الاثنين، 11 يونيو 2018

الثقافة .. مشروع فكري وليس طقطقة



الثقافة .. مشروع فكري وليس طقطقة

بقلم: عبدالله بن علي الرستم

جميلٌ أن نرى شريحة كبيرة من المتعلمين انكبابهم على اقتناء الكتب، وتفعيل القراءة في حياتهم اليومية، واستنهاض ملكة النقد والتقييم فيما يقرؤون، وفوائد أخرى يجنيها القارئ من فعل القراءة؛ وهذه الحصيلة من القراءة وتفعيل ملكة النقد والتقييم أمرٌ جميلٌ، حيث يساهم ذلك في صقل كثير من المواهب والطاقات الكامنة لدى هذا الإنسان الذي عُرف بين أقرانه بأنه مثقّف.

وفي ظل هذه المسألة من الانشغال بالثقافة لدى الإنسان، حريٌ به أن يعلم بأن الثقافة مشروعٌ فكريٌ وليس اقتناص بعض المسائل من بعض الكتب التي تجعله نقل أفكار غيره مؤيداً أو معارضاً دون أن تكون له بصمةٌ فيها، ذلك أن أخذ أقوال الآخرين ونقلها لا يعد ثقافة بالمعنى الحقيقي؛ بل هي مجرد نقل معلومات وجهود الآخرين فحسب، أما الثقافة الحقيقية فهي تستوجب السعي الحثيث في قراءة الواقع من عدة زوايا، وقراءة الحدث أو الموضوع محل العناية بجميع أبعاده، وليس بالضرورة أن تكون له بصمةٌ في ذلك التحليل أو الموضوع محل المناقشة، بيد أنه يستوجب عليه أن يعي أبعاد الموضوع ومتعلّقاته، بحيث إن كان مؤيداً أو معارضاً فليكن مستوعباً قبل نقل آراء غيره.

إضافة على ذلك، حريٌ بالإنسان أن يعيش الفكرة قلباً وقالباً، وأن تكون للفكرة واقعاً مُعاشاً وليس سباحة في عالم الخيال والانشغال بغير الأهم. حيث إن الانشغال بالثقافة لا يعني قراءة مجموعة من الكتب التي تدعم فكرة الشخص دون قراءة ما يعارضها أو ما يعالجها من جميع أبعادها؛ بل عليه أن تكون القراءة والبحث همّاً في حياته، وجعلها مشروعاً بحثياً من ناحية نظرية أو كتابيّة، كذلك عليه أن لا يستخدم لغة الجزم فيما اقتنع به أو توصّل إليه جرّاء قراءته لبعض الكتب في ذات الفكرة؛ بل عليه أن يكون متأنّياً في الطرح والمناقشة وهادئاً حال وجود آراء معارضة لما يذهب إليه.

ومما يؤلم أن شريحة من الناس تنشغل بِهَمِّ القراءة ردحاً من الزمن، ويناقش أفكاره وما توصل إليه مع شريحة لا تعيش هَمَّ الفكرة ولا هَمَّ القراءة، وهذا مما يجعل الإنسان يعيش حالةً من الزهو في عدم وجود من يصدّه أو يخالفه في الفكرة أو حتى يناقشه لسلكه الطريق الخطأ في مناقشة الأفكار. كذلك هناك شريحة تتوقف عند قراءة عشرات من الكتب ويرسم حياته وأفكاره بناءً على هذه القراءة المجتزأة، بحيث يتوقف عن فعل القراءة بناءً على تحصيله السابق في قراءاته لمجموعة من عشرات الكتب، وهذا من الخطأ الفادح الذي يعيشه شريحة من المثقفين، بينما المطلوب أن يكون الإنسان مواصلاً لما بدأه؛ لأن فعل القراءة والبحث سيلغيان بعض النتائج، وستصدمه الحياة بما اقتنع به قبل سنوات حال استمراره في القراءة والبحث والتمحيص؛ لأن العقل الناقد – إذا واصل القراءة - لا زال متوهجاً ومعاصراً لما يُطرح، بل ومعايشاً للواقع أكثر من الخيال الذي ربما يسبح فيه دون أدوات صالحة للاستعمال.

وأخيراً: إذا لم تكن القراءة مشروعاً ثقافياً للحياة، فستكون النتائج أقل من المرجوّ، بل ربما تكون نوعاً من الترف الثقافي الذي أشبه ما يكون بالطقطقة لإبراز الشخص نفسه، ويضع نفسه في قائمة المثقفين الذين لم يصنعوا شيئاً للحياة وضيّعوا وقتهم في قراءات لم تنضج بفعل التوقف.

هناك 6 تعليقات:

  1. فكرة المقال جميلة كنقد للمثقف القارئ .. لكني أرى أن الناقل لمجرد النقل ايضا هو مثقف والا لما استطاع اختيار المقطع الذي سينقله أو يستفيد منه ...

    ردحذف
    الردود
    1. أحسنت .. وإضافة جيدة، وأتفق معك. شكراً لمرورك البهي.

      حذف
  2. اختلف مع الكاتب جزئياً.. ان صاحب العقل الثاقب والفكر النيّر لا يحتاج لقراءة عشرات الكتب المرتبطة بموضوع معين ولكن يكفي قراءة افضل الكتب ( مبيعاً ) لكاتب متميز والاهم قراءة كتاب لكاتب يناقض ولا يتفق مع الكاتب الاول وهنا يأتي دور القارئ المثقف ب تبني الافكار اللي توافق منطقه الفكري من كلا الكاتبين. والايمان بشيئ معين ليس بالضرورة ان تتغير القناعات به مع مرور الزمن.
    تقبل تحياتي / انورالعبدالله Bu Mohammed

    ردحذف
    الردود
    1. لأخ/ أنور العبدالله
      شكراً لمرورك واهتمامك، وأقول: مسألة التوسع في القراءات حتى بوجود الكاتب والكتاب الممتاز أمر مطلوب، بل لابد من أصحاب البحث أن يطلعوا على معظم ما صدر حول ذات الموضوع محل البحث؛ وذلك باعتبار أن حديثنا حول أن الثقافة مشروع وليس العلم بالشيء.
      نعم .. لو كان الغرض من القراءة العلم بالشيء فليكتفي بكتاب يناقض الكتاب الأول؛ لكن الغرض حينما تتحول الثقافة إلى مشروع أرى أنه لابد من الاطلاع على كمٍ من الدراسات في ذات الموضوع.

      أشكرك مجدداً على مرورك.

      حذف
    2. تتمة
      أما حول تغيير القناعات، فهذا أمرٌ طبيعي فيمن يمارس القراءة كمشروع بحثي أو نحو ذلك، وثق تماماً يا عزيزي أن مواصلة القراءة والبحث ستُنتج قناعات مختلفة في كيفية التعاطي أو من حيث النتائج أو بشيء يختلف مع ما كانت القناعة قبل سنوات مضت.

      حذف

وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م

  وجهة نظر حول المعرض الدولي للكتاب بالرياض 2022م   بقلم: عبدالله الرستم   يُعد موسم معرض الكتاب بالرياض من المواسم المهمة، حيث يجتمع تح...