِ وأقدمها مقارنة بالوسائل الأُخرى، حيث لا يكاد يخلو بيت عالِمٍ أو مثقفٍ أو متعلمٍ من وجود مكتبةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ في بيته، ومع تغيُّر وسائل التثقيف والحصول على المعلومة بدأ الكتابُ بأخذِ مكانة ضئيلةً عند بعضهم لأسباب كثيرة، أو أنه أخذ مكانة أقل من مكانته في السنوات السابقة، في حين أنّ شريحةً كبيرةً لا تزال تتعامل مع الكتاب بشكل قوي رغم وجود الوسائل الحديثة. 

ولعل مدينة الرياض - مقارنة بمدن المملكة الأخرى - تُعدُّ الأبرز في احتضان الكتاب وخصوصاً الكتاب المستعمل لاعتبارات كثيرة، أبرزها البحث عن كتب المناهج الدراسية، التي ما إن تفتح الجامعات أبوابها إلا وترى سيلاً من البشر يتردّد على أماكن بيع وشراء الكتاب المستعمل إلى وقتٍ متأخرٍ من الليل، والتي تُعَد ظاهرةً بارزةً في مدينةٍ مترامية الأطراف كالرياض، والأمر ليس حكراً على الكتب والمناهج الدراسية فحسب!! بل حتى الكتب الأُخرى، كالثقافية والدينية والتاريخية وغير ذلك، بل إنّ المتابع لحركة البيع والشراء لهذه المكتبات يرى أنّ الكتاب المستعمل يلقَى رواجاً كبيراً من قِبَل المهتمّين بمتابعة الجديد والقديم. 

فمن خلال تعاملي مع مكتبات الكتاب المستعمل لمدة تزيد على الخَمْسَ عشرة سنة، فإني تحصّلتُ على كتبٍ قيّمةٍ، وبسعر مناسبٍ، وكذلك أرى هذه المكتبات في ازدياد مطّرد، ذلك أنّ بعض أبناء المثقفين يضطرون لبيع مكتبات آبائهم لتعارض الميول بين الوالد والأبناء، أو لميول الأبناء إلى الطرق الحديثة في التعامل مع الحصول على المعلومة، كالمكتبات الإلكترونية وغيرها، حيث إني ومن خلال اقتنائي بعض الكتب فإني وجدتُ أسماء أصحاب بعضها، والبعض الآخر وجدت عليه إهداءات وتواقيع كُتّاب مشهورين. 

وقد بات وضع الكتاب المستعمل يتطوّر إلى مراحل متقدمة، وذلك لحصوله على دعمٍ من قِبل الجهات المعنية، منها: جامعة الملك سعود التي دعمته هذه السنة في معرض الرياض الدولي للكتاب، إلا أنّ دور النادي الأدبي بالرياض يُعدُّ داعماً أكبر خلال ثلاث سنواتٍ مضت بالتعاون مع جمعية السرطان، وذلك من خلال إنشائه معرضاً للكتاب الجديد والمستعمل في آنٍ واحدٍ وبسعرٍ مناسب، وقد حظي بإقبال كبيرٍ من الجمهور باختلاف توجهاته، وهذا الإقبال الكبير يبشّر بالخير في ظل وجود الوسائل الحديثة، كذلك يُعَد دلالة على إيمان الجمهور بهذه الظاهرة الثقافية التي نرجو لها الاستمرار، واستنساخها في مناطق أُخرى من وطننا الغالي.


صحيفة الجزيرة (ورّاق الجزيرة) الأحد 16/6/1433هـ (8/4/2012م) العدد رقم: 14437


معرض الكتاب .. قوة شرائية أم قوة ثقافية؟!


صدرت الكثير من التصريحات في الصحف المحلية وفي بعض الفضائيات حول معرض الكتاب، وذلك من حيث أهميته من بين معارض الكتب في دول الخليج، والدليل على ذلك القوة الشرائية عند مرتاديه.. وفي هذه النقطة لا أختلف مع أي إنسان، ولكن!! عندي تساؤلٌ أطرحه وأجيب عليه بشكل موجز:
هل معرض الرياض الدولي للكتاب قوة شرائية أم قوة ثقافية؟!.
باستطاعتي القول: «إني ومن خلال متابعتي لمعارض الكتاب في مدينة الرياض وعلى مدى أكثر من عشر سنوات مضت، أن ظاهرة القوّة الشرائية موجودة ولا يختلف عليها إثنان؛ إلا أنّها في الإطار العام لا تعني أنها تشكلُ قوةً ثقافية!!، والدليل على ذلك غياب الوعي عند شريحةٍ كبيرةٍ من المرتادين للمعرض، إضافة إلى ذلك كثرة القصص التي سمعتُ عنها ورأيتها، والسلوكيات المختلفة في كيفية التعاطي مع شراء الكتاب وكأنه سلعةٌ كباقي السلع الاستهلاكية. فمن تلك القصص أني رأيتُ أحدهم يريد أن يشتري كتابًا بحجّة أنه كتاب جديد فقط، وآخر يسأل عن انتماءات أحَدِ الكُتّاب، وآخر وآخر... الخ.
ورغم ما ذكرتُ فهذا ليس دليلاً على أنه لا يوجد قُرّاء أو لا توجد قوّة ثقافية عند مرتادي المعرض!! بل إني رأيتُ الكثير ممن أعرف وممن لا أعرف، يبحثون عن الكتاب الجيّد الذي يريد أن يُضيف لهم شيئًا، إضافةً إلى وجود شريحة كبيرة تعرف كيف تتعاطى مع الكتاب وتبحث عنه، وكذلك فإنّ القوة الشرائية خصوصًا إذا تم توظيفها بطريقةٍ صحيحةٍ فإنها ستولّد لنا أجيالاً واعية ينتجون ويصدّرون الفكر والثقافة بدلاً من استيرادها.
وإني لأرجو أن تكون معارض الكتاب في السنوات المقبلة موسمًا ثقافيًا نستفيدُ منه كعطاءٍ فكريٍ وروحي، وليس مكانًا للتبضّع!!.


