الأحد، 21 يوليو 2013

الحسن بن علي .. رمز الإصلاح والإنسانية



بقلم: عبدالله بن علي الرستم
تمر الأُمّة الإسلامية في كل زمان ببعض الإرهاصات المختلفة على جميع أصعدتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وتنبثق من تلك الإرهاصات عدةٌ من الآراء المتباينة، منها ما يعتمد على المصالح الشخصية، أو المصالح المذهبية، أو المصالح الإقليمية ونحو ذلك، وهذه طبيعة البشر الذين يعيشون في ظل هذا الكون مترامي الأطراف، ويغفلون في تلك الآراء عن المصالح المشتركة التي تجمع كل بني البشر تحت مظلّة الإنسانية التي هي أساس الحياة من أجل عبادة الله عز وجل.

ولو رجعنا إلى التاريخ بجميع توجهاته للبحث عن أولئك الذين وظّفوا الجانب الإنساني في حياتهم، لما وجدنا إلا شيئاً قليلاً يحكي عن دورهم في الحفاظ على استقرار الحياة البشرية والعيش في خيمةٍ واحدة شأنها الإنسان وفقط، ومن أولئك الذين عاشوا همّ الإنسانية ووظّفوه في حياتهم، وكافحوا من أجل تحقيقه الإمام الزكيّ/ الحسن بن علي بن أبي طالبٍ عليه السلام، والذي رغم كثرة أدواره في الفترة التي عاشها، إلا أنّ أبرز عنوانٍ شعّ من غُرّةِ حياته هو (الصُلح)، الصلح الذي أمر به الله عز وجل حيث قال (والصلحُ خير)، وطبّقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين قام بدوره في فض الاشتباكات بين الأوس والخزرج، وأزاح أمير المؤمنين عليه السلام لثام عشّاق الدماء في الجمل وصفّين والنهروان، ليكون الإمام الحسن خير خلفٍ لخير سلف، حيث قام بدوره العظيم والإلهي حينما تجرّع مرارة الغدر من قبل بعض مدّعي محبّته وذلك أثناء سعيه لاستقرار الأوضاع العسكرية، ليكون أنجع خيارٍ له في أتون تلك الفترة الحرجة هو (الصُلح).

نعم .. الصلحُ الذي أوقف نزيف الدماء، وذلك لتطبيق منهاج السماء في احترام حرمة الدماء، مؤثراً المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، رغم جلاء الوضع أمام كثير من أنصاره وأعدائه، قام بدوره ليفرز المجتمع بين من هو عاشقٌ للإنسانية بجميع تجلّياتها المشرقة وبين عاشقٍ لتفجير أنهار الدماء بين المسلمين لأجل المصلحة الخاصّة.

هذه السيرة العطرة التي ما فتئت تكافح من أجل الإنسانية، وتسير بسيرة القرآن الكريم ونبيّه العظيم، وخليفة رسول رب العالمين، لقيت ما لقيت من هضم وظلمٍ ونكرانٍ وهجرانٍ، لكن (يأبى الله إلا أن يتم نورَه).

هذه السيرة العطرة ما زال إشراق محيّاها يشعُّ إلى هذه اللحظة، ولكن يصعبُ على من يضع على عينيه غِشاوةً أن يرى الحقيقة كما هي، وإن رآها فإن المصلحة الشخصية والحزبيّة تتجلّى بوضوحٍ وتتقدم على المصلحة العامة، وهذا ما نراه في المشهد السياسي في الفترة الراهنة، حيث شلالات الدماء لم تهزَّ ضمير السياسيين بجميع اتجاهاتهم، ولم تحرّك فيهم مشاعر الأخوة والإنسانية، كل هذا بسبب غياب الوعي وابتعادهم عن سيرة عظماء الأُمّة أمثال مولانا الإمام/ الحسن بن علي عليهما السلام، وفي الوقت ذاته نرى في الطرف الآخر أن أتباع الحسن بن علي ما زالوا ينأون بأنفسهم في اختيار الحل الدموي على أنه الحل الأمثل، وقد اختاروا الحل السلمي والإنساني على كل الحلول التي من شأنها تشتت شمل المجتمع الواحد، الحل السلمي الذي تتجلّى فيه الإنسانية بجميع أبجديّاتها رغم خسارة بعض الأرواح المكافحة من أجل هذا الخيار الإلهي.

الخيارات السلمية في معظم محطّات الحياة بحاجة إلى قلوبٍ تستشعر الأطروحة القرآنية (والصلح خير) ليس على الصعيد السياسي فحسب!! بل في جميع شؤون الحياة الأسرية والاجتماعية وغيرها من الجوانب التي تكون حياتنا بها ذات مساس، والخيارات السلمية لا تأتي بدون وعيٍ واستيعاب للأطروحة القرآنية التي تواكب الحياة الحضارية في جميع العصور، نعم .. قد يكلّفنا هذا الخيار الكثير من الفرص؛ ولكنه يشكّلُ خطاً لاستمرار السيرة الحضارية للإنسان على وجه الأرض، فبدون رؤيةٍ مستقاة من الدستور الإلهي لا يمكن لأي إنسان أن يسير على دستور وضعيٍ، حيث الدساتير الوضعية كلّها تكفلُ لواضعها حماية نفسه من كل ما يعكّر صفوها، ولذا حقّ على البشرية أن تختار رموزاً حملوا شعلةَ حماية الإنسان السلمي الذي يريد إعمار الأرض من الإنسان الدموي الذي صبغ حياته بألوانٍ عشوائية لا تسعى إلا للدمار.
فسلام عليك أيها الإمام الزكي ورحمة الله وبركاته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...