مع
السيّد عدنان العوامي في كتابه (رحلة يراع)
نبدأ
مع السيّد بما سطّرته يراعته عن أبي البحر الشيخ جعفر الخطّي (ت 1028هـ) الذي له
تاريخ طويل معه، فهو هنا لا يسطّر تاريخاً أو سيرة فحسب!! بل يُبحر في حياة شاعر
الخليج في عصره والذي عمل على تحقيق ديوانه في مجلدين بعد رحلة امتدت لسنوات من
البحث والتحقيق ليكون تحقيقه يُشار له بالبنان مقارنة بغيره ممن عمل على تحقيق
ديوان أبي البحر، وما هذا إلا جهد العالِم الذي يُخلص لتاريخ أمّته وسِيَر
عظمائها، فيقف موقف المتأمّل في كل حدثٍ مرّ بحياة الخطّي مؤيداً تارة ومفنداً
تارة أخرى، فقد صاحبت الخطي ظروف الهجرة إلى البحرين إبّان الغزو البرتغالي، ثم
ينتقل بعدها إلى شيراز وغير ذلك من محطات حياته، ويُعد شِعْرَ الشيخ الخطي وثيقة
مهمّة للأحداث التي مرّت في ذلك الحين. ولا يسعنا الإبحار أكثر مما ذكرنا، لِتَمرَّ
بنا يراعة العوامي على توثيق شخصيات أخرى، كالراحل حمد الجاسر (ت 1420هـ) الذي
يعتبره بأنه من أشد المحاربين بالقلم، وأقواهم بأساً وجَلَداً ذلك أن الجاسر زار
القطيف عام 1363هـ أثناء عمله مشرفاً على مدارس أرامكو، ومنها تكررت زياراته وكثرت
علاقاته بشخصيات علمية من القطيف، والجاسر شخصية أشهر من أن تُعرّف، ولم ينسَ
شخصية الشاعر أحمد بن سلمان الصايغ القطيفي (ت 1420هـ) الملقّب بالكوفي، والذي عاش
معه الربع الأخير من عمره، ذلك أن الكوفي عاش خمسة وتسعين عاماً، وقد عايش
العوّاميَ الكوفي معايشة الصديق المقرّب، وله وقفات مع شخصيات أخرى كالراحل
عبدالكريم الجهيمان، والأستاذ/ عبدالله الشباط وغيرهم، وما هذا التوثيق من العوّامي
إلا وفاء للقامات التي لها بصماتٌ في تاريخ المنطقة التاريخي والأدبي والاجتماعي.
كانت
بداية الفصل الثاني (الأدب واللغة) مع ابن المقرّب العيوني (ت 630هـ) الشاعر
المشهور الذي كُتبت عنه دراسات عدة، حيث يعيش المؤلّف مع ابن المقرّب وما كُتب عنه
من دراسات تعامل الخبير، لما له –
العوامي – حظٌ كبيرٌ
من المعرفة الأدبية، فهو لا ينعطف مع رأي دون أن يخوض في غماره، ولا ينفي شيئاً
إلا بشواهد شعرية وتاريخية لها الحضور العلمي وليس الميول النفسية، كالتحدث عمّا
نُسب للشاعر من قصائد، وما دار النقاش حول مذهبه الديني، فقد خاض هذا المجال
بإيجازٍ غير مخل في حين، وبإطنابٍ غير مملٍ حينما يتطلب الأمر الإطالة، كلُّ ذلك
بلغة مليئة بالرقي في قضايا اختلف واتفق فيها مع آخرين.
وللعوامي
وقفةٌ مع الفصحى والدارجة في القطيف بين العوام والمثقفين، والتي يرى أن لهجة أهل
القطيف لا زالت محافظة على فصاحتها وإن تغيّرت طريقة نطق بعضها، بل إنه يرى أن
عامل القوّة ما زال جلياً في محافظة اللهجة الدارجة بالقطيف على أصالتها. أما ما
كتبه عن السرقة الأدبية في النقد القديم والحديث فهو حديث المطلع الخبير، فهو رغم
قيامه بتعريف السرقة وتطوّر المصطلح إلى مصطلحات شبيهة بها كالتناص ونحوه، فقد وقف
من آراء ابن وكيع التنيسي موقف الناقد البصير، وأن ما دوّنه ابن وكيع من سرقات
المتنبي ماهي إلا قنصٌ غير موفّق، وما بين صيد ابن وكيع وقول المتنبي بونٌ شاسعٌ
في الغرض والمفردة والصياغة، ويرى –
العوّامي – أن الشعر
كغيره من الفنون الإنسانية نتاج مؤثرات ثقافية متراكمة تكوّنت لدى الشاعر بفعل
احتكاكه بعوامل التأثير في بيئته ومحيطه، وأنه لا بد لتلك الثقافة أن تستدعي عفو
الخاطر لحظة مخاض القصيدة شاء الشاعر أم لم يشأ.
أما الفصل الثالث فقد جاء في عناوين تتحدث عن الحس الوحدوي في شرق الجزيرة العربية وتحوّلات الولاء من القبيلة إلى المنطقة كقبيلة عبدالقيس، مروراً بمشهد الوئام الطائفي في القطيف من خلال الوثائق المحلية؛ لتكون خاتمة المطاف عن الشاعر/ خالد بن محمد الفرج كنموذج للاندماج الوطني، وهذا الفصل لاشك أنه من الفصول المهمّة التي يغفل عنها كثيرٌ من الكتّاب. ولذا لا يسعني في الختام إلا الشعور بالتقصير تجاه ما كتبته عن قامةٍ تاريخية أدبية علمية كالسيد/ عدنان العوّامي، وغرضي فيما دوّنته هو التعريف بجزء من إنتاجه الذي وثّقه في هذا الكتاب.
صحيفة الجزيرة
يوم الاثنين 26 ربيع الأول 1443هـ (1 نوفمبر 2021م)
عدد رقم:17843
https://www.al-jazirah.com/2021/20211101/wo1.htm