الثلاثاء، 23 يوليو 2013

عن [الحرية] أتحدث

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

تختلف وظائف المصطلحات التي نستخدمها باختلاف مواقعها في الجملة العربية، وهذا دِلالة على غزارة اللغة العربية ومدى استيعابها لقضايا كثيرة في الحياة بجميع محطّاتها، ومن ضمن تلك المصطلحات التي أخذت مساحةً كبيرةً في الحوارات الفكرية خلال المائة سنة الأخيرة – تقريباً – هو مصطلح (الحرّيّة)، حيث نظّر لها الكثير من العرب، إمّا تقليداً لما يجري في العالم الغربي، أو استنتاجاً من مصادر المعرفة الدينية المتنوّعة، أو عن طُرُقٍ أُخرى .. في المحصلة النهائية الحديث عن الحرّيّة حاجةٌ ماسّةٌ في حياتنا الراهنة.

لكن!! لنا أن نسأل .. عن أيِّ حُرّيّةٍ نريد التحدث عنها؟!
عن حرية الممارسة السياسية؟!
أم حرية اعتناق أي مذهب ديني أو غير ديني؟!
أم حريّة الإيمان بالسلوكيات الشخصية؟!
... الخ، ينبغي أن نحدد الحرّية التي من خلالها نريد التحدث عنها أو ممارستها  في حياتنا اليومية؛ ليتسنّى لنا التنظير لها بشكل هادئ مع اصطحاب شواهد تاريخيّة لتلك الحرّيّة المراد التنظير لها أو التحدث عنها ونستفيد من أخطائها لتنال نصيباً من التطبيق في شؤون حياتنا، وبدون تحديد نوع الحرّيّة ليس لنا إلا الصمتْ.

في ظلّ الحراك الفكري والثقافي تلوحُ من قريبٍ كلمة يستسيغها العقل وهي ما أظنّ أنّها محور الحديث، وهي (حريّة التفكير) فإذا كان هذا المقصود فهذا من البداهة أن حرّية التفكير مكفولةٌ وحقٌ فطريٌ لجميع البشر، ومن يعارضها أو يحاربها أظنُّ أنه يحارب الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه يدعونا في كتابه الحكيم إلى التفكر والتدبّر والتعقّل، ولا يمكن لأيّ إنسان أن يفكر ويتدبّر ويتعقّل بدون تفكيرٍ حُرٍّ يسبح في هذا العالم الكبير والعظيم!!

فمن الأشياء الطبيعية أن الإنسان في جميع مراحل عُمْره يحصل له تطوّرٌ في تفكيره، وذلك لأن الإنسان في تلك المراحل يتعرّض للتغيير في جسمه وعقله وتوجهاته، وتلوح له في الأفقِ مجموعة من الآمال والطموحات، فكلّما كانت مصادر معرفته نظيفةً سعى إلى طلب الحرّيات التي تواكب متطلبات حياته، وبعكس ذلك لو عاشَ في بيئة غير نظيفةٍ فإنه يتصرّف بلغةِ شريعة الغاب.

لذا من خلال جولةٍ في إعلامنا المتنوّع نرى مجموعةً من المطالبات بممارسة الحرّية، وكل بلدٍ/شعبٍ من البلدان يطالبُ الحرّيّة التي يرى فيها كماله وإنسانيّته، فالبلد المهضوم سياسياً تنشأ فيه المطالبات بحريّة الممارسة السياسية، والبلد الذي يعاني من تهميشٍ في ممارساته الدينية يغلب على مطالبه فتح مجال الحرية في ممارساته الدينية، ...الخ، وفي خضمّ هذه الجولة يقفُ الكثير من بني البشر بمعارضةِ بعض المطالب التي يُطلقُ عليها (حرّيّة)، ومنها: الحرية في الممارسة الجنسية وإنشاء نوادٍ للشواذ، وذلك لمخالفتها للذوق البشري العام. نشير في هذه السطور إلى مسألةٍ قد تكون مهمّة وهي: رغم حاجة الإنسان إلى الحريّة بجميع أنواعها تبقى تلك الحرّية مرهونةً بضوابط عامّة لا يختلف عليها اثنان، مثل: لو مارسَ إنسانٌ ما حرّيته الدينية، هل يُعطى مجالاً في أكل لحوم الموتى إذا كان هذا تراثاً عقدياً نشأ عليه الصغير وهَرِمَ عليه الكبير؟! بلا شك سيقف الكثير من أبناء البشر المخالفين لهذه العقيدة ضد هذه الممارسة؛ لمخالفتها العقل والفطرة، وأمثلة أُخرى وكثيرة في هذا الصدد أُعرضُ عن ذكرها، لذا الحرّية بحاجة إلى ضوابط تقيّدها من الانفلات في مساحةٍ مجهولة، فرغم إيماننا بالحرّية بجميع جوانبها يبقى للفطرة جانبٌ ينبغي احترامه، وللعادات والتقاليد مجال من الاحترام في كل ثقافة من ثقافات الشعوب، وليس لنا إلا احترام جميع الحُرّيات التي تواكب الحياة الحضارية للإنسان، وما عداها ينبغي كَبْحُ جِماحِهِ بالطرق السلميّ والمشروعة لئلا يغرق القاربُ بمن فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...