صحيفة المدينة المنورة (ملحق الأربعاء) الأربعاء 28 ربيع الآخر 1433هـ (أصداء)

الثلاثاء، 6 مارس 2012

أحساء هَجَر

أحساءُ هَجَر
أشَهَرُ من أيِّ أحساءٍ أخرى

مجلة اليمامة (2196) 3/4/1433هـ (25/2/2012م)

        تتشابه الأسماء بين المواقع التاريخية، وذلك لاعتباراتٍ كثيرةٍ، إما لاتحاد الوصف فيما بينها، أو قد تكون جمعتهما الصُدْفة في التسمية أو لأي سببٍ كان. ومن تلك الأماكن التي تشابهت الأسماءُ حولها (الأحساء) أو (الحَساء) وكلاهما يؤديان إلى معنىً واحدٍ، وحول هذا التشابه بين المواقع التاريخية في وجود أكثر من موقعٍ يُسمّى باسم (الحساء) أو (الأحساء) أقول قولي بإيجازٍ، وهو على النحو التالي:
قال ياقوت (ت622هـ) في (معجم البلدان)(1): والأحساءُ مدينةٌ بالبحرينِ معروفةٌ مشهورةٌ كانَ أوّل من عمّرها وحَصَّنها وجعلها قصبة هَجَر أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي القرمطي (ت301هـ) وهي إلى الآن مدينةٌ مشهورةٌ عامرةٌ، وأحساء بني وهب على خمسةِ أميالٍ من المرتمى بين القرعاء وواقصة على طريق الحاج فيه بِرْكَةٌ وتسعةُ آبارٍ كبار وصغار،  والأحساء ماءٌ لغني، قال الحسين بن مطير الأسدي:
أين جيراننا على الأحساء = أين جيراننا على الأطواء
فارقونا والأرض ملبسة نو = ر الأقاحي تجاد بالأنواء
كل يوم بأقحوان ونور  = تضحك الأرض من بكاء السماء. اهـ.
قال ابن منظور (ت711هـ) في لسان العرب(2) مادة (حسا): وقال ابن الأعرابي: والحِسْي: الرمل المتراكم أَسفله جبل صَلْدٌ، فإِذا مُطِرَ الرمل نَشِفَ ماءُ المطر، فإِذا انْتَهى إِلى الجبل الذي أَسْفلَه أَمْسَكَ الماءَ ومنع الرملُ حَرَّ الشمسِ أَن يُنَشِّفَ الماء، فإِذا اشتد الحرُّ نُبِثَ وجْهُ الرملِ عن ذلك الماء فنَبَع بارداً عذباً؛ قال الأَزهري: وقد رأَيت بالبادية أَحْساءً كثيرة على هذه الصفة، منها أَحْساءُ بني سَعْدٍ بحذاء هَجَرَ وقُرَاها، قال: وهي اليومَ دارُ القَرامطة وبها منازلهم، ومنها أَحْساءُ خِرْشافٍ، وأَحْساءُ القَطِيف. اهـ.

