الثلاثاء، 6 مارس 2012

أحساء هَجَر

أحساءُ هَجَر
أشَهَرُ من أيِّ أحساءٍ أخرى

مجلة اليمامة (2196) 3/4/1433هـ (25/2/2012م)

        تتشابه الأسماء بين المواقع التاريخية، وذلك لاعتباراتٍ كثيرةٍ، إما لاتحاد الوصف فيما بينها، أو قد تكون جمعتهما الصُدْفة في التسمية أو لأي سببٍ كان. ومن تلك الأماكن التي تشابهت الأسماءُ حولها (الأحساء) أو (الحَساء) وكلاهما يؤديان إلى معنىً واحدٍ، وحول هذا التشابه بين المواقع التاريخية في وجود أكثر من موقعٍ يُسمّى باسم (الحساء) أو (الأحساء) أقول قولي بإيجازٍ، وهو على النحو التالي:
قال ياقوت (ت622هـ) في (معجم البلدان)(1): والأحساءُ مدينةٌ بالبحرينِ معروفةٌ مشهورةٌ كانَ أوّل من عمّرها وحَصَّنها وجعلها قصبة هَجَر أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي القرمطي (ت301هـ) وهي إلى الآن مدينةٌ مشهورةٌ عامرةٌ، وأحساء بني وهب على خمسةِ أميالٍ من المرتمى بين القرعاء وواقصة على طريق الحاج فيه بِرْكَةٌ وتسعةُ آبارٍ كبار وصغار،  والأحساء ماءٌ لغني، قال الحسين بن مطير الأسدي:
أين جيراننا على الأحساء = أين جيراننا على الأطواء
فارقونا والأرض ملبسة نو = ر الأقاحي تجاد بالأنواء
كل يوم بأقحوان ونور  = تضحك الأرض من بكاء السماء. اهـ.
قال ابن منظور (ت711هـ) في لسان العرب(2) مادة (حسا): وقال ابن الأعرابي: والحِسْي: الرمل المتراكم أَسفله جبل صَلْدٌ، فإِذا مُطِرَ الرمل نَشِفَ ماءُ المطر، فإِذا انْتَهى إِلى الجبل الذي أَسْفلَه أَمْسَكَ الماءَ ومنع الرملُ حَرَّ الشمسِ أَن يُنَشِّفَ الماء، فإِذا اشتد الحرُّ نُبِثَ وجْهُ الرملِ عن ذلك الماء فنَبَع بارداً عذباً؛ قال الأَزهري: وقد رأَيت بالبادية أَحْساءً كثيرة على هذه الصفة، منها أَحْساءُ بني سَعْدٍ بحذاء هَجَرَ وقُرَاها، قال: وهي اليومَ دارُ القَرامطة وبها منازلهم، ومنها أَحْساءُ خِرْشافٍ، وأَحْساءُ القَطِيف. اهـ.

مع هذا الوصف الذي سقناه من كلام بلدانيٍّ كياقوت ولغوي كابن منظور، فإن ابن عبدالمنعم الحميري (ت900هـ) في كتابه (الروض المعطار في خبر الأقطار)(3) اشتبه عليه الأمر وقال بأن (الحساء) الواقعة على طريق مؤتة أشهر، وذلك في قوله:
الحساء:
قيل الحساءُ موضعٌ في ديار بني أسد، قال بشر بن أبي خازم:
عفا منهم جزع عريتنات = فصارة فالقوارع فالحساءِ
والمشهور أن الحساء في طريق مؤتة، وهي المذكورة في شعر عبدالله بن رواحة، إذ قال:
إذا أديتني وحملت رحلي = مسيرة أربع بعد الحساءِ
فشأنكِ فانعمي وخلاكِ ذمٌّ = ولا أرجع إلى أهلي ورائي
ذكر القصة ابن إسحاق.
ومن أهل الحساء عثمان بن شطيبة العامري الحسائي، له:
تسير وتسري ليلها ونهارها = بغادٍ إلى أفق الجلالة رائح
وهان عليها أو علي جميع ما = أُلاقي وتلقى إذ تلاقي ابن راجح
انتهى.
من خلال ما تقدم، فإنه من الطبيعي أن يشتبه الأمرُ على ابن عبدالمنعم الحميري؛ لأنه من أهل الأندلس، ولعلَّ طريقه للحرمين الشريفين يمرُّ بمؤتة الواقعة في (الأردن)، ووجود موقع باسم (الحساء) في طريق مؤتة لا يعني الأشهر!! مقارنة بوجود موقع آخر هو أحساءُ هَجَر المرتبط بأحداث تاريخية، خصوصاً أن من سبقه من البلدانيين كياقوت الحموي صرّح بذلك وأسهب في وصف مياه ومواقع تلك البقعة المُسمّاة بـ(أحساء هَجَر). ولعل من باب حُسن الظن أقول: إن ابن عبدالمنعم الحميري سمعَ عن الأماكن المسماة باسم (الحساء) أو (الأحساء)، بقرينة قوله: (والمشهور أن الحساء في طريق مؤتة)، وهذا ما جعله يُرجّحها على غيرها لورودها في شعر عبدالله بن رواحة وغيره، في حين أن ورودها على ألسنة الشعراء لا يعني أن تكون الأشهر!! باعتبار أن الشعر وسيلة إعلامية يتخذها العرب لنشر ما يريدون فيه، وفي تصوّري لو اطّلع على شعر الأحسائيين الهَجَريين كشعر ابن المقرب العيوني (ت629هـ) وغيره؛ لقال بأن أحساءَ هَجَر أشهر من الحساء الواقعة على طريق مؤتة، وهذا ما جعل أحساء هَجَر تتفوق في الشهرة على غيرها من المواقع المسماة بهذا الاسم كأحساء بني وهب وأحساء خرشاف.
وبعيداً عن الإسهاب أكتفي بهذا القَدَر. والله ولي التوفيق.
ــــــــــــــ
(1)    معجم البلدان، ياقوت بن عبد الله الحموي أبو عبد الله، دار الفكر – بيروت، 1/112.
(2)    لسان العرب، ابن منظور، مادة (حسا).
(3)    الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحِميري، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة – بيروت، الطبعة الثانية - 1980م، 1/205.

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...