مع هذا الوصف الذي سقناه من كلام بلدانيٍّ كياقوت ولغوي كابن منظور، فإن ابن عبدالمنعم الحميري (ت900هـ) في كتابه (الروض المعطار في خبر الأقطار)(3) اشتبه عليه الأمر وقال بأن (الحساء) الواقعة على طريق مؤتة أشهر، وذلك في قوله:
الحساء:
قيل الحساءُ موضعٌ في ديار بني أسد، قال بشر بن أبي خازم:
عفا منهم جزع عريتنات = فصارة فالقوارع فالحساءِ
والمشهور أن الحساء في طريق مؤتة، وهي المذكورة في شعر عبدالله بن رواحة، إذ قال:
إذا أديتني وحملت رحلي = مسيرة أربع بعد الحساءِ
فشأنكِ فانعمي وخلاكِ ذمٌّ = ولا أرجع إلى أهلي ورائي
ذكر القصة ابن إسحاق.
ومن أهل الحساء عثمان بن شطيبة العامري الحسائي، له:
تسير وتسري ليلها ونهارها = بغادٍ إلى أفق الجلالة رائح
وهان عليها أو علي جميع ما = أُلاقي وتلقى إذ تلاقي ابن راجح
انتهى.
من خلال ما تقدم، فإنه من الطبيعي أن يشتبه الأمرُ على ابن عبدالمنعم الحميري؛ لأنه من أهل الأندلس، ولعلَّ طريقه للحرمين الشريفين يمرُّ بمؤتة الواقعة في (الأردن)، ووجود موقع باسم (الحساء) في طريق مؤتة لا يعني الأشهر!! مقارنة بوجود موقع آخر هو أحساءُ هَجَر المرتبط بأحداث تاريخية، خصوصاً أن من سبقه من البلدانيين كياقوت الحموي صرّح بذلك وأسهب في وصف مياه ومواقع تلك البقعة المُسمّاة بـ(أحساء هَجَر). ولعل من باب حُسن الظن أقول: إن ابن عبدالمنعم الحميري سمعَ عن الأماكن المسماة باسم (الحساء) أو (الأحساء)، بقرينة قوله: (والمشهور أن الحساء في طريق مؤتة)، وهذا ما جعله يُرجّحها على غيرها لورودها في شعر عبدالله بن رواحة وغيره، في حين أن ورودها على ألسنة الشعراء لا يعني أن تكون الأشهر!! باعتبار أن الشعر وسيلة إعلامية يتخذها العرب لنشر ما يريدون فيه، وفي تصوّري لو اطّلع على شعر الأحسائيين الهَجَريين كشعر ابن المقرب العيوني (ت629هـ) وغيره؛ لقال بأن أحساءَ هَجَر أشهر من الحساء الواقعة على طريق مؤتة، وهذا ما جعل أحساء هَجَر تتفوق في الشهرة على غيرها من المواقع المسماة بهذا الاسم كأحساء بني وهب وأحساء خرشاف.
وبعيداً عن الإسهاب أكتفي بهذا القَدَر. والله ولي التوفيق.
ــــــــــــــ
(1)    معجم البلدان، ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله، دار الفكر – بيروت، 1/112.
(2)    لسان العرب، ابن منظور، مادة (حسا).
(3)    الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحِميري، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة – بيروت، الطبعة الثانية - 1980م، 1/205.

الجمعة، 17 فبراير 2012

مكتبة (الإصدارات الحكومية)


تُعني معظم الجهات الحكومية أهميةً كبيرةً لإصداراتها، وذلك برصد المبالغ الكبيرة لها، وذلك الاهتمام ينشأُ عنه قوة المضمون والإخراج اللائق بها، وتتعدد تلك الإصدارات ما بين مطويّةٍ وكتيّبٍ وكتاب ومجلة وغير ذلك.
إلا أن المسألة الأهم والتي تؤرّقني، وربما تؤرّقُ الكثير من أصحاب الشأن الثقافي، هي: إن تلك الإصدارات لا تأخذ طريقها المناسب من حيث النشر والتوزيع حتى تصل إلى اليد التي توليها العناية!! وإذا ما طلبتَ إصداراً من تلك الجهة فإنّ كثيراً من العراقيل تقفُ عائقاً أمامكَ للحصول على كتابٍ ما أو مجلة.
هذا في حال الحصول عليها بالمجّان، والأمر ليس ببعيد فيما إذا كان الحصول على تلك الإصدارات خاضعٌ لدفع مبالغ، فإن كثيراً من الجهات تعطي مبالغ كبيرةً على إصداراتها تفوق قيمتها السوقية، وذلك مما يجعل هذه الجهة تُفضّلُ تكديس تلك الكتب والمجلات في مستودعاتها مما يعرضها للتلف، ولا تبيعها للشخص الذي كلّف نفسه عناء البحث.

وإني من خلال هذه الزاوية أناشد المسؤولين بإنشاء مكتبة تُعنى بالإصدارات الحكومية، سواءً كانت تلك الإصدارات طبية أو اقتصادية أو تاريخية أو أدبية ...الخ، وذلك لسهولة الحصول عليها بالنسبة للباحثين، شريطة أن تكون لتلك المكتبة فروعٌ في المناطق الرئيسة، والحلول لهذه القضية كثيرة، وذلك دعماً لتنشيط الحركة الثقافية لدى كل الطاقات البحثية في وطننا العزيز.


المصدر:
جريدة المدينة (ملحق الأربعاء) قسم (عالم الكتب) 23 ربيع الأول 1433هـ (15 فبراير 2012م).

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...